أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم شناتي - حنفية ام شاكر














المزيد.....

حنفية ام شاكر


كاظم شناتي

الحوار المتمدن-العدد: 2408 - 2008 / 9 / 18 - 03:52
المحور: الادب والفن
    


ِ
(مهداة إلى السيد مدير دائرة الماء في ذي قار )

سقيا لأيام الصبا .. ورعيا لأيام الطفولة تلك الأيام الجميلة - رغم الفقر وبؤس الحال - حيث كانت شوارعنا المتربة .. تبدو في
أعيننا حدائق غناء.. وبيوتنا المتهالكة قصورا فخمة نمارس اللعب في احواشها .. ونستمتع بالقفز عبر حيطانها الواطئة.
هناك أشياء لا تمحى من الذاكرة .. وشذرات من ذلك الزمن تومض في الذهن وتخطر في البال بين فترة وأخرى .. رغم تقدمنا في العمر وتغير الحال والمنوال .
من الذكريات التي تحمل مغزى له دلالاته في أيامنا هذه . . حكاية العمة أم شاكر .. التي كانت امرأة وحيدة تعيش مع أطفالها الستة .. تكد وتعمل بنشاط من اجل إطعامهم وتعليمهم بمفردها ؛ وفعلا نجحت في مسعاها بشكل منقطع النظير ؛ فانهوا
دراستهم جميعا وتبوئوا مراكز جيدة في المجتمع فمنهم من أصبح طبيبا ومنهم من صار صيدلانيا او مدرسا الخ ..
ولكن المهم في حكاية ام شاكر ان بيتها كان مزارا للعوائل الساكنة في شارعنا العتيد (شارع 19 ) ، بسبب انها تمتلك حنفية الماء الوحيدة في ذلك الشارع .. واقصد بالحنفية صنبور الماء الذي يسمى في مناطق أخرى من العراق (الطلمبة)
او( اللولة ) وأحيانا (البوري) .
ولا ادري ما هو السبب في ان بيت العمة ام شاكر هو البيت الوحيد المجهز بالماء ربما لأنها كانت أكثر حرصا من الآخرين على توفير حاجات بيتها بنفسها نتيجة لوضعها الخاص او ربما هي أكثر أريحية من الرجال في ذلك الشارع حينما كان تأسيس أنبوب الماء يعتبر ترفا ووجاهة رغم ضرورته الملحة .
كانت تلك الحنفية تغذي كافة البيوت في شارعنا بكفاءة عالية وبغزارة من المياه كالغيث اذا هطل .. وكانت النسوة منذ الصباح الباكر يتجمعن في طابور طويل وهن يحملن ما تيسر من الأواني والقدور لملأها بالماء من تلك الحنفية التي تقف وحيدة وسط الدار دون ان ترتبط بأي تاسيسات مائية او ملحقات بينما يعلو حولها لغط النساء وأحاديثهن اللطيفة متلفعات بعباءاتهن السوداء وبمصاحبة الكثير من الأطفال الذين يصرون على الحضور وممارسة ألعابهم التي كثيرا ما كانت تؤدي الى قلب الأواني واحتدام الجدال بين الأمهات .. لكن تلك السيدة المهيبة كانت ترسم على وجهها ابتسامتها المعهودة دون ان تمل او تضجر .. العجيب في الأمر ان تلك الحنفية تتفجر بالماء بغزارة مصدرة صوتا كالهدير وهي تصب مائها الصافي والذي تفوح منة رائحة (الكلور ) المستخدم في التعقيم .. ولا اذكر انها توقفت عن الجريان او ضعف مائها في يوم من الايام رغم ضعف الإمكانيات وعدم وجود التكنولوجيا المتقدمة في تلك الايام الخوالي . ولا يغيب عن البال منظر النافورة عالية الارتفاع التي تنبثق وسط الشارع عند حدوث أي كسر في أنابيب الماء مما يؤدي الى تكون بحيرة - اذا لم تسرع الجهة المعنية الى إصلاح الكسر- .
أتذكر هذا .. وانأ اجلس الآن أمام ماطور (مضخة ) سحب المياه الذي يفح بصوته المكتوم حتى يسخن .. دون ان يحصل لنا على قطرة من الماء فأحاول مساعدته ( بمص الأنبوب ) حتى ينشف ريقي ويتورم بلعومي دون جدوى . وهنا نتساءل بألم واستغراب ...
كل هذا التطور والتقدم العلمي والتكنولوجي .. وكل هذه البالغ الضخمة التي تصرف .. وكل هذه الإمكانيات المتاحة وعشرات الحنفيات في كل بيت .. لم تستطع ان تؤدي عمل حنفية ام شاكر العجيبة .. التي كانت قادرة لوحدها ان تغذي منطقتنا بالماء – في زمن التخلف وضعف الإمكانيات - .
من يعيد لنا حنفية ام شاكر ويأخذ كل التاسيسات المائية ( والدوشات ) الجافة من بيوتنا ....
من أين لي الآن ( بسطل ) من ماء حنفية ام شاكر لابترد به في هذا الصيف الحار.
كاظم شناتي




#كاظم_شناتي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- عودة الثنائيات إلى السينما المصرية بحجم إنتاج ضخم وتنافس إقل ...
- الدورة الثانية من -مدن القصائد- تحتفي بسمرقند عاصمة للثقافة ...
- رئيس الشركة القابضة للسينما يعلن عن شراكة مع القطاع الخاص لت ...
- أدب إيطالي يكشف فظائع غزة: من شرف القتال إلى صمت الإبادة
- -بعد أزمة قُبلة المعجبة-.. راغب علامة يكشف مضمون اتصاله مع ن ...
- حماس تنفي نيتها إلقاء السلاح وتصف زيارة المبعوث الأميركي بأن ...
- صدر حديثا ؛ إشراقات في اللغة والتراث والأدب ، للباحث والأديب ...
- العثور على جثمان عم الفنانة أنغام داخل شقته بعد أيام من وفات ...
- بعد سقوطه على المسرح.. خالد المظفر يطمئن جمهوره: -لن تنكسر ع ...
- حماس: تصريحات ويتكوف مضللة وزيارته إلى غزة مسرحية لتلميع صور ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم شناتي - حنفية ام شاكر