أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - مجدي الجزولي - 11 سبتمبر: الإسلام السياسي في لجة الحداثة















المزيد.....

11 سبتمبر: الإسلام السياسي في لجة الحداثة


مجدي الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 2406 - 2008 / 9 / 16 - 06:09
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


إن كان من معالم فارقة دشنت القرن الحادي والعشرين فإحداها بالضرورة تفجيرات سبتمبر 2001 التي أطاحت ببرجي مركز التجارة العالمي بنيويورك وحددت مسارا جديدا للصراع ضد الإمبراطورية الأميركية، ليس ذلك فقط بل ضد النظام الرأسمالي وتجلياته الكونية، تاريخ يجافي الأمل الاشتراكي في التقدم وفق سنن الحداثة ويحيلها إلى كوم ركام من موت وشهادة. وذلك عشر سنوات بعد تهاوي دولة السوفييت في العام 1991، المعلم الأول في القرن الجديد. بهذا المعنى تكاد القاعدة تكون الأقرب إلى روح الضنك الذي غلب على مؤرخي وفلاسفة الحداثة الأوروبية منذ عشرينات القرن الماضي تحت عنوان "نهاية الحضارة"، الروح الذي تجدد بجنون الفاشية عبر الحرب العالمية الثانية، ثم بسيطرة الرعب النووي على أفئدة الخلق خلال الحرب الباردة، ومؤخرا بصعود إرهاب الإسلام السياسي إلى مقدمة أجندة الأمن والسلم الدوليين في عبارة الأمم المتحدة.
الحادي عشر من سبتمبر ليس حدثا منبتا مفردا في هذا السياق بل جاء ضمن سلسلة من العمليات التي استهدفت مصالح أو مواقع للنفوذ الغربي "الإمبريالي"، وفي أراضيه، لكن طابعه المشهدي بل السينمائي هو ما جعله رمزا لذهول الكون من قدرة التدمير الفتاكة لدى "برابرة غاضبين" يحبون الموت ويسعون إليه السعي الحثيث. شهدت التسعينات انتشارا خصبا وأمميا للإرهاب إسلامي الطابع: تفجير المركز الاجتماعي اليهودي في بوينوس آيرس (الأرجنتين) عام 1992 و1994، قتل الأكراد في برلين (ألمانيا) عام 1992، الهجوم على مركز التجارة العالمي عام 1993، قنابل المترو في باريس (فرنسا) عام 1995، والتفجير المزدوج لسفارتي الولايات المتحدة الأميركية في نيروبي (كينيا) ودار السلام (تنزانيا) عام 1998، ثم 11 سبتمبر 2001، والتي تلتها أحداث إرهابية أخرى أبرزها تفجيرات مدريد (اسبانيا) عام 2004، ولندن (المملكة المتحدة) في العام 2005. بحسب تقديرات المركز القومي الأميركي لمكافحة الإرهاب بلغ عدد ضحايا الإرهاب "الإسلامي" من المدنيين 22700 شخص، هذا بنهاية العام الماضي: 60% من هؤلاء في أراضي العراق، لكن الوتيرة تتناقص ففي أغسطس 2006 كان عدد قتلى الإرهاب من المدنيين في العراق 2733 شخص، ثم 1598 في أغسطس 2007 و226 في أغسطس الماضي. على وجاهتها الإحصائية لا تتيح هذه الأرقام تفكيكا لمنطلقات الإرهاب "الإسلامي"، ولا تفيد كثيرا كدليل على تناقص الظاهرة إلا ربما نتيجة الحصار العسكري، والذي لا بد تتفلت منه عاجلا أم آجلا، لكنها تشير بوضوح شديد إلى الارتباط الوثيق بين الإرهاب والمظلمة الإمبريالية، وبالتالي تعسر التسفيه الفوضوي لظاهرة سياسية بالدرجة الأولى لم تنشأ إلا كنفي ديالكتيكي عنيف للموجة الثالثة من العولمة، التمدد النوعي الجديد للرأسمالية ما بعد إمبريالية لينين، والذي اختار له المؤلفان هاردت ونيجري صيغة "الامبراطورية" تمييزا له عن سابقه.
بالطبع هنالك العديد ممن يظنون 11 سبتمبر حدثا مفبركا لا صلة له بالقاعدة، بل يظنون القاعدة نفسها اختراع أميركي، لكن لا يفيد ذلك كثيرا وقد استقرت مسؤوليته، بالظن أو بالدليل الجنائي، عند المقاتلين الإسلاميين. كذلك يحيل الخلاف اللفظي حول تسمية الظاهرة، إرهاب أم نضال مشروع، إلى متن أخلاقي سعته تناقض الخير والشر ولا مكان فيه لاقتصاد العنف السياسي وجذور عقيدته الاستشهادية في الاجتماع البشري، وفي مستوى أبعد إلى تساؤل بيولوجي حول غريزة العنف وجدواها بمقياس النشوء والارتقاء. كما تفتت المقاربة العنصرية لصامويل هنتنغنتون في "صراع الحضارات" أي تماسك تاريخي للظاهرة وتتدهور بها كما في التصور الاستعماري الموروث إلى العداء الأبدي بين المتحضر الأوروبي والبربري من وراء الحدود، أي محض العنصرية، ما قد ييسر التعبئة السياسية ويحشد للقمع العنيف مقبولية "أخلاقية"، ويبرر بالتالي نظم الحماية والمراقبة البوليسية التي ما فتئت الولايات المتحدة وأوروبا الغربية تجوِّد منها درءا للتهديد الإرهابي حتى كادت تماثل وصف الشمولية الكلية في رواية "1984" لكاتبها جورج أورويل.
عسرت هذه التأويلات الجنائية على اليسار الجذري مهمة البحث التاريخي في ظاهرة الإرهاب "الإسلامي" بمعزل عن الفخ الأميركي: "من ليس معنا فهو ضدنا"، خاصة وفي ذاكرته الفكرية التردد المطول أمام التيارات الفاشية في أوروبا الغربية في الفترة ما بين الحربين العالميتين حتى أدركت السلطة السياسية وأطاحت بغلبة اليسار في المجال العام، فإما رضي بتبخيسها كمحض فوضى بربرية، أو اتكأ على فرضية الثقافات المهمشة في فكر ما بعد الحداثة الخالي من عصب الاقتصاد السياسي، فوجد نفسه أقرب إلى التعاطف المجاني مع عنف بات يستشف فيه دفاعا عن خواص ثقافية مهددة بالانقراض؛ وهو في وجه من الوجوه معكوس التصور الاستعماري للحضارة والبربرية، سوى أن الطيب هذه المرة هو البربري! أو استقر في الأعراف الليبرالية التي تنزع عن الإرهاب "الإسلامي" شوكة الاحتجاج السياسي على الإمبريالية وتعتبره ضلالا تأويليا عن الإسلام الصحيح علته نقص الديموقراطية في بلدان المنشأ أو فشل الإدغام الاجتماعي للمسلمين في بلدان المهجر، و في نظر "متقدم" نقص "الحداثة التي تأتي ولا تأتي" في عبارة الدكتور عبد الله علي إبراهيم.
إن قراءة تخريبية للإرهاب "الإسلامي" تعيده ربما إلى تاريخ المقاومة والانتكاس بإزاء الرأسمالية الكونية، وإن طاش سهمه عن إصابتها، حتى غدى فوضويا يخدمها أكثر مما يضرها رغم بأسه. للتيسير يمكن تخطيط ثلاث موجات متتالية لعولمة النمط الرأسمالي: الأولى اكتشافات القرن الخامس عشر، والتي دشنت التجارة الفعالة عبر القارات وأسست للاستيلاء العبودي على موارد العالم خارج الحدود الأوروبية، "إرهاب" هذه الفترة تمثل في المقاومة المحلية للتمدد الاستيطاني الأوروبي دون نظرية ثورية مرشدة. والثانية صناعة القرن التاسع عشر وعولمة السكة حديد والتلغراف والسفن البخارية؛ بها تمكن المركز الأوروبي من استعمار البسيطة جميعها وتثوير الإنتاج والتسويق بما يخدم المصالح الرأسمالية، هذه واجهتها "الشعوب المضطهدة" بعقيدة اليسار في فضل الانتقال الاشتراكي بديلا للرأسمالية فأخرجت مدارس شتى في فقه التحرير الوطني تنظر جلها إلى الأخ الاكبر في موسكو، وانفصل عنها تيار فوضوي عدته القتل السياسي. لكن، شذ عنها الإسلام السياسي كونه يرى في جغرافية الإسلام كدين قاعدة لأممية تنافس كلا من الرأسمالية والاشتراكية، ويحمل شوقا لنهضة قومية/دينية تعيد الحضارة العربية الإسلامية إلى دورة التاريخ وفق سنن الأولين، وهو تصور يتقاسمه دعاة الإسلام السياسي كافة، من استأسد بالإرهاب أو من كمن بالدعوة. الإثنان يتفقان على ضرورة صياغة فرد مسلم جديد متحرر من التبعية للمركز الغربي، ومتكبر على بدع الحداثة بفضل ما لديه من مخزون تراثي؛ وهنا بالضبط فضيحة الالتباس الفاشي لدعوى الإسلام السياسي ومكمن جاذبيته في آن، فسرعان ما ينتكس إلى العنف الموجه ضد الذات طلبا للفرد الجديد، لذا لايستغرب أن معظم ضحايا الإرهاب "الإسلامي" من المسلمين أنفسهم، ما لم ترد الإشارة إليه في الفقرة الثانية من هذه الكلمة، ودون القارئ أمثلة عدة أبرزها ربما سيرة عنف التجديد الإسلامي في الجزائر، وفي بلادنا كذلك. أما الجاذبية فتصور التاريخ الذي يقدمه الإسلام السياسي، إذ يهتبل منجزات الحداثة التقنية والتنظيمية منكرا هيمنتها عليه اجتماعيا وفكريا. بل يمكن القول أن الإسلام السياسي تتلمذ على يد اليسار الجذري من ناحية الأداء الإعلامي والتنظيمي وأنتج كادرا من "الحركيين" المحترفين هدفهم المقدم سلطة الدولة وهي تفاحة الحداثة ومفتاح هندستها الاجتماعية.
الموجة الثالثة هي ما نعاصر من تمدد "الليبرالية الجديدة"، وبينها وبروز تيارات الأصولية، دينية كانت أم سلطوية، حبل من مسد. العولمة في موجتها الحاضرة، وكسابقاتها، عملية غير متزنة فيما يخص أثرها على الدول القومية المختلفة، بل وعلى الأقاليم والطبقات الاجتماعية المختلفة في الدولة الواحدة، تنتج على الدوام دائرة من الفائزين وكتلة أكبر من الخاسرين، لكنها، وبخلاف الأخريات، تفرض حالة مستمرة من السيولة إذ تقلص الزمان والمكان بوسائط الاتصال الحديثة، وتفرخ وحدات معزولة، كل سجين هوية خاصة، في محتوى تجانس النمط الاستهلاكي والثقافي الغالب، ومن ثم تعمق احساس كل وحدة بانفراط الجذور وببأس الشتات، وعليه، تخلق بيئة مواتية لتصاعد "أشواق" الصفاء الديني والتقاليد الموروثة في مقابل "التهديد" الذي تجابه به الأفراد والجماعات. بهذا المعنى يمثل الإسلام السياسي تجليا لعقيدة الهوية الأصولية يجمع في حوض دعوته المناوئة للهيمنة الامبريالية جيشا من الخاسرين جنوده ضحايا الاستغلال الرأسمالي في مدن الصفيح وفضاء الريف وقادته مثقفو الطبقة الوسطى ورجال الأعمال المبعدون من حقل النفوذ الاجتماعي والاقتصادي، ذات المعادلة الطبقية التي أمنت للفاشية هيمنة لم تنكسر إلا بالحرب العالمية الثانية.
عليه، لا يفيد تبخيس الإرهاب "الإسلامي" كمحض ضلال فوضوي لا يعتد بمحتواه الاجتماعي بينما يكاد أميره أسامة بن لادن يمثل الآن تشي جيفارا الأممية الإسلامية. لكن، اللازم توضيح أن الانقلاب على الإمبريالية مستحيل من ظهر مركب نوح سلفي يعاكس سيره أمواج لجة الحداثة. والشاهد الحدود القصوى للإسلام السياسي بين التدهور إلى عصاب الإرهاب كما في حالة القاعدة، أو في ارتداد لولبي الفوز بوكالة الإمبراطورية الأميركية كما تظهر سيرة الإسلاميين الأتراك، والذين انتقل حزبهم السياسي وعلى رأسه آنذاك نجم الدين أربكان، الرئيس السابق لغرفة التجارة التركية، من خانة الدفاع عن المصالح الاقتصادية لرجال الأعمال الريفيين والمستثمرين الصغار خلال السبعينات وتحت وطأة التكييف الهيكلي للاقتصاد، إلى الظفر بقيادة الرأسمالية التركية في القرن الجديد فارسا لسياسات الليبرالية الجديدة تحت قيادة الثلاثي رجب طيب أردوغان وبولند أرنك وعبد الله غول حتى أن الأخير دافع عن حزبه أمام جمهور أميركي بقوله: "نحن الواسب الأتراك" في إشارة للطبقة المهيمنة في أميركا: رجال آنجلو-ساكسون بروتستانت!



#مجدي_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفيتو الصيني: قرار من لا يملك لمن لا يستحق
- كَمْ وكَمْ كَلْمَه.. أفلا تعقلون!؟
- وما الوطنية: البشير وموغابي
- وَه... وليامسون!
- أها يا كيزان: الحركة الإسلامية..إلى أين؟
- الاقتصاد السياسي للتحول الرأسمالي في الصين: مقدمة
- بوش في افريقيا: الضيف أم رب المنزل؟!
- تسعون عاماً على نوفمبر 1917م: ألحقنا يا إليتش!!
- مباحث ماركسية: حول تنوير ماركس
- وما الحياة: صراع البقاء في دارفور وأخواتها -2
- وما الحياة: صراع البقاء في دارفور وأخواتها - 1
- حال النسابة: ما بين الحكومة السودانية والغرب
- تنمية بالبندقية
- مباحث ماركسية: تقديم
- الحركة الإسلامية: يَهْدُوكْ مِنْ المَبيتْ تَقَيِّل كُتُرْ-2
- الحركة الإسلامية: يَهْدُوكْ مِنْ المَبيتْ تَقَيِّل كُتُرْ - ...
- فالتر بنجامين: يسار الفلسفة، أثناء الفن
- الإضراب: حباب الشعب السوداني
- حول هابرماس: إنقاذ الحداثة
- الصين الشعبية وديكتاتورية الطبقة الخاملة


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - مجدي الجزولي - 11 سبتمبر: الإسلام السياسي في لجة الحداثة