أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير إسبر - علي بدر في روايته الجديدة -حارس التبغ-















المزيد.....

علي بدر في روايته الجديدة -حارس التبغ-


عبير إسبر

الحوار المتمدن-العدد: 2403 - 2008 / 9 / 13 - 05:25
المحور: الادب والفن
    


في حارس التبغ، رواية علي بدر الصادرة مؤخرا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 365 صفحة، ومنذ الكلمة الأولى يصر علي بدر، على تبنيه البنيوي لقصيدة الشاعر البرتغالي فيرناندو بيسوا، ويشرح باستفاضة كيف أنه أسقطها بذكاء وفاعلية، بأجزائها الثلاثة على حياة موسيقار بثلاث جنسيات، بثلاث هويات غادرة، بثلاثة أزمنة غطت تاريخ المنطقة، وحروبها الأهم والأشرس.. حيث بطلنا هو ضحية تلك الحروب عبر امتداداتها الزمنية وحواملها الفكرية.. وانتماءاتها العقائدية.. لُعن البطل بهويته التي تواترت عليه عبر القرن الماضي وبداية قرننا الحالي..
هو أولا يهودي حقيقي يعيش في العراق حرب فلسطين، ثم هجرته تداعياتها من بلده، وهو شيعي يسكن بغداد كتبعية إيرانية دام طويلا.. غير أن الثورة الصدامية هجرته مجدداً من العراق، ثم اختتم حياته بجنسية عراقي من الطائفة السنية هجّرته الثورة الإيرانية ليعيش ضحية الهوية .. وليموت ويقتل أخيرا بيد غوغاء الميلشيات في العراق.. وليقع صريع حبه.. لمكانه الأول ويموت ضحية شك في تواطئه مع الأميركيين، بعد أن يزوره ابنه مئير الأميركي الجنسية!!
إذا، هو البطل العائد والمصر إصراراً مريباً على تلك الهوية العراقية.. التي فضلها لانتمائها للجمال الذي يدركه، ويعيه ويختاره بحس إنساني لا يتكرر.. إنه بطل يقبل كل الهويات، والأديان، والطوائف.. سيصبح هذا البطل هو الحامل الأكثر حضورا لكل نتاجات أوطاننا وتعصبها ومشاكلها وحروبها وغوغائيها.. وتناقضاتها.. وضحية حاضرة بقوة لهوياتها الضائعة و المنسربة، والتي في النهاية ستقتله..
منذ البداية تطابقت أجزاء القصيدة مع ما ارتآه البطل لحياته من تعددية مثيرة للفضول، ومنحت القصيدة بأجزائها "البطل" مفهوما ومعناً فكريا وجماليا، وإنسانياً لcharacter عاشت بغنى متفرد واستثنائي ثلاث حيوات في شرق بليد لا يمنحك عادة سوى أضغاث حياة..!! ويمكن أن نقارب الرواية جماليا عبر معمار موسيقي سيمفوني، هو أقرب لروح الشخصية التي احترفت طوال حياتها العزف على آلة الكمان..رواية بناؤها موسيقى حاد وواضح، لا ينكره تقسيم الكاتب نفسه.. تقسيم الرواية لثلاثة أجزاء.. هي هندسة وبناء سيمفونيين بثلاث حركات.. بطيئة.. سريعة هائجة، ثم بطيئة من جديد، وهي تلخيص هادئ ومتأمل لأحداث حياة عازفها ومؤلفها في آن.. وهي ثيمة تعاد وتعاد.
لم يكن الظلم في إحالة الرواية إلى بناء القصيدة ونكران موسيقيتها فقط.. بل كذلك في إصرار المؤلف على تذكيرنا دوما باللعبة في القصيدة، وشخصياتها المنحولة، الملفقة.. وبين بطله الحقيقي.. كمال مدحت العراقي... أو حيدر سليمان الشيعي.. أو يوسف صالح اليهودي!! خوفا من نسياننا، أو من عدم التقاطنا للparadox الذي تنطوي عليه اللعبة الروائية وفتنتها.. تكرار كان محبباً بعض الأحيان.. وكان ضاغطا في أحيان أخرى! لكنه لا يحرمنا المتعة، ولا ينسينا جودة السرد..
هذه الرواية هي رواية اللالغة بالمعنى الشعري التضليلي لجماليات اللغة.. هي رواية الحدث اللاهث الذي نقبله دون أن نناقشه، لأنه يستلبنا بحركته المتواترة إرادتنا..وإن اتهم علي بدر بكتاباته المتأثرة بالإثارة الأميركية لكننا هنا نجد إثارة معكوسة، لأن اللعبة مكشوفة من البداية.. إن الصفة البوليسية التي أضيفت على الرواية، اعتقد أنها سلبتها بعدها الثقيل بالمعنى المعرفي والفلسفي الكاشفين.. وسلبتها حقها بالقراءة النقدية الجدية..!! لكني أعتقد أن الكتابة المطبوعة على غلاف الناشر، او صاحب الكتاب لم ترد أن تتبجح.. واكتفت بتقديم متواضع للرواية.. التواضع هنا صفة تتقابل وتتضاد مع صفة الغرور، التي لم يرد الكتاب أن يبشر بها.. على الرغم من أن جماليات الرواية محكمة البناء حتى الثبات، وتستحق كل احتفاء.. حتى عندما يصر الكاتب "علي بدر" على لا روائية الحكاية، عبر كسر الحدث الروائي بسرد تراتبي chronology لتاريخ الشخصية في البداية، و حتى عندما يربطها بمؤلفها.. الآخر الذي يحييها على الورق مجددا.. وهو الربيورتر.. حتى هذا التكنيك المتطرف لم يستطع سرقة الحدث الروائي من القارئ مطلقا!
لكن يبقى لدي تساؤل بسيط في هذا السياق.. خاصة عندما نسي علي بدر في حمى الروي وتشابك الشخصي، السيري، مع المتخيل.. نسي الكاتب هنا أن يشرح لنا ميزات هذا الريبورتر الأسود.. ما الذي يملكه مثلا من صفات لا تعوض، وما الذي يستطيع أن يفعله، لم يستطع مرافقه الآخر"الموهوب، المتقن، صاحب المقالات الهامة، وصاحب الشخصيتين المتناقضتين" أن يقوم به.. هو تفصيل صغير يمر منزلقا من حبكة رواية محكمة..
بكل الأحوال نعود للمتن والحكاية الأساسية.. إن الرواية تنتمي لعمق تاريخي مغرق تنكره..!! وعلاقة مع فنون كلاسيكية، تبتدئ بالملحمة الشعرية للبطل المرتحل في تيهه.. رواية ملحمية بامتياز.. وتعلن بلا تحفظ، عن تطابقها مع أشكال أدبية مغرقة القدم.. لكنها ليست ماضوية ومندغمة ومستلبة أمام التراث الأدبي العتيق، بل إنها تتمثل آداب العالم بغاية البراعة.. وبحداثة جادة وواعية تتجسد الحكاية القديمة.. حكاية البطل التراجيدي في الملحمة الإغريقية.. البطل الذي يحمل موته فيه.. وخطئه ونقيصته تتوالد بداخله.. حيث ستقضي تلك النقيصة على وجوده وتدّمر تاريخه.. هو البطل الذي يحمل عقب أخيل، يتطابق مع بطل حارس التبغ!!
بكل فصل يقدم لنا الراوي ما سيواجهه بطلنا من صعوبات وهوائل.. يطل علينا في بداية كل فصل من فصوله الثلاثة المسرحية، الموسيقية، والشعرية.. يحكي مثل الكورس في المسرح الإغريقي ومسرح سوفكليس، عن بطله بتعليق متعاطف، شارح يصل حد المدرسية في الخطاب والتوجه، يقول لنا هذا المحقق "الصحفي" الريبورتر الذي يشبه أوديب عندما كان يتقصى عن أصله، وولادته وسر لعنة طيبة.. في مسرحية كاملة ودائرية لحد الدهشة، يكتشف فيها المحقق أنه القاتل!!هنا في حارس التبغ، يعلم بطلنا الحقيقي المنسحب المهزوم.. ال anti-hero أن بطله ملعون بهويته.. هذا البلاك رايتر.. المضاد للبطل الأسطوري الملحمي، المعلوم الهوية والتاريخ والاسم والميلاد.. يعلم هذا المسحوب اللون والصفة والمكانة والكلمة.. يعلم أنه ملعون مثل بطله بأحكام الصفات الضيقة.. وأحكام الهويات. فيهرب من هويته.. من عراقيته.. ينجو من الموت.. ويلعن الكل.. يلعن الجماهير المهللة للكل، ضدهم، معهم، ولهم.. هم الرعاع.. بلوى الفن والذائقة، هم الحشود، عسكر ومليشيات وحكومات فاسدة تحكم وتتحكم.. تغرر بهم.. يعلن البطل انسحابه، تنحيه رفضه.. ومقاومته لمدن الغبار ومياه الأنهر العكرة الموحلة.. ويحلق عاليا في طائرة تأخذه بعيدا لينجو بنفسه..
هي رواية لن تنس لعلي بدر.. رواية تنحاز للإنسان، تقول بكل حداثة فكرية، وإنسانية وانفتاح ورقة وصدق، وواقعية ترى جيداً، دون تعصب، .. أننا نستطيع أن نكون من نختار.. أن نختار بوعي هوياتنا.. أن نرفض صفاتنا القبيحة، واضطهاد ضيق صفاتنا السهلة لنا.. بطلنا اختار أن يكون ما يشاء، وذاب في كل ما أحب حتى التماهي والاندغام.. واعتنق كل ما احترم دون قلق ولا أسئلة كبيرة!!
لم يكن أفاقا.. كان إنسانا اختار الإنسانية بأوجهها..وأديانها وأطيافها.. لأن الجمال كان بلده.. لأنه أحب الجمال.. انتمى للجمال..لأنه أحب الذي أحبه، فأعلن أن الجمال معتنق.. وأن الفن معتنق..علي بدر الذي كنت قلقة على جودة نتاجه، وافتقد ما كان يحرض فيّ من دهشة.. خاصة بعد روايته "الركض وراء الذئاب" .. أعتقد أني استعدته هنا بقوة ، وبحدة، وبجودة.. خاصة بعد بدايته الكاسحة في "بابا سارتر" وأتذكر، كيف أثارت فينا بابا سارتر ما أثارت من أسئلة وجودية، فكرية، وتقنية.. لكن وبنفس الطريقة، يعاود الروائي الذي يسكن علي بدر ليفتننا، وتفتننا "حارس التبغ" من جديد..
مرة، كانت "بابا سارتر" حدثا روائيا حلق به ومعه علي بدر طويلا.. ولمع في سماء الأدب العربي.. وأعتقد دون تطرف أن "حارس التبغ" ستكون الحدث الروائي للعام 2008!! سيحلق معها وبها عالياً وطويلاً.. وربما وحيداً..!!



#عبير_إسبر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير إسبر - علي بدر في روايته الجديدة -حارس التبغ-