نجم الدين الفارس
الحوار المتمدن-العدد: 2403 - 2008 / 9 / 13 - 02:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سبق و إن قدمنا تمهيداً و إطارا عاماً و تاريخيا لبحث النظام السوري المعاصر و الوقفة الثانية هي دراسة حركة 8 آذار 1966 و تتضمن الحلقات التالية التي ننشرها تباعاً على خمس حلقات:
1. الخلفية الاجتماعية و التاريخية لحركة 8 آذار.
2. الطفولة اليسارية 1966 – 1970.
3. الحرس الإمبراطوري القديم 1970 – 2000.
4. الحرس الإمبراطوري الجديد 200 – حتى ألان.
5. الخاتمة – خلاصة و استنتاجات.ً
1. الخلفية التاريخية و الاجتماعية لحركة 8 آذار:
في البلاغ الشهير رقم واحد-1- الذائع أو السىء الصيت الذي أذيع في صبيحة الثامن من آذار عام 1963 من إذاعة دمشق – المدينة التي جعل منها المغامرون سباقة في الانقلابات العسكرية في المنطقة العربية وربما في العالم في العصر الحديث- أظهرت الحركة تحمساً واضحا للوحدة العربية ولإعادتها مع الشقيقة مصر وإنهاء شرعية الانفصال الذي وسمته بشرعية أبي رمانة - كناية عن فئة من الطبقة البرجوازية الدمشقية المسؤولة عن جريمة الانفصال,فهل حققت الحركة هدفها هذا الذي قامت من أجله وقد مضى على قيامها قرابة النصف قرن ولا زالت؟أم أنها غيًرت أو شًوهت تلك الشرعية إلى شرعية المدفع والدبابة؟وهذا هو السؤال الأساس الذي تقوم عليه فرضية هذه الدراسة.وقبل المعالجة أود تقديم الملاحظات التالية.
إن المعالجة أكاديمية والى حد بعيد وبالتالي فان تقويم الحركة يعني نقدها بالسلب والإيجاب. لن تغرق الدراسة بالتفاصيل وإنما ستكتفي بالصورة العامة للحركة وذلك لسببين:أولهما إن الغرق سيضيع الفكرة الأساسية للظاهرة وزخمها,والثاني فان باحثين وعلى قلتهم قد أدوا دورهم وبكفاءة عالية في هذا المجال.
لن يكون قلمي على الحياد في عرض وتحليل هذا الموضوع –الحياد قي الفكر الاجتماعي وهم-وإنما سأكون الباحث الأمين الذي همه كشف الحقيقة أولا وقبل كل شيء يبدو لي أن دراسة هذه الحركة يمكن أن ينطلق من الإجابة على الأسئلة الخمسة الكبرى التالية:
- ما هى الخلفية الاجتماعية التاريخية للحركة
-ما هو جوهر وطبيعة الحركة
-ما هي الطبقات أو ألفئات الاجتماعية التي خدمتها الحركة أو المؤمل خدمتها أو بتعبير أدق شرعية الحركة.
-هل كانت الحركة ضرورية في وقتها وسليمة في توجهاتها.
-هل تستطيع الاستمرار في سياستها القائمة حاليا أو أنها ستخلي الساحة لغيرها.
إذا كانت مصر أم الدنيا كما وصفها نابليون بونابرت فان سورية-بلاد الشام- يمكن وصفها بجنة الله في أرضه لا كما وصفها أمير الشعراء وحسب بل وفوق ذلك واهم منه كما كّرّمتها الكتب السماوية المقدسة.زيارة واحدة إلى سورية تغني الباحث والمهتم عن قراءة المجلدات والكتب في شتى المواضيع,ومازال الكثير من زوار سورية والمهتمين بتاريخها واثارها وحضارتها يرددون تلك العبارة التي صاغها عالم الآثار الفرنسي الشهير شارل ميترولو-لكل إنسان في العالم وطنان الوطن الذي ينتمي اليه وسورية .سورية أرض الحضارات التي نشأت وترعرعت وتراكمت فيها عبر ألاف السنين لتشكل بحرا ٌ هائلا من الآثار ولتفسر وتحكي قصص التاريخ الإنساني برمته,بدءا من دمشق أقدم مدينة وعاصمة مأهولة في العالم كله,والذي لم يدخلها المسيح عليه السلام اعتقادا منه بأنها جنة الله في أرضه ستكون مثوى ومستقرا للمؤمنين بعد الحشر العظيم.إلى خاتم الأنبياء محمد-ص-الذي وصل إلى حوافها والتي تسمى حتى اليوم بمنطقة القدم.
وحلب الشهباء التي أقام على قلعتها إبراهيم الخليل عليه السلام وحلَب بقرته هناك إلى الساحل وبحره وغاباته وجباله التي تضم في أحشائها ألف كنز وكنز من عبق التاريخ من اوغاريت إلى رأس شمرة .وفي الداخل البادية الشامية –زنوبيا- وإمبراطوريتها التي قارعت الامبرطورية الرومانية عقودا طويلة ونازعتها السيادة والى الجزيرة الفراتية التي كانت سلة الغذاء للامبرطورية الرومانية ومخزن قمحها وحبوبها في حوران-بصرى الشام والى حمص العليلة في هوائها والغنية بخيراتها وأحجارها المميزة وسيفها المسلول خالد بن الوليد-رض-وأباطرتها الستة الذين حكموا روما قبل أكثر من ألفي عام,والى الوسط حيث حماة و نواعيرها المعجزة وتاريخها الذي سطرته بدمائها وفدائها من اجل أمتها وإنسانيتها.والى افاميا الرائعة وتاريخها الذي يقطر حضارة ورقيا والرقة عاصمة الرشيد الصيفية والرصافة عشيقة هشام بن عبد الملك وادلب الخضراء وفيها مملكة ايبلا التي نازعت الفراعنة وبزتهم في جوانب كثيرة حضارية واكتشاف هذه المملكة يعد أهم اكتشاف اثري منذ أكثر من نصف قرن وحتى الآن وعلى المستوى العالمي وتاريخها يعود إلى الألف الثالث ق.م إذا كان تاريخ سورية القديم هكذا فان تاريخها الوسيط يفوقه بكثير ويكفي إن ندلل على ذلك بان سورية أسست أهم وأعظم وأقدم إمبراطورية إسلامية في التاريخ امتدت من بحر الظلمات-الأطلسي-غربا إلى المحيط الهادي شرقا في زمن قياسي والأهمية لا تأتي من حيث الحجم أو المساحة أو الموارد –رغم عظم ذلك وإنما من حيث نشر العدل والرفاه في ربوع المعمورة .
إن تفوق الغرب الحضاري الحالي على الشرق لا يزيد عمره عن بضع مئات من السنين وهي فترة لا تكاد تمثل كسرا عشريا في التاريخ المدون للبشرية, أما تفوق أهل الشرق على الغرب يرجع على الأقل إلى خمسة آلاف من السنين(1 ) وفي الفترة633-719 م إبان الزخم الإسلامي ,وصلت أربع بعثات دبلوماسية بيزنطية إلى العاصمة الصينية لعقد تحالف ضد المد العربي الإسلامي الجديد(2) ولقد انطوت الإمبراطورية البيزنطية ومن ثم الإمبراطورية الفارسية-أقوى إمبراطوريتين في العالم آنذاك-على يد العرب المسلمين وتمكن هؤلاء الذين كانت قاعدتهم وعاصمتهم سورية إن يكونوا امة تمتد من خليج بسكاي على المحيط الأطلسي-إلى سهول السند وأسوار الصين وان يقربوا بين الشرق والغرب إلى حد لم يكن معروفا حتى ذلك الحين.
كانت الحضارة الأوربية في العصر الوسيط ريفية تقوم على الاقطاع في مجتمعات مغلقة وإنتاجها لا يكاد بكفي لحاجاتها الضرورية ,أما حاجات النخبة فيتم استيرادها من الشرق وصناعته الحرفية الراقية ,كانت ملكات أوربا يتباهين بلباسهن الدمسقي-نسبة إلى دمشق والموسليني –نسبة إلى الموصل-ولم تخل السيوف الفرنسية والصقلية من تأثير السيوف الدمشقية أو سيوف طليطلة لقد نقلت بلاد الشام الحضارة العربية الإسلامية وبخاصة علوم الطب والهندسة والفلك والكيمياء إلى اوروبا وعلى نطاق واسع بعد وصول العرب المسلمين إلى الأندلس ومكوثهم هناك قرابة ثمانية قرون .لقد كان دخول العرب المسلمين إلى اسبانيا ليس بدافع الفتح كما يزعم الكثير من المستشرقين والسذج أو المغرضين من أبناء الأمة بل كان لرفع الظلم عن الطبقات المسحوقة والمقهورة في ظل النظام الإقطاعي هناك.لقد ذكر المستشرق المنصف-دوزي- في كتابه تاريخ الأندلس (لقد أنقذ الإسلام الطبقات الدنيا من الأوربيين العبيد واقنان الأرض في العصور الوسطى وحررهم من سلطة الاقطاعين الجائرة)ويذكر مستشرق آخر ليفي بروتسفال في كتابه –اسبانيا المسلمة في القرن العاشر ,إن الازدهار الزراعي الذي حدث لاسبانيا بعد الفتح الإسلامي يعود إلى التقسيم والتوزيع الإسلامي لملكية الأرض(3)
-------
روبيرت لوبينز –التأثيرات الشرقية والنهضة الاقتصادية في الغرب-ترجمة توفيق اسكندر مطابع دار النشر للجامعات المصرية –القاهرة
1961 ص141.
2-Carles Fitzgerold-China a short culture,history,London 1948 p21.
3-مصطفى صادق السباعي – اشتراكية الإسلام –دمشق 1958 ص155.ستا
ملاحظة:تكملة هذه الوقفة المعنونة –الخلفية التاريخية و الاجتماعية لحركة الثامن من آذار تاتي في الصفحات التالية.توسعنا في هذه الوقفة لنضع القارئ الكريم
بحقيقة تاريخ سورية الجليل والذي قد يكون غائبا عن ذهن البعض .استميح قارئنا العزيز عذرا في ذلك.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟