أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اوغوستا كونشيغليا - في حفرة غوانتانامو السوداء















المزيد.....



في حفرة غوانتانامو السوداء


اوغوستا كونشيغليا

الحوار المتمدن-العدد: 740 - 2004 / 2 / 10 - 07:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ حوالى سنتين لا يزال حوالى 660 من "المقاتلين الأعداء" الذين أسروا في أفغانستان وباكستان أو من الذين سلمتهم دول ثالثة، قيد الاعتقال السري في قاعدة غوانتانامو العسكرية في كوبا، وذلك في انتهاك لكل القوانين الدولية. وما يُفترض أنه يبرر عملية الاعتقال هذه، هي فقط قرارات رئيس الولايات المتحدة باسم "حال الحرب على الارهاب". وحتى يومنا هذا لم يتم رسمياً توجيه أي تهمة ضد المعتقلين كما أن اللجان العسكرية "المرتجلة" التي أعلن عنها في العام 2001 لم يتم تشكيلها.

وبالرغم من إقامتنا أياماً عدة في غوانتانامو فاننا لم نستطع الاتصال بأي من السجناء. فرجال الجنرال جيوفري ميللر، قائد المعتقل ورئيس الـ"جوينت تاسك فورس" JTF، والذي يتلقى أوامره مباشرة من البنتاغون يسهرون عليهم. فإذ يجري إيقافهم بعيداً عن مراكز الأمن المتشددة لا يتمكن الصحافيون الذين يزورون المنشآت إلا من رؤية سجناء المعسكر رقم 4 حيث يقيم السجناء الذين يبدون "متعاونين". كما يمنع عليهم أن يخاطبوهم أو يردوا على استفهاماتهم.

ومع ان نجم قاعدة غوانتانامو كان في حالة أفول أكيد، فإنها لم تكف عن التوسع منذ اواخر العام 2001 وحرب أفغانستان. فقد تضاعف عدد المقيمين فيها من عسكريين ومدنيين ثلاث مرات حتى بات يتجاوز الـ6000 نسمة. وقد استقرت وحدات الـ"جوينت تاسك فورس" والسجن في منطقة بور، ولا تحمل بطاقات القاعدة أي إشارة الى وجود مركز الاعتقال ولا العديد من مباني الخدمات المحيطة به.

ومع الاقتراب من منطقة الأمن المتشدد هناك الحواجز البرتقالية التي تجبر سيارة الزائر على التقدم بشكل متعرج مما يسهل مهمة الحراس الذين يتحققون من كل سيارة. فقد تضاعفت الاجراءات الأمنية منذ جرى توقيف المرشد الاسلامي في المعسكر واثنين من المترجمين بعد اتهامهم عن غير وجه حق بالتجسس(1).

وفي امكان معسكر دلتا، المقسم اربعة اقسام، استقبال 1000 شخص. وعندما مررنا به كان فيه 660 معتقلاً من جنسيات مختلفة. وهو محاط بالعديد من الأماكن المسورة بشبائك معدنية تغطيها أكسية من نايلون أخضر تعلوها أشرطة شائكة موصولة بخط توتر عالٍ. ويخضع السجناء، الذين تبقى زنزاناتهم منارة طوال الليل لرقابة دائمة من جانب الحراس الذين يتجولون بشكل دائري أو يتمركزون في مخافر الحراسة.

والظروف القائمة صعبة الى درجة أنه تم في المعتقل تسجيل 32 محاولة انتحار قام بها 21 سجيناً. وبحسب النقيب جون أدموندسون، الجراح المسؤول عن مستشفى المعتقل، فان 110 سجناء، أي بمعدل واحد على ستة، تجري مراقبتهم بسبب الاضطرابات النفسية الناتجة في معظم الأحيان من حالات انهيار عصبي. ويتلقى 25 منهم علاجاً نفسانياً. كما ان سجيناً آخر، مضرباً عن الطعام بشكل متقطع منذ عام، قد أخضع للعلاج أثناء زيارتنا حيث تمت تغذيته من طريق الأوردة.

وظروف الاعتقال مؤلمة أقله بالنسبة الى ثلاثة من الأقسام الأربعة. فهناك أربعة أبنية مؤلفة من 48 زنزانة موزعة على صفين من أربع وعشرين خلية، لا تكاد تبلغ مساحة الواحدة منها مترين بمترين ونصف المتر. اما الجدران والأبواب، المصنوعة من المعدن المشبك، فهي تمنع أي حياة خاصة. ولا يُكسر الروتين إلا بنزهة فردية لمدة عشرين دقيقة في قفص كبير مركز على مساحة اسمنتية يرافقها، ثلاث مرات في الأسبوع، حمام بالماء البارد (دوش) لمدة خمس دقائق، ومع كل حركة انتقال هناك العدة النظامية، الأغلال والقيود في الأرجل موصولة بالسلاسل.

في المعسكر رقم 4 بدت المجموعة التي التقيناها بالنظر ذات أعمار متقاربة، تحت الثلاثين. رجال بلحى طويلة وقبعات شاشية على الرؤوس. يعيش فيها السجناء الـ129 في مجموعات صغيرة إذ ان حجراتهم الأقل ضيقاً تحوي حوالى عشرة أسرة. يأكلون معاً ويمكنهم الخروج مرات عدة في اليوم في مساحات ملاصقة لسجونهم حيث علقت بعض الملصقات عن الاعمال الجارية لإعادة إعمار أفغانستان.

وبعكس السجناء في المعسكرات الثلاثة الأخرى الذين يرتدون زياً برتقالياً، فان سجناء المعسكر رقم 4 يرتدون الأبيض، "لون الطهارة في الاسلام"، كما يشرح بكل فخر أحد الحراس. وقد لفتنا الى أنه قد سمح لهؤلاء السجناء بالحصول على سجادات حقيقية للصلاة إضافة الى كتاب القرآن الذي وزع على مجمل السجناء إثر الاضراب عن الطعام الذي تميزت به الأسابيع الأولى بعد وصولهم(2).

وفي طبيعة الحال فان البنتاغون، بموافقته على زيارات الصحافة، يأمل في تصحيح الصورة السلبية جداً التي تولدت في الأشهر الأولى. وهكذا أطلعونا على "معسكر إيغوانا"، وهو عبارة عن منزل صغير يبدو معلقاً على شاطئ صخري مشرف على البحر ومحاط بسياج معدني لدواعٍ امنية. وفيه يسجن منذ أكثر من عام ثلاثة قاصرين "من المقاتلين الأعداء" عمرهم ما بين 13 و15 عاماً!. وقيل لنا إنهم يتلقون دروساً باللغة الانكليزية ويمارسون كرة القدم قليلاً ويحصلون على بعض أشرطة الفيديو. لكن في كل الأحوال تستحيل رؤيتهم أو حتى معرفة جنسيتهم.

أخيراً ومن ضمن البرنامج دورة في "معسكر أكس راي". في البداية نقل اليها السجناء وقد تمكن الجميع من رؤية مشاهد لا تحتمل للمعتقلين وهم راكعون بأزيائهم البرتقالية تحت تهديد سلاح سجّانيهم، مقيدون ومعزولون كلياً وقد غطيت رؤوسهم بالقلنسوات (كاغول) وبسماعات.

وقد تم التخلي نهائياً عن معسكر اكس راي الذي اجتاحته النباتات الكثيفة بعد أن كان شُيّد في الأساس لسجن "جماعات المراكب" من الهاييتيين الأكثر إثارة للشغب، وحتى للمصابين بالسيدا. وقريباً سيكون الدور لمعسكر دلتا، إذ إن معسكراً يحمل الرقم 5 هو قيد الانشاء على أن تنجز المرحلة الأولى منه في تموز/يوليو عام 2004. وهذا السجن من البناء الصلب، الذي يشيد لحوالى مئة سجين والمخصص للمعتقلين الذين تتم إدانتهم نهائياً على يد "اللجان العسكرية"، يضم غرفة موت لتنفيذ أحكام الاعدام...

وكان الأمر الرئاسي الذي قضى بإنشاء مركز الاعتقال في غوانتانامو قد صدر في 13 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2001 يوم استولت قوات التحالف على كابول. وقد تطلب الأمر تدبر ذريعة ما لاستقبال أولئك الذين وصفهم الرئيس الأميركي بـ"المقاتلين الأعداء"، مبتدعاً بذلك مفهوماً جديداً غريباً عن القانونين الأميركي والدولي(3).

وتؤكد وندي باتن، مديرة قسم القضاء في منظمة "مرقب حقوق الانسان" (Human Rights Watch)(4) أن "إدارة بوش رفضت اعتبار "المقاتلين الأعداء" أسرى حرب وحرمتهم كلياً حق إحالتهم امام محاكم مختصة لتحديد وضعهم كما تفرض اتفاقية جنيف الثالثة التي صادقت عليها الولايات المتحدة. واللجان العسكرية التي لا تقضي بمحاكمة امام محكمة مستقلة لن تؤمن لهم محاكمة عادلة." وتدافع الإدارة من جهتها عن خيار اللجان العسكرية على أساس أن هدفها هو عدم السماح بنشر المعلومات المهمة.

  وما يفنده السيد أوجين فيديل، المحامي العسكري السابق ورئيس المؤسسة الوطنية للقضاء العسكري، هو أنه "كان هناك على الأقل خياران. فإما المحاكم الجزائية التي حاكمت في ما مضى بعض حالات الارهاب مثل الاعتداء على مركز التجارة العالمي في العام 1993، وإما المحكمة العسكرية العليا مثل تلك التي حاكمت رئيس بنما السيد مانويل نورييغا"(5).

وهناك رجل واحد في صلب إنشاء هذه اللجان وهو نائب وزير الدفاع بول وولفوويتز. فهو الذي سيختار القضاة والمدعي العام ويحدد رؤساء الاتهام. وهو أيضاً الذي سيعين الأشخاص الثلاثة المنتمين الى لجنة التحقيق المتكرر التي يمكن المحكومين أن يستأنفوا عندها. وهو اخيراً الذي سينظر في التوصيات ويبت الأمور.

وبحسب ما صرح القاضي البريطاني اللورد يوهان شتاين في مرافعة عنيفة ضد ما سمّاه "الفجوة القضائية السوداء في غوانتانامو"(6) فان "العسكريين سيلعبون دور المحققين والمدعين العامين والمجالس الدفاعية والقضاة والجلادين إذا ما صدرت أحكام بالاعدام".

وبعد عشرين شهراً على انشاء سجن غوانتانامو وفيما تصم الادارة الأميركية آذانها عن دعوات المحامين والحكومات الغربية التي بعض السجناء هم من رعاياها، ومنها فرنسا، اتخذت القضية فجأة منحى جديداً.

  فاولاً هناك قرار المحكمة العليا المفاجئ بالنظر في الطعون التي قدمت اليها من عائلات 16 معتقلاً (12 كويتياً وبريطانيان واوستراليان). وفي الواقع أن أعلى سلطة قضائية في الولايات المتحدة قد وافقت في 10 تشرين الثاني/نوفمبر على تحديد ما إذا كان للقضاء الأميركي صلاحية "الحكم في شرعية اعتقال الأجانب الذين أسروا في الخارج وهم على علاقة بالاعتداءات، والمسجونين في قاعدة غوانتانامو البحرية". وعلى كل حال، فقد صرح لنا ديفيد كول، أستاذ الحقوق في جامعة جورجتاون (واشنطن) وصاحب العديد من المؤلفات حول الانحرافات الاستبدادية بعد احداث 11 أيلول/سبتمبر(7)، بشكوكه قبل أيام على ذلك: "لقد قبل فقط 2 في المئة من طلبات الطعن التي قدمت امام المحكمة العليا، وهذه المحكمة لا تنظر عامة الا في الحالات التي يختلف حولها رأي المحاكم الأدنى التي لفظت حكمها في القضية". والحال أن المحكمتين من المستوى الأدنى قد عززتا موقف الحكومة على أساس "أن قاعدة غوانتانامو موجودة على أراضٍ خاضعة للسيادة الكوبية ولا يحق للقضاء الأميركي التدخل فيها."

وإذ خرق الصمت الذي لزمه أبرز القادة الديموقراطيين صرح السيد آل غور في 9 تشرين الثاني/نوفمبر في محاضرة له في مركز القوانين الدستورية في واشنطن أن "قضية سجناء غوانتانامو قد شوهت بشكل أساسي صورة أميركا في العالم وحتى لدى حلفائها(...). فيجب على القضاء الانصات الى المعتقلين الأجانب في غوانتانامو لكي يتحدد وضعهم كما تنص عليه معاهدة جنيف(...). اما الطريقة التي أدار بها رامسفيلد قضية المعتقلين هذه فلم يتم الاعداد لها، تقريباً تماماً كما حدث بالنسبة الى خطته لما بعد الحرب في العراق...".

وطبعاً هناك بعض أعضاء مجلس الشيوخ قبله، مثل السيد باتريك ليهي(8)، من الذين لم يكفوا عن مساءلة السلطة التنفيذية حول اتهامات التعذيب بحق السجناء، ومن ضمنها تسليم بعض سجناء غوانتانامو من دون محاكمة الى دول في الشرق الأوسط درجت فيها ممارسة هذه الأعمال، وحول الاشتباه بوفاة اثنين من الأفغان الموقوفين في قاعدة باغرام في أفغانستان، حيث اللجوء الى تقنيات الاستجواب العنيف الذي يسمّى باللغة العسكرية  "الضغط والاكراه"(9). وبدون أي لبس صرح لنا السيد ليهي أن "معتقلي غوانتانامو يجب ان يعتبروا أسرى حرب" وأن "يعاملوا بطريقة إنسانية وفقاً لتوجيهات شرعة حقوق الانسان". غير أن حزمه هذا طالما ظل معزولاً في اوساط الطبقة السياسية الأميركية.

  كما ان محامي عائلات المعتقلين لم يوفروا جهودهم. فالسيد توم ولنر، العضو في مكتب مجلس رفيع المستوى في واشنطن، هو "شيرمان أند ستيرلنغ"، الذي يتولى الدفاع عن عائلات الكويتيين، عمد الى استنفار وسائل الإعلام وحرك ما أمكنه من الشخصيات السياسية.

  اما السيد وليم روجرز، وهو واحد من مساعدين سابقين لوزير الخارجية(10) كانا قد وجها طعناً "حبياً" الى المحكمة العليا، فقد عبّر خلال اجتماعنا به في واشنطن في أول تشرين الثاني/نوفمبر عن أسفه "لفقدان الضمير في المجتمع الأميركي في ما خص فداحة هذه الوقائع. إذ يجب ألا يضرب القانون الدستوري بذريعة أننا في حالة حرب مع الارهاب بل بالعكس يجب علينا أن ندافع عن بعض المبادئ وأن نمثل الحق الدولي في مواجهة هذه الانحرافات".

ولم يكن لدى السيد روجرز، الذي شغل منصبه للمرة الأخيرة في عهد الرئيس جيرالد فورد، كلام أقسى لأدانة أساليب الادارة الحالية: "إنها إحدى المراحل الأكثر سوداوية في تاريخنا بعد الماكارثية. فاليوم يتم اللجوء الى الأساليب الاعتباطية والقمعية نفسها". ومن موقّعي الطعن العميد البحري دونالد غوتر الذي تقاعد في السنة الفائتة من منصبه كرئيس القضاء العسكري في البحرية. ومن منصبه هذا شارك في اتخاذ قرار استخدام قاعدة غوانتانامو لاستجواب المعتقلين. وقد صرح في 9 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2003(11) أن "نقل السجناء الى غوانتانامو كان له معنى لدواعٍ أمنية، لكننا حالياً قد نشهد حكماً بالسجن المؤبد على بعضهم بدون أن تجرى لهم محاكمة عادلة". كما ان قضاة ومدعين عامين سابقين قد حرصوا على تذكير المحكمة العليا بأن بنود معاهدة جنيف تشكل جزءاً من قانون الجيش الأميركي وأنه من غير القانوني تجاهلها. وأخيراً يجب أن نسجل مبادرة أحد الأميركيين من أصل ياباني، هو السيد فريد كورماتسو، الذي احتج في العام 1942، خلال الحرب العالمية الثانية، لدى المحكمة العليا على قرار سجن 120000 مواطن من أصل ياباني. وبحسب ما أعلن، فإن السيد كورماتسو قد التزم القيام بما فعل لكي لا ينسى الأميركيون مرحلة مضطربة من تاريخهم الخاص. أضف الى ذلك أن الحكومة، وفي تفنيد البينات الذي قدمه امام المحكمة المدعي العام تيودور اولسن، رافعت ببعض الرعونة في سعيها الى جعل المحكمة ترفض بكل بساطة النظر في الطعن المقدم ذاك "أنه في زمن الحرب من عادة القضاء ألا يتدخل في قرارات السلطة التنفيذية...". وبدون أن تتكهن بـ"الحكم" النهائي المتوقع صدوره في حزيران/يونيو عام 2004، أرادت المحكمة التأكيد أنها هي التي "تتكلم بالقانون" وليس الادارة.

فمنذ تشرين الثاني/نوفمبر بدأت قضية غوانتانامو تخرج من دوائر الصمت. وحتى في الولايات المتحدة فوجئ الرأي العام بـ"الصرخة" الصادرة عن "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" (CICR) عندما خرجت هذه الأخيرة عن واجب التحفظ المعهود لكي تندد باليأس الذي يسببه انسداد الآفاق في اوساط المعتقلين.

 ولم يعد في امكان الادارة أن تبقى لامبالية حيال تدفق الانتقادات. ففي أواخر تشرين الثاني/نوفمبر أعلن البنتاغون عن إطلاق سراح ما بين 100 و140 معتقلاً قريباً، وهذا ما بقي منتظراً حتى الآن، وعينت إثر ذلك محامياً عسكرياً تسميه المحكمة لتأمين الدفاع عن السجين الأوسترالي ديفيد هيكس. وهذا الأخير، وبعد تعرضه لسوء المعاملة، نفذ إضراباً عن الطعام حتى أصبح حديث الساعة. وبعكس الصلاحيات التي حددت في بادئ الأمر للجان العسكرية سمح له البنتاغون بأن يتولى الدفاع عنه محامٍ مدني يختاره، وضمن له سرية المداولات المرتقبة. وذلك نتيجة اتفاق بين الولايات المتحدة واوستراليا، شبيه بذاك الذي عقد مع بريطانيا قبل أشهر والذي نص بنوع خاص على استبعاد حكم الاعدام على رعاياها. وقد امل محامو أربعة من ستة معتقلين فرنسيين، وبينهم نقيب محامي باريس بول ألبير ايفاينس، في أن تحصل فرنسا "أقله" على ضمانات مماثلة. ولكن ذلك جاء من دون جدوى بالرغم من مساعي الكي دورسيه.

  وبعد السيد هيكس جاء دور مواطن أميركي هو السيد ياسر حامدي، ليسمح له بالاتصال بمحامٍ. فبعد أن اعتقل في أفغانستان نقل السيد حامدي اولاً الى غوناتانامو الى أن اكتشف العسكريون أنه أميركي. وفي نيسان/أبريل عام 2002، نقل الى سجن القاعدة البحرية في نورفوك في ولاية فرجينيا حيث أبقي مذاك بشكل سري. وفي ما بعد سرعان ما عمدت الحكومة، التي كانت قد قررت أن اللجان العسكرية مخصصة حصراً للأجانب، الى "توسيع مفهوم القضاء العسكري ليشمل مواطنين أميركيين تعتبرهم هي من جهة واحدة "مقاتلين أعداء".(12) وهكذا منحت نفسها حق حبسهم الى ما لانهاية في سجون عسكرية محرومين من أي اتصال بالخارج.

ومع ذلك فان السيد والكر ليند "الطالباني الأميركي" الذي أسر في أفغانستان في الوقت نفسه مع السيد حامدي، قد حوكم من جهته امام محكمة جزائية في اسكندرية (بولاية فرجينيا) متمتعاً بجميع الامتيازات التي يمنحها الدستور للدفاع(13).

  وقد توصل السيد حامدي الى الحصول على الحق في مجلس قضائي وذلك قبل يوم واحد من الموعد النهائي لتسليم المحكمة العليا آخر طلبات الطعن المتعلقة تحديداً بحقوقه... والحقيقة أن مسألة سجنه السري إضافة الى مواطن اميركي آخر، هو السيد جوزي باديا(14) تحرج حتى المحيطين بوزير العدل جون أشكروفت. فأحد مساعديه السابقين، البروفسور فيات دن، الذي لعب دوراً كبيراً في تدبيج قانون مكافحة الارهاب، قد صرح بعدم موافقته على المعاملة التي يخص بها المواطنون الأميركيون وأبدى ارتياحه الى التغيير الذي تم. وفي المقابل فان السيد دنيس آرشر، رئيس الجمعية الأميركية للمحامين التي تضم 400000 ألف عضو، قد أبدى أسفه لأن البنتاغون لم يجعل من ذلك مبدأ عاماً.

  ويوضح السيد وندي باتن، من منظمة مرقب حقوق الانسان، أن "الادارة قد مارست هنا سلطة استنسابية. ففي الواقع أن البنتاغون يستمر في التأكيد أن "المقاتلين الأعداء" المعتقلين في الولايات المتحدة ليس لهم أي حق شرعي في توكيل محامٍ. والحالة هذه فان هذا التنازل لم يكن ممكناً إلا لأن استجوابات السجين قد انتهت. وفي الاجمال يجري دائماً رفض الاعتراف بأن حق الدفاع غير قابل للتقادم ولا يجب أن يخضع لحسن نيات الادارة."

  وإذا بدا ان البيت الأبيض يخسر شيئاً فشيئاً معركة الصحافة الأميركية، الا انه لا يزال يحظى ببعض الدعم غير المشروط من بعضها مثل "وول ستريت جورنال". ففي ردة فعل على انتقادات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وجهت هذه اليومية المالية لوماً الى هذه المؤسسة "لأنها تخلت عن قاعدة السرية ولأنها اختارت الالتزام في الميدان السياسي.(15)" وهو يرى أن "المقاتلين الأعداء" "يجب ان يبقوا قيد الاعتقال حتى انتهاء الحرب على الارهاب". ويضيف أن هذه الحرب "ليست مكافحة لا نهاية لها من نوع الحرب على الجريمة أو على الفقر. إنه نزاع بين الولايات المتحدة وتنظيم القاعدة والمجموعات المنضوية معه والدول التي اختارت تقديم المساعدة له. وهذا النزاع سوف ينتهي عندما يتم سحق تنظيم القاعدة فلا يبقى قادراً على إطلاق الاعتداءات على أهداف أميركية..."

لكن رأي المندوبة العامة للجنة الدولية للصليب الأحمر في اوروبا والدول الأميركية، السيدة بياتريس ميجفان-روغو يبدو مختلفاً تماماً. ففي نظرها أن في "الحرب" بين الولايات المتحدة وتنظيم القاعدة ليس هناك سوى النزاع في أفغانستان يمكن اعتباره نزاعاً دولياً مسلحاً. "وهذا النزاع، الخاضع لاتفاقية جنيف الثالثة، قد انتهى في 19 حزيران/يونيو عام 2002 مع تشكيل مجلس اللويا جيرغا الذي منح حكومة الرئيس قرضاي شرعيتها. وعلى كل حال فان القانون الدولي الانساني(16) ينص على امكان الاستمرار في اعتقال السجناء إذا كانوا متهمين بأعمال محددة وبعد خضوعهم لمحاكمة قضائية بضمانات الحد الأدنى المنصوص عليها في الاتفاقية الثالثة. وبالنسبة الى جميع الذين أوقفوا بعد 19 حزيران/يونيو عام 2002 في إطار النزاع الداخلي الذي لا يزال مستعراً في افغانستان هناك أيضاً صلاحيات الحق الدولي الانساني والضمانات الأساسية التي تنطبق تماماً على وضع معتقلي غوانتانامو. وفي النتيجة إن لم يكن هناك واجب إطلاق سراح جميع سجناء غوانتانامو إلا أن هناك في المقابل واجباً واضحاً جداً يتمثل في إخضاعهم لمحاكمة قضائية وفقاً لقواعد قانونية دولية أو داخلية. أما اليوم فان هؤلاء الأشخاص يبقون منذ أشهر، بل سنوات، في مواجهة فراغ قضائي كلي، وهذا بالتحديد ما نعتبره غير مقبول. أما التصريح به فليس فيه شيء من السياسة لكنه كلياً من صلب دورنا الانساني."

 ففي حين ترتفع معارضة الأميركيين للقوانين الاستثنائية، وإن بقيت خجولة، أليس على إدارة بوش، المستهدفة بالسهام المتقاطعة من قسم متنامٍ من المؤسسة القضائية ومن المنظمات الانسانية ومن وسائل الاعلام التي تندد بحرمان معتقلي غوانتانامو الحق في العدالة، أليس عليها، قبل سنة من الانتخابات الرئاسية، أن تطلق هؤلاء من "النفق الأسود" الذي أغرقتهم فيه لكي تعود الى التزام القوانين الدولية؟

* صحافي.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] لقد أعيدت صياغة الاتهامات وألغي جرم التجسس. وقد اطلق سراح المرشد الروحي في انتظار المحاكمة.

[2] أعلن البعض أنهم غير مؤمنين وقال أحدهم انه كاثوليكي.

[3] اقرأ:

“Prisonniers sans droits“, Olivier Audeoud, Le Monde diplomatique d’avril 2002. Voir aussi l’étude de l’Association américaine des avocats du barreau sur le traitement des “ennemis combattants“, www.abanet.com

[4] تحلل هذه المنظمة الانسانية الأميركية القوانين الصادرة ما بعد 11 أيلول/سبتمبر وحقوق المعتقلين في غوانتانامو. راجع: www.hrw.org

[5] راجع:

People the law forgot, James Meek, The Guardian, Londres, 3 décembre 2003

[6] لعب اللورد شتاين دوراً رئيسياً في رفع الحصانة عن الجنرال بينوشيه. اقرأ:

Guantanamo: a monstrous failure of justice, par Johan Steyn, International Herald Tribune, 26 novembre 2003

[7] راجع:

Enemy Aliens, The New Press, New York, 2003 et, avec James Dempsey, Terrorism and Constitution, The New Press, 2002.

[8] كان السيناتور ليهي (فيرمونت)، رئيس لجنة الموازنة في مجلس الشيوخ واحداً من 12 سيناتوراً صوتوا ضد قانون تشرين الأول/أكتوبر عام 2003 والذي منح 87 مليار دولار لإعادة إعمار العراق.

[9] راجع تقرير:

HRW, et US decries abuse but defends interrogations, Washington Post, 26 décembre 2002.

[10] الثاني هو ألكسندر واتسون. وقد قدم ستة طلبات طعن إضافية من جانب محامي عائلات المعتقلين.

Alexander Watson est le deuxième. il y eu six recours en plus de celui des avocats des familles de détenus.

[11] راجع:

Kingt Ridder Neswpapers, 9 octobre 2003.

[12] راجع:

David Cole, Enemy Aliens, op.cit.

[13] اتهم السيد ليند في الأساس بأنه تآمر مع القاعدة وساعدها، وحوكم على أساس انه "خرق الحصار ضد طالبان" وحمل السلاح. وقد حكم عليه بالسجن لمدة عشرين سنة.

M. Lindh accusé à l’origine d’avoir conspiré et aidé Al Qaida, a été jugé pour avoir “violé l’embargo contre les Talibans“ et porté une arme. Il fut condamné à vingt ans de prison.

[14] السيد جوزي باديا، الذي أوقف في مطار شيكاغو في أيار/مايو عام 2002، متهم بأنه جمع لمصلحة تنظيم القاعدة معلومات لصنع قنبلة إشعاعية. ومع أن المحكمة طلبت سراً الى وزارة العدل رفع حظر الاتصال بمحامٍ بقي الأمر من دون تنفيذ بالرغم من الطعن الذي تقدمت به لجنة محامي حقوق الانسان.

[15] راجع:

Guantanamo on trial, Wall-street Journal, New-York, 19 novembre 2003

[16] منبثقة عن اتفاقية جنيف في 2 آب/أغسطس عام 1949 وقد صادقت عليها 191 دولة.

جميع الحقوق محفوظة 2003© , العالم الدبلوماسي و مفهوم



#اوغوستا_كونشيغليا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
- من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين ...
- بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
- بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي.. ...
- داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين ...
- الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب ...
- استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
- لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
- روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
- -حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا ...


المزيد.....

- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اوغوستا كونشيغليا - في حفرة غوانتانامو السوداء