أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - سليم الزريعي - حرب القوقاز: أبعد من أوسيتيا















المزيد.....

حرب القوقاز: أبعد من أوسيتيا


سليم الزريعي

الحوار المتمدن-العدد: 2397 - 2008 / 9 / 7 - 01:13
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


لم يأت توقيت قيام جورجيا باجتياح أوسيتيا الجنوبية، الإقليم المتمرد على جورجيا، بعيدا عن استثمار لحظة توجه اهتمام أنظار العالم نحو بكين، التي تحتضن هذه الأيام الألعاب الأولمبية، وحيث يوجد حوالي ثمانون من زعماء العالم في العاصمة الصينية لحضور افتتاح تلك المناسبة الرياضية، بما يعنيه ذلك من وجود حالة من الاسترخاء السياسي والعسكري، تعمدت جورجيا في مثل هذا المناخ أن تقوم بعملية عسكرية سريعة وحاسمة وواسعة، للسيطرة على أوسيتيا الجنوبية، وفرض أمر واقع جديد، وإذا ما تم بعدها التدخل لوقف إطلاق النار؛ تكون تبليسي بذلك قد فرضت أمرا واقعا جديدا؛ بعد أن كسبت رهان المفاجأة والضربة الأولى.



*حرب بالوكالة*غير أن الرد الروسي جاء أكثر حسما وسرعة، وكأن روسيا كانت تنتظر هذه المغامرة التي أقدم عليها الرئيس الجورجي ؛ والتي اعتبرتها مجلة تايم الأمريكية، "تجاوزا استراتيجيا "، مما أعطى موسكو الفرصة كي تلقن كل من يتحالف من جيرانها في منطقة القوقاز مع الغرب ضد روسيا درسا قاسيا، سواء كانت جورجيا أو أوكرانيا، وهي الرسالة التي أكدت روسيا على إيصالها ليس للدول المعنية فحسب، بل حتى للدول الغربية نفسها، ومضمونها ؛ أنها لن تتهاون فيما يمس مصالحها ؛ ناهيك عن أمنها القومي.
فروسيا التي شعرت بأن إقدام جورجيا على استهداف أوسيتيا الجنوبية ؛ ذلك الإقليم الصغير الذي لا تتجاوز مساحته 2500 كيلو متر مربع؛ وبعدد سكانه ال 70 ألف والذين هم في معظمهم من الروس، هي حرب بالوكالة؛ تقوم بها جورجيا نيابة عن الغرب، تستهدف المصالح الحيوية والأمن القومي الروسي، من شأنها أن تقدم جورجيا باعتبارها النقطة المتقدمة في الدفاع عما تعتبره تبليسي؛ الغرب الديمقراطي في مواجهة الأطماع الروسية الكامنة.
ولا يمكن على ضوء هذه القراءة اعتبار ما تم عبارة عن نزوة، أقدم عليها سكاشفيلي، الذي يعمل جاهدا على توثيق علاقاته بالغرب؛ وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا جيء بالأمريكيين والصهاينة من أجل تدريب القوات المسلحة الجورجية، من أجل صياغة عقيدة عسكرية جديدة للجيش الجورجي، تكون في خدمة التوجهات السياسية لتبليسي بعيدا عن إرثها وتاريخها،كأحد جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق.
وتهدف جورجيا من وراء ذلك العمل العسكري؛ التمهيد والتهيئة لتقوية ملف انضمامها إلى حلف الناتو، حتى لو كان ذلك بإشعال الحريق في منطقة القوقاز، باعتبارها في تقدير تبليسي الورقة الأقوى التي ستساهم في إقناع الدول الأوروبية المعترضة على انضمامها إلى الحلف ؛ بقيمة تبليسي لدول الأطلسي، الأمر الذي سيجعلهم يعيدون النظر في مواقفهم المعترضة على ذلك ؛ كفرنسا وألمانيا،على ضوء هذا الاستعداد الذي أبدته جورجيا في مقارعة الدب الروسي، وفرض التراجع عليه في قضيتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، متكئة في ذلك على دعم أمريكي غير محدود لموقف تبليسي ؛ كخندق متقدم للدفاع عن المصالح الغربية.



*الرد غير المتوقع*ومع أن الرد الروسي المفاجئ والحاسم قد أحدث إرباكا كبيرا؛ ابتداء في الموقف الأمريكي على صعيد القراءات السريعة المتباينة؛ سواء من قبل الصحافة أو لدى اصحاب القرار، رغم أن واشنطن ليست بعيدة عن قرار تبليسي ببدء تلك العملية العسكرية، وهو ما عبرت عنه موسكو بوضوح؛عندما أشارت بإصبع الاتهام إلى بعض الدول الغربية بأنها تشجع تبليسي في عدوانها.
إلا أن الموقف الأمريكي سرعان ما استعاد توازنه بعد استيعاب الصدمة الأولى ؛ التي أحدثها الرد الروسي المفاجئ إلى حد ما للمسؤلين الأمريكيين ؛ الذين أمضوا الأيام الأولى حسب التقارير الإعلامية في مراقبة القتال في أوسيتيا الجنوبية، ولعل فيما قاله مسؤول أميركي كبير تعليقا حول تداعيات تفجر الصراع في تلك المنطقة، من أن الروس قد "تحركوا في وقت مبكر عما كنا نعتقد أنهم سيفعلون"، مما يشير إلى أن واشنطن لم تكن بعيدة عما جرى، وأن رد موسكو الحاسم والسريع؛ كان يستهدف إيصال تلك الرسالة تحديدا إلى واشنطن؛ من أن موسكو لن تسمح لأحد بالعبث بالقرب من حدودها.
فموسكو التي كانت تراقب الموقف عن كثب، تستطيع الربط بين بدء العمليات في فجراليوم الثامن من هذا الشهر، ساعات بُعيد انتهاء زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية لتبليسي، تحت عنوان تقديم دعم بلادها للرئيس الجورجي، حيث دعت إلى جهود مكثفة من أجل تسوية النزاع القائم بين جورجيا وروسيا، في حين أن النزاع هو بين أوسيتيا الجنوبية وجورجيا، لأن الوجود الروسي يأتي في إطار حفظ الأمن في الإقليم بقرار دولي، إلا أن القوات الجورجية أدارت الظهر لكل ذلك؛ واجتاحت أوسيتيا الجنوبية دون سابق إنذار؛ وسيطرت على عاصمة الإقليم، وهو الاجتياح الذي أتي بعد تلك الزيارة، وأيضا بعد انتهاء المناورات المشتركة بين القوات الجورجية والقوات الأمريكية، حيث يتواجد أكثر من ثلاثة آلاف أميركي من بينهم 130 خبير عسكري من وزارة الحرب الأمريكية لتدريب القوات الجورجية.
ومع أن سفير روسيا الاتحادية في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين قد اتهم تبليسي بأنها مسؤولة بشكل كامل عن التصعيد في النزاع، إلا أنه مع ذلك قال "إنّ هجمات جورجيا على أوسيتيا الجنوبية تجري بالاتفاق مع بعض أعضاء مجلس الأمن"، وهي إشارة واضحة الدلالة؛ من أن النزاع يتعدى موضوع أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، إلى صراع على النفوذ طرفاه الأساسيان الولايات المتحدة وروسيا، غير أنه يجري على أبواب موسكو، ولهذا السبب يُوجه الاتهام إلى تبليسي ؛ بأنها قامت بحربها بالوكالة عن أميركا وحلف الناتو ؛ والمستهدف بشكل أساسي من تلك الحرب هي روسيا.
ومع ذلك يبدو من معطيات الصراع الدائر على الأرض حتى الآن؛ أن تقديرات واشنطن ورأس الحربة جورجيا لم تكن محسوبة جيدا، عندما أقدمت جورجيا صباح الثامن من هذا الشهر بالسيطرة على أوسيتيا، ظنا منها أن بطء رد فعل الروس على العمليات العسكرية، وهو البطء الذي يرتبط تاريخيا بردود أفعال روسيا ؛ وفي ظل وجود قيادة روسية جديدة في الكرملين قد تحتاج إلى وقت من أجل اتخاذ قرار الرد على ما أقدمت علية تبليسي، إلا أن تلك الحسابات لم تكن واقعية، خاصة بعد أن تم استهداف قوات حفظ السلام الروسية، وما قيل عن ارتكاب مجازر ضد مواطني أوسيتيا الجنوبية الذين هم من الروس ؛ حيث سقط ما بين 1500 إلى 2000 قتيل، وتم تهجير حوالي 34 ألف أوسيتي جنوبي، إضافة سقوط ضحايا من القوات الروسية لحفظ السلام، وهو الأمر الي ما كان للكرملين أن يغرق إزاءه في حساب الاحتمالات، لأنه هنا معني وأكثر من أي وقت مضي؛ التأكيد على حزم ومصداقية وحرص القيادة الجديدة في روسيا على الحفاظ على أمن ومصالح الدولة الروسية.



*كلفة تراجع موسكو*وأمام هذه التطورات المتسارعة عقد مجلس الأمن اجتماعات متواصلة لوقف التدهور، والوصول إلى قرار بشأن ما يجري في أوسيتيا الجنوبية؛ والذي تؤكد بعض المؤشرات أنه قد يتجاوز أوسيتيا إلى جورجيا نفسها ؛ ناهيك عن أبخازيا الإقليم المتمرد الآخر على تبليسي، خاصة وأن موسكو تسعى من خلال ردها بهذه العملية العسكرية الواسعة، أن توجه رسالة حاسمة ونهائية من أنها لن تقبل بأن يجري العبث من أي دولة بأمنها القومي؛ وكذا مصالحها وحياة رعاياها، خاصة بعد أن استردت روسيا عافيتها السياسية والاقتصادية وبكل ما تملك من قدرات عسكرية هائلة.
وتدرك موسكو أن أي تراجع في هذا الصراع المفروض، سيفرض عليها التراجع في مواقع وملفات أخرى، سواء فيما يتعلق بالدرع الصاروخية أو فيما يتعلق بمواقفها السياسية المنتقدة لسياسات الناتو إلى تحاول تطويق وحصار روسيا عبر توسيع الحلف شرقا ؛ وأيضا للسياسات الأمريكية في العديد من الملفات الدولية ؛ سواء في العراق أو الملف النووي الإيراني، خاصة وأن جورجيا وكذلك أوكرانيا يعتبران شريكين استراتيجيين لحلف الناتو وتسعيان من أجل الانضمام إلى الحلف، وهو الانضمام الذي تعارضه موسكو بشدة، لأن ذلك الانضمام يعني وضع موسكو أمام تهديد مباشر لأمنها ومصالحها.
وفي مواجهة دعوات وقف القتال التي تنادي به واشنطن وحلفائها، وهي التي سبق أن وقفت في مواجهة المجتمع الدولي ضد وقف المجزرة التي استمرت ثلاثة وثلاثين يوما من قبل الدولة الصهيونية ضد الشعب اللبناني ؛ بهدف توفير الغطاء والوقت ؛ لكي تستكمل الآلة العسكرية الصهيونية مهمتها في تدمير الجنوب اللبناني ؛ البنية التحتية والمواطنين وكل مظاهر الحياة ؛ ما بين الحدود الشمالية لفلسطين وصولا إلى بيروت، فإن موسكو تقول بأن لا لوقف العمليات العسكرية قبل العودة إلى الوضع الذي كان قائما قبل بدء العمليات العسكرية، مع التعهد المكتوب والمضمون دوليا بأن تحترم تبليسي استقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، في إطار الدولة الجورجية،رغم أن رئيس الوزراء الروسي قال بأنه من الصعوبة بمكان عودة هذين الإقليمين إلى مظلة الدولة الجورجية بعد عملية التطهير العرقي التي أقدمت عليها القوات الجورجية.



*أبعاد التصعيد الروسي*ومن هذا المدخل السياسي والقانوني ؛ أكد فلاديمير بوتين أن التدخل الروسي في أوسيتيا الجنوبية كان شرعيا وضروريا، وقال إن طموح جورجيا إلى الانضمام إلى عضوية حلف الأطلسي ؛ هي التي كانت وراء محاولتها جر الدول والشعوب الأخرى ؛ إلى مغامرات دامية، ولهذا فإن روسيا ستعمل على توثيق ما تعتبرها جرائم حرب أقدمت على ارتكابها تبليسي ؛من أجل معاقبة المسؤولين عنها أمام القضاء الدولي.
ومع ذلك فإن روسيا لا تريد أن يقف الأمر عند حدود أوسيتيا الجنوبية ؛بل إنها تسعى من أجل أن تستكمل قواتها المهمة ذاتها في إقليم أبخازيا ؛ بهدف فتح جبهة جديدة ضد جورجيا، ومن الواضح أن زمام المبادرة أصبح بيد القوات الروسية حتى الآن، ومن ثم فإن موسكو ليست معنية الآن بالعودة إلى الوراء، حتى بات وكأن موسكو كانت تنتظر هذه الفرصة من أجل إعادة ترتيب منطقة القوقاز الهشة ؛ خاصة إقليمي أوسيتيا وأبخازيا، بحيث تحقق المصالح الروسية، وهي من ثم رسالة بالغة الدلالة لحلف الناتو ولكل الدول في تلك المنطقة ؛ من أن هناك مرحلة جديدة قد بدأت، بعد أن وفرت مغامرة سكاشفيلي لروسيا فرصة إعادة رسم خريطة تلك المنطقة وفق مصالحها.
والسؤال من بعد، ماذا سيقول حلف الناتو ردا على ذلك ؟ الإجابة ستحددها مصالح الأطراف المتصارعة في إطار موازين القوى على الأرض؛ ومعطيات الربح والخسارة لتلك الأطراف، وذلك بالتأكيد ما ستحدده المقبلات من الأيام.





#سليم_الزريعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- من الحرب العالمية الثانية.. العثور على بقايا 7 من المحاربين ...
- ظهور الرهينة الإسرائيلي-الأمريكي غولدبرغ بولين في فيديو جديد ...
- بايدن بوقع قانون المساعدة العسكرية لأوكرانيا وإسرائيل ويتعهد ...
- -قبل عملية رفح-.. موقع عبري يتحدث عن سماح إسرائيل لوفدين دول ...
- إسرائيل تعلن تصفية -نصف- قادة حزب الله وتشن عملية هجومية في ...
- ماذا يدخن سوناك؟.. مجلة بريطانية تهاجم رئيس الوزراء وسط فوضى ...
- وزير الخارجية الأوكراني يقارن بين إنجازات روسيا والغرب في مج ...
- الحوثيون يؤكدون فشل تحالف البحر الأحمر
- النيجر تعرب عن رغبتها في شراء أسلحة من روسيا
- كيف يؤثر فقدان الوزن على الشعر والبشرة؟


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - سليم الزريعي - حرب القوقاز: أبعد من أوسيتيا