أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد القاهري - في جودة الطلب والعرض من السياسات العامة - حالة اليمن















المزيد.....

في جودة الطلب والعرض من السياسات العامة - حالة اليمن


محمد القاهري

الحوار المتمدن-العدد: 2387 - 2008 / 8 / 28 - 00:45
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


لو ان شخصاً طلب بضاعة رديئة الجودة بينما يمكنه بنفس الثمن الحصول على بضاعة اجود فسنقر بأن لديه مشكلة ما. ولو ان شخصاً عرض بضاعة رديئة الجودة بينما يمكنه لنفس الثمن عرض بضاعة اجود فسنقر إزاء سلوكه بنفس الشيئ. والمشكلة في الحالتين هي نقص المعلومات الضرورية لاتخاذ القرار اي تحديد الطلب والعرض. فالذوق مثلا لايكفي كأساس لتفسير السلوك هنا لان الذوق نفسه يتطور بفعل المعلومات.
والمشكلة تنشأ لان البحث عن المعلومات يكلف الوقت والمال لذلك يتجنبه الناس ويلجأون الى استخدام المتاح من المعلومات مجانا او بكلفة قليلة. وفي حالة المجتمع كله يغدو ذلك المتاح "استاندارد" اي معياراً عاما يعتمد عليه الافراد عند اتخاذ القرارات. ولان المعيار نفسه ينشأ من تراكم التجارب المختلفة فانه يعبر عنه بالثقافة. خلاصة هذه الفقرة هي ان الثقافة تحدد الاختيارات.
وماينطبق على الاختيارات الفردية كشراء سلعة ينطبق على الاختيارات العامة كاصلاح قاعدة دستورية او انتخاب مسئول سياسي او طلب خدمة حكومية. اي ان الطلب والعرض في السياسة يتبعان الثقافة السائدة في المجتمع. وهذه الثقافة في حالة اليمن خليط من التجارب المحلية ومن تجارب المجتمعات العربية والاسلامية. والملاحظ انها حديثة العهد بعناصر الديمقراطية الامر الذي يدعو الي الاعتبار انها لاتساعد على بلورة خيارات سياسية جيدة؟ سنقدم امثلة على ذلك مما يطلبه المواطنون واحزاب المعارضة من السلطة ومما تعرضه السلطة من سياسات للرد عليهم.

*موقف المواطنين

فبالنسبة للمواطنين، نلاحظ في مواقفهم السياسية وجود تناقض ولامبالات واتكالية وتجاوب مع سياسة فرق تسد وجَِِهِّلْ تسد.
- فمن التناقض ان يملأ المواطنون الآفاق شكوى من الحكومة ثم يعيدون انتخاب نفس شخوصها. وقد خبرنا ذلك في الانتخابات اليمنية منذ 1993. بينما ينتظر من هؤلاء المواطنين وانسجاماً مع الشكوى انتخاب حكومة من المعارضة او الادلاء ببطاقات بيضاء كي تتنبه الحكومة لعدم رضاهم وتعدل سياساتها بما يتناسب ومطالبهم.
- ومن اللامبالات الا يعترض المواطنون على نقص العرض من السياسات الحكومية او انحراف ذلك العرض عن الطلب الاصلي الذي يعبرون عنه. ولو لجأنا للتشبيه واخذنا مشتر يدفع ثمن كيس قمح كامل فانه سيرفض ان يسلمه البائع ثلاثة ارباع الكيس فقط او ان يسلمه عصا او ان يسمعه مزمارا مقابل الربع الآخر. والمواطنون يمولون الخدمات العامة (من عائدات النفط الذي هو ملكية عامة للشعب ومن الواجبات والضرئب والرسوم التي يدفعوها) كي تكون كاملة. ومن المفترض ان لا يكون هناك انقطاعات للكهرباء والمياه مثلا اونقص في كراسي تلاميذ المدارس. كما من المفترض ان لا تنحرف الحكومة باموال الميزانية العامة لتنفقها على عصا (انفاق النسبة الاكبر من الميزانية في شراء اسلحة وتمويل حروب داخلية) او على مزمار (تمويل الاجهزة الاعلامية والحزبية والوجاهات التي تمارس الدعاية للحكومة). لكن المواطنين في اليمن يتعايشون مع نقص الخدمات الحكومية وانحراف التمويل ويعيدون انتخاب نفس الحكومة مما يدل على رداءة الطلب السياسي الذي يصوغونه.
- وتتظاهر الاتكالية عندما يعتبر مواطن ان العمل السياسي فرض كفاية يسقط عنه اذا قام به آخرون. لكن تبرز مشكلة عندما يعتبر كل المواطنين نفس الشيئ وفي نفس الوقت، اذ لا احد منهم ينبري لأداء الفرض. بهذه الطريقة يتمكن الانتهازيون من الانفراد بالقرارات السياسية وبالاموال العامة وتوجيهها بما يخدم مصالهم الشخصية وليس مصالح المواطنين. وذلك يعطي صورة عن رداءة الطلب والعرض من السياسة على حد سواء.
- ويغدو التجاوب مع سياسة فرق تسد وجَِِهِّلْ تسد مشكلة عندما تتحول السياسة من لعبة تعاون الى لعبة صراع. ففي هذه الحالة تتصرف الحكومة او السلطة كجماعة منفصلة عن المواطنين وبفضل احتفاظها بعوامل القوة فانها تلجأ الى اضعافهم وقمعهم كوسيلة للحافظ على مصالحها الخاصة. مع ذلك لا يمكن لحكومة قمع المواطنين مجتمعين وانما باللعب على انقسامهم الى جماعات وتغذية ذلك الانقسام بدوافع الاختلاف كي تتمكن من الانفراد بكل جماعة على حدة وقمعها. والخطأ هو ان يسير المواطنون على هذا النحو وان يتعاملوا مع القمع وفقا لشعار" النار لاتحرق الا رجل واطيها” فلا تقاوم الجماعة منهم القمع عندما يقع على غيرها وانما اذا طالها مباشرة. والخطأ في هذا السلوك هو ان يعطي للحكومة الفرصة لقمع الجماعات واحدة تلو اخرى. والخطأ الافدح بالطبع هو ان تساعد بعض الجماعات الحكومة في قمع البعض الآخر. حدث ذلك في حرب 94 عندما وقفت بعض المعارضة مع السلطة في حربها ضد الطرف الجنوبي. وتكرر من خلال تعامل الكثير من المواطنين مع قمع الحكومة للاحتجاجات في الجنوب ومع حربها ضد الحوثيين وملاحقاتها للفئات الثقافية مثل الصحفيين او النشطاء المدنيين من السادة او الزيديين وكانه امر لايعنيهم. بل ان مواطنين قبليين يعانون من شظف العيش وانعدام التعليم والمياه شاركوا في الحرب ضد الحوثيين بدلا من الحياد او مطالبة الحكومة بانفاق اموال الحرب لتوفير المياه والتعليم لهم. وفي ذلك رداءة سياسية صارخة. ووجه الرداءه يكمن في اهمال التعليم كعامل تطور والدوران في نفس حلقات الصراع والعنف المعتادة.
- ويمتد الامر الى فئة الصحافيين والمثقفين الملحقة افتراضا بطرف المواطنين حيث يبدو عمل اعضاء هذه الفئة مبتورا. فهم غالبا مايشبعون الوضع السياسي وصفاً وتشخيصاً لكن دون التصعيد باقتراح حلول لمشاكله وخطوات عملية لبلوغ تلك الحلول. وموقف كهذا يثير خلطا، اذ يوحي بوجود هامش ديمقراطي، لكن ذلك الهامش لايساعد على تحسين الوعي السياسي للمواطنين الى درجة توصلهم الى تغيير الحكومة بالانتخابات. والامر قد لايفسر بدرجة رئيسية بوجود مخاطر تحول دون التصعيد من طرف الصحفيين والمثقفين وانما بعدم الارتكاز على معلومات موضوعية ومنهجية تلقي الضوء على قضايا تمثل مادة للتصعيد الناجح، مما يرجعنا في هذه الحالة ايضا الى مشكلة المعلومات.
- ايضاً، يسجل بعض المتدينين موقفا آخر مبتورا يتصل بدور المرأة في الديمقراطية. فهم لايعارضون دور المرأة كمقترع ويعارضونه كمرشح ومنتخب، بحجة ان موقع المرأة كمنتخب يمنحها ولاية بينما لاولاية لامرأة في حضرة الرجال. وهو موقف ينطوي على تلاعب بالمعلومات ويكرس انفصاماً اخلاقياً. ففي الديمقراطية، صاحب الولاية هو الشعب عن طريق الاقتراع. فلو ان الصوت الذي اعطته المرأة لمرشح هو الذي رجح كفته ليتولى المنصب فان الولاية ترجع لمن اعطى الصوت اي تلك المرأة. فضلا عن ذلك، في الديمقراطية كل مواطن يساوي صوتاًِ سواء كان رجلا او امرأة. وصوت المرأة في الانتخابات شهادة تزكي مرشحا بالمقارنة مع غيره؟ فكيف يساوي بعض المتدينين شهادة المرأة في الانتخابات بشهادة الرجل وهم يتمسكون بقاعدة ان شهادة المرأة في الشريعة نصف شهادة الرجل. اي ان هؤلاء المتدينين ومن اجل الفوز بالمناصب فقط يعتبرون شهادة المرأة كاملة. وكل هذا يدخلنا في تناقض وخلط شديدين وفي مغالطة اخلاقية بينما يمكن الخروج منه بسهولة بدعم المرأة كمرشح ومنتخب دون جدل ظرفي عقيم يفصل بين مستويي مسئولية المرأة.

*موقف الطبقة السياسة (احزاب الحكومة والمعارضة)

نقيم موقف الطبقة السياسة في ميدان الطلب والعرض من السياسة من زاويتين: الموقف من قواعد اللعبة الديمقراطية اي من قواعد اختيار الحكومة، والموقف من اجمال الطلب السياسي للمواطنين وتلبيته.

> الموقف من قواعد اللعبة الديمقراطية.
الطبقة السياسية معنية بتحديد او تعديل القواعد الدستورية والقانونية او الاجرائية (مثل قواعد الانتخابات) المنظمة لاختيار الحكومة فهل ما تقترحه السلطة والمعارضة من تعديلات وتحسينات على هذه القواعد وما تعرضه على الشعب من مشاريع الحلول او الاصلاح تعتبر خيارات جيدة؟
لو عدنا الى مسألة انقسام المواطنين الى جماعات وهو واقع موضوعي فانه يتبع ذلك الانقسام اصطفاف الطبقة السياسية الى تيارات (يمين ويسار ووسط مثلا) لكل منها رؤى وافضليات سياسية مختلفة ومتنافسة، ولكل استراتيجيات يسعى لتحقيقيها. ومن ثم يصعب توافق الجميع دائماً حول القواعد. فحتى لو كان هناك توافق مبدئي سيكون هناك اختلاف في شروط كل تيار، بمعنى ان كل تيار لن يثق بالآخرين وسيرى نفسه الافضل للشعب ومن ثم الاحق بتطبيق رؤياه السياسية. لكن لانه "مافيش حد احسن من حد" فان ثمرة القواعد السليمة للديمقراطية هي ان تسمح لكل طرف بتجريب شروطه وتجنب العنف او التدليس من اجل فرض شروط احد التيارات. والوسيلة المثلى لذلك هي ان يحكم تارة حزب او تحالف احزاب يمثل تيارا وان يحكم تارة اخرى حزب او تحالف آخر. الاصطلاح المعتاد لذلك هو تداول السلطة.
لكن منذ بداية الديمقراطية في 1993 وبعد ثلاث دورات انتخابية رئاسية وبرلمانية لم نر الا مشروعا واحدا لنفس الرئيس ونفس الاغلبية البرلمانية، بينما فترة الـ 15 سنة كافية لحدوث تداول كلي للسلطة (اي تغيير الرئيس والاغلبية البرلمانية). لكن ذلك لم يحدث مما يعني ان الديمقراطية معطلة، والسبب الملموس لعطلها هو ان اسس الانتخابات غير سليمة. ويتعزز الموقف غير السليم من تلك الاسس مع تجدد الخلاف قبل انتخابات 2009 حول تغيير قواعد العملية الانتخابية. ونترجم ذلك بان الطلب والعرض في العملية السياسية رديئين لأن الاختلاف حول القواعد السليمة وتغييبها يأتي عكس اهمية جدواها كعقد اجتماعي يخفض مخاطر وتكاليف تنظيم المجتمع ويرفع كفاءة ذلك التنظيم. وقد اتى تراجع الحكومة الاخير عن تعديل قانون الانتخابات وتشكيل لجنتها كدليل على رداءة العرض من السياسات. فلو كان هدف الحكومة فعلا عرض سياسات جيدة من خلال اصلاح عملية الانتخابات لأدت دورها ونفذت التعديلات حتى لو تخلفت عنها المعارضة.

> موقف المعارضة
تقف المعارضة على مسافة متساوية من الطلب والعرض من السياسات فهي امام المواطنين في موقف من يعرض مشاريعه كي ينتخبه المواطنون وامام السلطة في موقف من يطلب تصحيح قواعد اللعبة كي يتمكن من الفوز باصوات المواطنين. وهناك اوجه رداءة في الحالتين. فالمشاريع الاصلاحية التي تعرضها المعارضة غير كاملة خاصة من جانب وسائل تنفيذها. كما ان هناك مطالب جذرية ضرورية لتصحيح قواعد اختيار الحكومة (اي لتحسين العملية الديمقراطية) ارتبكت المعارضة ازاء ها وفشلت في الدفاع عنها. ومنها على سبيل المثال:
1.فرض التدابير الكافية لمنع الحكومة بشكل صارم من استخدام المال العام في شراء الذمم والاصوات من اجل حسم الانتخابات لصالحها.
2.فرض التدابير التي تسمح للمواطنين والمعارضين بتشغيل قنوات اذاعية وتلفزية حرة (غير حكومية) كوسيلة للكلام والتعبير الواسع عن مطالبهم، وذلك بعد ان ثبت عدم كفاية التدابير المتبعة لتحييد الاعلام الحكومي ومنعه من الدعاية المنحازة للحكومة.
3.منع المنع، اي منع الحكومة من منع الاعتصامات والمظاهرات والفعاليات الجماهيرية التي لجأ اليها المواطنون للتعبير عن طلبهم السياسي، والتمسك بالغاء ومنع الاعتقالات على ذمة الفعاليات التعبيرية كقضية مركزية لاتقبل النقاش وشرطاً لاجراء اية انتخابات.
4.التحيز للشعب وللمعارضين (مثل الحركة في الجنوب والحوثيين والمعتقلين) ونبذ السلطة لانها من ناحية لاتستمع للمعارضة ولانها من ناحية اخرى رغم وجودها في موقع المسئولية تمارس الفساد والعنف وتمرر مشاريع ديمومتها دون اكتراث لاشتداد فقر ومعاناة المواطنين. وسكوت المعارضة على ذلك او اهماله ضرب من السذاجة في احسن الاحوال او من التعاون على الاثم، بينما بالنسبة للمتدينين من المعارضين خاصة نذكر ان الامر الرباني هو ان "تعاونوا على البر والتقوى” وليس العكس.
وخلاصته انه مالم تنتزع المعارضة التصحيحات المذكورة فان الموقف المنسجم هو مقاطعة الانتخابات. فالانتخابات بنفس المقدمات والنتائج لن تتمخض عن اي تغيير او تحسن سياسي، غير ان ذلك سيعني استفحال حالة الرجل المريض القائمة ولا ينبغي بالمعارضة المشاركة في ذلك اذا كانت فعلا طالبة تغيير وتحسن.

> اجمال الطلب وتلبيته
لنتجاوز مسألة اختيار الحكومة وننتقل الى مسألة اجمال الطلب، وهو العملية التي بواسطتها تتلقي الحكومة مطالب المواطنين ازاء القوانين او السلع والخدمات الحكومية لتعمل بعد ذلك على تلبيتها عبر سياسات وبرامج ملموسة. فكيف يمكن للحكومة ان تقوم بهذه المهمة دون ان تخلف خاسرين بشكل غير مبرر ودون امكانية تعويض او دون ان تخلف مستفيدين بشكل غير مستحق؟
تبرز في هذه العملية معضلة اولية: كيف توفق الحكومة بين مطالب مختلف المواطنين وتترجمها الى شيئ متجانس؟ فمن اوجه المشكلة ان المواطنين مختلفين بأفضلياتهم وقدراتهم المالية وبميلهم الى الانانية او الى الايثار وقد تكون طلباتهم غامضة ومتناقضة. فإزاء القواعد والقوانين رأينا اخيرا كيف اختلط الامر بين من يطالب بتصحيح قواعد الانتخابات وبين من يرفض، بين من يؤيد ايقاف الحرب واطلاق المعتقلين السياسيين ومن يعارض. وهناك من يطالب بمكافحة الفساد ومن يتلاعب بالهيئة المشكلة لذلك. وهناك من يطالب بمنع السلاح وهناك من يعارض. وهناك من يقلق لشحة المياه ويطلب منع ضخ المياه الجوفية بدون رسوم وهناك من يعارض لانه يريد سقي القات، وهكذا.
وإزاء السلع والخدمات الحكومية، فقد نجد الاسر الفقيرة المسئولة عن عدد كبير من الاطفال تطلب زيادة الانفاق عل التعليم الاساسي بينما سيعارض عسكر نافذون ذلك وسيطلبون زيادة الانفاق على التسليح والجيش. وهناك من سيطالب بزيادة انخراط بنات الريف في التعليم بينما هناك من سيعارض اختلاطهن مع الذكور في ظل انعدام المدارس الخاصة بالبنات. وهناك من الريفيين من سيطلب زيادة الانفاق على الصحة والطرق لتحسين خدمات الاسعاف والتطبيب الاولي في الريف بينما الملاك الذين يستخدمون الات انتاج ونقل زراعية سيفضلون زيادة دعم سعر الديزل من الميزانية الحكومية. فكيف يمكن للحكومة مواجهة هذه المعضلة دون ان تقع في الخطأ؟
لو ان مشكلة المعلومات حلت فسيمكن للحكومة عموما اتباع توليفة من الطرق تساعدها على الاستجابة الجيدة للمواطنين. وقد ترتكز تلك التوليفة على توجيه الانفاق الى الاولويات الصارخة، على قمع الفساد واتباع الشفافية والنزاهة في تسيير الميزانية العامة، على توعية الجمهور، وعلى تطوير اللامركزية من اجل حفز التعاون والمشاركة كسبيل لتحسين القرارات. اما دون حل مشكلة المعلومات فعلينا ان نتوقع مواقف اسوأ.

> امثلة من المواقف الأسوء إزاء طلب المواطنين.
1. منع الطلب
الموقف الاسوء الاول هو ان تعجز الحكومة امام معضلة اجمال الطلب فتلجأ صراحة الى منع الطلب. والسبيل الاقرب لذلك هو منع الناس من الكلام. وقد رأينا ذلك من خلال منع الاذاعات والتلفزات غير الحكومة ومن خلال حجب الصحف والمواقع الالكترونية غير الحكومية ومن خلال منع المظاهرات والاعتصامات السلمية ومن خلال حبس قادة الرأي والمثقفين والفنانين.
2. تشويه طلب المواطنين ووضعهم محل اتهام
كذلك من السيئ ان تسعى الحكومة الى تشويه مطالب المواطنين من خلال اتهامهم بالانفصالية والامامية والارهابية والتمرد والفوضى والعمالة للخارج ،،الخ ومن خلال شراء ذمم بعض المحتجين ثم استخدامهم كشهود لادانة المطالب التي كانوا يرفعونها.
3. ممارسة السياسة بـ"البسطات"
فمن المواقف السيئة جدا ان يؤدي عجز الحكومة عن تلبية الطلب الى عملية هروب من ميدان السياسة الحقيقية الى ممارستها كنشاط مواز (اي في قنوات غير رسمية وغير شرعية). النشاط الموازي اشتهر اصلاً في الاقتصاد والمثال المبتذل عنه هو لمن يتجول في بعض شوارع صنعاء ان يرى "بسطة" امام كل دكان. ومن امثلته في السياسة التقلب واتباع الاعراف القبلية والاهواء الشخصية في ادارة الدولة بدلاً عن الدستور والقوانين والمؤسسات؛ الانتخابات الشكلية (خاصة الانتخابات الرئاسية لعام 99.)؛ تفريخ احزاب وصحف وشخصيات المعارضة بخلق نسخ "بسطة" منها؛ بل وخلق معارضة للمعارضة. كما شكى قادة واعضاء من مجلس النواب بان لادور لمجلسهم (لاعلم للاعضاء مثلا في تفاصيل عائدات النفط) مما يترجم بان بسطة ما قد شلت دوره. وتعاقب قادة في حزب المؤتمر الحاكم يشكون من واقع ان حزبهم ذي الاغلبية البرلمانية والذي يشكل الحكومة لايحكم فعلا مما يعني ان بسطة ما استحوذت على الحكم. كذلك سعت الحكومة لاستخدام القبائل في حرب صعدة رغم وجود الجيش الجرار. وكانت ردة فعلها على تفاقم المشاكل في الجنوب هي ان اطلقت مجموعة لجان بسطة بدلا عن مصداقية المعالجات عبر المؤسسات الحكومية الموجودة. ويتولى مشايخ وضباط نافذون التدخل في القضايا والحبس بدلاً عن القضاء الرسمي.
اياً كانت الأسباب التي تدفع الى فتح بسطة امام كل دكان فانها مؤشر على ان الاقتصاد يعمل بشكل عشوائي وردئ. وكذلك وجود بسطات في السياسة يدل على العشوائية والرداءة.

*خلاصة

لاشك انه بسبب الرداءة المشار اليها في السياسة والاقتصاد مانفك وضعهما يتدهور مع مرور الوقت.
السبيل الوحيد لتحسين جودة الطلب والعرض من السياسة وتحسين نتائجها هو تحسين المعلومات. ونقطة الانطلاق لذلك هي افساح المجال للكلام واشكال التعبير السلمي الجماعية وبدون اية شروط. وهناك شروط نظامية ومؤسسية لتحسين العرض من السياسات العامة خاصة في جانب اجمال وتلبية الطلب وهي اللامركزية والعمل من خلال المؤسسات لاخارجها واشاعة الصدق والنزاهة والتعاون بين المواطنين وسلطات الدولة.






#محمد_القاهري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نضالات المجتمع وآفاق اليسار في عهد العولمة
- دور عدن: التركز الاقتصادي، اللا تركز السياسي وحكم السَّرَق
- عن العلاقة بين النقابات والاحزاب والمجتمع المدني
- عن القوالب الحضارية وتفعيل القالب اليساري
- .عدم الاتساق في خطاب الدكتور أحمد صبحي منصور: ملاحظات
- في الذكرى الخامسة لانطلاق الحوار المتمدن: مساهمة في فهم إشكا ...
- تناقض الديمقراطية الغربية ماوراء البحار
- في تعريف الفساد وسبل الحد منه: حالة اليمن


المزيد.....




- بعد تجارب 40 سنة.. نجاح زراعة البن لأول مرة في مصر
- كندا تسمح لـ-إيرباص- بشراء التيتانيوم الروسي
- -أرامكو- السعودية توقع صفقة استحواذ ضخمة
- مشروع ضخم جديد بين مصر والسعودية
- مصر تستعد لبناء سفن جديدة مع الصين
- روسيا تبحث إنشاء موانئ في مصر والجزائر ودول إفريقية أخرى
- بيسكوف: -عسكرة- الاقتصاد البريطاني -تمويه- لوضع اقتصادي صعب ...
- تقرير لصندوق النقد: مصر تعهدت بالكف عن الاقتراض المباشر من - ...
- الصين تقود سوق السيارات الكهربائية بالعالم
- شاهد.. أبرز تداعيات الحرب في غزة على اقتصاد كيان الاحتلال


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد القاهري - في جودة الطلب والعرض من السياسات العامة - حالة اليمن