أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هشام - يومٌ آخر.. غيابٌ آخر














المزيد.....

يومٌ آخر.. غيابٌ آخر


محمد هشام

الحوار المتمدن-العدد: 2383 - 2008 / 8 / 24 - 07:34
المحور: الادب والفن
    


يومٌ آخر شديدُ القسوة. فرحٌ آخر يُنتزعُ عنوةً. صوتٌ آخر يكف عن الإنشاد، وغياب آخر يسترجع وجوهَ مَنْ غابوا مِن قبل ومنْ يتربص بهم الغيابُ من بعد.
حزنٌ آخر يعيد طرحَ أسئلةٍ لا تُفضي إلا إلى غيرها:
لماذا يموتُ المبدعون من أمثال عبد الوهاب المسيري في هذا الوطن، أو في هذا الذي كان وطناً في زمان ما؟
هل هناك ما يشدُّهم إلى هذا الغياب، أو بالأحرى يسوقُهم إليه مرغمين؟ أم أنهم يجدون فيه ملاذاً من غياب آخر أشد وطأة وسط أشياء الحياة؟
هل يحتمون بموتهم الصغير من موتٍ لا قِبل لهم به يجتاحُ الوطنَ بأسره ويعصفُ بصورتِه فيهم أو بوجودهم فيه؟
أم أنهم يُشهرون موتَهم احتجاجاً على تلكؤ الوطن في الإصغاء لأصواتهم والسير على هَدْي حلمهم؟
هل موتُ المبدعين على هذا النحو المباغت والمتسارع هو نذير باستمرار الموت العلني العام، أم أنه بشيرٌ بأن ثمة ما ينتظر الولادة؟
...
...
حزنٌ يومئ إلى ما سبق من أحزانٍ لم تهدأ تماماً، وإلى أخرى تتهيأ للمجيء.
لماذا تضيقُ هذه الرقعةُ من الأرض بهؤلاء الذين لم يكفوا عن منحها أبهى ما فيها:
نبيل الهلالي، جمال حمدان، أحمد بهاء الدين، رؤوف عباس، أحمد مستجير مصطفى.. وغيرهم.. وغيرهم؟

ولماذا ارتضت أن يكفَّ عن الإنشاد، بغتةً، هؤلاء الذين لم يبتغوا منها إلا أن تكون أفقاً حراً لنشيدهم:
أمل دُنقل، يحيى الطاهر عبد الله، شعبان مكاوي، محمد حاكم، حامد العويضي.. وغيرهم.. وغيرهم؟

ولماذا لم تكنْ أكثرَ صبراً مع هؤلاء الذين لم يعرفوا لخطوهم سبيلاً سوى حبها:
تيمور الملواني، أروى صالح، سهام صبري، سناء المصري، نزار سمك، أحمد عبد الله.. وغيرهم.. وغيرهم؟

تتزاحمُ الأسماءُ، ويتعبُ القلبُ من تدوين مَنْ رحلوا، ويفزعُ إذ يباغتُه السؤال: مَنْ تبقى لي لأفقدَه غداً؟
...
...
تُرى ماذا كان عبد الوهاب المسيري سيقول لو أُتيح له أن يفيقَ للحظةٍ من غفوته ويُطلَ على جنازته؟

ربما كان سيمدُّ يدَه ويجففُ دمع الباكين، ويشدُّ على أيديهم حانياً ومؤازراً، ويبادرُهم بنكتة من نكاته، أو يدل أعينَهم على الفريد والبهي فيما لا يبدو كذلك.

ربما كان سيمعنُ في النظر إلى وجوه أحبائه الساكنين في نسيجِ الرُوح: هدى حجازي ونور وياسر، ويقول:
منحتموني أغلى ما يمكنُ أن تمنحه أسرةٌ لربِّها: أن أكونَ كما شئتُ أن أكون. فشكراً لكم.

وربما كان سينفردُ بأحفاده: نديم وأدهم وصفية، ويقصُ عليهم حكايةً من حكاياته تصلُ أمسَهم بيومِهم وحُلمَهم بغدهم، وتقيهم وحشةَ الوجودِ في وطنٍ دون أن يكونوا منه.

ربما كان سيومئ بفرحٍ إلى تلاميذه.. هؤلاء الأبناء الذين لم ينجبهم، ولم يبخل عليهم، رغم ذلك، بأسمى معاني الأبوة.. ربما كانوا سيهمسون له:
تركتَ لنا كنزَ أعمارنا: حضوركَ فينا. فشكراً لك.
وربما كان سيهمس لهم:
لم تتركوا صوتَكم لقدَرَ الببغاء، ولم تتركوني لمصير الملقن التعيس أو الأيقونة المهملة. فشكراً لكم.

ربما كان سيتفحص الوجوه في حشود السائرين خلفه ومن حوله، ويقول:
غاب الذين ينبغي أن يغيبوا: من يمسكون برقابِ البلاد والعباد.. من يسرقون الفرحَ من عيون البسطاء بعد أن سرقوا صوتَهم ورغيفَهم وحلمَهم.. من لا يرون في الوطن إلا مرتعاً أو معبراً لجيوش الغزاة.. العابرون.. الغابرون.. الزائلون.. الزائلون.. الزائلون.
غابوا لأنهم ليسوا جديرين بالحضور لا في الزمان ولا في المكان، وإن طالَ مقامُهم وثقُلَ عتادُهم.
غابوا، فلن أكون مؤرَّقاً بامتنان زائف لمن لا يستحق.

وربما كان سيجولُ ببصره ويردفُ أيضاً:
حضرَ الذين أُحبُّهم جميعاً: القابضونَ على جمرِ الحقيقة.. الواثقونَ من صوابِ الحُلمِ.. السائرونَ على شوكِ دروبهم.. الثائرونَ على قبح أيامهم.. القادمون من البداهة.. الذاهبونَ إلى الملاحم.. الطيِّبونَ.. الزاهدونَ.. الثابتونَ..
حضروا، فلن أكون وحيداً.
...
...
لن تكونَ وحيداً..
هناكَ الذينَ رأوْا بين كفَّيْكَ
ما ينبغي أن يُرى
والذين اشتهوا في ضواحي نشيدِكَ
غيرَ الذي يُشتهى.

هؤلاءِ..
يعودونَ من آخرِ التُرَّهات إلى أوّلِ الرُوحِ
لا يتبعونَ الخُطى نفسَها، ربما
لا يمرُّون عبرَ دروبِكَ أبداً
ولا يصلونَ إلى المُنتهى، ربما
لا يرونَ تماماً، ولكنهمْ
يَنشُدونَ المسافةَ بين السؤالِ وظلِّ السؤالِ
ويبتسمونَ إليك.



#محمد_هشام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دولٌ أم مَتَاع ؟ (1) ليس إلا...
- دولٌ أم مَتَاع ؟ (2) ولا شيء أكثر
- تعليق على مقال الأستاذ/ جاسم المطير بعنوان -إلى المثقفين الم ...


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هشام - يومٌ آخر.. غيابٌ آخر