أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - محمد أبوسالم - لماذا يفجرون أنفسهم؟















المزيد.....

لماذا يفجرون أنفسهم؟


محمد أبوسالم

الحوار المتمدن-العدد: 2373 - 2008 / 8 / 14 - 01:19
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


حيرتني إجابة هذا السؤال كثيرًا، شاب في مقتبل العمر - دائمًا في مقتبل العمر- يضغط على زرٍ محولاً جسده إلى أشلاء ومصطحبًا معه عددًا لا بأس به من الضحايا، كل هذا يقدمه قربانًا لإله أخبروه أن هذه أفضل الطرق لإرضائه، المشهد لم يعد مستغربًا من كثرة التكرار، ولكن لماذا؟ لماذا يفجرون أنفسهم؟

بنظرة سريعة ولا تخلو من التسطيح سنجد أن أغلب من يفجرون أنفسهم هم من المسلمين السنة، صحيح أن التاريخ ممتلئ بالكثير من العمليات الانتحارية، ولكن هناك خلاف نوعي بين ما يحدث الآن وبين هذه العمليات، ودعونا نستعرض بعض هذه العمليات كمحاولة للفهم بشكل أفضل.

أقدم عملية انتحارية - وهي غير موثقة - ما فعله شمشون عندما هدم المعبد على نفسه وأعدائه، ولو اعتمدنا الرواية التوراتية سنجد أنه فعل هذا يائسًا، وكان متيقنًا من موته فآثر الانتقام، وهناك عمليات انتحارية وجهت لسياسيين كتلك التي فعلها أبو لؤلؤة المجوسي عندما قتل عمر في المسجد، أو كما فعل عبد الرحمن بن ملجم الذي قتل علي، أو مثل سليمان الحلبي الذي قتل كليبر، وهناك عمليات انتحارية أثناء الحروب وجهت لعسكريين، كما فعل فرسان المعبد أثناء الحروب الصليبية عندما اصطدموا بسفينتهم بإحدى سفن المسلمين فأغرقوها وماتوا، كذلك حدثت بعض العمليات الانتحارية في الهند ضد القوات البريطانية، وفي الجزائر ضد القوات الفرنسية وفي ليبيا ضد القوات الإيطالية، وربما كانت (الكاميكاز) أشهر العمليات الانتحارية في القرن العشرين، وهي التي قام بها الطيارون اليابانيون ضد القوات الأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية.

من هذا العرض السريع نلاحظ شيئين، الأول أن العمليات الانتحارية غير مقصورة على دين، ولا تختص بها فئة من البشر، والثاني أن التفجيرات التي تحدث الآن تختلف نوعيًا عن العمليات السابقة في أن جزء كبير منها يوجه ضد مدنيين، سواء لإرهاب حكومة ما، أو لخلاف حول قضية ما عرقية أو دينية أو حتى موقفية، وهذا لا ينفي أن بعضها يتشابه مع السابقة مثل أغلب عمليات حزب الله، وبعض العمليات في فلسطين والعراق، ولكن هذا الاختلاف النوعي لأغلبها يتطلب بطبيعة الحال تحليلاً متأنيًا ومحاولة جديدة للفهم، وقد كنت أعتقد مخطئًا أن هذه العمليات يمكن تفسيرها بحالة اليأس التي تمر بها شعوبنا لتدني المستوى الاقتصادي والثقافي والاجتماعي وانهيار منظومة القيم وانهيار كل الأحلام والمشاريع النهضوية، ولكني - وإن كنت لا أنكر دور العوامل السابقة - أظن أن هناك دورًا مهمًا يلعبه الخطاب الديني السائد ممثلاً في الأزهر بالتحديد كأكبر مؤسسة دينية سنية في العالم.

الأزهر في أغلب الأوقات يتبنى خطابًا متسامحًا معتدلاً، بل ويرفض صراحةً العمليات الانتحارية الموجهة ضد مدنيين، وإن كان على عكس علماء المملكة السعودية الرسميين لا يحرم العمليات الانتحارية على إطلاقها، فلماذا طالما هذا خطابه نجد هذه العمليات متفشية في الجماعات ذات الطابع السني الراديكالي؟

أعتقد أن مربط الفرس هو منطلقات المؤسسة الدينية التي أرادوا تثبيتها، فالأزهر والمؤسسة الدينية في السعودية يتفقون على ركائز يعتبرونها مسلمات لا تقبل النقاش، ويقومون بحشوها بعقول أجيال بالكامل بشكل معتمد على التكرار والحفظ الذي يؤدي لما يشبه غسيل المخ، ويمكن اختصار هذه المرتكزات في النقاط التالية:

* إتباع عموم لفظ القرآن مع إهمال خصوص السبب تمامًا خارج النطاق الأكاديمي، كذلك إهمال غاية النص طالما كان محكمًا قاطعًا، مع وضعهم هم أنفسهم لألفاظ وشروط تحدد المحكم القاطع عن غيره، مع تبرير التناقض - الذي يبرره خصوص الموقف - عن طريق الناسخ والمنسوخ أو اللجوء للتأويل الذي يكون مفرطًا أحيانًا.

* افتراض الصحة المطلقة في النص الثانوي وهو الحديث النبوي إذا انطبقت عليه محددات وشروط الصحة التي وضعوها هم بأنفسهم، وبمجموعة من العلوم المعتمدة على صحة النقل وصدق الراوي في المقام الأول، وليس على أي منهجية أخرى.

* افتراض وجود عصر مقدس تحقق فيه الإسلام الحقيقي وهو عصر الخلافة الراشدة، مع افتراض أنه أفضل الممكن على كل المستويات، ونشد إعادته بأساليب حكمه وطبيعة علاقاته.

* افتراض أن هناك أشخاص يرتفعون لمقام التقديس، وعدم السماح حتى بمجرد نقض تصرفاتهم أو تصويرهم عبر الفنون المختلفة، بالرغم من فضائحهم التي تملأ الآفاق، وأعني بهم الصحابة والذين يصل بهم البعض إلى ما يزيد عن مائة وعشرين ألف شخص.

* افتراض وجود اجتهادات لا يمكن الإتيان بمثلها أو تجاوزها، ويكفي ذكر أن ابن تيمية قال كذا ليصمت المحاور على اعتبار أنه لا يمكن الإتيان بأفضل من اجتهاده، وقس على ذلك مئات الفقهاء والشراح والمفسرين.

* إعتماد التاريخ الإسلامي الذي كتب في فترة قلاقل سياسية بشكل مطلق، وبدلاً من غربلته من الإضافات التي لحقت به نتيجة هذه الخلافات والقلاقل يلجأون لتبريره بكل الأشكال الممكنة.

وعندما نحلل هذه المنطلقات نجدها تتعارض أحيانًا مع بعض مواقف وفتاوى هذه المؤسسات الدينية، ففي الوقت الذي نجد فيه علماء المملكة وهم الأكثر تشددًا على الإطلاق ينكرون على المرأة قيادة السيارة من منطلق ديني، نجد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام للملكة يحرم العمليات الانتحارية مستندًا لنص:

"وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيما, وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً"

الوارد في سورة النساء، وفي نفس الوقت الذي يحلل فيه سيد طنطاوي شيخ الأزهر فوائد البنوك ويدعو مبارك لجلد الصحفيين، نجده يحلل هذه العمليات مستندًا لنص:

"إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون"

ولتفسير ابن كثير لهذا النص، ولكن مسألة الخلاف هنا موضوع آخر ويدخل في تحليل مواقف المؤسسة الدينية وعلاقتها بسلطتها وبالسلطة السياسية، وعودًا لموضوعنا، لماذا برغم تسامح الأزهر الظاهري وتحريم مفتي المملكة للعمليات الانتحارية نجدها منتشرة بين أهل السنة؟؟

إن هذه المرتكزات بما صاحبها من علوم عقدت المسألة للغاية، وجعلت منهم كهنوت منوط به تقديمها للناس بشكل يمكن فهمه، مما أعطاهم وضعًا خاصًا ومتميزًا، برغم أن هذا الكهنوت يناقض العديد من النصوص بالإسلام، بل ويفقده نقطة أظنها أهم نقاط قوته، ولأن هذا الكهنوت غير أصيل في العقيدة الإسلامية، نجده يسري على العوام فقط، أما المسلم المثقف فيتملص منه، مما يفسر لماذا توجد هذه التفجيرات رغم معارضة المؤسسة الدينية.

فالمرتكزات السابقة والتي شكلوا بها وعي عدة أجيال، أصبحت مسلمات ندر أن يناقشها الإنسان مع نفسه، وعندما يأتي مسلم مثقف مثل بن لادن أو أيمن الظواهري ويقرأ بنفسه كتب التاريخ والحديث والتفسير منطلقًا من هذه المرتكزات، فهو بطبيعة الحال يصل لنتيجة مفادها هذا العنف الدموي تجاه الآخر، ويستحل دمه وماله وعرضه بناءًا على تحليله الذي تم وضعه منذ 1400 سنة، ويرى إمكانية قتل المخالف كما فعل الرسول أو أبوبكر نازعًا تصرفاتهم من سياقها التاريخي والمجتمعي تمامًا، كما يرى أن تفجير شاب يائس لنفسه وسط مجموعة مخالفين حتى لو كانوا مدنيين يشبه ما فعله محيصة بن مسعود مع ابن شنينة بوصية من الرسول، أو كما فعل محمد بن مسلمة في كعب بن الأشرف أو كما فعل الرسول نفسه في النضر بن الحارث، وفي النهاية هو سيحصل على الشهادة التي هي أعلى منازل الجنة.

سيبقى هذا العنف، وستبقى هذه العمليات، طالما بقت هذه المرتكزات الفكرية، وهذه المرتكزات لن تسقط بسهولة ولا بدون نضال حقيقي، لأن سقوطها يعني سقوط المذهب السني، مما يعني أن يفقد هؤلاء القتلة مناصبهم وسلطانهم، وهو ما سيدافعون عنه بكل مخلب أوتوه، متحالفين مع هذه الحكومات الأشد إجرامًا والتي لا يعنيها سوى كراسيها تلك، لذا يهمها أن تبقى هذه المرتكزات التي تكرس للطاعة العمياء بدون تفكير للإله الواحد، وللحاكم الواحد.



#محمد_أبوسالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القرآنيون بين مطرقة غياب المنهجية وسندان تجميل القبيح


المزيد.....




- انتشر بسرعة عبر نظام التهوية.. لحظة إنقاذ كلاب من منتجع للحي ...
- بيان للجيش الإسرائيلي عن تقارير تنفيذه إعدامات ميدانية واكتش ...
- المغرب.. شخص يهدد بحرق جسده بعد تسلقه عمودا كهربائيا
- أبو عبيدة: إسرائيل تحاول إيهام العالم بأنها قضت على كل فصائل ...
- 16 قتيلا على الأقل و28 مفقودا إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة ...
- الأسد يصدر قانونا بشأن وزارة الإعلام السورية
- هل ترسم الصواريخ الإيرانية ومسيرات الرد الإسرائيلي قواعد اشت ...
- استقالة حاليفا.. كرة ثلج تتدحرج في الجيش الإسرائيلي
- تساؤلات بشأن عمل جهاز الخدمة السرية.. ماذا سيحدث لو تم سجن ت ...
- بعد تقارير عن نقله.. قطر تعلن موقفها من بقاء مكتب حماس في ال ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - محمد أبوسالم - لماذا يفجرون أنفسهم؟