احمد ثابت
الحوار المتمدن-العدد: 2371 - 2008 / 8 / 12 - 05:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما يحدث باستمرار من اشتباكات دموية مؤسفة ومخجلة بين حركة حماس وأجهزة السلطة الفلسطينية وفتح يدل علي عدة أمور غاية في الخطورة وصلت إلي دوام معاناة الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة وتحديدا في غزة بفعل الحصار الإسرائيلي الذي يعبر عن إرهاب منظم لدولة عنصرية، ومن أهم ما يدل عليه الصدام أنه صدام علي السلطة والمغانم وتنافس بائس علي دعم نظم عربية محددة يهمها استمرار حصار وخنق الشعب الفلسطيني حتى لا تقوم له دولة ديمقراطية وطنية ومناضلة ضد الاحتلال الصهيوني وتهدد هذه الدولة بالطبع نظم الحكم العربية المستبدة والفاسدة وخاصة تلك التي تحكم دولا عربية مجاورة لا تطيق أن يكون علي حدودها دولة ديمقراطية فلسطينية حديثة.
ولكن ما يثير الانتباه والسخرية معا حركة حماس تخدع الناس بمن فيهم المتعاطفين معها ممن يجرون للأسف وراء كل من يرفع كلمة أو شعارا دينيا أو كل من يربي ذقنا وتظهر علي جبهته زبيبة الصلاة، بأن حركة فتح وكتائب شهداء الأقصي الذراع العسكري المقاوم التابع لها والسلطة الفلسطينية والرئيس عباس كلهم شيء واحد فاسدون عملاء مخابرات إسرائيل وأمريكا، وأن الكل يتآمر ليلا ونهارا ضد حماس. مع أن معظم كوادر وتنظيمات حركة فتح ضد اتفاق أوسلو وعارضوا عرفات وما يزالوا يعارضون أبا مازن ومنهم مروان البرغوثي القابع في سجون العدو، كما أن كتائب شهداء الأقصي ترفع سلاح المقاومة وتقوم بعمليات فدائية ذات كفاءة عالية ضد جنود وضباط ومستوطنى الاحتلال الصهيوني قبل أن تولد حركة حماس نفسها. كما تتعمد حركة حماس احتكار الوطنية والنضال لها حتى علي حساب تنظيم إسلامي مقاتل آخر هو حركة الجهاد وذراعها المسلح سرايا القدس، وقامت ميليشيا حماس المسماة القوة التنفيذية بقتل عدد من كوادر حركة الجهاد الإسلامي!!. رغم أنه إسلامي مثلها.
هذا فضلا عن ميل مثير للسخرية والقرف بصراحة تأخذ به حركات الإسلام السياسي ولم تتخل عنه إلي الآن وهو الرغبة الشديدة في تزييف التاريخ وجعله يبدأ فقط مع مولد هذه الحركات، فمثلا النضال الفلسطيني منذ وعد بلفور وحتى ميلاد حماس يتم طمسه تماما بحيث تحتكر حماس وحدها شرعية النضال والمقاومة، وهذا هو حال كثير من قيادات جماعة الإخوان في مصر حيث بالنسبة لهم مجلس الشعب لم ينشط ولم يعمل إلا عندما فازت الجماعة ب88 مقعدا في انتخابات 2005، مع أنهم ينكرون بذلك أدوار بارزة لإسلاميين مثلهم بل أقوى منهم مثل الشيخ فكري الجزار والشيخ عاشور والراحل الكبير إبراهيم شكري وصلاح أبو إسماعيل ناهيك عن أدوار نواب عظام مثل محمود القاضي وحلمي مراد والبدري فرغلي وكمال أحمد ومحمد عبد العليم وغيرهم.
هذا الأسلوب الانقلابي علي المجتمع وتراث الحركة الوطنية والكفاح المسلح وقيم المواطنة والتعايش السلمي الذي تتبعه حماس ولم تشف منه بعد مثلها مثل بقية الحركات الإسلامية السياسية، يتجلي في أمر خطير آخر هو الرغبة في الاستئثار بتحديد أولويات العمل والنضال وعدم التخلي عن أسلوب تقاسم السلطة مع طرف قوي مثل الرئاسة وفتح مع رفض مبادئ التوافق الوطني التي تفرض ضرورة مشاركة فصائل مقاومة أخرى لها تاريخ نضالي مع الشهداء والعمليات الفدائية الموجعة للكيان الصهيوني قبل أن تولد حماس نفسها مثل الجبهة الديمقراطية بقيادة نايف حواتمة والجبهة الشعبية بقيادة أحمد سعدات. لكن حماس اختارت منطق تقاسم الغنيمة البدوي العشائري ذي السمعة السيئة قبل الإسلام نفسه والذي كان يتم بعد كل غارة علي القوافل المسافرة بين الشام واليمن. بل تعمدت الاستخفاف بها والعدوان عليها وعلي أي منبر حر للرأي مثل إغلاقها لمكتب قناة أبو ظبي الفضائية في غزة ولإذاعة الجبهة الشعبية، بل اعتدى بعض عناصرها المنفلتة علي الجامعة الإسلامية في غزة لسرقة مواد كيماوية تستخدم في الدراسة.
الجديد المضحك هو أن حماس التي انقلبت علي سلطة اعتبرتها هي نفسها شرعية عندما ترأست هي نفسها حكومة الوحدة الوطنية ثم اعتبرت نفسها هي أي حماس منبع الشرعية الوحيد عندما سيطرت بالسلاح علي غزة ثم بررت هي نفسها ما قامت به من اعتداء علي عشرات الأسر الكبيرة في غزة المعروفة بتاريخها النضالي ضد الاحتلال بحجة أن أحدها مثل عائلة أحمد حلس الكبيرة تتآمر علي "الشرعية" وتأوي بعض العناصر الخارجة عن القانون وهنا تتعمد حماس التشويش وتتعمد طمس ذاكرة شعب بأكمله بأن تبرر لنفسها الانقلاب علي السلطة لأنها وحدها مقياس الشرعية وأن القانون هو فقط قانون كوادر حماس من أئمة الجوامع والوعاظ والصقور الرافضين للوفاق الوطني الفلسطيني مثل الزهار وصيام وتضل الغطرسة بأخ مثل محمود الزهار إلي حد التهديد بشيء أكبر منه ومن حركته وهو غزو الضفة الغربية مثل غزوتهم "الإسلامية" لغزة. والسؤال هنا ما الفرق إذن بين قانون وشرعية حماس وقانون وشرعية بوش في غزو العراق ومعتقل جوانتنامو وتعذيب المدنيين. وما الفرق بين قول بوش بعد هجمات 11 سبتمبر أنه لابد من تسليم المتهمين للعدالة أي عدالة الأستاذ بوش وليست العدالة التي نعرفها!!، الواضح أنه لا فرق كبير فالأستاذ بوش يميني رأسمالي يهوى الحرب والدمار لكنه أمريكي وحماس يمينية منحازة لسلطات عربية وغير عربية تتلقي منها الأموال لاستمرار الانقسام والاقتتال الفسطيني ولا تفعل لشعبها المحاصر شيئا ملموسا للتغلب علي الفقر والبطالة، وهي تهوى الحرب أيضا ولكن غالبا ضد الفرقاء الآخرين، وحماس تزعم أنها إسلامية!!.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟