أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - متزن حمدونه - الحوار المتجدد - وصية ميت ..!!















المزيد.....

الحوار المتجدد - وصية ميت ..!!


متزن حمدونه

الحوار المتمدن-العدد: 2362 - 2008 / 8 / 3 - 10:21
المحور: سيرة ذاتية
    


روى التاريخ لي كان لي أب وأم ، وزوجة أب وإخوة وأخوات .. الأب غادر ورحل بلا قرار .. بلا إرادة اختيار . قال الأب: وهو على فراش الموت الأخير حين انتابته دفعات وخلجات الوجد المتعطشة للحياة في لحظات الوداع الأخير، عندما سأعود إلى بيتي ، و أسرتي ، سأحتضن أولادي وبناتي ولن أدع القدر يؤرجحهم كما يحلو له ، و سأكون عنيدا في وجه الرياح العاتية حتى لو جاءت متسللة في فصل الشتاء القارص !!
سجل هذا الرجل ودوّن الساعة والوقت على دفاتر حسابات تجارة امتهنها طوال حياته حتى بلغ أواسط عمر الرجال .. ولكن ترى هل ينتصر بإرادته على الموت الهائم حول سريره ومرقده ؟ ساعات وإذ بنفحات عند سكون الليل وأثناء تقلبات المتعبين على فراش الألم والعذاب يمتشق أنفاسه الأخيرة .. قال الرجل وهو في وداعه الأخير للابن الأكبر .. لا تدع إخوتك مداسا تسحقهم الأيام ..وتربع على عرش مالي فإني وهبتك بركات رعايتهم فهم أمانة في عنقك ، وكن كما كان إسماعيل عليه السلام " وجلل أيامك بعفة النفس فأنى لقبتك لهذا عفيفا ..
بكى ذاك الابن ومضى في ركن من أركان المستشفى ورقد خلف شجرة البلوط وإذ بموجة تدك أغصان الشجرة فسقطت عليه أوراقا خضر طرية .. حدق في تلك الأوراق فوجد أنها كراريس من صفحات القدر مسطر عليها أسماء إخوانه وأخواته وكان عددها اثنتي عشرة ورقة !! في يده اليمنى وتحت مقبض الكف وجد ورقة ملفوفة كقرار إمبراطور إلى وزير أو أمير عليها رباط ملثم بلون احمر .. فتح الرباط الناعم فوجده من الحرير .. قرأ سطور الصفحة فوجد أنها وصية رجل غادر للتو وأصبح ميتا !! وضع الوصية في مكنون الصدر ما بين ضلوعه اليسرى وقميصه فظهرت عليها علامات ما أمام الحضور فتركوه يمضى حتى دخل غرفة نومه .. فبكى على وسادته حتى اغتسلت الوصية وبدت كشهادة تسجيل أملاك الطابو ..
كان الرجل في بداية مشواره وفي أوج العواطف المتأججة .. وكانت الأيام كفيلة بإخمادها ..رأى ذاك العفيف الأسماعيلي أن مساحة الوصية لا تتجاوز حدود مملكة الأشقاء .. أما الأخوة فهم أبناء اللعنة لأنهم جاءوا نطفة من غرق .. وان حدود المكان لا تتسع لمكان غير مملكة الفوارس .. ومضت السنون تطوى أيامها ولياليها .. حتى أصبح الفقير منهم ثريا ، والضعيف في منطق تفكيره تاجرا متربعا على دفاتر الشيكات والبضائع .. رغم كل هذا ذابت الوصية بعد أن ذهب الحانوتي ، واغتسل القبر بمياه الشتاء في الغسل الأول .. قال المشبه بالاسماعيلي .. هذا مالي وجهدي وعرقي وأنا كفيل بأشقائي ؛ أما انتم فعليكم ان تصبحوا رجالا تعتمدون على سواعدكم رغم أنهم كانوا الأكبر والأنضج ، وأصبح الأخوة عند مسار المال فريقين يفرق بينهم رحم الأم ولا يجمعهم العصب والدم والنطفة ..وجمعت فريقا لحمتهم، أسوار فيلا سكنية ، حتى أفراحهم حكرا عليهم وحدهم ، وبقية إخوانهم ليس أكثر من مصفقين في أفراحهم ، وليس أكثر من عدد يكملون به الأرقام التصاعدية أمام الناس . كانوا أشبه بالغبار .. بالتراب .. لا احد يسمع أنينهم .. وجعهم .. أحزانهم ..آمالهم .. ومضوا هكذا ينبتون يكبرون ينضجون ككل الأعشاب الطفيلية على هامش حاكورة مسيجة بصفيح عث .
اذكر ذات يوم أن احد العيدين قد أصبح على الأبواب بيوم أو يومين.. ذهبت إلى محل تجارى كان التاريخ قد أكد لي انه كان متجر والدي .. قابلت حامل الوصية ..طلبت منه هنداما أتزين به في العيد ..قال الاسماعيلي : احضر مساء هذا اليوم وأنا سأحضر لك ملابس العيد .. خرجت منكسرا .. متألما بعد أن شاهدت الناس وهى تتزاحم في الأسواق وتتنقل بين البضائع والملابس والتجار يهللون فمازلت اسمع أصوات الباعة المهللين حتى اللحظة رغم مرور ثلاثة عقود ونصف العقد .. "فرح ابنك على العيد " ، كان الأطفال يقلبون الملابس والأب يشترى لأولاده والأم تشترى لأطفالها .. فلعنت حظي العاثر التائه على أبواب غربتي وأنا في شارع لا يجمعني مع الفرحة سوى ضحكات الأطفال في يوم العيد .. وأمى كانت هناك راقدة خلف جدار مستشفى بعد ان سقطت بها طائرة كانت تقلها فسقطت عرض البحر .. لولا ان الله أراد لها ان تنجو لغرقت هي وبعض بضائعها في أعماق بحر قبرص .
عند المساء توجهت إلى حامل وصيتي .. فأمر زوجته أن تحضر بعض البلوفرات الصيفية وكان هو للتو قد عاد من متجر والدنا صاحب الوصية .. كان يحمل أشكالا متنوعة من الأطعمة والفاكهة في سلة مصنوعة من القش والبوص ..ولكن كنت لا اعرف ولم أفكر في ان اعرف ما تحتويه ..
أحضرت زوجته البلوفرات بعد ان ارتسم على وجهها علامات الاستغراب والاستهجان .. قالت لذاك الاسماعيلي .. إنها ملابس لا تناسب هذا الطفل .. فهي في عمر رجل كبير .. وبعض منها بالٍ .. نهرها..وقال : خذ هذه الملابس معك ..وابحث فيها عن حلة ترتديها في العيد .. واعد ما لا يناسبك .. طلب منى أن ارتدى إحداها .. فصرت كصنم خيال الحقل يفرد ذراعيه الطويلتين كي تهرب الطيور .. ضحكت على حظي، ومضيت بعد أن تركتها جميعا وقلت له كما اذكر : "يبدوان العيد هذا ليس لي وليس لكل من لا أب له ".. ونسيت ان اخوانى هم أيضا بلا أب ، ولكن كان لهم عيدا غير عيدي !!
مضت السنون وغردت الأحزان على أيامي .. وتجسدت المعاناة في واحة الديمقراطية في مدينة الصعاليك .. كان لي أخ غير شقيق تربطني به الأحلام المشتركة رغم انه مختلف عنى في كل شيء في المأكل ،والمشرب ، والملبس .. فهو ليس ابن الضرة اللعين ..فقد كان شقيقهم المدلل الذي يجب أن يكرموه .. أنهيت مراحل تعليمي ولا اذكر منها إلا أنني بلا بنطال أو حذاء أو قميص سوى اننى اشتريته من عمل ارهقنى في عطلة الصيف .. التحقت بالجامعة ولا اعرف كيف أمضيت سنواتي بين كراريسي وكتبي وانأ في حافلة تقل العمال المنقبين عن قوت أطفالهم .. أو عمالا لم يحالفهم الحظ في التعليم فتركوا مقاعد دراستهم .
تزوجت من بعدها وهم في سفر عنى ولم يكونوا بين أولاد الضرة .. وذات يوم بعد أن مضت السنوات تطوى الذكرى .. جاء الاسماعيلي يذكرني انه قد آن الأوان أن يعيد اللحمة ونصبح أخوة من جديد .. قال الاسماعيلي : الآن أصبحتم رجالا ولم تعودوا بحاجة إلي .. فكلكم أصبحتم رجالا وموظفين وتجارا .. وكل واحد منكم ينفق من جيبه .. أرى أن نصبح ونجمع الشمل من جديد بعد غيبة طويلة ونصبح إخوة ... ضحكت وقهقهت إلى حد الثمالة !!!!!
كان بصحبته احد أشقائه الأصغر منه سنا .. فدار في خلدي كلامه ، ودار حوارا في داخلي .. ترى ان الإخوة تستدعيها متى شئت وتركلها متى شئت ؟ هل الإخوة كلمة بلا مضمون !! ترى الإخوة علبة سجائر تشتريها من بقال متى أردت ؟ أم صفيحة من البندورة "الطماطم" تشتريها من السوق الذي ركلتني منه .. ترى انك غيبتني من ذاكرتك .. من وجدانك .. والزمن نفسه لم يغيبني ؟
سألته إن كانت هذه دعوة منه لي على وجبة عشاء قديمة فاحت رائحتها وفقدت شهوتها وأصبحت باردة .. كشاه فقد روحه والجزار جز رقبته في غيبة الناس ؟!
قلت له : جاءت دعوتك متأخرة جدا ً .. فلم تعد حاجتي لك بلغة التاجر فأنت أصبحت كثوب قماش بالٍ كذاك الهندام البال في يوم العيد الموعود ...
ومضت السنوات ونلت وظيفة مريحة .. وأكملت تعليمي العالي ونلت اعلي الدرجات ، وسلمته باليد شهادة تفوقي في التعليم العالي وقلت له عبارتي :"أنت قطعت بي ولكن الله لم يقطعني.. وهذه شهاداتي " ، فوقعت عليه كالصاعقة ، وعلق من بعدى ... وأنا مالي به !! واستعنت بالله واكرمنى الله وعوض صبري .. ولي من الأخوة من أراد ومن الأشقاء ما ارتضيناه .. وكان حامل الوصية لم يستفيد من دروس وعبر .. فحضر كي ينال مسامحتي في مال اغتصبه وفي إجحاف سلطه على .. وحسب دفاتر أيامه كدفتر ديون فقد أراد ان يعتمر حول الكعبة فلم يجدني رغم تكراره وإلحاحه .. فسافر وعاد ولم ألتقه.. وحضر مرة أخرى وهو مريض .. ولكن مرضه لم يكن اشد مرارا من مرضي .. وأكملت احدي زوجات أبنائه تعليمها العالي وأصبحت تحمل مؤهلا جامعيا من أموال التركة المغتصبة ، فأصبحت الكنه أحق بمال صاحب الوصية فأرسلت له التهاني بنجاح كنته التي تربعت على مال والدي!! هذا الشرف الذي لم أنله من تركة والدي صاحب الوصية!!



#متزن_حمدونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب
- لماذا يقامر الأميركيون بكل ما لديهم في اللعبة الجيوسياسية في ...
- وسائل الإعلام: الصين تحقق تقدما كبيرا في تطوير محركات الليزر ...
- هل يساعد تقييد السعرات الحرارية على العيش عمرا مديدا؟
- Xiaomi تعلن عن تلفاز ذكي بمواصفات مميزة
- ألعاب أميركية صينية حول أوكرانيا
- الشيوخ الأميركي يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان ...
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - متزن حمدونه - الحوار المتجدد - وصية ميت ..!!