أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - قاسيون - تقرير اللجنة التحضيرية للمؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي السوري - الفصل الثالث















المزيد.....



تقرير اللجنة التحضيرية للمؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي السوري - الفصل الثالث


قاسيون

الحوار المتمدن-العدد: 729 - 2004 / 1 / 30 - 05:17
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


الفصل الثالث من تقرير اللجنة التحضيرية الذي أقره المؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي السوري المنعقد في دمشق بتاريخ 18/12/2003:

الفصل الثالث:

الوضع الدولي الناشئ، مهامنا، ودورنا:

من المعروف أنه بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، اختل ميزان القوى الدولي بين القطبين النقيضين، قطب الإمبريالية، وقطب الشعوب. وأُتيحت الفرصة للإمبريالية الأمريكية، أن تحاول فرض هيمنتها عبر فرض قطبها الأوحد، هذه المحاولة التي أكد حزبنا منذ البدء أنها آيلة إلى الفشل، لأن المجتمع كالطبيعة لا يحب الفراغ، وبالفعل حاولت الإمبريالية الأمريكية التأسيس الأيديولوجي لمحاولتها الجنونية عبر عشر نظريات: نهاية التاريخ، وصراع الحضارات، وقوس التوتر..إلخ... وقد استنتج حزبنا باكراً في أوائل التسعينات وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أن انتهاء الحرب الباردة لن يجعل العالم أكثر أمناً واستقراراً، بل العكس هو الصحيح. وفعلاً حاولت الإمبريالية الأمريكية فرض سيطرتها وهيمنتها في عشر السنوات اللاحقة لانهيار الاتحاد السوفييتي بوسائل مختلفة: سياسية وعسكرية واقتصادية. وكانت حرب الخليج الثانية والحرب اليوغسلافية محاولات أساسية على طريقها هذا، ولكن الذي حدث أن تناقضات الرأسمالية ازدادت حدة بسبب المشكلة العضوية البنيوية التي تعاني منها، وخاصة اقتصادياً، إذ كانت تتصور أن الخلل الموجود لديها هو خلل وظيفي مؤقت يمكن تجاوزه بزيادة رقعة الهيمنة والسيطرة سياسياً وعسكرياً. وعندما اتضح أن استفحال التناقضات يمكن أن يؤدي إلى انهيار بنيوي شامل، لجأت إلى الحل العسكري عبر ما يسمى: حربها العالمية ضد الإرهاب كحل وحيد لمشكلتها. فأين تكمن أسس المشكلة لديها:

1. أزمة اقتصادية مستعصية:

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبعد أن جنت الإمبريالية الأمريكية الثمار الاقتصادية لهذه الحرب، احتلت المركز الأول اقتصادياً بين البلدان الرأسمالية، محسوباً على أساس حصتها منفردة في الإنتاج العالمي، بالمقارنة مع المراكز الإمبريالية الأخرى. ولكن منذ بداية السبعينات بدأ يتضح ميل تراجع موقعها الاقتصادي، وثبت نهائياً بعد ظهور الاتحاد الأوروبي الذي احتل المركز الأول، الذي كانت تشغله سابقاً الولايات المتحدة الأمريكية. وبما أن الدور السياسي والعسكري هو انعكاس للنفوذ الاقتصادي فقد نشأ تناقض بين هذين العملاقين، كانت تُحل أشباهه في القرن العشرين عبر الحروب العالمية. واستباقاً للخسارة النهائية لموقعها، وضعت الإمبريالية الأمريكية استراتيجية للسيطرة السياسية، وحتى العسكرية إذا لزم الأمر، على كل موارد الكرة الأرضية الطبيعية والبشرية كحل استباقي لأزمتها التي لا حل اقتصادياً لها. من هنا يتضح سبب الميل التوسعي العدواني للإمبريالية الأمريكية.

أما قضية خياراتها وبدائلها في عملية التوسع العالمية فهي قضية تتحكم بها الظروف الملموسة والوقائع المستجدة.

ولهذه الأزمة الاقتصادية المستعصية جانبها المالي العالمي الهام جداً في الظروف الحالية، فبعد إلغاء اتفاق «بريتين وودز» في أوائل السبعينات، حيث تم فك ارتباط الدولار والعملات الأخرى بالذهب، أخذت الإدارة الأمريكية حريتها بطبع كميات هائلة من الدولار الورقي، مستفيدة من حاجة السوق العالمية لعملة تداول عالمية تكون مقياساً ومعياراً بين العملات الأخرى مكان الدور الذي كان يلعبه الذهب، فنشأ نتيجة ذلك وضع جديد تميز بإنتاج الولايات المتحدة لكميات هائلة من الدولار الورقي أكثر بكثير من حاجة سوقها المحلية من أجل تلبية الطلب العالمي على عملة تلعب دور مقياس معيار للتبادل، وثبتت هذا الوضع بفرضها الدولار كمعيار للتبادل النفطي الذي يعتبر سلعة عالمية استراتيجية تؤثر على التبادل في باقي السلع. والواضح أن إنتاج الدولار الورقي بلا حدود أعطى الولايات المتحدة وضعاً تمييزياً سمح لها بالمقابل بالاستيلاء على ثروات العالم دون مقابل، ولكن هذه الأفضلية التي سماها كاسترو (بفقاعة الصابون) التي لابد أن تنفجر في يوم من الأيام، تحولت إلى نقطة ضعف كبرى وصاعق يدفع الاقتصاد الأمريكي إلى الانهيار في حال تخلي العالم أو جزء منه عن الدولار كمعيار للتبادل. وكان هذا الأمر واضحاً للأوساط القيادية في الإمبريالية الأمريكية قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، وكان هذا الانهيار مخرجاً مؤقتاً من الأزمة بسبب النهب الواسع الذي تلاه لثروات الاتحاد السوفييتي الذي سمح مؤقتاً بتأجيل الأزمة لسنوات قليلة.

ومنذ عام 1995 استخدمت الإمبريالية الأمريكية آلية البورصات العالمية التي تحولت إلى نادي قمار عالمي من أجل تسريع دوران الدولار الفائض عن حاجة الأسواق. والدليل على ذلك هو أن التبادلات في البورصات العالمية كانت حتى 1995 (90 %) منها لها علاقة بالاقتصاد الحقيقي و(10 %) بالمضاربات المالية، التي تهدف إلى البيع والشراء السريع للأسهم بعيداً عن عمليات

 الإنتاج الحقيقية، وانقلبت الآية بعد 1995 إلى العكس، وأصبح (90 %) من المبادلات لا علاقة لها بالاقتصاد الحقيقي. وإذا علمنا أن حجم المبادلات اليومية في البورصات العالمية يبلغ  (1.5) تريليون دولار، نعرف تماماً حجم الأزمة التي يعانيها الدولار الأمريكي، وقد سمحت هذه الآلية بتأجيل انفجار الأزمة حتى 2001، حين دخول عامل جديد على الخط، وهو ظهور اليورو بكامل أبعاده في أوائل عام 2002، وكان كثير من الاقتصاديين والمختصين يتوقعون انهياراً كبيراً للدولار في الربع الأخير من 2001 بسبب مجمل العوامل المذكورة أعلاه، مما اضطر صندوق النقد الدولي أن يقترح على الإدارة الأمريكية في تقريره في حزيران 2001 الانتقال إلى سياسة الدولار الضعيف بالتدريج عبر تخفيضه (6 ـ 7%) شهرياً، وصولاً إلى (40 %) من قيمته الاسمية، وذلك تجنباً للصدمة التي يمكن أن يسببها اليورو بطرده للدولار من مساحة واسعة كان يشغلها، هي أوروبا الغربية.

وحسب تقديرات الاختصاصيين فإن حجم الدولار النقدي الموجود في السوق العالمية يزيد من (50 ـ 200) مرة عن حاجة السوق فعلياً له، لذلك فإن الأوساط المالية العالمية التي تلعب الاحتكارات الأمريكية دوراً أساسياً فيها إلى جانب الصهيونية العالمية، كانت أمام خيارين في نهاية المطاف:

■ إما التخلي الطوعي عن الدور العالمي للدولار بالتدريج، مما يعني فقدان الإمبريالية الأمريكية لموقعها الأول اقتصادياً وبالتالي سياسياً وعسكرياً.

■ وإما الاستفادة من الوضع السياسي والعسكري القائم لديها للحفاظ على وضع الدولار، وبالتالي الهيمنة العالمية الاقتصادية الأمريكية للدولار، ولكن هذه المرة عبر استخدام القوة.

لذلك فإن الكثير من الباحثين، من الغرب والشرق قد تنبئوا بأحداث 11 أيلول قبل وقوعها بأشهر عديدة مثل: الأمريكي (ليندون لاروش)، والروسية (تاتيانا كالياغينا)، والكندي (ميخائيل شادوفسكي). وقد نشرت «قاسيون» الكثير من هذه التوقعات في حينه. وجاءت الأحداث وأكدت، أن الإمبريالية الأمريكية لجأت إلى الحل الثاني للحفاظ على دورها المتهاوي، وكانت ضربة أفغانستان، العملية الأولى في إعلان ما سمته «الحرب العالمية على الإرهاب»، دون تحديد آفاق مكانها وزمانها.

2. تناقضات اجتماعية داخلية عميقة:

لقد أسست الإمبريالية الأمريكية عبر نهبها المنظم للعالم على مدى نصف قرن لنمط من الحياة الاستهلاكي داخل الولايات المتحدة الأمريكية، خفف إلى حد كبير من التوترات الاجتماعية التي يسببها التناقض الأساسي بين العمل ورأس المال، والذي يتجلى بتمركز هائل للثروة بيد أربعين عائلة تملك وتحكم الولايات المتحدة الأمريكية، والواضح أن تراجع إمكانية الاستمرار بالنهب العالمي بالوتيرة السابقة، يحمل في طياته احتمال التراجع عن نمط من الاستهلاك انتشر في الولايات المتحدة، يتميز بالاستهلاك المفرط، والذي أصبح نمطاً إذا تم التراجع عنه بسبب الضرورات الجديدة، يحمل في طياته خطر تفاقم الصراع الاجتماعي الطبقي داخل الولايات المتحدة، مع الاحتمالات التي يمكن أن يفتحها من إمكانية انهيار بنية المجتمع والدولة القائمة. لذلك فإن أحداث 11 أيلول كانت مبرراً ضرورياً لتجاوز عقدة فيتنام من جهة، مما سيسمح بنشر القوات الأمريكية خارج الولايات المتحدة دون مقاومة كبيرة من جهة، وسيسمح من جهة أخرى بتقييد الحريات السياسية والمدنية العامة، وتحويل الدولة في الظروف الجديدة إلى دولة من نمط فاشي تستطيع السيطرة على المجتمع في ظل استفحال تناقضاته الداخلية التي تتوقع مراكز البحث المرتبطة بالمخابرات الأمريكية والبنتاغون تحولها بلحظة ما إلى ما يشبه الحرب الأهلية. وفعلاً أصبح من الواضح، أن الغلاف الديمقراطي للدولة الأمريكية قد بدأ بالتمزق لتحل محله لأول مرة منذ الحملة المكارثية في الخمسينات دولة بوليسية قمعية شمولية تضع أمامها

هدف تخفيض عدد سكان الولايات

المتحدة نفسها إذا لزم الأمر إلى (100) مليون نسمة. إن الانهيار الاقتصادي المتوقع، والذي يقترب يوماً بعد يوم، وهو مرتبط في الظروف الحالية بفشل الحملة العسكرية الخارجية، يمكن أن يحمل في طياته إمكانية انفجار الدولة والمجتمع الأمريكي إلى شظايا من الجوانب السياسية والاجتماعية والعرقية والقومية، وحتى الجغرافية.

إن نمط الحياة الاستهلاكية الأمريكي المستند إلى الاستهلاك المفرط يتطلب حجم هائل من موارد الطاقة، تعبر عنه الأرقام التالية:

(5%) من سكان العالم، الذين هم سكان الولايات المتحدة الأمريكية يستهلكون 30% من ثرواتها ويتسببون بـ(50%) من التلوث البيئي في الكرة الأرضية الذي يحصل بسبب استخدام  واسع لمصادر الطاقة غير المتجددة، وأهمها النفط، ولذلك فإن موضوع النفط وموارده يرتدي أهمية هائلة بنظر الدوائر الحاكمة في الولايات المتحدة للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي.وبما أن هذه الموارد غير كافية في الولايات المتحدة، فإن السيطرة عليها عالمياً يحقق هدفين:

■ حل مشكلة موارد الطاقة الداخلية للهروب من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية القادمة.

■ محاصرة المراكز الإمبريالية المنافسة الأخرى لإملاء الشروط عليها.

استناداً لكل ذلك يمكن القول: بأن ما يُسمى بـ«الحرب العالمية على الإرهاب» أمريكياً تهدف لتحقيق عدة أهداف على عدة مستويات:

الهدف الأول: على المستوى القريب: إيقاف تدهور الدولار عبر فرضه عالمياً بالقوة العسكرية. والسيطرة على منابع النفط لمنع تسعيره بأي عملة أخرى. وإلى جانب ذلك تشغيل المجمع الصناعي العسكري بطاقته القصوى من أجل تحريك الاقتصاد الأمريكي الراكد الذي وصلت فيه فوائد الاستثمار إلى أدنى مستوى عرفته تاريخياً، وهو (1%) حسب ما يقرره البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

الهدف الثاني: المتوسط المدى: إحداث تغييرات عميقة في بنى الأنظمة والدول التي يطالها العدوان التوسعي الأمريكي من أجل تأمين الهدف الأول، وفتح الطريق.

الهدف الثالث: بعيد المدى وهو: إحداث تغييرات بنيوية في خريطة العالم الجغرافية ـ السياسية، وفي تركيبته السكانية تسمح حسب ما يُنظرون بالوصول إلى «نهاية التاريخ» أي الوصول إلى السيطرة الكونية المطلقة عبر التحكم بالموارد الطبيعية والبشرية وبالجغرافيا ـ السياسية.

وهكذا يتبين أن التناقض بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج على المستوى الكوني في مرحلة العولمة الأمريكية قد وصلت إلى نقطة أصبح فيها استمرار العلاقات الرأسمالية غير الإنسانية المبنية على النهب والبطش والتبادل غير المتكافئ تتناقض كلياً مع حاجات تطور القوى المنتجة، وخاصة الشق البشري منها الذي أصبح استئصال جزء منه شرطاً ضرورياً للحفاظ على علاقات الإنتاج القائمة. هذا التناقض الذي تنبأ به ماركس وأنجلز حين قالا في حينه: «إن كل خطوة إلى الأمام في تطور القوى المنتجة في ظل الرأسمالية هي خطوة إلى الوراء بالنسبة للإنسان وإلى الطبيعة».

وكما قالا في مكان آخر: إن المستقبل هو: «إما الاشتراكية وإما البربرية». هذه البربرية التي وصلت اليوم إلى حدودها القصوى في محاولتها تصفية جزء من الجنس البشري مع ما يحمله ذلك من خطر تصفية الحياة على الأرض نفسها.

إن التناقض مع الرأسمالية اليوم، هو تناقض اجتماعي بجوهره، وعدم حله لصالح البشر يمكن أن يؤدي إلى الإضرار بوجود البشرية نفسها. لذلك أصبح النضال ضد الرأسمالية مهمة اجتماعية وإنسانية تهم كل من له مصلحة في استمرار الحياة على الأرض. ويدل على ذلك انضمام أوساط واسعة فأوسع خاصة في الغرب، بالملايين إلى الحركة المعادية للعولمة، وهذا اتجاه موضوعي لا رجعة عنه.

وهذا يسمح لنا باستنتاج أن منجزات البشرية التي تحققت بعد ثورة أكتوبر وبعد الانتصار على النازية وبعد نهاية المرحلة الكولونيالية لا رجعة عنها، ومما يؤكد هذا الاستنتاج أن انهيار المنظومة الاشتراكية لم يوقف علمية تفسخ الرأسمالية وتعميق أزمتها العامة المستعصية ولجوئها إلى الخيار العسكري كحل أخير في ترسانة البدائل لديها، وهذا يؤكد أن الإمبريالية تسير نحو نهايتها  الحتمية، وهاهي تفقد السيطرة على الوضع العالمي أمام تنامي قوة وتأثير قطب الشعوب الذي أخذ بخيار المقاومة ضد العولمة المتوحشة.

وهنا لابد من التأكيد على أن مقولة سمة العصر هي الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية، هي مقولة صحيحة من الوجهة النظرية، وكانت ظاهرة واقعية ملموسة ما بين انتصار ثورة أكتوبر وبداية التراجع في الحركة الشيوعية والثورية العالمية الناتج عن الخلل في ميزان القوى لصالح الإمبريالية في بداية الستينات. وعند استكمال حالة النهوض ومعاداة العولمة التي نشهدها الآن والتي بجوهرها شكل جديد من الأممية بين الشعوب، ومع بداية انسداد الأفق التاريخي أمام الرأسمالية ستتأكد سمة العصر من جديد الانتقال من الرأسمالية للاشتراكية.

استناداً لكل ما سبق يمكن القول إن هذه المخططات التي تستند إلى القوة العسكرية، قد وصلت إلى طريق مسدود، لأن القوة العسكرية نفسها، مهما تعاظمت لها حدود. فالانتشار العسكري الأمريكي اليوم في العالم قد وصل إلى حده الأقصى من كوريا الجنوبية إلى أفغانستان والعراق ويوغسلافيا، مما يجعل إمكانية التحكم اللاحق بالصراعات الجارية مستحيلاً على الإمبريالية الأمريكية، وهذا المأزق يمكن أن يضطرها حسب تقديرات الاقتصادي الأمريكي المعروف (ليندون لاروش) إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل من الأجيال الجديدة (النظيفة) لحل المهام الموضوعة أمامها.

إن كل التطور العالمي يثبت أن قانون التطور المتفاوت الذي اكتشفه لينين في أوائل القرن الماضي يفعل فعله اليوم فيما بين ما يسمى بلدان الشمال وبلدان الجنوب، وتتحول هاتان الحلقتان إلى حلقتين ضعيفتين كل بطريقتها، مما يسمح بالافتراض أن التطور العالمي اللاحق في أوائل القرن الواحد والعشرين سيشهد انهياراً شاملاً للمنظومة الرأسمالية العالمية التي ستنفجر بسبب تناقضاتها الداخلية، والتي يلعب فيها قطب الشعوب دوراً متعاظماً بشكل متسارع يوماً بعد يوم، مما يؤكد حتمية انهيار الرأسمالية التي لم تنج من مصيرها بسبب الانهيارات في الدول الاشتراكية التي جرت في نهاية القرن الماضي، بل إن هذه العملية بعد الوقت المستقطع بين (1991 ـ 2001) قد تطورت وتحفزت واقتربت من نهايتها المنطقيةـ، مما يسمح لنا بالقول بكل جرأة: إن زمن انفتاح الأفق المؤقت أمامها في النصف الثاني من القرن العشرين الذي استطاعت أن تغير فيه ميزان القوى العالمي لصالحها، قد ولى إلى غير رجعة، وأن عملية عكسية قد بدأت سيميزها تغير تدريجي سريع لميزان القوى لصالح القوى الثورية العالمية مما يعني أن الأزمة التي كانت تعاني منها هذه القوى هي في طور الانتهاء، وهي في حالة انتقال إلى مرحلة صعود عليها أن تتهيأ لمواجهتها وتحقيق أكبر النتائج الممكنة على أساسها.

بعض أسباب الأزمة في الحركة الشيوعية العالمية:

يجب الاعتراف اليوم، أن الحركة الثورية العالمية، وطليعتها الحركة الشيوعية العالمية، قد عاشت مرحلة أزمة في النصف الثاني من القرن العشرين، هذه الأزمة التي كان أساسها التغيير البطيء المستتر لميزان القوى العالمي لغير صالحها، والذي انتهى بانهيار الاتحاد السوفييتي، وأن هذه الحركة اليوم تسترد، بسبب تغير الظروف الموضوعية، عافيتها وتلتقط أنفاسها من أجل تحقيق الانعطاف العالمي المطلوب في تاريخ البشرية. وهنا يُطرح سؤال جدي علينا البدء بمعالجته، وهو: موضوع أسباب الأزمة في الحركة، هذه الأسباب التي لم نتوقف عندها كثيراً في السابق بهدف تحقيق أوسع تجميع للقوى في مواجهة  الهجمة الإمبريالية الجديدة، لكن الوضع اليوم يتطلب البدء بالبحث عن الأسباب العميقة للأزمة، وبرأينا أنها تكمن في عقلية الانتهازية اليمينية التي سادت في الحركة الشيوعية العالمية، خاصة بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي، هذه العقلية التي انعكست عملياً تحت حجة «التعايش السلمي» بالتوقف عن تفعيل الصراع الطبقي، بل كبحه عالمياً، مما أدى إلى النتائج التي شهدناها، ونعتقد أن البحث في أسباب الأزمة في الحركة عالمياً يجب أن يتوقف عند القضايا التالية:

1) الانقسام الكبير في صفوف الحركة، خاصة بعد الخلاف الصيني السوفييتي، والذي يتحمل مسؤوليته حسب ما تبين المعطيات الجديدة كل من القيادتين في الحزبين، مما أدى إلى إضعاف زخم الحركة التي كانت تسير صعوداً بعد الحرب العالمية الثانية وفي الخمسينات.

2) عدم التعاطي الجدي من قبل القيادة السوفييتية المنبثقة عن المؤتمر العشرين، مع أهمية حركة التحرر الوطني العالمية في تغيير ميزان القوى بين النظامين. فتحت شعار «عدم الانحياز» بقيت بلدان حركة التحرر الوطني جزءاً من السوق الرأسمالية العالمية واحتياطياً اقتصادياً هاماً لها، مع أن شعاراتها السياسية كانت تعلن العكس. وقد لعبت النظريات التحريفية، مثل ضرورة حل الأحزاب الشيوعية في العالم الثالث وما سُمي بـ«طريق التطور اللارأسمالي في العالم الثالث» دوراً أيديولوجياً هاماً في التأسيس لهذا التراجع. وهنا لا يسعنا إلا الاعتراف أن ما استنتجه ثوريون عديدون مثل: تشي غيفارا وغيره حول ضرورة إشعال مئة فيتنام أخرى للقضاء على الإمبريالية الأمريكية، هو صحيح تماماً وينسجم تماماً مع منطق المؤتمر الـ19 للحزب الشيوعي السوفييتي الذي أكد على ضرورة تصدي الشيوعيين لقيادة حركة التحرر من أجل إيصالها لأهدافها النهائية مستنتجاً أن البرجوازية في بلدان حركة التحرر قد باعت الاستقلال والسيادة مقابل الدولارات.

لقد كانت حركة التحرر الوطني بعد الحرب العالمية الثانية وفي الخمسينات في أوج صعودها بسبب انهيار النظام الاستعماري القديم، وعدم استكمال النظام الاستعماري الجديد لمقوماته ولو استطاعت الحركة الشيوعية العالمية ملاقاة هذا النهوض الذي عبر عن نفسه في فيتنام وكوبا خلافاً للسياسة المعتمدة آنذاك على المستوى العالمي، لكان وجه العالم اليوم وجهاً آخر. لذلك فإن سياسة القيادة السوفييتية بعد المؤتمر العشرين قد أضرت ليس فقط بشعوب العالم الثالث، بل وقبل كل شيء بشعوب  الاتحاد السوفييتي التي  انهار نظامها الاشتراكي بسبب عدم إحداث التغيير المطلوب في ميزان القوى الدولي والذي كان ممكناً تحقيقه، وكانت الحرب الكورية والفيتنامية والثورة الكوبية دليلاً على ذلك. لكن الذي جرى أنه بعد استكمال نظام الاستعمار الجديد لمقوماته، وبعد انتهاء الموجة الصاعدة في الخمسينات، انتقلت الإمبريالية، دون مقاومة تذكر، إلى هجوم واسع على كل جبهة العالم الثالث مثبتة أنظمة ذات نموذج واحد في نهاية المطاف تتميز بالشعارات اليسارية والتطبيقات اليمينية، بالشعارات الشعبوية والسياسات المعادية للديمقراطية تجاه الجماهير الشعبية، وهذا النموذج اليوم هو ما نشهد انهياره بعد ن استنفد مهماته التاريخية في الوقوف ضد ما سُمي «بالمد الشيوعي»، وبآن واحد في عدم قدرته على تحقيق كامل متطلبات وأهداف الإمبريالية الأمريكية.

إن الأزمة الإمبريالية اليوم تتطلب منها تغيير هذه الأنظمة عبر ما تسميه بتغيير خرائط العالم وألوانها لإيجاد النماذج الملائمة للعولمة المتوحشة.

3) تبين الحياة أن أي نظام اقتصادي اجتماعي حتى ولو كان اشتراكياً، إذا لم يحقق وتائر النمو الضرورية لتلبية حاجات الناس، فمصيره الهلاك. وقد أدى تطبيق الوصفات الرأسمالية لمعالجة الاقتصاد الاشتراكي منذ أوائل الستينات إلى استفحال أمراضه الجديدة التي كان ممكن معالجتها بطرق مستحدثة،  لا تؤخذ وصفاتها من جعبة تجربة الرأسمالية، لأن ذلك أدى إلى حساسية مفرطة في الجسد الاقتصادي ـ الاشتراكي مما أبطأ وتائر نموه المعهودة تاريخياً بالتدريج، وصولاً إلى حالة لا نمو فعلياً في الثمانينات. هذا الموضوع يتطلب من الفكر الماركسي دراسة التجربة السابقة وإيجاد الحلول الإبداعية الجديدة كي تكون الأنظمة الاشتراكية القادمة أرقى وأعلى مستوى مما سبقها. وهنا يجب أن لا يفوتنا التذكير أن المدرسة الاقتصادية للمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي قد تجاهلت تحذيرات ماركس وأنجلز ولينين حول خطر الطابع البضاعي النقدي على الاقتصاد الاشتراكي وحول إمكانية إعادة إنتاجه للرأسمالية، مما كان يتطلب دائماً تضييق حيز فعله، ولكن الذي جرى هو العكس، وكان هذا أحد الأسباب الداخلية الأساسية للانهيارات التي جرت بسبب عدم كفاءة الاقتصاد في الظروف الجديدة على تلبية حاجات الواقع وضرورات التطور.

لقد عالج الفكر الماركسي موضوع البضاعي واللابضاعي بشكل معمق، والاستناد إلى المدرسة البضاعية في حل القضايا الاقتصادية قد أدى بالقيادة السوفييتية الجديدة بعد المؤتمر العشرين إلى وضع هدف أمامها، وهو اللحاق بالنموذج الأمريكي، هذا النموذج الذي تثبت الحياة اليوم أنه يتناقض كماً ونوعاً مع مصلحة البشرية، مما يتطلب من الآن التفكير الجدي بالمعايير الاقتصادية الحقيقية الفعالة للأداء الاقتصادي الذي يلبي حاجات الناس والمجتمع ولا يتناقض مع الطبيعة.

4) وأخيراً، لابد من القول إن الاعتداء على التاريخ وتسويد صفحاته لم يمس القادة والشخصيات التي هوجمت عملياً، بقدر ما مس وأضر بالشخصيات والقيادات التي قامت بهذا العمل، والتي فقدت، ليست هي فقط، مصداقيتها أمام جماهيرها، بل قامت بكبرى الكبائر عندما هزت جرَّاء ما قامت به النموذج والمثال المتكون تاريخياً في أذهان الجماهير الشعبية للاشتراكية وإنجازاتها. لذلك صحيح ما قاله الرفيق (لودو مارتنز) قائد الشيوعيين البلجيك: أن قوى الردة في الاتحاد السوفييتي لم تهاجم عملياً لينين، ولكن استطاعت إزالة تماثيله دون مقاومة بعد الحملة الشرسة على تاريخ الاتحاد السوفييتي خلال أربعين عاماً.و نعتقد أن النموذج الصيني في التعامل مع التاريخ والقادة يصلح للتأمل والتفكير، لأن القيادة الصينية بعد  ماو الذي قام بالكثير من الأخطاء لخصت الموضوع بأن (70%) مما قام به هو صح و (30%) غلط وحاولت تصحيح الغلط دون تهديم ثقة الذاكرة الشعبية بالنموذج المتكون تاريخياً. وهنا لا نقصد الدفاع عن أحد، لكن نقصد القول أن الإمبريالية من خلال تطويرها لأدواتها الهجومية الأيديولوجية قد وصلت إلى استنتاج صحيح وهو أن تحطيم الرموز بأي شكل كان يؤدي الى تحطيم الإنجازات والنماذج المرتبطة بهم، وهذا الموضوع هو جزء من جبهة جديدة غير الجبهة الفكرية والسياسية والمطلبية، هي الجبهة الإعلامية النفسية، والمطلوب منا التعرف عليها وتعلم النضال في خنادقها.

نعتقد أن مساهمتنا هذه في تحليل أسباب الأزمة في الحركة الشيوعية العالمية، تهدف ليس إلى مراجعة الماضي بقدر ما تهدف الى تطوير أدوات النضال من أجل المستقبل. وفي كل الأحوال نبقى عند رأينا: أن الخلاف بين الشيوعيين حول الماضي البعيد يجب أن لا يمنعهم من الاتحاد حول المهام الآنية المتفق عليها والمتعلقة بمجرى النضال العام ضد العدو الأساسي، والذي ضاق كثيراً في الظروف الحالية هامش التباين فيه، لسبب بسيط، وهو أن خيار الحل العسكري الشامل الذي تبنته الإمبريالية الأمريكية يضعنا أمام خيار واحد لا غير، خيار المقاومة الشاملة بمختلف الأشكال وعلى جميع الجبهات.



#قاسيون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقرير اللجنة التحضيرية للمؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي السو ...
- تقرير اللجنة التحضيرية للمؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي السو ...
- الوحدة الوطنية بين الحدود والحقوق
- بصدد مقالات موفق محادين الأخيرة «نقطة نظام» «رد هادئ على خطا ...
- بعد البيان الحكومي السوري: الأسئلة الكبيرة دون أجوبة
- قرار المؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي السوري حول مساندة الشع ...
- الشيوعي المزمن- الأديب عبد المعين الملوحي يحيي الاجتماع الوط ...
- أعمال الاجتماع الوطني الثالث لوحدة الشيوعيين السوريين
- تقرير حول تطور صحيفة «قاسيون» الى المؤتمر الاستثنائي للحزب ا ...
- تحية إلى المقاومة الوطنية اللبنانية - المؤتمر الاستثنائي للح ...
- تقرير لجنة الاعتمادات للمؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي السور ...
- رسالة إلى القوى الوطنية - المؤتمر الاستثنائي -للحزب الشيوعي ...
- قرار حول دعم نضال الشعب العربي الفلسطيني
- قرار حول دعم أهلنا الصامدين في الجولان
- تحية اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين للمؤتمر الاستثن ...
- بلاغ عن أعمال الاجتماع الوطني الثالث لوحدة الشيوعيين السوريي ...
- قرار حول صحيفة - قاسيون
- قرار حول وحدة الشيوعيين السوريين
- بلاغ عن أعمال المؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي السوري
- نحو المؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي السوري


المزيد.....




- مزاعم روسية بالسيطرة على قرية بشرق أوكرانيا.. وزيلينسكي: ننت ...
- شغف الراحل الشيخ زايد بالصقارة يستمر في تعاون جديد بين الإما ...
- حمير وحشية هاربة تتجول على طريق سريع بين السيارات.. شاهد رد ...
- وزير الخارجية السعودي: حل الدولتين هو الطريق الوحيد المعقول ...
- صحفيون وصناع محتوى عرب يزورون روسيا
- شي جين بينغ يزور أوروبا في مايو-أيار ويلتقي ماكرون في باريس ...
- بدء أول محاكمة لجماعة يمينية متطرفة تسعى لإطاحة الدولة الألم ...
- مصنعو سيارات: الاتحاد الأوروبي بحاجة لمزيد من محطات شحن
- انتخابات البرلمان الأوروبي: ماذا أنجز المشرعون منذ 2019؟
- باكستان.. فيضانات وسيول عارمة تودي بحياة عشرات الأشخاص


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - قاسيون - تقرير اللجنة التحضيرية للمؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي السوري - الفصل الثالث