أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أمينة سراج - لقاء مع الإعلامي والأديب الجزائري عبد الكريم قذيفة















المزيد.....



لقاء مع الإعلامي والأديب الجزائري عبد الكريم قذيفة


أمينة سراج

الحوار المتمدن-العدد: 2359 - 2008 / 7 / 31 - 10:33
المحور: مقابلات و حوارات
    


لقاء مع الإعلامي والأديب الجزائري عبد الكريم قذيفة
أجرى الحوار، أمينة سراج
ملتقى الصداقة الثقافي
تعاريج على مسافة الدرب..



* الشاعر والقاص والإعلامي عبد الكريم قذيفة، من مواليد سنة 1964، بولاية المسيلة الجزائرية،

* بدأ مشواره الإعلامي بالصحافة المكتوبة من خلال صفحات مجلتي "الوحدة" و "الجزائرية"، وجريدة " المنتخب" الرياضية.

* بعد أربع سنوات من العمل الجاد في الصحابة المكتوبة، انتقل ضيفنا إلى الإذاعة الجزائرية، ليتفرغ كليا للثقافة والأدب.

* حصل على عدة جوائز عربية ووطنية،

* نشر له:

- "لو أنت تدري كم أحبك"، مجموعة شعرية (1993)،

- "نهر الغوايات"، مجموعة شعرية (2007)،

- "مرايا الظل"، مجموعة شعرية (2007)،

- "أنطولوجيا الشعر الملحون بمنطقة الحضنة " (جزءان)، 2007،


جبل امساعد..مآثر ثورة وبطولات شعب. (موضوع الكتاب تاريخ الثورة والمقاومة بمنطقة الشاعر).. 2007.



وللأديب والإعلامي حضور لافت على الساحة الثقافية الجزائرية:

* أشرف على تسيير نادي الجاحظية (جمعية ثقافية يرأسها الأديب الكبير الطاهر وطار)، وهذا بفرعها في ولاية بسكرة،

* عضو مؤسس لـ "الرابطة المعنوية لأدباء الجزائر"،

* كما يساهم الشاعر في السهر على المسيرة الثقافية لولايته المسيلة عبر جمعية "المعنى للأدب والفنون"، و"الصالون الأدبي" اللذين يرأسهما،

* و حاليا، وليس فقط عبر البرامج الثقافية في الإذاعة الجهوية بالمسيلة التي تحتضن هذه المرحلة من مسيرته، يواصل الشاعر مشروعه الثقافي الهادف لتعزيز التواصل بين مثقفي الوطن فيما بينهم، ثم في إطارهم العربي الطبيعي، واحتضان الإبداعات المغيبة، وتدعيم تلك الراسخة..





// سعيد بكم جميعا ..
سعيد بهذا الحضور البهي لكلماتكم و للإنسان والمبدع فيكم من خلالها ..

**** بدءا.. إداري، إعلامي، شاعر، قاص، مشروع روائي.. كل هذا الزخم.. أتخشى اللحظة سيدي..

// لا أذكر مطلقا أنني طرحت هاجس الشكل الذي أكتب به كمشكلة ..مطلقا ..كنت دائما أضع نصب عيني أن يصل ما أريد قوله ..كان المعنى ..المضمون ..الفكرة ..كلها تشكل الهاجس ..لذا وجدتني أنساق من وراء الجملة الاولى بما أوحت به لأبني النص ..كتبت على الاوزان الخليلية ، كتبت على التفعيلة ، كتبت النثري ..مزجت بين القصة والشعر في نصوص نالت الاعجاب ..كتبت القصة ..ولدي مشروع كتابة روائية أسير فيه ببطء و تريث ..
لم يكن الهدف في كل ذلك أن يشار إلي بأنني كاتب أو شاعر كبير ..هذا ليس هاجسي رغم أنه في متناولي انطلاقا من الادوات التي أملكها ..
يكفيني أن يصل النص ..أن أؤسس من خلاله لفضاء انساني لا محدود مع الاخرين ..هؤلاء الذين معظمهم ليسوا أدباء ..بل ناس عاديين يحفظون نصوصي عن ظهر قلب ...



**** الإعلام، الأدب، من منهما داعب أولا حلم عبد الكريم قذيفة.. كيف كانت البدايات..

// كل شيء حدث أثناء مرحلة الدراسة في المتوسط ..كان عمري حينها 16 سنة ..أحسست أنني وزملائي تعرضنا للظلم في مسابقة بين الاكماليات ..أردت أن أخرج من الصدمة ..فكتبت ..وتفاجأت أن الجميع تخاطف ما كتبته ..وأصبحت فجأة شاعر القسم ..
في نهاية العام قدموا لنا استمارات لمعرفة ما نريد أن نكون في المستقبل ...لم أتردد وكتبت : صحفي ..
من تلك اللحظة تقرر كل شيء ..ولم أستطع بعدها مقاومة الاغراء والغواية ...ربما بعثرت بذلك جهدا كان يمكن أن يصب في جانب واحد أوفيه حقه ..لكنني راض تماما عن ما قدمته ..ولم أندم على عمل قدمته ..


**** الصحافة المكتوبة، ثم المسموعة، ما الذي هدتك إليه كل من التجربتين، وهل تؤمن بسطوة الصوت..
ماذا عن الصورة مثلا، ألا تغويك تجربة التلفزيون بعد ستة عشر سنة في العمل الإذاعي..

// أعتقد جازما أن لا فروق جوهرية بين مختلف أشكال العمل الاعلامي ، فالصحفي الناجح يمكنه أن يصل الى جمهوره بالوسيلة المتاحة لديه ..
الصحافة المكتوبة كانت اختيارا بالنسبة لي ، لآن العلاقة بدأت قبلها مع الكتابة بحد ذاتها ، مع اللغة بسطوتها المطلقة ..
الانتقال للعمل الاذاعي لم يكن هدفا ، جاء صدفة لحظة اعجاب من مدير عام مؤسسة الاذاعة انذاك بما قدمته في احدى الفعاليات الثقافية ..بعد ذلك سعيت بكل ما أملك من قوة للانسجام مع هذه التجربة الجديدة ، خصوصا وأنها نقلتني من عمق العاصمة الجزائر إلى قلب الصحراء ..قررت أن أحب عملي الجديد ، و كذلك كان ، حتى أن أحد مدرائي السابقين قال لي : لو سكبت يا عبدالكريم بعض دمك على الارض ، لشكل تدفقه كلمة اذاعة ..
التلفزيون يصنع الشهرة ، لكنه يقضي على روح الابداع الذاتي ، ويسرق الانسان من نفسه ، ولعل ذلك ما جعلني بعيدا عنه ..لقد رأيت كيف أن الكثير من الاصدقاء ربحوا الشهرة ، لكنهم خسروا ذواتهم ..
الاذاعة سرقت من الكثير من النصوص الجميلة التي كنت اهرب من كتابتها نتيجة انشغالي بعملي ، لكنها بالمقابل أهدتني سلاما داخليا جميلا ، ومحبة جمهور أصبح بعضه أصدقاء لي ، كما مكنتني من اكتشاف مواهب حقيقية أفلحت في اطلاقها في عالم الأدب ..
وقد أعود لتفاصيل أكثر ..


**** الإعداد، التقديم، الإخراج، الإنتاج، كنت في كل المواقع الممكنة تقريبا في العمل الإذاعي، أيها استهواك أكثر.. ولأي غواية..


// ثمة غواية ممزوجة بالقلق ، غواية المعرفة وقلقها ، أن تكون مسكونا بهاجس الاكتشاف والتجريب ، أن تسعى دائما لاضافة جديد ما قد يضفي على تجربتك معنى آخر ..
من هنا كان التنوع والثراء في مواقع العمل والعطاء ..ومن هنا التنوع حتى في أساليب الكتابة كما ذكرت سابقا...
ليس هناك حدود للتوقف عندها ..الموت هو وحده من يستطيع ايقاف مسيرة المعرفة والبحث والاكتشاف ..لا معنى لحياتك حين تقف في نقطة ما تتأمل ما حولك كما لو أنه لا يعنيك ..أو حين تضع نفسك قي قالب يشكل حدودا لعالمك..
مع ذلك ..فلقد كانت ولا زالت اجمل لحظة هي تلك التي اتواصل فيها مع الجمهور على المباشر ..تواصل يعيدني الى صفاء و طفولة افتقدهما في خضم معركة الحياة العادية ..غواية المذياع- الميكرفون - وغواية النص ..و غواية اللحظة ..


****الصحافة.. هل حدث أن ناوشت الصحفي عبد الكريم قذيفة في وقت ما.. أعني ، هل ظلمتك يوما، أو تعرضت في وقت ما لشيء من الخذلان من رفقاء المهنة..


// دعيني أقول لك بداية أن المجتمع العربي كله يعيش مرحلة اهتزاز في القيم ، وما يحدث في الجزائر قد يحدث شبييه في أي بلد عربي ..
والصحافة ليست مفصولة عن مجتمعها ..فالسلوكات في العلاقات هي ذاتها ..لا فرق في وطننا العربي بين دارس وغير دارس ..بين متعلم برتبة مثقف وبين أمي ...المدرسة والتعلم عندنا لا يغير السلوك الا في حالات قليلة ..لذا فلا تستغربي اذا قلت لك أن ما عبرت عنه بالخذلان هو معايشة شبه يومية من زملاء و أصدقاء ومجتمع ...الأنانية والنرجسية و السعي وراء المكاسب الذاتية أصبحت تسيطر على علاقاتنا ..و من المؤكد أنها عوامل هدم وليس بناء ..
هناك ما نحن مسؤولون عنه بشكل مباشر ..وهناك ما يتحمل مسؤوليته آخرون يتصرفون بمنطق المحسوبية و العلاقات العشائرية وغير ذلك ..آخر ما يمكن أن يتم تقييمه هو الكفاءة والخبرة في بعض مؤسسات القطاع العام ..وقد يختلف الامر في مواقع آخرى ...رغم أن المنطق التجاري هو الذي يحدد كل شيء ..
مع ذلك ..فثمة الكثير مما هو مشرق ومضيء ..و الصحافة في الجزائر متقدمة بمسافات على بعض التجارب في الوطن العربي ..و جهود التصحيح مستمرة ..



عن الشعر..

**** يقول الشاعر الفرنسي الراحل "جان تارديو" : "لقد كان الشعر قارة فسيحة، فأصبح جزيرة معزولة"، ما رأيك...
وهل تعتقد أن الشعر قد دخل فعلا مرحلة "الموت"، في زمن "ما بعد الحداثة"، وطغيان الصورة على مدى المخيلة..


// أجل ..لنعترف..
كان الشعر في زمن مضى هو كل شيء في حياة الناس ..كما كانت أحجيات و حواديت الجدات هي العالم المتخيل الذي ينشأ عليه كل طفل ..و كل شاب ..
الان تغير كل شيء ..وسائل رهيبة وغير متوقعة أصبحت تسرق الانسان من نفسه ..تخطف منه بصره وسمعه وفكره و احساسه ..
و رغم كل ذلك ..لازال هناك شعر ..و لازال هناك من هم بحاجة إلى الشعر ..إلى تنفس الكلمة ..هم قليلون ..معظمهم خارج دائرة المشتغلين بالكلمة ..هم ناس عاديون ..لكنهم ذواقون ..يختلسون من زمنهم المكتظ لحظات يحفظون أو يقرؤون فيها بيتا بحب كبير ..
لن ينته الشعر ..يمكن أن يحجم دوره ..لكنه سيظل ..المشكلة أن اللاشعر أربك الجمهور و قتل فيه روح الاستماع ..المشكلة أن كل شيء تطور ..بينما نحن مازلنا نقدم شعرنا بطريقة بدائية ..كما لو أننا ما زلنا في سوق عكاظ ..
لكن وسط كل ذلك العجاج ..ثمة نصوص تقتحم الذات ..وتحتل لها مكانا رغما عنا ..لا نملك خيارا أمامها ..
لنكن نحن و قراؤنا المدهشون سكان تلك الجزيرة المعزولة ..والتي قد تكون هي العالم الحقيقي ..



**** الاستعانة بالصورة، مرافقة الموسيقى ، وغيرها من "المؤثرات" التي غدا حضورها اساسيا في أغلب الأمسيات، وحتى التفاصيل الممكنة داخل ديوان مكتوب..

هل تعتقد أن التكنولوجيا، والصورة عموما في مرحلة ما قبل هذا (الانفجار التكنولوجي) قد خدمت الشعر.. ماذا يمكن أن تكون قد اضافت، أو سحبت..

// سؤالك مرتبط بسابقه ..تجارب الاستفادة من التكنولوجيا في خدمة الشعر قليلة ومحدودة ..ربما استفادت الاغنية الفيديو كليب من الشعر ..و خدمت الشعر رغم أن ذلك لم يكن هدف المنتجين ..
لا زالت معظم المهرجانات عبارة عن القاءات متواصلة ..بعضها يبرمج 20 شاعرا في أمسية واحدة ..بعضها يقاطع الشاعر في منتصف نصه بدعوى ضيق الوقت ..لا زالت الاضاءة وشكل المنصة و الموسيقى والخلفيات أمورا غير مدرجة ضمن اهتمامات منظمي المهرجانات ..
تجربة الشعر بمصاحبة الاغنية لكل من نزار قباني واصوات كل من محمود ياسين والمرحوم كرم مطاوع كانت تجربة ناجحة و متميزة ..لكن الأمر الان أصبح على يد مسابقات شاعر المليون و أمير الشعراء عبارة عن بلاط كبير في قصر ملكي أو أميري ..
لا زالت بعض الصحف تنشر الشعر كمادة لملء الفراغ الباقي ..شخصيا لم أعد أطيق الجلوس للاستماع في أي محفل أو مهرجان ...لم أعد أطيق قراءة نص ينشر مهملا في زاوية من جريدة بأخطاء مطبعية لا حصر لها ..
في الحقيقة ..مازلنا بعيدين ...رغم بعض الزوايا المضيئة على صفحات النت ..


****المجد.. الخلود.. العظمة.. الكمال.. هل لا يزال في وسع شاعر، أو مبدع اليوم عموما أن يحلم بحيازة معان كهذه تبعا لفنه، ما المعيار في هذه الحالة..


// صعب أن أقول كل شيء أعتقده ..في زمن فقدت فيه اللغة معناها وقيمتها ..لم يعد الكلام مسؤولية ..لا قيمة للغة ..ولما يقال ..كل ما حولنا يأخذنا من أنفسنا ومن مسؤولياتنا ومن خصوصياتنا ..زمن تلاشت فيه كل سلطة معنوية ..لا الامام ، لا الاب لا الام لا الاخ لا رب العمل ..لا أحد من هؤلاء يعامل انطلاقا من دوره المفرتض أن يقوم به ..ثمة قيم تهاوت ..ومعها تهاوت قيمة اللغة ..اتحدث عن مجتمع نحن جزء منه ..مجتمع افتقد الحوار ..افتقد التواصل الانساني ..افتقد التراتبية الاجتماعية ..صار الفرد فيه مجتمعا مع نفسه ..
تسألينني عن الخلود ...عن ....عن ...آية معاني بقيت لهذه الكلمات في ظل انحسار أفق الرؤيا ..في ظل الركض وراء الخلاص الفردي ..خلاص بأي شكل و بأي ثمن أحيانا ..
ثمة عوالم متعددة ومتشابكة فرضت نفسها علينا ، نحن القادمون من عالم المثل و القيم الانسانية ..نحن ضحايا المعرفة النظرية ..ضحايا التاريخ و التراث ..ننزوي الان بعيدا ..نتأمل من حولنا كما لو أننا لا منتمون لما يجري من حولنا ..نشاهد ..وندفع الكثير من أعصابنا و صحتنا في مشاهدة لا تزيدنا الا عناء ..
ربما نحتاج سنوات لنعيد ترتيب الاشياء - ان كان ذلك متاحا - واعادة ربط كتل معنية ببعضها ..غير أنها أمامنا مبعثرة متناثرة ..
نحن في زمن أصبح فيه القتل ، الاغتصاب ، الرشوة ، السرقة ..هوايات يومية يمارس البعض كما لو أنهم يتسلون بلعبة شطرنج ..
أكتفي بذلك ..


**** بين:
عنترة و: "هل غادر الشعراء من متردم"،
وبين المعري و:
وإني وأن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل،


ما الذي يعيد صياغة عبد الكريم قذيفة شعريا،
وعلى صعيد آخر، صعيد اللغة ذاتها غير الصياغة الشعرية، كيف يشحذ شاعرنا ادوات لغته..

// لم تعد تكفي ذراعيّ امرأة
لم يعد يكفي عذاباتي وطن
لم يعد يكفي لآحلامي الزمن
مالذي يكفي إذا
حين لا تكفي لهذا التيه والابحار آلاف السفن
حين لا تكفي غواياتي و أشواقي أنا ..كل المدن
مالذي يكفي إذا ..
مالذي يكفي سوى
حجر يسند رأسي ..وكفن ..
ألا يتقاطع هذا المقطع ما قاله المعري قبل قرون وقرون ..المعري لم يعش هاجس الموت ..لم تكن حياته معقدة و قلقة ومرتبكة كما هي حياة الناس الان ..بل ربما فقده للبصر جعل حياته شبه مستسلمة رغم إرادة التحدي التي حملتها أشعاره ...أما جيلنا ..فهو جيل الانكسارات والهزائم والازمات ..جيل لا يشعر مطلقا أنه يملك مصيره وحريته وحياته ..
في مقطع آخر ..
لا يعرف المنفى سواي
لا يعرف المعنى المحصل من جدار الروح
إلا من تعاقره رؤاي
تعبت خطاي
أجتثني في الصمت ..أكتب شاهدي
لي وردتان ..ونشوتان
والتي ترسو على شط الملامح
لم تكن أبدا أناي ..
ثمة الكثير مما أنجزته لذاتي ..على المستوى الانساني ..علاقات استثنائية ، نادرة ، متميزة ، خارج العادي والمألوف و التقليدي..
هل أفلحت في نقل كل ذلك شعريا ..القارئ هو الذي يحكم على النص إن كان يقول ما هو مختلف و متميز ..أما حياتي ، فباصطخابها و انفلاتها ..تظل مغلقة على كثيرين ممن يتجاوزوا حدود قراءة الاشياء في صورتها العادية ..


**** الأنا، ذلك المفهوم الأكثر مثارا للجدل ربما في الذات الشعرية: في البدء ، قيل لنا أن الشاعر يجب ان يكون مرآة عاكسة لمجتمعه، ثم قيل لنا مرة أخرى أن الشعر ينطلق من نوازع فردية، فيعبر عن ذات الشاعر وعالمها الداخلي ،

أين موقع الأنا في شعر عبد الكريم قذيفة، وكيف يمد جسور التواصل مع متلقيه،


// كم من قصائد حماسية و خطابية كتبت ..ماذا يحفظ الناس منها ...كم من نصوص إيديولوجية ملآت مئات آلاف الصحف ...ماذا بقي من كل ذلك ؟؟
الذي بقي هو ذلك الشعر الذاتي الصافي ..الشعر الذي نكتبه لآنفسنا ..ننقل من خلال تجاربنا ، ثم يكتشف الاخرون أنه يعبر عنهم ..عن ذواتهم ..فيحبونه ، و يحفظونه عن ظهر قلب ..
و جئت أحمل تاريخي على كتفي ..وحاضرا مرهق الأعصاب مضطهدا ..
هذا بيت للشاعر الكبير نزار قباني من قصيدة غزلية ..أعتقد أن كل من يقرأه يحبه و يتفاعل معه ، يشعر بشكل أو بآخر أنه يعنيه هو ...
ما يكتب خارج الذات هو شعر جاهز ..نظم ..لعب باللغة ..يضاف إليه تمكن عروضي ..بامكاني أن أننظم ارتجالا عشرات الابيات ..وقد جربت ذلك ..لكنني في النهاية أشعر أن ما كتبته لا يعنيني مطلقا ..لا علاقة لي به ..كتبه عبدالكريم آخر مفبرك ..و ليس عبدالكريم الذات المسكونة بالانسان ..بالوجع والامل ..بالحزن والفرح ..بالخيبة ونشوة الانتصار..
حين أصدرت مجموعتي الاولى - لو أنت تدري كم أحبك- أعلنت عنها من خلال بلاغ صغير في جريدة أسبوعية ..تلقيت 280 رسالة تطلب المجموعة رغم أن البلاغ نشر مرة واحدة ..و اكتشفت أن من بين من طلبوها شرطة ، أطباء ، رجال درك .....؟ هؤلاء كانوا جميعا يبحثون في المجموعة عن ما يتقاطع مع ذواتهم ..و هو ما اكتشفته من خلال تواصلي معهم ..كانوا يبحثون في عن ما يشاركهم أدق جوانب انسانيتهم في زمن أهمل فيه كل ما هو انساني ..


**** زاوية أخرى للسؤال السابق:الآخر.. ذلك الذي يعتبره سارتر ( جحيما ) بالمطلق، ما هو في الشعر، وما شكل العلاقة به، امتداد أم تناقض، أم احتواء ام تنافر.. كل ذلك معا، أو لا شيء منه..


// الاخر ..أجل ..أفراحنا ..أحزاننا ..كلها من صنع هذا الاخر...
احلامنا ..يبنيها أو يهدمنا هذا الاخر ..
في حياتنا ننتظر دائما هذا الاخر ..
و ذكرياتنا كلها يسكنها هذا الاخر ..
نبذل جهدا كبيرا من أجل نفهم الاخر ..أو نجعله يفهمنا ..
هل ثمة نص شعري كتب دون أن تكون فيه ظلال الاخر..بصماته ..ملامحه ..
الاخر هو الضحية ..هو السكين ..هو الحكم ..
و في مجتمعاتنا العربية القروية ..من الصعب أن يجد الفنان - المختلف - تواصلا بناء و إيجابيا مع الاخر ..
وفي غياب أدوات التواصل ..من احترام كامل للحرية الفردية ..و ايمان مطلق بالحوار كوسيلة لتجديد القناعات لا تعميق الخلافات ..من الصعب أن نجد الاخر الايجابي ..
صفية هـا أنـا ذا الآن
يغمرني الحلم في أول الانكسار،
فأوغل في الحلم وحدي . . أراك
أكابد كم ذا أكابد ناري،
وأصرخ : يا أيها الناس
لي ما لقلبي من الحزن، من كبد الانتظار
ومن ألم الانكسار
لماذا إذا تسكنون القصيدة قبلي
تنامون في حضنها . .
وأنا أتململ خلف الجدار ! . .

**** لنعد إلى ذلك المقطع الذي اخترته جوابا:

" مالذي يكفي إذا
حين لا تكفي لهذا التيه والابحار آلاف السفن
حين لا تكفي غواياتي و أشواقي أنا ..كل المدن
مالذي يكفي إذا ..
مالذي يكفي سوى
حجر يسند رأسي ..وكفن .."


هو تيه الغواية إذن، ذلك الذي يعيد صياغة عبد الكريم قذيفة شعريا. ولننحز إلى غواية الانثى ونذكر قولك ذات شعر: "كل أنثى احتوت شاعرا ضيعته"

إذا قرأنا البيت بالمقلوب: ما الذي يمكن أن تمتلكه أنثى لتحتوي شاعرا دون أن تضيعه، أو لنقل: ما شكل ملامح تلك الأنثى التي تهب الرجل ضياعا جميلا يرصع وجوده بالشعر..
وهل بوسع أنثى ما أن تحتوي شاعرا أصلا..

// تخطئ المرأة حين تعتقد أن الشاعر ينظر اليها على أنها مشروع قصيدة ..
الشعر يستمر و يتوهج بحضورها أو بغيابها ..
الشعر باق ما بقي الشاعر على قيد الحياة ..
الشاعر يبحث عن تلك التي بها يكتمل الانسان فيه ..تلك التي بوجودها تصبح تحمل الحياة و الاخرين ممكنا ..
- الحب هو أقصى ما يمكن للشعور بانسانيتنا ..
غير أن المرأة - الانثى - في مجتمعنا تحكمها منظومة من القيم لا تسمح لها أصلا بأن تجعل من انسانيتها هدفا وغاية في آية علاقة مع الرجل ..
كما أن لا أحد ممن حولها - ومنذ النشأة الأولى - يفهمها كيف عليها أن تتعامل مع الرجل ..فما بالك إذا كان شاعرا و مرهف الحس ..
بصدق ..
هل ثمة امرأة في مجتمعنا يمكنها أن تكون بلقيس نزار قباني في حياة أي شاعر ..
ليس مستحيلا ..لكنه صعب ..
بلقيس محط اعجاب كل فتيات العالم العربي ..لكن ..و لا واحدة منهن يمكنها أن تصبح بلقيسا ..
صعب احتواء الشاعر ..و الأصعب امتلاك القدرة على تجديد الطاقة في احتوائه بشكل مستمر ...


**** تقول في قصيدة أخرى:

"لم يكن يعرف معنى الحب
لكن الحياة
علمته الشعر.. فاجتاح قلوب الفتيات"


هل يحدث للشعر أن يصل قبل الحب..

// أجل ..بوسع الانثى أن تحتوي الشاعر ..
أجل ..بوسعها ذلك متى عدلت من منظومة أفكارها الموروثة ..و سعت لتفهم هذه الروح الجانحة والجامحة والمجنحة ..
أما عن الشعر ..فهو عادة ما يصل قبل الحب ..الشعر هو بوابة الدهشة والانخطاف..و لأن الانثى - بصفة عامة - كما قلت سابقا لا تملك أدوات فهم الرجل ، و لأنها لا تملك أدوات فهم نفسها و حاجاتها ، فهي لا تفرق بين الاعجاب و الحب ..بين العلاقة الفكرية و العاطفية و الجنسية .....إلغ ..
قد لا يفهم الشاعر إلا من كان في موقفه وموقعه ..قد لا يفهمه الا من اكتظ بتلك العلاقات المتشابكة والمتداخلة ..قد لا يفهمه الا من عانى من لحظات سوء الفهم ..من لحظات الضعف التي تحاصره ، و تغويه ..و من لحظات الاستفزاز التي تأخذ بتلافيف روحه ..وتلقي به في المهب ..
لم لم تذهبي الى اخر المقطع ..
فتقاسمن أغانيه ..تقاسمن أمانيه ..تقاسمن الرؤى والكلمات ..
و هو ظل الواقف الصامد
لا تحني خطاه الريح ..
لا يكسره الوهم الذي يسكن كل الجبهات ...
كذلك هو الشاعر ..وحيد في النهاية ..صامد في المهب ..يتلقى الطعنة تلو الطعنة ..كذلك هو ..منذ عنترة العبسي ..مرورا بالمتنبي ..وصولا إلى بدر شاكر السياب ومن بعده ..
أما الانثى ..فهي لا تتقن علاقة مع الرجل في مجتمعنا عدا تلك التي تغرس فيها وهي طفلة : أن تمتلك ..


**** لست أدري إن كان قارئ ما يشاركني هذا الإنطباع، لكني التقيت إنسان قصائد عبد الكريم قذيفة متلبسا بالحزن، ومع ذلك فإن حزن هذا الإنسان لا يبدو موضوعا، بل ملمحًا..

القصيدة عند عبد الكريم قذيفة تتسربل بالحزن كشعور إنساني اصيل يقيها جمود اللامبالاة، ولكنها لا تحتفي به أو توثق له كما يفعل شعراء آخرون..

ما رأيك..


// أنزل آدم إلى الأرض ليشقى ..ومنذ تلك اللحظة كتب عليه الحزن ..
الفرح عارض وعابر ..يسرقنا من حقيقتنا ..الحزن ليس ترفا..و لا موضة ...لكنه منتهى الصدق مع الذات ..الذات المسكونة بهواجس الموت والحياة ..الجنة والنار ..الحب والبغض ...الذات القلقة بالأسئلة عن الماضي والحاضر والمستقبل ..عن المصير ..
صدقت فيما ذهبت اليه ..وهو ما تؤكده اجاباتي السابقة ..
الشعر ليس هدفا أو غاية بالنسبة لي ..لا يعنيني أن يشار إلي بأنني شاعر ...الشعر هو جسر بالنسبة للعبور إلى الاخر ..وحتى إلى ذاتي ..أحاول من خلاله فهم روحي المريرة ..فهم الاخرين ..أسعى الى ذلك الانسجام و السلام ..لذا ..فلا يمكن وصفي لا بشاعر الحب ..ولا بشاعر الحزن ..ولا بشاعر المرأة ..كل ما كتبته كان من الانسان وبالانسان وللانسان ..
و أبهى ما كتبته - في نظري - هو ذلك الذي أوحت به لحظات انسانية عالية شاركتني فيها الانثى ..الانثى المؤمنة بعبدالكريم الانسان ..وليس عبدالكريم الشاعر أو الاعلامي الناجح الذي تسعى من ورائه إلى مجد ما ...
في النهاية ..سيظل الحزن صديقا لي ..وأنا معتز بصداقته ..


**** ولنبق مع إنسان عبد الكريم قذيفة:

قد يبدو لأول وهلة حزينا.. وحيدا.. ضائعا.. ولكنه مع ذلك موغل في التيه بيقين مُمعن في الغوايات بوَلع..

غوايات عبد الكريم قذيفة الشعرية، وتيهه الإنساني..
هل كان مجزيا الثمن الذي دفعته الروح مقابلاً.. وما الذي خلَّفه الشاعر من نفسه عند كل مرحلة..

// أدم الأول ..أنزل من جنته بسبب غواية الشجرة ..فهل كان الثمن مجزيا ...هل وجد سعادته و ضالته على أرض لم يألفها ولم يجد فيها ما فقده بنزوله اليها ...
لنتساءل عما خلفته روحه التي ظلت معلقة بمهد حياته الأول ..
تلك هي الحياة ..الثمن باهظ في كثير من الأحيان ..و نحتاج لنحيا بعض تصوراتنا عن الحياة أن ندفع الكثير من أعصابنا و انفعالاتنا ..و أن نتحمل الكثير ممن حولنا ..لكنه الثمن الذي يقتضيه أن نحيا كما نريد نحن لا كما يريد لنا الآخرون ...
ثمة سلم من 100 درجة ..كلما ارتقيت فيه درجة ..رأيت ما لم تره من قبل ..انفتحت عيناك على ما هو أبهى و أدهش ...
تصوري معي أن أصل الى الدرجة المائة ..ثم يتبدل الزمن ..و أجدني قابعا في الدرجة العاشرة أو الحادية عشر ..
ذلك هو المؤلم ...
أما الذين لم يتمكنوا من صعود ولا درجة ..فلن يمكنهم - مهما تصوروا - أن يفهموا حجم المعنى ..و حجم المكابدة ..و حجم العناء
و بالتالي فلن يفهموك أبدا ..و سيظل عالمك مغلقا عليهم ..و لن يعذروك ...

**** ختاما.. بقي الكثير، لكن الوقت يجبرنا على اختزاله: سعدنا بالتقاء نبضك في ملتقانا سيدي، وامنياتنا بكل جميل لك تمتد..مع ( فتوحات إنسانية ) أكبر..

الأديب والإعلامي عبد الكريم قذيفة، بقدر سعة صدرك، وجميل حضورك.. شكرا لك..



// عائد للتو من أسبوع ثقافي في المدينة الساحلية بومرداس ..
حيث التقت كل الفنون ..لتعانق التراث والتقاليد..
أتمنى أن أكون قد وفقت في ارتجالي لأجوبة عن أسئلة مركزة و عميقة و تحتاج الكثير من الهدوء والتروي ..
أدرك فقط في النهاية أن الواضحين جدا مع أنفسهم - وحدهم - من يستطيعون العبور إلى ما كتبته شعرا أو نثرا ..
لأن الوضوح يطلق الانسان فيهم ..و يمنحه حرية العبور إلي ..
أحييك أمينة ..أحيي أسرة الملتقى ..و أشد بقوة على أيديكم ..








#أمينة_سراج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أمينة سراج - لقاء مع الإعلامي والأديب الجزائري عبد الكريم قذيفة