أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - فائزالحيدر - الصابئة المندائيون ، شعب ام امة ام طائفة دينية ... من المسؤول عن فقدان التراث المندائي / الحلقة الثانية















المزيد.....


الصابئة المندائيون ، شعب ام امة ام طائفة دينية ... من المسؤول عن فقدان التراث المندائي / الحلقة الثانية


فائزالحيدر

الحوار المتمدن-العدد: 2348 - 2008 / 7 / 20 - 10:45
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


في حلقتنا الأولى ذكرنا آراء بعض المفكرين والباحثين المندائيين حول ما طرحه بعض الأخوة المندائيين من افكار يؤمنون بها ويعتقد البعض منهم ان طائفة الصابئة المندائيين هم ( شعبا" ) والبعض الآخر يعتبرهم ( أمة ) ، ومن الخطأ ان يطلق عليهم اسم ( الطائفة المندائية ) ووصل الأمر للدكتور تيسير الألوسي ليقترح في لقاءه مع فضائية الفيحاء العراقية أطلاق تسمية ( قومية الصابئة المندائيين ) بدلا" من ( طائفة الصابئة المندائيين ) بأعتبار ان المندائيين هم ( قومية تلتزم بدين معين ) على حد قوله ( 1 ) ، ناسيا" بذلك شروط مفهوم القومية وهي وجود الأرض واللغة والدين المشترك والعادات والتقاليد ، ورغم ما ذكر سابقا" فهناك من لديه أفكار مخالفة للأفكار المطروحة مستندين وبشكل علمي لتأريخ المندائيين وتراثهم . واليوم نكمل طروحات بقية المثقفين المندائيين وما كتبوه حول الموضوع .

يطرح الأستاذ ( مجيد جابك جاري) وجهة نظره التي يؤكد فيها ان الصابئة المندائيين هم طائفة دينية وليس شعبا" أو أمة فيقول : في رأيي ان ( الصابئة طائفة دينية ) واحدة أصلها من الشرق في وادي الرافدين مهد الحضارات ، عاصرت أقواما" عاشوا في تلك المنطقة فأثروا فيها وتأثروا بها ثم أنتشرت فلسفتهم الدينية في شمال الحجاز وفلسطين والأردن وحران والرقة والخابور وفي مواقع أخرى من أعالي الفرات كما استقرت جماعة منهم الأسكندرية في مصر الى غيرها من الأماكن حاملين لواء التوحيد أينما حلوا فكانوا من الأقوام القديمة التي بشرت في التوحيد أن لم تكن أقدمها ) (2 ) .

والأن بعد كل ما مر ذكره سابقا" حول مصطلح ( الشعب ) لنعود ونتسائل هل المندائيين ( أمة ) كما يعتقد الأخوة ...؟ وما هو مفهوم الأمة ؟

مفهوم الأمة ؟
ـــــ :
( ان الأمة هي مصطلح قانوني وسياسي ، وهي عبارة عن جماعة من الناس يرتبط أفرادها بروابط معينة مثل اللغة او التاريخ او الجنس ... من ناحية ، والمصالح المشتركة والغايات الواحدة من ناحية أخرى ، ويقطنون بقعة من الأرض حتى لو لم يخضعوا لنظام سياسي معين ) ( 3 )
و الأمة وفق هذا الاصطلاح حقيقة وكيان مجرد له وجود مستقل عن المواطنين الذين على قيد الحياة في وقت معين ، فهي كل الاجيال السابقة والمعاصرة بل واللاحقة أيضا" ، وهي التركيبة التي يتحقق فيها وبموجبها التواصل بين الاجيال المتعاقبة ودوام وثبات المصالح الكبيرة المشتركة .
ووفق التعريف السابق لمفهوم الأمة يأتي السؤال هل المندائيون ( أمة ) فعلا" ؟ وأذا كان الجواب بنعم ؟ فأين الغة المتداولة لتلك الأمة الأن ؟ وأين علم تلك الأمة وشعارها ؟ وماذا خلفت لنا تلك الأمة من آثار ؟ وأين المصالح المشتركة لهذه الأمة ؟ أين حضارة تلك الأمة وأين تراثها ؟ وهل لدينا تراث مكتوب ومنشور يدل على تلك الأمة المندائية أنها مجرد أسئلة تطرح وتحتاج الى أجوبة مقنعة .
وفي هذا المجال لا بد ان نعرف ما هو ( التراث ) لتلك الأمة لكي نستطيع الأجابة على الأسئلة المطروحة :

الفلكلور أو التـراث ....
____________
اصل تسمية فلكلور جاء من اللغة الالمانية Volkskunde ومعناها بالعربية (علم الشعوب) وكلمة فلكلور يقابلها باللغة العربية ( التراث ) وهو عبارة عن الأرث الثقافي لأسلافنا السابقة .
( التراث هو ما خلفه لنا الأجداد لكي يكون عبرة من الماضي ونهج يستقي من الأبناء الدروس ليعبروا بها من الحاضر إلى المستقبل وهو مجموعة الفنون القديمة والقصص والحكايات والأساطير المحصورة بمجموعة سكانية معينة في أي بلد من البلدان . ويتم نقل تلك المعرفة المتعلقة بالتراث من جيل إلى جيب عن طريق الرواية الشفهية غالبا" ) .
كما وهو مجموع النتاج الفكري لأبناء الشعب فهو يعبر عن ابداعاتهم على مر العصور في مختلف المعارف
سواء أكان في العلوم الدينية والفقهية والفلسفة واللغة والأدب والشعر والتاريخ والزراعة وحتى التشريعات القضائية والحكايات والأمثال الشعبية وغيرها من العلوم التي ارتبطت بشكل مباشر مع الانسان وواقعه وحياته اليومية
ويعتبر التراث وسيلة ذات أهمية كبيرة لمعرفة خصائص المجتمعات والبحث في عوامل تطور الأمم بالعودة لتراثهم لتفحص خصائصه ولمعرفة أسراره وغموضه ، ومما لاشك فيه إن أي أمة يُحكم عليها من خلال تراثها حيث يدل على سلوكهم وعلاقاتهم .. ( فغزارة التراث لأي أمة دليل على عظمها وسموها ) ... كما أن التراث بمفهومه العام لم يكن نتاج زمن قصير أو عدد قليل من الناس .. وإنما عمل أجيال متعاقبة .. فالأعمال التراثية جاءت نتيجة تراكم معرفي طويل ونقل من جيل إلى جيل .

فالتراث المدون المخطوط له تأثير كبير لأنه ذاكرة الأمة أو الشعب ، ودليل هويتها وعصارة فكرها ، وخلاصة تجاربها وإبداعاتها ، لأن التراث من أهم عوامل بعث الأمم والشعوب وهو الهوية الثقافية للأمة ، والتي من دونها تضمحل وتتفكك داخلياً .
ونود هنا ان نسأل هل يملك المندائيين ومثل باقي الشعوب والأمم تراث خاص بهم يسمى ( تراث الشعب المندائي ) أو ( تراث الأمة المندائية ) ؟ لكي نعرف فيما اذا كان المندائيون شعبا" او أمة قبل قرون ، ونحن ندرك ان التراث هوعماد كل شعب أو أمة ، فأين هذا التراث الأن ؟ وأذا كان قد فقدنا هذا التراث فمن المسؤول عن ضياعه طيلة القرون الماضية ؟ وهل يتحمل هذا الضياع المندائيين عموما" أم رجال الدين بحكم ما يملكون من ثقافة متواضعة كانت سائدة في تلك الحقبة التأريخية وتركيزهم على الدين المندائي وتعاليمه ولم يتركوا لنا غير التراث الديني فقط وأهملوا أدب وتراث أتباعهم المندائيين بأعتبارهم كانوا قادة للطائفة خلال قرون عديدة صعبة تميزت بالقتل والأضطهاد الديني والأجبار على تغيير الدين من قبل جيرانهم المسلمين ( متناسين ان على الامم واجب الحفاظ علي ما لديها من أدب وإرث تاريخي للشعب ) .

تعتبر دراسة الباحثة ( أ . س . دراور ) الوحيدة التي أستطاعت أن تحصي كل ما دون من الأدب المندائي والذي يتميز بتنوعه وكثرة نصوصه حتى ليصعب على رجال الدين المندائيين ناهيك عن عامة المندائيين ان يحصلوا على هذا الأدب . وتقسم الليدي دراور هذا الأدب الى ما يلي:

1 ـ المجموعة الأولى ..... وهي نصوص سرية خاصة بالكهنة وحدهم وهي تدوين في شكل لفائف تحتوي على رسوم أيضاحية بدائية وتشمل :
أ ـ ( ألف ترسر شيالة ) أي ( ألف وأثنا عشر سؤالا" ) ويتألف من سبعة نصوص طويلة صيغت في شكل أسئلة وأجوبة تدور حول العقائد المندائية ب ـ ( آلما ريشايا ربا ) ( العالم الأول الكبير ) و( آلما ريشايا زوطة ) ( العالم الأول الصغير ) وهذان النصان ينبغي ان يوجدا في الكوخ الذي يشيد لتكريس المرشح لدرجة الترميذة ج ـ ( ديوان مملكة السماء العليا ) ومواده تدرس للترميذة ليرتقي لدرجة الكنزفرة .

2 ـ المجموعة الثانية ... وهي كراريس تشرح كيفية اداء الطقوس الدينية وبعضها مزود بالرسوم وتشمل : أ ـ شرح تتويج شيشلام العظيم ب ـ شرح زواج شيشلام العظيم ، والذي يصف مراسيم الزواج والنصوص التي تقرأ في مجلس العرس ج ـ شرح الأيام الخمسة ( البنجة ) د ـ شرح ذكرى الأوحد بعدله هـ ـ ديوان تعميد هيبل زيوا ،

3 ـ المجموعة الثالثة ... وتضم مجموعة الأناشيد والتراتيل والصلوات التي تتلى في طقوس التعميد وارواح الموتى وتعرف بأسم ( نياني ) .

4 ـ المجموعة الرابعة ... وتضم النصوص التي تتحدث عن الأساطير المندائية التي تدور حول خلق الكون والأنسان والصراع بين قوى النور والظلام ويوم الحساب وتشمل :
أ ـ الكتاب المقدس ( كنزا ربا ) أو ( سيدرا ربا ) ( الكتاب العظيم ) ب ـ ( دراشة د يحيا ) ( كتاب يحيى ) ويضم مجموعة التراتيل والنصوص التي تتحدث عن يحيى ونشأته وهجرة الناصورائيين من فلسطين الى الفرات ج ـ ( ديوان أباثر ) الذي يصف رحلة النفس في صعودها الى السماء بعد الوفاة ومرورها في نقاط الحساب د ـ ( ديوان نهرواثة ) ( ديوان النهر ) ويشمل على أساطير دينية مندائية مزينة بالرسوم ، هـ ـ ( ديوان حران كويتة ) وهو عرض لتأريخ الطائفة المندائية منذ أيام يحيى .

5 ـ المجموعة الخامسة ... ( أسفر ملواشة ) أي ( سفر البروج ) ويضم نصوصا" منوعة عن الفلك وقراءة الطالع ( الفال ) .

6 ـ المجموعة السادسة ... تتألف من مجموعة من الطلاسم والأدعية ونصوص سحرية لطرد الأرواح الخبيثة وأدعية طلب عطف القوى الروحانية . ( 4 )
ومن هذا الأدب المندائي بمجاميعه الستة نلاحظ ان جميع ما تركه أجدادنا الأوائل هو تراث ديني فقط وليس تراث شعبي يدل على حضارة ( الشعب ) أو حضارة ( الأمة ) وذلك يؤكد مرة أخرى على أننا ( طائفة دينية ) .

لقد ساهم المندائيون طيلة مئات السنين بنقل معارفهم في كل المجالات العلمية والأدبية الى الحضارة العربية والأسلامية والمحيطين بهم ونسوا انفسهم ولم يحتفظوا مما قدموه لللآخرين إلا بنصوصهم الدينية وتقاليدهم وطقوسهم وصلواتهم ووصاياهم التي دونوها بأنفسهم وبخط ايديهم ، ويعود الفضل بذلك للنساخ والكتبة والشيوخ الذين تحملوا المصاعب والعمل الشاق واستطاعوا بجهودهم من نقل المدونات بأمانة ودقة ودون تحريف على لفائف ورق البردي وألواح الرصاص والفخار واحتفظوا ببعض النسخ في اماكن متفرقة بطرق غير سليمة مما ادى الى تلف غالبيتها وضاع بذلك تأريخهم لقرون عديدة .

ويبين الباحث ( س .كوندوز ) أن ( المخطوطات المندائية الموجودة مؤرخة عموما" على انها تعود الى اوقات متأخرة ، وعلى الأكثر الى القرن 18 أو 19 الميلادي . ومع ذلك يبدوا ان عدد من النصوص جمعت أساسا" بعد الهجوم الاسلامي على المنطقة التي يعيش بها المندائيون مباشرة ) ( 5 )
بالتأكيد أن معاناة المندائيين وأضطهادهم طيلة قرون عديدة من قبل جيرانهم قد سببت في ضياع الكثير من تراثهم وأكثر مؤلفاتهم بسبب الهجرة التي اجبروا عليها وأضطرارهم الى أخفاء ما يملكون من الكتب والمخطوطات تحت الأرض مما أدى الى تلفها بعد فترة وما كتب لاحقا" فكما يقول ( كوندوز ) فأنه يعود الى القرنين الثامن والتاسع عشر. ولذلك ادركت دول العالم اهمية هذا الجانب فتم تأسيس المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة ( اليونيسكو ) التي اصبح من مهماتها منع تداعي التراث الانساني لدي الامم من خلال برامج توعية وتوجيه عميقين .
وأذا أتفقنا مع الأخوة أصحاب الرأي بأن المندائيين هم ( شعب ) وله تراث واضح ، وهناك أدلة على وجود مثل هذا التراث الذي خلفه لنا الأجداد ، فأين هو الأن ؟ ولماذا لا يتم تناوله في حياتنا اليومية ؟ وهل يتوفر في المتاحف تراث مندائي واضح عدا عن وجود بعض الأحراز المندائية وقطع النقود ، وأذا كان جوابنا العكس فكم نحتاج من السنين لأحياء هذا التراث لكي يصبح بتناول المندائيين ليعيد للمندائية مكانتها ...؟ ولنعرف هل اننا شعب أو أمة ، الى غيرها من الأسئلة التي يطرحها الكثيرون وتحتاج الى أجابات مقنعة وواضحة .

ومن جانب آخر يدعوا الأستاذ تحسين مهدي الى تأسيس ( متحف مندائي لللأمة المندائية ) حيث يقول : ( ان البلدان المتحضرة تنشئ لما تملكه من لقى وآثار ، متاحف حديثة مزودة بوسائل عرض انيقة متكاملة تليق بتلك الآثار وأهميتها وقيمتها التأريخية . ولا بد لنا ( كطائفة تسعى لتحقيق توازنها المطلوب وأثبات وجودها بين الطوائف والأقليات الأخرى ) ، وبعد إنفتاحنا الكبير والواسع على العالم ، لابد ان نؤسس لتراثنا المندائي شيئا" يمكن للآخرين فرصة الأطلاع على قيمنا وتأريخنا ونمط حياتنا وطبيعة ديننا ولغتنا ومتعلقات طقوسنا ...ألخ ) . ويقترح ان يضع في المتحف ( كتبنا الدينية المقدسة ، قطع اللباس الديني ( الرستة ) نماذج للدرفش ، الأواني الفخارية المستخدمة خلال مراسيم الزواج ، الكتب التي تناولت طائفتنا وديانتنا ، الوثائق والصور القديمة ، المصوغات الفنية وأدواتها ، الأحراز الفخارية ، صور مكبرة لرجال الدين ، الأكليلة ، السكين دولا ، المندلثا ، المركنة ونماذج مكبرة لحروف لغتنا ومواقع سكن المندائيين ، ونماذج النباتات المقدسة . ) ( 6 )
اننا نرى ان هناك تناقض في ما طرحه السيد تحسين مهدي ففي بداية دعوته هو يقترح تأسيس ( متحف مندائي للأمة المندائية ) ومن ثم يؤكد اننا ( كطائفة تسعى لتحقيق توازنها المطلوب وأثبات وجودها بين الطوائف والأقليات الأخرى ) ، ويؤكد لنا أيضا" بشكل غير مباشر ان ما يملكه المندائيين هو تراث ديني أي أننا ( طائفة دينية ) أيضا" وليس شعبا" أو أمة . كما ان جميع ما ذكره ويقترح وضعه في المتحف المقترح هي من ( التراث الديني ) فقط وليس بين أيدينا أي تراث آخر ممكن ان نحفضه في المتحف المقترح .

ومن المعلوم ان التراث يشمل ما يلي :

ـ المعتقدات والمعارف الشعبية ... فمن المعتقدات ما يعتقده شعب معين من طقوس دينية أو عوامل طبيعية , أو ظواهر لا منظورة .. كالتي تتعلق بالجن .. أو ( الغيبيات ) . أما المعارف فهي ما أتقنه ذلك الشعب من حرف وصناعات تقليدية ميزتهم عن غيرهم , أو أن لهم طريقة خاصة بهم .
وفي هذه النقطة يتميز المندائيون بطقوسهم الدينية المعروفة واهمها التعميد بالماء الجاري وطقوس الزواج والأعياد .. الخ وهي طقوس دينية بحتة يتميز بها المندائيون ، وقد يعتقد البعض ان اجادة المندائيين لمهنة الصياغة وحصرها على ابنائهم لسنوات طويلة هو نوع من التراث ولكننا نعتقد ان هذا النوع من العمل هو ليس بتراث قديم أن مهنة الصياغة بشكلها الحالي لم يتجاوز عمرها المائة عام في العراق والمنطقة واتخذها المندائيون مهنة لهم بعد ان تخلوا بشكل تدريجي عن مهنة الحدادة والنجارة وصناعة القوارب والأدوات الزراعية وغيرها فأين تراثنا قبل هذه الفترة ؟

ـ العادات والتقاليد الشعبية ... وهي ما يتعلق منها بالاحتفالات والمناسبات الشعبية والأسلوب السائد في مجتمع ما , كعادات الزواج والتعميد والأعياد , وطرق الاستقبال الضيوف . وكما ذكرت في الفقرة السابقة بان تقاليد الزواج والتعميد وعيد الخليقة ( البرونايا ) ، والعيد الكبير ( دهفا ربا ) والأعياد الأخرى هي من اهم التقاليد الدينية المتوارثة لدى المندائيين .

ـ الأدب الشعبي ... وهي ما يخص الشعر أو النثر بكل ما يحوي من قصص وأساطير وأمثال وغيرها .
يكاد يخلوا التراث المندائي حاليا" من الأدب الشعبي ومن القصص التراثية وان وجدت فهي محددة بقصص دينية بحتة وشعر بين صفحات الكنزا اليمين وكما بينا سابقا" وبعض قطع النثر وأبيات الشعر المتبادلة بين الأقارب والأصدقاء بخصوص الغزل والعمل والعتاب بين أفراد الأسرة الواحدة والتي لا يتجاوز عمرها 100 عام أو أكثر بقليل ، وما كتبته الباحثة الليدي دراور في كتابها بعنوان ( اساطير وحكايات شعبية مندائية ) ، ترجمة الأساتذة المرحومين نعيم بدوي وغضبان رومي ، وهي حكايات مروية عن المرحوم ( هرمز أبن ملا خضر ) تكاد تكون من الأساطير الدينية القليلة لدى المندائيين فأين الأساطير الأخرى ؟ ولماذا لا يتم تناولها والأطلاع عليها والتي يعتقد البعض ان قسم منها موجود بين أيدي بعض رجال الدين المندائيين ، والغريب هنا ان رجال الدين وبثقافاتهم المختلفة وتعليمهم ودرجة أجادتهم للغة المندائية بنسب متفاوتة يفسرون نصوص دينية واحدة بأشكال مختلفة وحسب وجهة نظر كل واحد منهم ودرجة ثقافته لعدم تواجد المرجعية الدينية التي يكون لها الحسم في مثل هذه الأمور والتي أصبحت حاجة ظرورية للمندائيين عموما" لغرض توحيد الخطاب الديني المندائي على الأقل .

ـ الفنون الشعبية .... هي فنون العرض مثل الرقص الشعبي , بكل أشكاله وخصائصه .. وأيضا ما توارثه المجتمع من أغاني وموسيقى وأناشيد.. ومواويل ... الخ . ومن المعروف ان لكل الشعوب والقوميات أغانيهم الخاصة والمعروفة والمتوارثة والتي تشكل تراث متعارف عليه ويستعمل لحد الأن . فالعرب والأكراد كقومية وشعب لهم لغتهم وملابسهم الخاصة ورقصاتهم وأغانيهم كذلك الأشورييين والكلدانييين والأيزيدين وغيرهم ، فأين هو تراث المندائيين وأين أغانيهم ورقصاتهم ودبكاتهم ولباسهم الذي يتميزون به ؟ وهنا يأتي السؤال هل حرم المندائيون الرقص والغناء في تلك الفترة تجاوبا" مع المحيط الأسلامي الذي يعيشون فيه وبضغط منهم ؟؟ ، ولعل أبرز ما تميز به الصابئة المندائيون في مجال التراث الغنائي الحديث هو ( طور الصبي ) رغم حداثته والذي يعد من الأطوار الغنائية الريفية المشهورة الذي يتميز بصعوبة الاداء ومسحة الحزن الجنوبي ، ويقال ان أول من غناه هو ( حربي سباهي ) و ( روحي الشعلان ) من مندائي قضاء سوق الشيوخ ولكن في نفس الوقت يفتقد المندائيون الى الأغاني التراثية الجماعية والتي تعتبر جزا" من تراثهم السحيق .

ـ الثقافة المادية ... هي الآثار والأدوات الشعبية المستخدمة في ذلك المجتمع .. سواء أكانت لباسا" أو أدوات منزلية أو زراعية أو خلافها . بدأ المندائيون قبل قرون وكبقة الناس يصنعون ملابسهم بايديهم أو بواسطة ( الجومة ) والتي كانت تعتبر آله الحياكة ونسج الاقمشة وكانوا يعتمدون على المواد الاولية المحلية من الصوف والشعر والقطن وكانوا يحصلون عليها من مواشيهم ومزارعهم ويقومون بالغزل والنسيج وكان يطلق على القماش المحلي ( بالخام ) ومع الأسف ان كل ما نملكه اليوم هو بعيد عن التراث المندائي وهو لباس أجدادنا وآبائنا وهو العقال واليشماغ بأشكالهما وألوانهما المختلفة والخاكية هذا بالنسبة للرجال ، والعصّابة والجرغد والفوطة والملابس السوداء بالنسبة للنساء وهذا بالتأكيد هو تراث عربي أسلامي وليس مندائي أساسا" تم اشاعته في المنطقة العربية حزنا" على ( فقدان الأندلس وأندحار الجيوش العربية والأسلامية قبل خمسمائة عام تقريبا" ) وأتخذه المندائيين لباسهم مجاراة لمحيطهم الأسلامي وعلى حساب تراثهم الأصلي ، وهنا نسأل ما علاقة الصابئة المندائيين بفقدان الأندلس ؟؟ وهل نجد احد من الأكراد أو الأشوريين أو الأيزيدين يبلس العقال واليشماغ والخاكية أم يلبسون ملابسهم القومية المميزة ، ان ما يلبسه رجال الدين المندائيين من ملابس متباينة في داخل العراق وبلدان المهجر هذا اليوم لهو دليل واضح على عدم وجود لباس تراثي أصيل حتى لرجال الدين ، ورغم الدعوات الموجهة منذ سنوات لتوحيد زي رجال الدين كخطوة أولى على الأقل نلاحظ الخلافات والأجتهادات في هذا المجال .

أحياء التراث المندائي
_____________
يبدو لي أن العمل على أحياء التراث المندائي ( أن وجد ) يمكن أن يكون على مراحل فيما أذا توفرت الرغبة وحسن النية ووضع مصلحة الطائفة المندائية فوق كل أعتبار وبالشكل التالي :

ـ تشكيل لجنة طوعية متفرغة من المثقفين المندائيين ورجال الدين والمتطوعين الذين يجيدون اللغة المندائية واللغات العالمية وبالتعاون مع المنظمات الدولية وخاصة منظمة اليونسكو للقيام بهذه المهمة الشاقة والنبيلة ولفترة طويلة .

ـ لا يمكن القول اننا نعرف التراث المندائي كله ، هذا ان وجد فعلا" .. فقد نكون اننا نعرف جزءا" منه ، ولكننا لا نزال نجهل الكثير ، نجهل موطنه التي ضاع فيها ، ونجهل ما يحتوي من تراث ومخطوطات بعد أن توزع على أماكن شتى خلال الهجرات المتوالية ، وعلينا التعرف على الأماكن التي يتواجد فيها هذا التراث أو التي نعتقد أن يكون فيها وأعتقد ان نسبة من المخطوطات النادرة لا زالت بعهدة رجال الدين المندائيين رغم قلتها يتطلب الكشف عنها من قبل الأخوة الذين يجيدون اللغة المندائية للأطلاع عليها .

ـ يحتفظ الكثير من المندائيين بوثائق هامة ومخطوطات ، ممن لا زالوا أحياء ورثوها من آبائهم وأجدادهم ، وتقع على جميع هؤلاء مسؤولية تاريخية للاهتمام بهذا المشروع الكبير وتسليم هذه الوثائق إلى اللجنة المشكلة أو تصويرها والأحتفاظ بها ، وهذه المسؤولية يجب لا يقف بوجهها أي خلاف أو اختلاف .

ـ لا يزال الكثير من كبار السن من المندائيين ووجهاء الطائفة يمتلكون خزين هائل من الذكريات والحكايات التراثية ، يمكن الاستفادة منهم وتحفيزهم لكتابة ذكرياتهم لتكون لبنة في هذا الصرح الكبير. وكذلك الاستفادة من المذكرات والذكريات التي نشرت أو لا تزال مخطوطة وبالإمكان تصويرها والاستفادة منها. ومع الأسف رغم الدعوات المتكررة من قبلنا وآخرين لم يحرك غالبية المندائيين أنفسهم في هذا المجال .

ـ نشرت في الصحف والمجلات والكتب والمواقع الإلكترونية الكثير من المقالات التي تعني بتاريخ الطائفة المندائية العام وتأريخ رجالها وعلى اللجنة المذكورة السعي لجمعها وتبويبها للاستفادة منها.

ـ في حالة الوصول الى أماكن التراث علينا البدء بجمعه أو أستعادته أما في حالة عدم امكانية أستعادة هذا التراث من الدول التي توزع فيها فيمكن ان تصور وتثبت على أفلام أو القيام بأستنساخ المخطوط منها وعند الوصول الى هذه النقطة يمكننا القول أننا أنجزنا عمل ضخم . ولدينا مثالا" جيد ما يقوم به الأخوة الأيزيدين من تكليف بعض رجالهم للقيام بجولاتهم في قرى وقصبات كردستان وجبالها للبحث عن تراثهم المفقود ويمكن الأستفادة من خبرتهم في هذا المجال .

ـ وتعتبر هذه المرحلة ثمرة ما تم عمله سابقا" حيث يتم إعداد القوائم الأولية وطباعتها ، ونشرها بين المندائيين وعلى المؤسسات العلمية في الوطن العربي كله لأطلاعهم على هذا التراث المفقود .‏ أن كل مرحلة من المراحل السابقة تحتاج إلى جهود وفيض من الدراسات التي تجابهها الصعوبات بالتأكيد ، وفي حاجة إلى كثير من الأعداد ، حتى تقود إلى المرحلة التي تليها ، وحتى تحقق المراحل في مجموعها غايتها البعيدة .‏

وأخيرا" لا بد من التأكيد ان ما طرح في هذه الحلقة وسابقتها هو عبارة عن وجهة نظر تتطلب النقاش من جميع المثقفين المندائيين .

الهوامش ـــــــــــ

1 ـ الندوة التي عقدتها قناة الفيحاء الفضائية في يوم الأربعاء 11 حزيران / 2008 وفي برنامج قراءات عراقية مع الدكتور قيس السعدي .
2 ـ مجلة آفاق مندائية ، العدد 10 ، مايس 1999 ، في رده على المرحوم الأستاذ نعيم بدوي حول صابئة حران .
3 ـ الموسوعة الحرة ( ويكيبيديا ) .
4 ـ عزيز سباهي ، أصول الصابئة المندائيين ومعتقداتهم الدينية ، دار المدى للثقافة والنشر ، الطبعة الأولى 1996 .
5 ـ س . كوندوز ، ( معرفة الحياة ) ترجمة الدكتور سعدي السعدي / مركز الحرف العربي / السويد / 1996 / ص71 .
6 ـ تحسين مهدي ، مجلة آفاق مندائية ، العدد 12 ، السنة الخامسة ، كانون الثاني 2000 .

كندا / 16 تموز / 2008










#فائزالحيدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - فائزالحيدر - الصابئة المندائيون ، شعب ام امة ام طائفة دينية ... من المسؤول عن فقدان التراث المندائي / الحلقة الثانية