أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شكيب أريج - رمزية الموت في رواية (ذاكرة الجسد) لأحلام مستغانمي















المزيد.....

رمزية الموت في رواية (ذاكرة الجسد) لأحلام مستغانمي


شكيب أريج

الحوار المتمدن-العدد: 2346 - 2008 / 7 / 18 - 11:06
المحور: الادب والفن
    


إذا كانت البدايات هي التي تحدد النهايات، فإن هذه النهايات هي الأخرى قد تكون بدايات، لأن النص «يتميز بانفتاحه كتابيا ودلاليا»1

وقد برع الروائيون في صياغة النهايات الأكثر صخبا والأقوى وقعا، ورغم تفاوت وقع هذه النهايات في نفسية متلقيها فهي تخلِّف صداها وتترك بدايات يستمر امتدادها في الوجدان الجماعي.

وتيمة الموت كانت ولا زالت من أكثر النهايات تواترا في الرواية العربية خاصة الواقعية منها، فبما أن الموت تكون في الواقع ذات وقع قوي فالأحرى بها أن تكون في الروايات أكثر النهايات تعبيرا وإدهاشا.

ونجد أن الرواية الواقعية تفنـنت في تشخيص واقعة الموت، ففي رواية “بداية ونهاية”لنجيب محفوظ ينتحر (حسنين) و(نفيسة) في نهر النيل، وفي رواية “نهاية رجل شجاع” لحنا مينة تكون النهاية هي موت السارد المتكلم نفسه، وتتعدد الأمثلة التي تحيل في مجملها على تشخيص واقع أكثر النهايات فيه حتمية هي الموت.ونجد أن الرواية الواقعية تفنـنت في تشخيص واقعة الموت، ففي رواية “بداية ونهاية”لنجيب محفوظ ينتحر (حسنين) و(نفيسة) في نهر النيل، وفي رواية “نهاية رجل شجاع” لحنا مينة تكون النهاية هي موت السارد المتكلم نفسه، وتتعدد الأمثلة التي تحيل في مجملها على تشخيص واقع أكثر النهايات فيه حتمية هي الموت.

أما الروايات الحديثة فقد نسجت بدورها نهايات في موضوعة الموت لتعبر عن قلق الكينونة والانفتاح على المطلق. في رواية ذاكرة الجسد مثلا لا يأتي الموت مجانيا ، إذ هو ليس موتا واقعيا كموت (رجب) في (شرق المتوسط) لعبد الرحمن منيف أو موت شخصية (منى) في ثنائية (نادية) ليوسف السباعي. إنه موت رمزي يجعل الكتابة مكافـئا للحياة، فما إن تتوقف أجراس هذه الكتابة حتى يصبح الصمت مرادفا للموت، فالكتابة بضجيجها تعلن عن انبثاق ذوات تعبر عن الحلم والصدق، فهذه اللحظات المسروقة الخارجة عن سلطة الواقع تترك بصماتها قبل أن تخفت ثم تنقرض مخلفة زوبعة من الأسئلة المبعثرة.

ينطبق هذا المفهوم الذي يحكم جدلية الموت# الكتابة على العمل الأدبي في كليته، فما هذا الأخير إلا حفل تأبين، أما البطل (خالد) فما هو إلا كبش فداء. إن هذه الرؤية النقدية يبئرها المكتوب ويعيها السارد البطل، وسنعرض لهذا القتل الرمزي بشيء من التفصيل فيما بعد.

وما يهمنا هنا هو أن الموت مشخصا في كتاب ليس إلا ضريحا للذكرى. وإذا كان المكتوب “فجيعة” و”قبرًا” فإن الكاتب قاتل يمارس لعبة القتل العمد بنـزعات إجرامية وببرودة مداد ودون أن يهتز له طرف ورقة.ألم يكن هذا ما قصده جبران خليل جبران حين قال: «يغمسون أقلامهم في دماء قلوبنا ثم يدعون الوحي»2

وفي هذا السياق يدور حديث شيق بين السارد(خالد) والبطلة (حياة/أحلام) حين يعاتب (خالد) ملهمته (حياة/أحلام) على طريقتها في الكتابة: «أتمنى أن لا يفسد عدد ضحاياك متعتي! » (ذاكرة الجسد- ص124)فتجيبه بأسلوب مراوغ: «-لا إطمئن…فأنا أكره المقابر الجماعية! » (ذاكرة الجسد- ص124) ثم ما تلبث أن تبسط نظرتها النقدية دون مراوغة أو مواربة: «إن المهم في كل ما نكتبه..هو ما نكتبه لاغير، فوحدها الكتابة هي الأدب..وهي التي ستبقى، وأما الذين كتبنا عنهم فهم حادثة سير..أناس توقفنا أمامهم ذات يوم لسبب أو لآخر..ثم واصلنا الطريق معهم أو بدونهم» (ذاكرة الجسد- ص125) وتدافع عن موقفها: «..إن في روايات (أغاتا كريستي) أكثر من 60 جريمة، وفي روايات كاتبات أخريات أكثر من هذا العدد من القتلى، ولم يرفع أي مرة قارئ صوته ليحاكمهن على تلك الجرائم، أو يطالب بسجنهن، ويكفي كاتبة أن تكتب قصة حب واحدة لتتجه كل أصابع الاتهام نحوها، وليجد أكثر من محقق جنائي أكثر من دليل على أنها قصته» (ذاكرة الجسد- ص126)

إن النص في ذاكرة الجسد يسائل القارئ وبجرأة، لماذا يحلو له أن يتابع مأساة أبطال يقاومون القدر باستماتة؟ وما سر هذه النشوة التي تعتريه وهم يتعذبون ويموتون أمامه ؟

النص يقدم إجابات مضمرة من حين لآخر، كمثل قول السارد: « ..أحتقر الناس الذين لا دموع لهم، فهم إما جبابرة..أو منافقون. وفي الحالتين هم لا يستحقون الاحترام» (ذاكرة الجسد- ص120)

ومن حين الى حين يتعمد السارد في “ذاكرة الجسد” أن يمحو الخطوط الفاصلة بين الأدب والواقع، فبقدرة إيهامية فائقة أسهمت التدخلات السافرة المبثوثة في النص على تبئيرها، ينجح السارد وبامتياز في تشخيص المكتوب وإعطائه مشروعيته وواقعيته.وعلى الرغم من هيمنة فكرة الموت طوال الرواية، وتعدد “الميتات” ، فإن المكتوب يدور حول نفسه ليرصد ظاهرة الموت مشخصة فيه حين يصبح سبب الكتابة سببا للقتل والموت: « ستقولين لماذا كتبت لي هذا الكتاب إذن؟ وسأجيبك أنني أستعير طقوسك في القتل فقط، وأنني قررت أن أدفنك في كتاب لا غير» (ذاكرة الجسد- ص404)

النص أيضا يحاول أن يعطي الانطباع بفرادته وتميزه، خاصة في السطور الأخيرة منه، حين يصل الموت ذروة تشخيصه على مستوى الواقع (موت السي الطاهر- حسان- بلال حسين- عبد الكريم بن وطاف- اسماعيل شعلال..) وكتجسيد واقعي لإحدى هاته الميتات نسوق المثال التالي:

« ولم يمت بلال حسين كغيره. قضى سنتين في السجن والتعذيب. ترك فيها جلده على آلات التعذيب.» (ذاكرة الجسد- ص321)وعلى مستوى تشخيص المكتوب (خالد بن طوبال- زياد..) فإذا كانت الاغتيالات والسيارات المفخخة تحكم على أشخاص مثل (مصطفى بن بولعيد- الطاهر الزبيري- محمد لايفا..) بالخروج من حياة واقعية، فإن قانون الكتابة يحكم على شخصيات خيالية بالخروج من حياة تقع في حدود (المكتوب).إذن فما علينا أن نميزه ونعيه هو أن هناك:

أ- موتا واقعيا يؤدي إلى الخروج من الحياة. والسارد يستحضر قصصا كثيرة واقعية من صميم الواقع الجزائري، فيحدثنا عن محاولة فرار من السجن باءت بالفشل: « قاموا بأغرب عملية هروب من زنزانة لم يغادرها أحد ذلك اليوم.. سوى إلى المقصلة» (ذاكرة الجسد- ص223)

ب- وموتا رمزيا يؤدي إلى موت على طريقة (عرائس الفيتش)*. والموت على مستوى المكتوب هو الحل الأخير للتحرر من الآخرين والشفاء من حبهم والانتهاء منهم.

يحتفي المكتوب بموضوعه الموت من الناحية الرمزية على اعتبار أن الحياة رديف للموت، وحين يقول السارد مخاطبا البطلة:« اقرئي هذا الكتاب.. وأحرقي ما في خزانتك من كتب لأنصاف الكتاب، وأنصاف الرجال، وأنصاف العشاق» (ذاكرة الجسد- ص387) ويردف كلامه قائلا: « من الجرح وحده يولد الأدب» (ذاكرة الجسد- ص387) فهو يشير بأسلوب مباشر إلى أن ما هو مكتوب هو الجرح وهو القبر وهو الضريح.ثم إن البطل في “ذاكرة الجسد” يجسد هذا الموت الرمزي حين يمضي إلى حتفه بهدوء جنائزي وبنبرة أكسبها حرارة التوديع، فهو يختفي بالتدريج، وأثناء هذا الاختفاء نطالع في السطور الأخيرة العبارات نفسها التي بدأت بها الرواية: «وقلت:(الحب ما حدث بيننا..والأدب هو كل ما يحدث) نعم، ولكن..بين ما حدث وما لم يحدث، حدثت أشياء أخرى لا علاقة لها بالحب، ولا بالأدب، فنحن في النتيجة لانصنع في الحالتين سوى كلمات..ووحده الوطن يصنع الأحداث ويكتبها كيفما شاء..ما دمنا حبره» (ذاكرة الجسد- ص403) حضور هذا النص في السطور الأخيرة من المتن الحكائي له ما يبرره، فنحن في النهاية أمام سارد يباغتنا بحدة وعيه وبنضجه المعرفي، فهو بعد أن انتهى من تشخيص الواقع (ما حدث بيننا) ومن تشخيص المكتوب(ما لم يحدث)، يقر ببقاء منطقة ملتبسة على وعينا نعيش فيها وننكتب. ولذا فبمرارة وخيبة يلملم السارد أوراقه: «ولكني أصمت..وأجمع مسودات هذا الكتاب المبعثرة في حقيبة رؤوس أقلام..ورؤوس أحلام» (ذاكرة الجسد- ص404)

- أحلام مستغانمي «ذاكرة الجسد» بيروت-دار الآداب-الطبعة السادسة 1998م

- سعيد يقطين «انفتاح النص الروائي»-المركز الثقافي العربي-الطبعة الثانية2001



#شكيب_أريج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية جسر على نهر درينا* حين يكون طموح الرواية هو امتصاص كام ...
- الحاضر والغائب في مجموعة -شجرة القهر- القصصية لمحمد كروم
- شجرة القهر إضافة جديدة للقصة المغربية
- رواية القران المقدس[1] أداة المعرفة الجميلة
- مقررات التسطيح والتلجيم
- ما الغاية من الحجاب؟
- صورة الرجل والمرأة عند زينب فهمي
- مجتمع العبيد في الإسلام
- خمس نقابات بإقليم ط اطا تخوض حربا ضد الأ كاديمية الجهوية
- وقفة الألف شمعة بطاطا، أهي وقفة أم حصار؟


المزيد.....




- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شكيب أريج - رمزية الموت في رواية (ذاكرة الجسد) لأحلام مستغانمي