أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - باتريك هرمان - جريمة اجتماعية كاملة - جحيم الأميانت الابيض















المزيد.....


جريمة اجتماعية كاملة - جحيم الأميانت الابيض


باتريك هرمان

الحوار المتمدن-العدد: 139 - 2002 / 5 / 23 - 19:52
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    



PATRICK HERMAN



"في كل من رئتيك بركان خامد، وإذا ثار فستصاب بالسرطان." بهذه الطريقة علم أحد المتقاعدين من احدى الشركات الكبرى انه مصاب بأحد امراض الأميانت، بحسب ما يروي الطبيب الاختصاصي في السرطان جاك بروغار الذي أضاف: "لقد عمل مدة ثلاثين عاماً على احتكاك بهذه الألياف من دون ان يعرف أخطارها" (2) . وكذلك لم يبلغ بشيء من هذا عمال الطحن وعاملات النسيج وعمال الكهرباء والحديد والعاملون في احواض السفن وتقنيو البحرية، ومئات المهن المعنية... أبداً لا شيء. صمت مطبق صمت القبور.

وكان الأمر سهلاً، فالألياف البالغة الدقة التي تنزرع في اعماق الرئتين لا يمكن اكتشافها، كما لا يمكن اكتشاف بدايات الأمراض التي لا تظهر الا حين تتملك من المريض، وتالياً لا يمكن معرفة المرضى (من الجنسين) الذين يُعزلون ويتم التنكر لوجودهم كضحايا جريمة اجتماعية بكل معنى الكلمة تقريباً. ومع ذلك لم يكن الأمر مجهولاً.

والمرضى، سواء اكانوا من ضحايا العمل أم من الجوار (او حتى الضحايا العائلية مع ثياب العمل الزرقاء التي يرجعون بها الى البيوت مبيضة بالأميانت)، وجدوا الطريق للخروج معاً من دائرة الموت التي أراد الكثيرون عزلهم فيها. وها هم أمام المحاكم في آلاف الدعاوى القائمة. وفي باريس نزل الى الشارع في أواخر أيلول/سبتمبر عام 2001 حوالى 10000 شخص، ليكسروا كلياً هذا الاجماع القائم من أجل التعتيم اجتماعياً على ضحايا الأمراض المهنية، لكن كم كانت مسيرتهم طويلة...

ففي منطقة أولني سو بوا بدأت قضية وكالة المعادن والمواد الأولية منذ ما ينوف على ... ستين عاماً!

الفصل الأول: عريضة 3 تموز/يوليو عام 1937 كتبت باليد ووجهت الى حاكم أولني. وفيها يبدي 56 شخصاً من سكان المنطقة النهرية قلقهم من مشروع إقامة "مصنع يمكن ان يكون وبائياً أو خطيراً". لكن الوكالة قدمت نفسها على انها الوحيدة في فرنسا التي تقوم بأعمال تعجين الأميانت الخام وندفه مستنكرة في الوقت نفسه تصنيف مصنعها كمؤسسة خطيرة، إذ ان الأميانت بحسب رأيها "هو معدن هامد كلياً"(كذا). وبالاضافة الى ذلك كانت وكالة المعادن والمواد الأولية تعمل لصالح الدفاع الوطني فطلب الى محافظة سان اي واز ألا تعوق حسن سير عمل الشركة.

1937، الحياة لنا! عبر البروليتاريون عن احتجاجاتهم: فبالرغم من الأعباء الساحقة في مدينة حديثة لم يتوانَ العديد من العمال عن القيام بهذه التضحيات من أجل تأمين حياة سليمة خارج باريس في الضواحي الصحية. فتأتي إقامة مصنع لا يفي بشروط السلامة لتفقدهم هذه المنفعة الوحيدة التي جنوها من انتقالهم، أي الهواء النقي." وما الذي أثار مخاوفهم؟ "الترخيص بإنشاء مصنع غير صحي في هذه المنطقة العمالية بأكملها والذي لا يتلاءم وصحة الأولاد". وفي ذلك الزمن كانت الثقة لا تزال قائمة في السلطات العامة من أجل الحفاظ على صحة الأفراد...

الفصل الثاني: كن أربعين فتاة من ذاك الصف في تلك المدرسة واقفات في أربعة صفوف حول معلمتهن في الصورة السنوية. فهذا المجمع المدرسي الذي يستقبل حوالى 800 صبي وفتاة يقع على بعد خمسين متراً من "مصنع الأميانت". وكغيره من الابنية المجاورة كان يتلقى يومياً حصته الصادرة من المشاغل، من الاميانت الممتزج بغبار حجر الميكا والزركون الذي تطحنه أيضاّ وكالة المعادن والمواد الأولية.

وفي الصورة تبدو السيدة نيكول فواد، كانت في الثامنة من العمر. وبعد اربعين عاماً اكتشفت لطخات على غشاء الرئتين لديها (3) . أما شقيقها بيار فكان اقل حظاً، إذ قضى وهو في التاسعة والأربعين نتيجة سرطان في غشاء الرئتين (4) مخلفاً وراءه ولدين. وعلى قفا الصورة سجل تاريخ، العام 1956. أي انه مضى عشرون عاما على الوكالة وهي تسمم كل حياة في الجوار. ويستنتج رئيس بلدية أولني (5) :"لقد سدت جميع السبل، وعندما ترفع الكتب الى المحافظ لم يكن يجيب".

الفصل الثالث: "لقد ضحيت بثلاث سنوات من عمري من أجل هذا المصنع، كنت في الثامنة عشرة، وقد عرفت جميع العاملين فيه منذ العام 1960 الى العام 1974، كان والدي رئيس فريق للانتاج فيه. وقد مات بسبب السرطان وهو في الثامنة والخمسين. كما مات خمسة آخرون من أقربائي من سرطان مماثل". ويضطرب صوت السيد عبد القادر مزوقي، لكن استنتاجه حازم: "هذا المصنع اللعين لم يتسبب بالتلوث والوباء فحسب، بل قتل العشرات من أشخاص جل ما أرادوه هو أن يعملوا ليؤمّنوا عيشهم من دون أن يعلموا أنهم كانوا يعملون ليموتوا".

ولدى استعراضها تبدو تلك الصور من أوائل الستينات بيضاء ورمادية وسوداء، بيضاء بالغبار، حيث يبدو العمال (21 أجنبياً من أصل 25) وهم ينظفون أنفسهم بآلة الهواء المضغوط (الكومبرسّور) في فناء المصنع لدى خروجهم من العمل، رمادية هي اكياس القنب المليئة بالأميانت وقد فتحت لتصب في جرن الطحن قبل تكييسها، أبيض ورمادي هو الغبار الذي يجمع عن الأرض بالرفوش، وبيضاء هي خضر ذاك المزارع المجاور الذي يضطر الى غسلها جيداً بالماء الغزير، وأخيراً سوداء هي صور حرب الجزائر تلك التي لم يكن لها نهاية، من المداهمات لدى الخروج من المترو الى الضرب في مفوضية الشرطة في حي غوت دور، فهؤلاء الجزائريون من منطقة تلمسان، العمال والودعاء، كانوا يعملون في اقرب مكان الى منازلهم تجنباً للمجازفة في التنقل....

ويلخص السيد مزوقي الوضع: "كانوا من الكادحين، إثنان فقط توفيا في فرنسا، أما الباقون ففي الجزائر. ولم يستفد اي منهم من تقاعده الهزيل".

فمن الذي تسبب بالقتل في مدينة أولني سو بوا ومن الذي سمح بذلك؟ هذا ما يوضحه كل من السيد والسيدة جيرار ونيكول فواد، اللذين ينكبان منذ ست سنوات على إجراء تحقيق: "وصلنا الى أرقام محزنة، فقد احصينا 30 إصابة منها 14 وفاة. وقد سلم 11 ملفاً الى المحامي للملاحقة القضائية". وهما يريان أنه ليس هناك أدنى شك في مسؤولية الصناعيين، وهي جناية من جانب أرباب العمل لا يتحدث أحد عنها أبداً. لكن جدار الصمت يمتد الى الادارات المعنية، الاستعانة باللجنة المسؤولة عن حفظ الوثائق الادارية للحصول على الوثائق المطلوبة، واختفاء تقرير تفتيش العمل ... ثم ظهوره مجدداً، عدم العثور على تقرير رجال الاطفاء في الحاكمية بعد احتراق المعمل... فمن الذي تسبب بالقتل في أولني سو بوا؟ ومن الذي غطى الجريمة؟

اميسول. هناك أسماء من المستحيل التغاضي عن ذكرها عند الدخول في هذه القارة السوداء من فضيحة الأميانت، أنه اسم أميسول مع كوندي سور نوارو وجوسيو والكثير غيرها الذي يذكّر بأطول النضالات التي خيضت في العالم العمالي خلال العقود الأخيرة. وفي كليرمون فيران أطلق على هذا المعمل اسم "الجحيم الابيض".

"15 أيلول/سبتمبر عام 1978. خلال انتظار طال لوفائكم بالتزاماتكم، توفي مؤخراً عامل من أميسول. إنه الضحية الخامسة عشرة منذ بداية هذا النزاع (...) ونحن نطالبكم بالوفاء بالتزاماتكم في ما خص اعادة الاعتبار والاحالة على التقاعد ومعالجة العمال". هذا ما ورد في البرقية التي نبشتها من محفوظاتهن، في يوم من شهر شباط/فبراير عام 2002، السيدات جوزات رودار وماري جان اوتوركان وبريجيت بيشار، والتي أرسلتها اللجنة المناطقية للاتحاد العمالي العام (CGT) في أوفرنيو الى وزارتي العمل والصحة والى حاكم المنطقة والى غرفة ارباب عمل الأميانت.

وقد دخل أعضاء "الأميسول" على خط النزاع في كانون الأول/ديسمبر عام 1974، بعد إعلان إغلاق المصنع وصرف عماله جماعياً. فقد قرروا احتلال المباني. وفي تلك الفترة كانوا يجهلون أخطار الأميانت فطالبوا ... بإعادة فتح المصنع. لكن السماء أطبقت على رؤوسهم في شباط/فبراير عام 1976، حين وصل السيد هنري بيزيرا، مدير الأبحاث في المركز الوطني للأبحاث العلمية والمتخصص في مجال السموم، آتياً من باريس حيث كان العاملون في جامعة جوسيو قد ثاروا ضد وجود الأميانت بكثافة في كلية العلوم.

وقد ذهل السيد بيزيرا بما اكتشفه فاختلى بماري جان وآخرين. في المختصر المفيد أفهمهم كل شيء حول الأميانت والسرطان... وتذكّر احداهن: "كنا كالمصعوقين، وقررنا ان نبوح بالحقيقة للآخرين، وخلال ايام تراجع عدد المعتصمين في المصنع الى حوالى خمسة عشر، ثم استبد الغضب وعاد الآخرون الى الاعتصام وطالبوا بمعاينات طبية".

وإذ شعر أعضاء "أميسول" بالغضب والمرارة، فإنه كان لديهم رغبة كبيرة في الحياة، فراحوا يناضلون من اجل اعادة الاعتبار الى المصروفين (من الجنسين) منذ العام 1977. وفي حينها لم يكن مستحسناً ان يكون المرء عاطلاً عن العمل، وغالباً ما يعوض عليه بنسبة 90 في المئة من الراتب. وتذكر جوزيت أنه سرعان ما كانت تطلق عليه صفة "انتهازي". وقد اعتبر أرباب العمل المحليون أن هؤلاء العاملات وكأنهن مصابات بالطاعون، إضافة الى أنهن كن يهرولن في ممرات مستشفى "سابوران" طالبات الفحوص الطبية، ويتساءل أرباب العمل: من الذي يعرف ما إذا كانت هناك حاجة الى تحليل التفل، الأطباء أم هؤلاء العاملات؟

لم تكن تلك سوى بداية السنوات السوداء. أدمن البعض على الكحول وانتحر البعض الآخر: "تطلب الأمر مساندة أناس لم يعودوا قادرين على التحمل". فالكنيسة الصغيرة المؤلمة برمزيتها والتي شُيّدت أمام مبنى الحاكمية في العام 1976 تخليداً لذكرى زميلة في العمل جعلتهم يضعون الاصبع على ما تبقى من لبس الى حد ما. فالخطر الجاثم تجسد في شكله الوحشي، وفي شكل نهائي.

في 24 شباط/فبراير عام 1995 ولدت في كليرمون فيران لجنة الدفاع عن العاملين في الأميانت. وفي البيان الصحافي الذي أرسل في ذلك النهار تعداد لأهداف "لجنة الأميانت، الوقاية والتعويض- اعلام، متابعة طبية، دعم" قبل أن تخلص الى الاعتراف "بأن عمال الأميانت السابقين والأشخاص المصابين قد ألزموا اللجنة واجب الشهادة واقتراح المعالجات". وبعد عشرين سنة من بداية الاعتصام الذي دام سبع سنوات، استعاد أعضاء "أميسول" المبادرة، فعادوا الى التجمع عندما التقوا مجدداً السيد بيزيرا. وحين عادوا للنظر في لائحة مصروفي العام 1974 (من الجنسين) تبينوا أن 60 قد توفوا من أصل 270...

وسرعان ما حققت لجنة الأميانت نجاحاً أولاً بحصولها على حق الملاحقة الجماعية الفعلية بعد مغادرة العمل بما يتجاوز حتى ما ينص عليه القانون. وتوضح السيدة رودار: "تكمن العقدة في المشترك، في الجماعة، وهذا ما لا تحبذه المؤسسات. فليتدبر كل فرد أمره في زاويته، وليقصد طبيب الرئة في حيه، وهذا يعزز التعتيم الاجتماعي على الضحايا. فبالمعاينة الجماعية في مركز متخصص نصبح فعلاً ضحايا الأميانت الذين يبدأون بالحصول على تعويضات، كما ان العلاقة مع الطبيب تختلف تماماً ويسود التعاضد بين الجميع".

والرهان بالغ الأهمية، فالأمر يتعلق بمسألة اجتماعية لا طبية. والدليل على ذلك أن الضمان الاجتماعي الذي، بعدما وافق على الاجراءات الجماعية المتعلقة بالمتقاعدين في مصنع "بيشيني رينالو" في "إيسوار"، عاد فتراجع بعد تدخل الطبيب العام للشركة. والدليل الآخر ان منطقة اوفيرنيو لم تعتمد ضمن المناطق الثلاث الأولى التي اختيرت لتنفيذ المتابعة الطبية الخاصة بالأميانت في اطار المشروع الوطني.

"ما بين الندف والغزل والجدل والحياكة والعمل والتنشق(...)، أني اموت بسبب الأميانت، الأميانت غبار أبيض، ثلج ابيض، ندف بالآلاف، عيد الميلاد طوال العام(...) وأنتم لا تعرفون القصة! أو أنكم نسيتموها! "مصنع العار"، حيث كان 271 مستخدماً يحوكون او يجدلون طوال النهار الألياف القاتلة (...) الندف والغزل والجدل ... ومزيد من التنشق، من الغناء من السير من الرقص، من العجز والخوف من الأدراج".

العام 2001، يجول الباص في حي أناتول فرانس في كليرمون فيران، وعلى متنه مشاهدون دعاهم السيد دومينيك فريدفون. وعند كل توقف قراءة موقعة لأحد النصوص، "تشريح أناتولي". وبالقرب من مصنع أميسول السابق يعلو النشيد "الليلة البيضاء الثالثة": ندف، غزل ...

مضت سبعة وعشرون عاماً وما زالت قصة عمال "أميسول" تتوالى فصولاً كل يوم. ومنها قصة السيدة ماريا راكيل فرنانديز، في تموز/يوليو عام 2001 في ليون أمام الدكتور نورمان، الإختصاصي في أمراض الرئة، في كشف في إطار دعوى بتهمة خطأ لا يسامح عليه القانون ضد صاحب اميسول. فإذ تبين انها مصابة بلطخات على الغشاء الرئوي قيل لها أخيراً "ليس هناك خطر الاصابة بالسرطان". فقدمت الى محدثها وثيقة وفاة والدها، جاو فرنانديز، وهو راع سابق في منطقة سالامانك، توفي في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1998، وقد قضى عليه خلال شهرين سرطان الأغشية الرئوية، وكان قد عمل مدة عام واحد في شركة أميسول. وتعلق على ذلك قائلة: "لم احصل على جواب، وتوقفت الاستشارة عند هذا الحد".

أما بالنسبة الى الشكاوى الجنائية ودعاوى الخطأ الذي لا يسامح عليه القانون، فتوضح هؤلاء "المناضلات" أن الأمر لا يتعلق بالانتقام، بل باعتراف ضروري من اجل الانتهاء من الموضوع. فليدفع رب العمل السيد شوبان ثمن أعماله. فهناك إصرار على السؤال: اي قيمة في فرنسا ماضيا وحاضرا لموت احد العمال أو العاملات؟

أمام محكمة التمييز قرر محامي الشركات الكبرى المحولة والمستخدمة للأميانت في 17 كانون الثاني/نوفمبر عام 2002 أن يهاجم ... الضحايا. فبعدما استنكر الضغط الذي نظمته الجمعيات على المحاكم هاجم التطريق الاعلامي، وقد احتل المشاركون فيه الواجهة العلمية والاعلانية على مدى سنوات طويلة.

جهد ضائع: في 28 شباط/فبراير أكدت المحكمة شرعية الدعاوى في مجال "الجناية التي لا يسامح عليها القانون" معتبرة ان على الشركات مثل اترنيت وايفيريت وفاليو الخ، ليس "واجب حماية" موظفيها فحسب، بل على الأخص "واجب تحمل العواقب" في هذا المجال. وإذ حكمت عليها نهائياً بالتعويض على ضحاياها فقد طمأنت هؤلاء في حين أن المدافعين عن الأميانت كانوا يأملون أن يعفوا من كل مسؤولية مدنية.

"إن معظم الأحكام تذهب في اتجاه فرض المشاركة في الأخطار، عبر حمل جمعية أرباب العمل على الدفع بواسطة فرع احداث العمل في الضمان الاجتماعي. كان من الأكثر عدلاً إصدار قانون خاص بالتعويض على ضحايا الأميانت". هذا ما قاله السيد فيليب بليشون، محامي الشركات ومنها ميديف واترنيت، غداة قرار محكمة الاستئناف في أيار/مايو عام 2000 الذي اعترفت فيه "بالجناية غير المسامح عليها" من جانب ارباب العمل لصالح تسعة اجراء في معامل "لا ساين". وهذا ما يحمل على التساؤل حول أسباب انشاء صندوق التعويض على ضحايا الأميانت وحول مستقبله.

وهذا الصندوق الذي أدرج موضوعه في قانون تمويل الضمان الاجتماعي للعام 2001 والذي صدق عليه في العام 2000، وانشئ بقرار صدر في 23 تشرين الأول/أكتوبر عام 2001، يموله فرع حوادث العمل والمرض المهنية في النظام العام للضمان الاجتماعي (أي من أرباب العمل) بنسبة 75 في المئة، والدولة بنسبة 25 في المئة من الدولة. وإذا كان عليه أن يعوض كلياً عن الأضرار التي لحقت بالضحايا، فإنه لم تعطَ اي ضمان حول قيمة التعويض، ومن الملاحظ هذا التفاوت بنسبة واحد الى خمسة ما بين محكمة استئناف واخرى.

ومن جهة أخرى فإن هذه التعويضات ستدفع مقطوعة، وعلى شكل حصص في الرأسمال وليس عيناً كما كانت تطالب به جمعيات الضحايا. ولكن هناك ما هو اخطر، فبحسب ما ورد في مقدمة المادة 42 من القانون فإن كل شخص استفاد قبلاً من صندوق التعويض على ضحايا الأميانت عليه ان يتخلى عن حقه باقامة (او ملاحقة) دعوى الجناية غير المسامح عليها. وقد ألغى مجلس الشيوخ هذا الاجراء الذي حاربته الجمعية الوطنية للدفاع عن ضحايا الأميانت (6) ، ثم اعيد اقراره من قبل الغالبية اليسارية المتعددة الاحزاب بعد قراءة ثانية في الجمعية الوطنية.

وفيما تمكن بعض الضحايا من العمال من اسماع صوتهم بقوة للمرة الاولى، وفيما نشطت الحركة القضائية مع سلسلة من الدعاوى على أساس الجناية غير المسامح عليها ضد ارباب العمل، يمكن التساؤل عما إذا كان الرهان السياسي للحكومة (ولأرباب العمل) ليس بالتحديد قائماً على إطفاء هذه الدينامية. طبعاً تبقى الأعمال القضائية في المحاكم الجنائية جارية، لكن يبدو أنها تسغرق وقتاً طويلاً وأنها مكلفة، فهناك مثلاً سبع دعاوى رفعتها الجمعية الوطنية للدفاع عن ضحايا الأميانت منذ اكثر من خمس سنوات لا تزال تراوح مكانها.

وللغرابة لم يثر إنشاء صندوق التعويض على ضحايا الأميانت ردات الفعل الغاضبة التي كانت تستبد بشركة ميدف بمجرد أن يجري التحضير لأي إجراء اجتماعي. وما لاحظته الجمعية الوطنية للدفاع عن ضحايا الأميانت هو أنه "بعد أربعة اشهر على صدور القرار، فإن الصندوق الوطني للتعويض على ضحايا الأميانت ليس له عنوان ولا رئيس ولا مجلس إدارة ولا ملاك موظفين ولا نماذج لتقديم الطلبات. وهذا وضع مجحف في حق الضحايا الذين أرجئت جلساتهم مرات عدة (...). وهذا التأخير قد يوصل بعضهم الى وضع يحرمهم حقوقهم، إذ يقطع عليهم طريق التعويضات المتوافرة (مثل لجنة التعويض على ضحايا الحالات الجزائية) (7) بدون ان يفتح طريقاً آخر".

والنظام الحالي، وبعيداً عن جانبه القضائي، يطرح مسألة اخلاقية. والى ذلك فإن مسؤولية أرباب العمل قد تتلاشى بفعل الانعكاسات السيئة لقانون آخر، هو القانون الصادر في 10 تموز/يوليو عام 2000 والمتعلق بالجنايات غير المتعمدة. وقد كتب جيرار فاشيه الاستاذ في كلية الحقوق في طولون (8) : "بدلاً من السماح باعتراف أسهل بالجناية غير المسامح عليها عبر الفصل بين الجزائي والاجتماعي، فإن هذا القانون يكاد يكون له مفعول عكسي".

وقد حاولت جمعيات الضحايا كثيراً الاعتراض على مشروع القانون هذا الذي "سيقلص الى حد كبير من مسؤولية جميع اصحاب القرار في مجال أخطار العمل". لكن عبثاً. فأبعد من المصالح المتعلقة بالنواب المحليين، هناك كل مجالات الوقاية وتطبيق مبدأ الحيطة في الصحة العامة التي يمكن ان تكون معنية بسلسلة الجنايات ذات النتائج الوخيمة. والنتيجة انه، الى فضيحة الهواء الملوث، قد تضاف فضيحة التعويضات.



--------------------------------------------------------------------------------

(1) صحافي

(2) Bulletin de la Societe de psycho-oncologie, n23, Paris, juin 1999

(3) الفيبروز الذي يصيب الغشاء الرئوي الخارجي.

(4) ميزوتليوم او سرطان الغشاء الرئوي الذي يتسبب به الاميانت.

(5) جلسة المجلس البلدي في 11/10/1955

(6) rue des Vignerons, 94686 Vincennes cedex - Tél. 01-41-93-73-87

(7) لجنة التعويض على المتضررين.

(8) Droit social , Paris, janvier 2001

http://www.mondiploar.com/

جميع الحقوق محفوظة 2001© , العالم الدبلوماسي و مفهوم



#باتريك_هرمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مدير الاستخبارات الأمريكية في مصر وسط مفاوضات -مكثفة- لإطلاق ...
- الأولى عربيا وأفريقيّا.. كيف قفزت موريتانيا على سلّم حرية ال ...
- عقوبتها تصل لنحو عقد.. جدل بعد الحكم على السعودية مناهل العت ...
- جعجع: دخول حزب الله الحرب إلى جانب حماس أضر بلبنان ولم يساعد ...
- بينهم 5 أطفال.. مقتل سبعة أشخاص في غارة على رفح وفزع أممي من ...
- اليوم العالمي لحرية الصحافة: غزة المكان الأكثر دموية وخطورة ...
- المئات من أسود البحر تستمتع بالشمس على أرصفة سان فرانسيسكو و ...
- باكستان تسلم نرويجيا مسلما لأوسلو لتحديد دوره بقتل مثليين
- بعد وعود طنانة... مسؤول أمريكي يعلن عجز واشنطن عن إرسال جميع ...
- -حماس- تكشف أهداف نتنياهو غير المعلنة من تهديداته المتكررة ب ...


المزيد.....

- ‫-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر ... / هيثم الفقى
- la cigogne blanche de la ville des marguerites / جدو جبريل
- قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك ... / مصعب قاسم عزاوي
- نحن والطاقة النووية - 1 / محمد منير مجاهد
- ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء / حسن العمراوي
- التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر / خالد السيد حسن
- انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان ... / عبد السلام أديب
- الجغرافية العامة لمصر / محمد عادل زكى
- تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية / حمزة الجواهري
- الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على ... / هاشم نعمة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - باتريك هرمان - جريمة اجتماعية كاملة - جحيم الأميانت الابيض