أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - دميتري ياكوشيف - شيوعية التسعينات المحافظة انتهت كلياً















المزيد.....

شيوعية التسعينات المحافظة انتهت كلياً


دميتري ياكوشيف

الحوار المتمدن-العدد: 724 - 2004 / 1 / 25 - 04:44
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


موضوعات في العام الجديد (1)

شيوعية التسعينات المحافظة انتهت كلياً، وقد أكد فعلَ وفاتها الفشلُ الصارخ للحزب الشيوعي الروسي وغياب أي أثر في الانتخابات النيابية الأخيرة للمحافظين الراديكاليين السوفيات الذين كان يمثلهم خير تمثيل في السابق حزب العمال الشيوعي الروسي وكتلته، وبنسبة أقل فيكتور أنبيلوف، زعيم "روسيا العاملة". ولئن كانت الشيوعية المحافظة قد وافتها المنية، فالشيوعية الثورية الجديدة، إذا كانت قد ولدت، فهي لم تثبت وجودها بعد كاملاً ولم تضح بعد ظاهرة ملحوظة وذات شأن. وانطلاقا من هذا يمكن اعتبار أن مهمة الشيوعيين الرئيسية قريبا ستكون تحديد رايتهم الثورية الجديدة بكل وضوح لتكون مركز استقطاب وبلورة لكل ما هو ثوري فعلا وشيوعي حقاً.

ولأجل أن يضحي هذا الأمر ممكنا سيكون علينا أن ننقي مواقفنا النظرية بحزم من كل أشكال الانتهازية والإصلاحية والنزعة الوطنية البورجوازية والتعصب القومي وبخاصة ضد روسيا والروس، ولا سيما تعصب الشعوب غير الروسية، هذه الأمور التي يسعى بعض "اليساريين" إلى الاستعاضة بها عن الأممية البروليتارية.

شيوعيو اليوم سيكون عليهم أن يضحوا مثابة البلاشفة المصبوبين من خرسان مسلح، ذوي البرنامج الواضح المفهوم للجماهير، المجيب عن كل أسئلة زمننا، أي البرنامج الراديكالي الذي لا يقبل المساومات. ويفترض أن يتأسس هذا البرنامج على مبادئ دكتاتورية البروليتاريا والقضاء على التملك الفردي وتنظيم الاقتصاد التنظيم الشامل والمخطط وجعله اقتصادا غير سلعي وإقامة سلطة الشعب في صورة مجالس شورى (سوفياتات) تبنى على القاعدة الإنتاجية. ومفهوم من هذا أن لا جامع بين راديكالية الشيوعيين السياسية وشتى نزعات المغامرة السياسية بدءا بالإرهاب ووصولا إلى الزعرنات من مثل الرمي بالبندورة والبيض. فالشيوعيون أناس جادون لا يتلهون بترهات وتفاصيل تافهة.

إن إمكان بروز مركز تبلور للقوى الثورية سوف يتوقف كثيرا على الوضع في الحزب الشيوعي الروسي. فالشيوعيون هنا يشاطرون الرئيس بوتين موقفه الداعي غير مرة إلى تحويل الحزب الشيوعي الروسي إلى نوع من حزب اشتراكي ديموقراطي مهذب متحضر. فنحن مثل الرئيس حريصون على هذا الأمر كي ينزع الحزب الشيوعي الروسي أخيرا القناع عنه ويتخلى تخليا صريحا عن الشيوعية التي لم تكن له يوما أية صلة بها، حتى في صيغتها السوفياتية المحافظة. ولا بد من القول إن كل الشروط اللازمة متوفرة اليوم لتغيير كهذا. فلم يعد ثمة من لزوم لاحتكار تمثيل نزعة الاحتجاج السوفياتية مع التستر بالعلم الأحمر، وهو ما اختص في القيام عليه فريق زوغانوف بما أن موجة هذا الاحتجاج المحافظ القديم قد فقدت كل مقومات تقدمها. السلطة الآن- بل الحياة نفسها- تضع الحزب الشيوعي الروسي في مواجهة مهام أخرى سيكون، على الأرجح، على زعماء جدد هم ساسة برجوازيون صراحة ودون أي قناع، أن يعالجوها كمثل سيميغين الساعي بجموح إلى السلطة في الحزب. أما زوغانوف إياه فربما تمنى لو يطيل أمد تعاقده مع الكرملين على تبوء منصب المعارض الرئيسي والشيوعي الرئيسي، غير أنه، لعمري، لا يبدو ذا فائدة في الظروف المستجدة. فالرجل الذي عمل في عهد يلتسين مثابة ساحبة صواعق على مستوى الاتحاد السوفياتي ككل، وحيث كان مطلوبا نفخ الوجنتين لإبراز أهمية شخصه، وإصدار البلاغات من جبهة الصراع ضد النظام المعادي للشعب، النظام الذي ها هو سيسقط، إن لم يكن في هذه الانتخابات ففي الانتخابات التي ستليها، (هذا الرجل) لا يمكنه طبعا أن يتزعم حزباً لليسار الوسط ذا شأن لا يخفي كونه جزءا من النظام السياسي لا ينفصل عنه ولا يعارضه بأي شكل من الأشكال كنظام اجتماعي قائم. ففي هذا المعنى يمثل زوغانوف مادة مستهلَكة، وقد آن الأوان منذ زمان ليحال إلى التقاعد غير مكلل بالأمجاد.

اليوم يتحدث بعض الشيوعيين إثر الحزب الشيوعي الروسي والليبراليين الجدد من عداد اتحاد القوى اليمينية وكتلة "يابلوكو" عن مقاطعة الانتخابات الرئاسية. هذا الموقف لا يجوز برأيي أبداً. فالرفاق المؤيدون للمقاطعة لا يفعلون سوى مسايرة دعاية الليبراليين الجدد. فمقاطعة الانتخابات سيكون لها معنى عندما تكون الثورة في مرحلة نهوض، فيما السلطة تحاول من خلال الانتخابات أن تكبح الهيجان الثوري مثلما كان الأمر في روسيا عام 1905. آنذاك كانت مقاطعة الانتخابات ورفضها أمرا مطلوبا فعلا. أو سيكون لها معنى إذا كانت الانتخابات إياها تجرى تحت تهديد باستعمال السلاح بغية إضفاء الشرعية على طغمة دموية مثلما كان الأمر في العام 1993 (عندما قصف البرلمان الروسي). فلماذا يا ترى على الشيوعيين أن يدعوا ويحرضوا على مقاطعة الانتخابات القادمة: هذا ما لا أفهمه. ألأن الحزب الشيوعي الروسي و"يابلوكو" واتحاد القوى القوى اليمينية خسروا ودُحروا في المعركة الانتخابية النيابية وحسب؟ إن هذا كان والله ما استحقوه! فالليبراليون نالوا أخيرا جزاء إصلاحات التسعينات التي بادروا إليها عندما كانوا في السلطة في روسيا "يصلحون" ما فيها على هواهم وبحسب وصفاتهم السامة. والحزب الشيوعي الروسي نال أخيرا جزاء عشر سنوات من الخيانة والخداع والبغاء السياسي. كل الخاسرين نالوا جزاء ما استحقوه. أما الانتخابات إياها فكانت نسبيا نزيهة ولم تزور، وهو ما أكده عمليا فرز الأصوات الموازي من قبل الحزب الشيوعي. وليست بجدية تشكيات جماعة زوغانوف من أنهم لم يستطيعوا ن يتحدثوا إلى الشعب عبر وسائل الإعلام مثلما تسنى هذا لجماعة "روسيا الواحدة"، ما دام ليس هناك أصلا ما يقولونه للشعب. فمن رأى وسمع الكلام العاجز لزوغانوف وشركائه حيث راحوا يبررون التبرير الضحل وجود أصحاب ملايين في القائمة الانتخابية للحزب والمتاجرة بالجملة بالمقاعد النيابية لا بد من أن يوافقني الرأي أن الحزب الشيوعي لو حصل على مزيد من الوقت للتكلم عبر الأثير لكانت النتيجة حتى أسوأ.

فأين هي يا ترى الحجة للمقاطعة وأي معنى لها؟ فهل إن الشيوعيين دعاة إلغاء الإجراءات الديموقراطية في ظل الرأسمالية؟ هل هم مع الاستعاضة عن الانتخابات بعاهل ما برجوازي؟ السكان لا يزالون يثقون ببوتين وبالدعاية التي تعمل لأجله طائعة خاضعة، إلا أن هذا ليس ذريعة لرفض الانتخابات. الشيوعيون كانوا دوما ضد الموقف البرجوازي الصغير الضيق القائل: "أصوتَّ أم لم تصوت، فلا شيء سيتغير"، وها هم الآن يفعلون ما طالما رفضوه. فليقاطع الانتخابات من خسر فيها: تشوبايص ويفلينسكي، بروخانوف وزوغانوف، وليس الشيوعيون وهم لا ما يدعوهم إلى ذلك. ثمة من يقول إن هذا ضروري لبلبلة الوضع ومحاولة إفشال الانتخابات عموما. إن هذا إلا روح المغامرة بعينها. فحين تكون السلطة قوية وحين يكون السكان يثقون بها، فإن المبلبِلين إذا ما "زادوها" وأثّروا التأثير الواضح سيسحقون سحقا على صوت تصفيق الجمهور. ليس الوقت الآن بالنسبة إلى الشيوعيين وقت بلبلة للوضع، بل هو الوقت وقت التحريض والشرح والدعاية بهدوء، وقت لمّ الشمل وحشد الجيش الثوري استعدادا للثورة المقبلة. أما الدعوة إلى البلبلة في ظل سلطة قوية وشيوعيين ضعاف فلن تعني سوى دفع السلطة دفعا إلى ضربهم. إنها أبجدية الصراع السياسي. وإن أزمة جديدة للقابعين في رأس السلطة لأمر غير بعيد الحدوث. ساعتئذ يمكن أن يتكون وضع ثوري ينجم عنه انتهاء الاستقرار، وهنا لا بد من أن نكون جاهزين للتحرك.

حسناً، وماذا على الشيوعيين فعله إذا لم يترشح أحد من ذوي البرنامج الشيوعي حقا إلى الانتخابات وهو ما سيحصل على الأرجح؟ في هذه الحال سيكون عليهم أن يساندوا أيا من المرشحين البورجوازيين دون أن يضحوا ولو بفاصلة واحدة في برنامجهم ومع تبرير موقفهم التبرير الواضح. إن هذا عين الصواب في السياسة، وإليه يلجأ أكثر الشيوعيين جذرية وجدية. وإن لم يكن ثمة مرشح برجوازي مناسب أمكنت الدعوة إلى التصويت "ضد الجميع" مع تقديم الحجج والتبريرات في آن لموقفنا هذا. والسؤال يطرح نفسه اليوم: من يمكنه أن يسعى إلى تنظيم المقاطعة بعد أن فقدت الأحزاب الخاسرة الثلاثة ثقة ناخبيها؟ وما الداعي لأن ينضم الشيوعيون إلى هذه الجوقة المفلسة؟ لا، فليغرقوا من دوننا.

أوليس أهم من ذلك تحديق النظر في الفائزين ومحاولة التنبؤ بالتغيرات المقبلة في السياسة الروسية. فمن خلال قوائم "روسيا الواحدة" دخل الدوما عمليا ممثلو كل الشركات الروسية الكبرى. وهذا يعني أن إخضاع كل الكتلة النيابية دون قيد أو شرط للكرملين سيكون أمرا مشكوكا فيه، لا سيما أن الفكرة الأساسية لكبار المستثمرين كانت على العكس إجبار السلطة والكرملين على الخضوع لهم مثلما يحصل ويجب أن يحصل في ظل الرأسمالية العادية. وليس صدفة أن يغازل الكرملين كتلة "رودينا" ("الوطن") التي يتزعمها غلازييف وروغوزين هذا الغزل، ربما رغبة منه في أن يكون له في الدوما عصب وطني قوي، فلا يعتمد كل الاعتماد على "روسيا الواحدة".(يتبع)

 

موضوعات في العام الجديد (2)

البادي هو أن الوحدة لن تتأمن في "روسيا الواحدة". فهذه الكتلة عريضة جدا، وتختلف فيها كل الاختلاف المصالح، وتضيع فيها كل الضياع المعالم الأيديولوجية الواحدة بين النيوليبرالية الموالية للغرب والنزعة الوطنية المفرطة.

أين يا ترى، وحول أية مسائل سوف تتصدع أركان "روسيا الواحدة"؟ المسألة الأولى هي طبعا مسألة انتزاع الدولة للريع الطبيعي، وهو ما وعد به الرئيس الروسي. وما من شك في أن خصوم هذا الانتزاع من ممثلي الشركات النفطية الخاصة سوف يحظون بدعم قوي من الغرب الذي يسعى حاليا إلى الموارد الطبيعية الروسية سعياً لاهثاً، ومفهوم أنه لا ينوي إعطاء الربح الزائد إلى الدولة الروسية. فهو يرى أن الأجدر به أن يتكلف بعض المال لأجل أن يغير ما في هذه الدولة بما يتناسب ومتطلباته. ويمكن القول عموما إن ضغط الغرب بقوة على روسيا، وهو أمر لا مناص منه، سوف يقسم الطبقة المهيمنة في روسيا إلى وطنيين وكومبرادوريين، وهو ما بات يحصل منذ الآن. انقسام الطبقة الحاكمة هذا سوف يصدع هو الآخر تكتلات انتخابية ضخمة للبرجوازية مثل "روسيا الواحدة" والحزب الشيوعي الروسي اللذين ليسا يشكلان بعد حزبين بالمفهوم الضيق للحزب. ولا مناص من ظهور حزب الوطنيين البرجوازيين وحزب الكمبرادوريين قريبا جدا في الدوما وفي المجتمع.

لماذا روسيا اليوم حبلى بالنزاع مع الغرب الإمبريالي؟ إن روسيا هي أضخم منتج للغاز والنفط في العالم (سبقت السعودية العام الماضي على صعيد إنتاج النفط)، وباطن أرضها لا يزال ملكا للدولة بينما المطلوب أن يصبح ملكا للقطاع الخاص، وهذا يعني في النهاية أن يصبح ملكاً لكبرى الاحتكارات الغربية وأغناها. وإن المسألة الرئيسية في روسيا وإحدى المسائل الأساسية في السياسة الدولية هي مسألة السيطرة على ثروات باطن الأرض الروسية، أي على روسيا. وما دامت الرأسمالية قائمة، والإمبريالية قائمة، فلا مناص من هذا الأمر. وليس لهذه القضية إلا ان تقسم البرجوازية الروسية ما دام قسم كبير منها مديناً بالولاء للغرب وتابعاً له ورائياً فيه ضمانة وجوده الرئيسية. وفي الوقت نفسه يتوقف وجود الجزء الآخر من البرجوازية الروسية على إبقاء الدولة مالكة لثروات باطن الأرض الروسية، علما أن هذا الجزء الآخر هو أيضا تابع تبعية كبيرة للغرب، وهو لذا لا يني عن محاولة مساومة هذا الغرب على شروط يقبلها (هذا الجزء من البرجوازية). غير أنه لا يسعه أن يتقبل عددا من مطالب الغرب التي لن تعني بالنسبة إليه سوى التهلكة، كما أن الغرب لا يسعه أن يتخلى عن هذه المطالب. ولذا يضحي الصراع المستميت هنا أمرا محتوما.

المطالب نفسها تم التقدم بها إلى روسيا لدى محاولتها الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، كمثل فرض معاهدات مجحفة كما كان يُفعَل مع المستعمرات وأنصاف المستعمرات في القرن التاسع عشر. كل هذا إملاء إمبريالي ولا أفظع. وليس الأمر يقتَصَر وحسب على السيطرة على الخامات الروسية. فالموضوع موضوع فتح أبواب كل الأسواق على مصاريعها، وهو ما سيؤدي إلى هلاك جزء كبير من قطاعات الإنتاج القومي، موضوع إلغاء كل القيود المفروضة على البنوك الأجنبية، وهو ما سيؤدي قريبا جدا إلى سيطرة الإمبريالية على كل النظام المالي الروسي. الموضوع هو بوجيز القول موضوع تحويل البلد إلى مستعمرة. والفرق هنا بين الاستعمار المعاصر واستعمار القرن التاسع عشر في أن الاستعمار المعاصر ظاهرة رجعية بكليتها ولا جوانب تقدمية لها، فهنا لم يعد من وجود لـ"عبء الرجل الأبيض" بما أن الرأسمالية باتت تشمل العالم كله وأن برجوازية قومية نشأت. وفي ظل ظروف كهذه لا يحمل الاستعمار أية تنمية للبلدان التي يتم استعمارها، بل يحمل وحسب الدمار والانحطاط ما دامت البلدان التي سيطاولها الاستعمار الجديد ليست بالبلدان المتخلفة شبه الإقطاعية، شبه البدائية، بل هي بلدان رأسمالية متطورة وعصرية للغاية مثل يوغوسلافيا والعراق. وسيتبع استعمارَ روسيا قضاء على صناعتها وعلى جزء كبير من برجوازيتها المحلية (وهو ما لا قبل لنا على السرور له إذ هو ليس إزالة ثورية لطبقات رجعية، بل إرغام رجعي على العودة إلى العصر الحجري والبدائية، إلى علاقات ما قبل الرأسمالية جزئيا، وإن هذا إلا مصير أي مستعمرة)، وانحطاط عام في الإنتاج والثقافة.

غير أن البشرية لا يمكنها في القرن الحادي والعشرين أن توافق على التقهقر إلى حقبة الإمبراطوريات الاستعمارية. فهذا سيعني النهاية والسقوط المرعب في هوة لن يكون منها خروج أبداً إذ لا وقت يكفي للخروج من هذه الهوة مجددا، ولا قدرة حياتية للبشرية كافية. فالتاريخ نفسه يدفع البشرية دفعا إلى شفاً إما ن تستجمع عنده قواها وتحقق أعظم ثورة في تاريخها فتنهي بها كل دورة الحركة في شكل مجتمعات طبقية، وإما أن تهلك عنده.

هكذا يفترض عموما أن يحصل. ولربما لا يمكن في ظل ظروف أخرى أن تتحقق الثورة الشيوعية العالمية التي ستضع حدا لبضع ألفيات من الحركة في شكل حضارات طبقية. وهذه يفترض أن تكون المعركة الأخيرة، المعركة الفاصلة والحاسمة بين الخير والشر، رهان كل الرهانات. والتاريخ، كما هو معلوم، خير كاتب للمسرحيات الدرامية، ويبدو أن هذه الصفحة لن تتسنى كتابتها على غير نحو. فالرهان والتدرج الدرامي يجب أن يتناسبا مع عظمة ما يجري. والحق إنه تنتظرنا معركة أخيرة وفاصلة.

هنا، عند شفا الهاوية، سوف تتعرى كل تناقضات العالم المعاصر حتى الجلاء التام، وبما أن الوعي الشيوعي ما هو سوى نتاج كل جملة العلاقات الاجتماعية، فمن المنطقي على الأرجح أن نتوقع التحرك رأسا في اتجاه الشيوعية حتى من قبل ممثلي الطبقات المالكة الأكثر شهامة وصدقاً، ممن لم ينسوا كيف يقدحون زناد فكرهم للنضال. أنه منطق المعركة الفصل عند شفا الهاوية، حين يكتسب ما هو إنساني في الإنسان نكهة خاصة. ولن يمكن للمرء أن يخلط بين الخير والشر وأن يضيع في متاهات الفروق بينهما في هذه المعركة الأخيرة الفاصلة الجالية لجلّ الأمور.

أما الشيوعيون الروس فمهامهم جلل ومعقدة للغاية في الآونة القادمة في ضوء الاستعمار الداهم لروسيا. فسيكون علينا أن نفضح الكومبرادوريين دون أن نصبح وطنيين برجوازيين، دون أن نصبح كومبرادوريين. وسيكون علينا أن نفضح الوطنيين البرجوازيين بصفتهم كومبرادوريين مقبلين، ولعل قسما كبيرا جدا منهم سيمسي كذلك. وماذا علنا أن نفعل ما دام يسوع المسيح نفسه قال ذات يوم عن حق "إن فؤادك يكون حيث تكون ثروتك".

وسيهوّن من مهمة الشيوعيين واقع لا شك فيه ويصبح واضحا أكثر فأكثر مع مر الزمن ألا وهو أن تحويل روسيا إلى مستعمرة وهلاك شعوبها وانحطاطها لن ينقذها منه بديل قومي وطني. المنقذ الأوحد هو البديل الثوري، ذاك الذي سيشكل المعركة الفاصلة عند شفا الهاوية وسيشمل البشرية جمعاء.

ولقد بات جلياً أن اقتسام روسيا واستعمارها سيبدأ من الجمهوريات السوفياتية سابقا. ففي العام 2004 ستصبح أوكرانيا النقطة الأشد سخونة إذ سيجيء إلى السلطة القومي الأوكراني المناهض لروسيا والروس السيد يوشنكو. ويدل سلوك القوميين في البرلمان الأوكراني "الرادا" بوضوح على أنهم يستعدون لاعتماد السيناريو الجورجي. وإن لديهم كل الحظوظ لإنجاح مثل هذا السيناريو بما ان الرئيس الحالي كوتشما ورهطه يستحقان كل الاستحقاق كره الشعب الأوكراني. وإثر مجيء يوشنكو إلى السلطة سيتعزز أضعافا مضاعفة دور الشيوعيين الأوكرانيين الذين سيترتب عليهم أن يشكلوا العقبة الكأداء في وجه التعصب القومي الأوكراني العدواني وأسياده الإمبرياليين في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

ولا داعي لأن "يحشد" شيوعيو أوكرانيا لكوتشما وأن ينتصروا له، فهذا الأمر ستفعله السلطات الروسية، وعلى الأرجح، دون نجاح. فليسقط كوتشما وليأت يوشنكو. فالوضع آنئذ سيضحي أوضح بكثير: شيوعيون في مواجهة فاشيي يوشنكو الواقفة وراءهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي. وليبدأ العراك الذي سوف يدافع في خلاله الشيوعيون الأوكرانيون عن روسيا بالدرجة الأولى. ليبدإ العراك الكبير. فلن يكون مناص أصلا من تداركه وتحاشيه، وبدونه لا نهوض للشعوب إلى الثورة.  



#دميتري_ياكوشيف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملاحظات على الدردشة التي أجاب خلالها الرئيس بوتين عن أسئلة أ ...
- اللوحة السياسية في روسيا بعد الانتخابات البرلمانية: مقاربة أ ...


المزيد.....




- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...
- كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
- مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس ...
- عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي ...
- بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة ...
- ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - دميتري ياكوشيف - شيوعية التسعينات المحافظة انتهت كلياً