|
دعوة لنقد العقل المرجعي
أبو محمد الأنصاري
الحوار المتمدن-العدد: 2335 - 2008 / 7 / 7 - 10:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
( الأب الطاغوت ) يستهدف هذا المقال رصد واحد من أهم الأسس والمنطلقات في النظام الفكري الإستخفافي الذي تصدر عنه المؤسسة الدينية الشيعية المعاصرة في تعاطيها مع مجموع الناس أو المقلدين ( بحسب التسمية المفضلة لمؤسسة المرجعية ) . وفي هذا الصدد فإن أول ما يلاحظه المتتبع لحركة المؤسسة المرجعية في المجتمع هو احتكارها لموقع المرجعية بالمعنى الذي يمنحها مركزية فكرية غير مسوغة شرعياً ولا عقلياً ، ويتفرع عن هذا الاحتكار ذلك التقسيم الذي يشكل مفصلاً فكرياً غاية في الخطورة ، بل يشكل البؤرة المركزية التي توجه رؤية المرجعية لكل ما يتعلق بشؤون الناس والمجتمع ، وأقصد به التقسيم الذي يصنف الناس الى نمطين متوازيين تماماً لا تكاد تجد نقطة تقاطع واحدة بينهما ؛ النمط الأول هم التابعون أو المقلدون أو العوام أو الغوغاء ، وهم كل الناس باستثناء من تسميهم المؤسسة قادة أو مجتهدين أو خواصاً أو علية القوم ! هذا التقسيم تحاول المؤسسة إضفاء صبغة شرعية (كذا) أو عقلائية عليه من خلال فكرة رجوع غير المختص لصاحب الإختصاص ، والجاهل للعالم ، فالمريض يرجع الى الطبيب ، وصاحب السيارة العاطلة الى الميكانيكي . . وهلم جرا . وعلى الرغم من أن المؤسسة ترتب نتائج أكبر بكثير مما تفضي إليه هذه المقدمة المزعومة ، فإن هذه المقدمة هي بحد ذاتها تنطوي على مغالطة ، إذ بالإمكان المناقشة في مضمونها بالقول إن مفهوم العالم أو المختص مفهوم نسبي على مستوى الواقع الخارجي التجريبي . فالحق إنه لا وجود في العالم التجريبي لمفهوم العالم ، أي الإنسان الذي لا يخطأ ، ولا وجود للإنسان غير المختص ، بمعنى غير الملم بشئ مما يتعلق بشؤونه بتاتاً ، فالتقسيم العقلي الصارم كائن ذهني لا غير ، أما في الواقع التجريبي فإن كائنات العقل التي تبدو متقابلة أو متناقضة في فضاء العقل تجد لها مساحة واسعة للإلتقاء والتفاعل والتداخل . ولكن المؤسسة – وهذه نقطة حساسة جداً – تصر أيما إصرار على قطع صلة المفاهيم بمصاديقها ، أو قل تغض الطرف عن متابعة المفاهيم وهي تتحرك على أرض الواقع الصلبة لتبقيها معلقة في فضاء ذهني رخو أقرب الى الخرافة منه الى العقل السليم . فمثل هذا الإقتطاع القسري غير العاقل يوفر للمؤسسة فرصة احتكار كل صفات الإيجاب ، وسلبها عن الآخر البعيد عن الإطار المؤسسي . وبهذا الاحتكار الأصل يتسنى لها – أي المؤسسة – توسعة مشاريعها الاحتكارية عبر آلية التفريع ، ولعل أهم هذه المشاريع المتفرعة احتكار المؤسسة صلاحية منح صفة العالم أو الفقيه أو الخبير الديني ، بل إن المؤسسة قد أممت هذه الصلاحية تماماً عبر افتراضها حدوداً ومقدمات ، لا ينال درجة الفقاهة ، أو العلم من لم يتحصل عليها . وهنا في الحقيقة نؤشر على المدلول السلطوي أو المؤسساتي لوظيفة التعليم الحوزوي ، فمن المعلوم أن آلية اقتطاع المفاهيم من أرض الواقع ، وتعليقها في فضاء الذهن الخرافي تمر عادة عبر مجموعة من النصوص الشرعية التي يتم التحكم بمداليلها بعد توجيهها أصولياً ولغوياً ورجالياً ..الخ ، ليُصار بالنتيجة الى وضعها في إطار مركب يُشرف الفقيه / المرجع على تفاعلاته ، ويتحكم بعناصره ، ويحدد من ثَمَّ نتيجته .. المحددة في الحقيقة بشكل مسبق !! نعم تفقد النصوص في الإطار الحوزوي المؤسساتي كل مرجعية مفترضة لتغدو مرجعيتها تبعاً لمرجعية الفقيه نفسه ! بهذه التحكمات والاحتكارات تكتسب المؤسسة صفتها كمرجعية . والحقيقة إن المؤسسة / المرجعية نجحت بشكل منقطع النظير في تأسيس صورتها الأسطورية في مخيلة الناس ( وهنا ندخل مساحة المدلول الإجتماعي والسياسي ) ، فالمؤسسة – دائماً – كيان أبعد ما يكون عن الواقع التجريبي ، كيان لا تحدد صورته ولا تحكم عليه أمثلة الواقع وملابساته ، وإنما عرائس المخيلة الخرافية . المؤسسة حضور لا ينتمي لهذا العالم ولا يخضع لمواضعاته ، بل لا يخضع لغير المواضعات التي لفقتها المؤسسة نفسها ، فهي بتعبير آخر تلغي العالم لتنصّب نفسها بديلاً عنه ، بل الأخطر إنها تصور نفسها على أنها هي العالم الحقيقي ، بينما العالم الآخر الخارجي الحقيقي ، العالم الذي يتحسسه الناس وهم لا غير . هذا المنطق السلطوي الذي تمارسه المؤسسة / المرجعية وهي ترتدي قفازاتها المخملية الناعمة أنتجت إنساناً مستقيلاً من وظيفته العقلية ، مستسلماً وغائباً كلياً .. إنساناً يفتقد الإرادة الحرة الواعية ، ويملك بدلاً منها استعداداً عجيباً للوقوع فريسة سهلة لسياسات الإستخفاف .. هو إذن إنسان متخل عن إنسانيته لحساب غريزة القطيع التي شحذتها عبقريات فقهاء آخر الزمان . فلو تأملنا المشهد العراقي من زاويته الفكرية لصادفتنا المعادلة الآتية ( لن تخطئها العين ) : في قلب الصورة المظلمة مؤسسة تمارس القمع الفكري والاستخفاف ، احتكرت باسم الاجتهاد والتقليد كل الخيارات المتعلقة بتنظيم حياة الإنسان الشيعي ، وأعطت لنفسها أوسع الصلاحيات في التحكم بعقيدته وحركته وتقرير مصيره نيابة عنه ، وفي الأطراف القميئة إنسان مستلب لم تترك له المؤسسة سوى هامش الإتّباع الأعمى لكل مقرراتها ، بعد أن أوهمته بعدم قدرته على التمييز والاختيار ، وبأنه قطعة شطرنج لا أكثر .. إنسان هو في الحقيقة كتلة شعور بالذل والصغار .. ولكن ( التفتوا رجاء ) مازال ينبض في أعماق عينيه وميض أشبه ما يكون بنداء استغاثة .
#أبو_محمد_الأنصاري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصممة على غرار لعبة الأطفال الكلاسيكية.. سيارة تلفت الأنظار
...
-
مشهد تاريخي لبحيرات تتشكل وسط كثبان رملية في الإمارات بعد حا
...
-
حماس وبايدن وقلب أحمر.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار
...
-
السيسي يحذر من الآثار الكارثية للعمليات الإسرائيلية في رفح
-
الخصاونة: موقف مصر والأردن الرافض لتهجير الفلسطينيين ثابت
-
بعد 12 يوما من زواجهما.. إندونيسي يكتشف أن زوجته مزورة!
-
منتجات غذائية غير متوقعة تحتوي على الكحول!
-
السنغال.. إصابة 11 شخصا إثر انحراف طائرة ركاب عن المدرج قبل
...
-
نائب أوكراني: الحكومة الأوكرانية تعاني نقصا حادا في الكوادر
...
-
السعودية سمحت باستخدام -القوة المميتة- لإخلاء مناطق لمشروع ن
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|