أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حنان كوتاري - القرآن و الإنسان















المزيد.....

القرآن و الإنسان


حنان كوتاري

الحوار المتمدن-العدد: 2326 - 2008 / 6 / 28 - 12:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ربما يرى البعض في القول بأن القرآن كتاب الإنسان ادعاء يتسم بالغرابة و المبالغة ، أليس القرآن جزء من ظاهرة الدين ؟ و أليس الدين تقييدا لحرية الإنسان و إسكاتا لـصوت الـعـقـل و قتلا للمواهب؟
أسئلة كثيرة يثيرها الربط بين القرآن و الإنسان، في ظل عصر يتربع فـيـه عـلـم الـتـجـريب و الحسابات و التشريح على عرش المـعـرفة ، و يكثر فيه الحديث عن الحداثة و حرية الفكر، و يغرق فيه فقهاء الدين في بحث مسائل جزئية توسع من دائرة الحرام ولا تزيد دائرة الحلال إلا تضييقا، في حين يقف آخرون إلى جنبهم ينظرون إلى إنسان القرن الواحد و العشرين بكل ما تزخر به حياته من مشكلات و آلام ، بأعين السلف الصالح أبناء القرن الأول و الثاني الهجري ، و بين هؤلاء و هؤلاء يسود اقتناع بامتلاك أهل الدين للحق المطلق و بطلان كل ما تصدح به أبواب العلم الأخرى ، مما يزيد من طول و صلابة الأسوار و الحواجز الممتدة بين الدين و الناس ، أما كل محاولة فكرية أو علمية لإعادة حبات العقد إلى خيطها ، ونظم الدين مع الإنسان مع الطبيعة في انسجام و اتساق و توازن، فإنها لا تلقى إلا إهمالا أو اتهاما بالخروج عن المألوف و الصواب و الحق .
لكن بالرغم من هذا كله يبقى القرآن كتاب الإنسان ، حقيقة تتطلب من الباحث التزام الموضوعية و إنصاف القرآن من ظلم مسبقاته، و تحريره من سلطة أي فكر وموقف و رأي يؤثر في مسار النظر فيه ، و إخضاع مفاهيمه و قصصه و قضاياه و أمثلته للتجريب و الدراسة، و بهذا سيكتشف أن القرآن بالفعل في جوهره و عمقه كتاب الإنسان ، يتحدث عن الإنسان و إلى الإنسان ، بانفتاح كامل على حقيقة الإنسان الكاملة التي يتفاعل فيها الاجتماعي مع الاقتصادي مع النفسي مع السياسي مع العاطفي، و تتداخل فيها لحظات الضعف مع لحظات القوة ، و يمتزج فيها العقلاني بالأسطوري، كما سيكتشف أن القرآن لم يخص رسالته بدعم أفضلية شعب معين أو طائفة معينة على غيرهم من الناس، و إنما جعلها رسالة إنسانية عالمية ، وما حديثه عن بني إسرائيل و النصارى و ذي القرنين و أهل بدر و التي سمع الله قولها و هي تجادل الرسول في زوجها ، إلا حديث عن تجارب و مواقف و معتقدات و أراء و تصورات ، تشكَل من خلالها الفكر الإنساني ، و أضحت إرثا إنسانيا لكل ما عاشه الإنسان على مدى تاريخه الطويل فوق الأرض ، يتلوها القرآن على الناس من جديد ، تلاوة بالحق تقدم للإنسان الهدى و تكشف عن السنن و القوانين التي تحكم وجوده في علاقته بالغيب و الطبيعة ، بهدف إعادة الاعتبار للإنسان في الوجود و الدين ، و إعادة الاعتبار للغيب في حياة الإنسان.
و التزما بمنهج إخضاع الفكرة للتجربة و الدراسة لإثبات بطلانها أو صحتها، سأقف عند بعض القضايا و القصص التي قدمها القران تقديما إنسانيا يعين الإنسان على فهم ذاته و الاقتراب من حقيقته و إدراك أبعاد وجوده .
موسى و الخوف
إن الناس في إطار الجماعة ينتفعون بتجارب الناس في إطار الجماعة، و كل جيل يستفيد مما حققه الجيل السابق من إنجازات في مجال الطب و الأدب و التعليم...، لكن قلما تؤخذ العبرة من التجارب الفردية بالرغم من أنها كثيرا ما تزخر بالعبر، فقلما استفاد اللص من تجربة مثيله الذي سرق فسجن، و لكي يتحقق أخذ العبرة من هذه التجارب يجب وضعها نصب أعين الناس، و دفعهم إلى التدبر فيها، و استيعاب أحداثها و أسبابها و نتائجها، و هذا ما يسير عليه القرآن و هو يحكي قصة الذي دخل جنته فوجدها خاوية على عروشها أو قصة قارون أو حتى بعض مراحل و مواقف من حياة موسى و إبراهيم.....، و هو بهذا يؤكد أهمية الأدب و الفن في حياة الناس ، فهما وسيلة لوضع تجارب الناس الجماعية و الفردية في مجال التدبر و أخذ العبرة .
يعتبر موسى من أنبياء الله و رسله المميزين و المؤثرين في مجرى التاريخ الإنساني ، و قد حظيت حياته منذ الولادة بنصيب كبير من الاهتمام في القرآن الكريم ، حيث كشف لنا القرآن من خلال عرض تجربته الحياتية الكثير من الحقائق الإنسانية ، فأطلعنا من خلاله على بعض حقائق ذاك الشعور الكامن في النفس الإنسانية و مدى تأثيره على سلوك الإنسان و تفكيره و مساره في الحياة ، ألا و هو الخوف ، بدء من لحظة و لادته و رميه في اليم خوفا عليه "و أوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم و لا تخافي و لا تحزني.." سورة القصص الآية 7 ، و بالرغم من أن أم موسى كانت تفعل ذلك بدعم من وحي إلهي ، إلا أن ذكر القرآن للحدث لا يخلو من إشارة خفية إلى أن في تصرف أم موسى دليل على أن الخوف يؤدي بالإنسان إلى فعل أي شيء .
ثم يقف بنا القرآن مع موسى عندما أصبح في المدينة خائفا يترقب بعد أن حدثت حادثة القتل، و وكز الذي من عدوه فقضى عليه دفاعا عمن من شيعته، إن موسى الذي كان في مرحلة استواء و أشد، منعه الخوف من أن يجد للنوم سبيلا ، فعاد بمجرد ما أصبح الصباح إلى مكان الجريمة في حال خوف و ذعر يريد أن يعلم ما الخبر؟ ، دون أن يفكر في وجوب الابتعاد عن المكان أخذا للحذر، أو ينتبه إلى أن التصرف السليم الحكيم يستوجب وجوده في قصر فرعون لأنه مصدر الخبر، لكنه نفس عاث فيها خوف حديث بسبب القتل، و آخر راسخ قديم مرده حياته في قصر الفرعون في ظل تسلط و قمع، و تشتت بين أصوله الإسرائيلية و حياته الفرعونية ، و لهذا ستغيب عنه الفصاحة و طلاقة اللسان و يهاجمه هذا الشعور عندما يرى الحية تسعى فيولي هاربا...
و هكذا فتح القرآن للعلوم النفسية و الاجتماعية أبوابا للبحث و الدراسة لفهم السلوك الإنساني و خفايا النفس الإنسانية ، فهم السلوك الإجرامي و مرض فقدان الثقة في النفس و إقبال النساء على زيارة الأضرحة ...، ففي حالة الأضرحة مثلا يسهل الحكم على زوارها و مؤدي طقوسها بالشرك، لكن يصعب حل لغز نفس امرأة تقبل أكل مخلفات عملية الختان ، أو المبيت في الخلاء ليالي معدودة من أجل علاج العقم خوفا من زوج يطلقها و مجتمع يدينها لطلاقها، لكنه الخوف الذي جعله الله في المرتبة الأولى من الابتلاءات، قال تعالى"و لنبلونكم بشيء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات و بشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون.." سورة البقرة156.
موسى و الإصلاح
حكى القرآن قصة موسى عندما دخل إلى المدينة على حين غفلة من أهلها في حنين إلى أهله، الذين يسومهم من تكفل بتربيته سوء العذاب فيذبح أبناءهم و يستحي نساءهم ، فاستغاث به رجل من شيعته للدفاع عنه أمام آخر هو من عدوه ، فأغاثه و وكز الرجل فقضى عليه ، و وجد نفسه أمام جريمة قتل اعتبرها من عمل الشيطان، و توجه إلى الله طالبا المغفرة ، " قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين ، قال ربي إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم" القصص الآية 16 ، و يتكرر الحدث فيستغيثه الرجل للمرة الثانية فيكتشف موسى الأمر و يدرك أنه أخطأ بالأمس عندما أسرع دون أن يستبين الموضوع ، و أن الظالم الذي يستحق حماية الناس من شره هو الذي من شيعته ، فهم تحت ضغط اكتشافه الحقيقة المرة و تحت وطأة الندم بالبطش به ناسيا توبته و عزوفه عن ذلك لكنه يستوقفه قائلا" أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض و ما تريد أن تكون من المصلحين" القصص الآية 19 ، فالإصلاح لا يمكن أن يكون بالقتل ، و طريق تبدأ خطواته بالقتل لن يؤدي إلا إلى الدمار، و يخلق من المظلوم ظالما و من المستضعف جبارا يستضعف العباد، إن أولى خطوات الإصلاح الصحيحة تكون بالعلم و هذا ما علمه الله لموسى عندما صحبه الرجل الصالح .....إن قصة موسى تزخر بالحقائق الإنسانية التي يكشفها القرآن، لكني سأتوقف عند هذا الحد لأنتقل إلى نموذج آخر هو يوسف عليه السلام.
يوسف و امرأة العزيز
اقتحم القرآن بجرأة جميلة تمتزج فيها الصراحة و الوضوح باحترام حياء الإنسان، موضوعا لا زال إلى الآن يشهد حرجا عند طرحه للمناقشة،وهو موضوع العلاقة بين الرجل و المرأة، و موضع الغريزة الجنسية من الإنسان ، و كان من الممكن للقرآن أن يقول : لنا فراودته التي هو في بيتها فاستعصم و قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ، و ينتقل مباشرة إلى تجربة السجن مع الكشف عن السبب فيه دون الدخول في التفاصيل ، لكن للقرآن في ذلك قصد و هدف، فامرأة العزيز التي كان يوسف في بيتها و بلغ أشده أمام عينيها و أوتي العلم و الحكمة بين يديها ، حتى أشرب قلبها حبه لحظة بلحظة ، و التي ينظر إليها الكثير من الدارسين والمفسرين على أنها أنموذج فاسد، فإن القرآن يقدم من خلالها درسا للبشرية ، و يجعلها في موضع الحكيمة ، فعندما سمعت بكلام النسوة أعدت لهن متكأ و أحضرت الطعام و السكين ، ثم قالت أخرج عليهن فقطعن أيديهن فقالت ذلك الذي لمتنني فيه ، أخضعتهم للتجربة و أثبتت للناس و العلم و وجوب الاقتراب و الفهم قبل الحكم و الحسم،فقد قطعوا أيديهن و أحدث جمال يوسف و ما أثاره بداخلهن تخديرا غيب عنهن الشعور بالألم، و لا يجب أن يفهم من هذا أن القرآن يعطي الشرعية للزنا ، و إنما يؤكد على أهمية التجربة للوصول للمعرفة ، و ينبه إلى أن الزنا لا تكون بداية و إنما نهاية و ثمرة لظروف توفرت و استكملت.

إن النهل من حقائق القرآن لفهم حقيقة الإنسان و الوجود، ليس بالأمر السهل، و إنما يتطلب عملا و جهدا يسير فيه النظر في القرآن جنبا إلى جنب مع السير في الأرض و النظر إلى كيف بدأ الخلق، فالقرآن لا يقدم لك الإجابة الكاملة و لا يقف بك عند حدود النصوص و إنما يأخذك إلى البحث في الأنفس و الآفاق و قراءة كتاب الكون، مما يفتح باب العلوم الدينية لعلم الاجتماع و الاقتصاد و التاريخ و الأنتربولوجيا و الأركيولوجيا.....، و لهذا يجب خلق تواصل بين العلوم الإنسانية و القرآن ، للاستعانة بإنجازات العلوم الإنسانية في فهم القرآن ، و لاستنباط ما يمكن أن يقدمه القرآن للعلوم الإنسانية.



#حنان_كوتاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وهم


المزيد.....




- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...
- 45 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
- الأتراك يشدون الرحال إلى المسجد الأقصى في رمضان
- الشريعة والحياة في رمضان- مفهوم الأمة.. عناصر القوة وأدوات ا ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حنان كوتاري - القرآن و الإنسان