أحمد النعيمي
الحوار المتمدن-العدد: 2326 - 2008 / 6 / 28 - 08:32
المحور:
الادب والفن
ما من مرة ورد فيها اسم مظفر النواب وحاولتُ أن أوضح أنه شاعر متواضع يعتمد الخطابية والمباشرة كأبرز أساليبه الشعرية، إلاّ وجدتني أواجَه برد فعل عنيف، وكأن هذا الشاعر ينبغي أن يظل محاطاً بالقداسة والتبجيل؛ لأن اليوم الكبير الذي سيمشي فيه أمام الجماهير قادم لا محالة! وعلى الرغم من أن تقييمي للنواب لم يأت يوماً من موقف سياسي، وإنما من رؤية فنية نقدية، فقد ظللت أُواجَه في كل مرة أتحدث فيها عن ضعف الجوانب الفنية في شعره بردود تتراوح بين الساذجة والدوغمائية. وفي الحقيقة أن نيتي كانت تتجه في البداية لإجراء دراسة فنية موسعة حول شعره الفصيح، ذلك أن للشعر العامي نقاداً آخرين، غير أني لم أجد من القضايا الفنية في شعره عموماً ما يحتمل مثل هذه الدراسة، وهو الأمر الذي ضاعف من دهشتي. وإذا ما عدت بالذاكرة إلى الوراء فإنني لا أذكر من مظفر النواب سوى شاعر يقوم بعض الفتية بترديد بعض قصائده، وهي قصائد تتحدث عن الحانات، ويتباهى صاحبها بأنه قادر على أن يشرب خمر الحانة كله دون أن يسكر، ثم يشتم من يعتقد أنهم أضاعوا القدس، وحرموه من الصلاة فيه
ا!
وفي هذا الزمان الذي أصبحتْ المعلومة فيه سهلة المنال، وملقاة على قارعة الطريق، دخلتُ إلى أحد المواقع الإلكترونية، وهو أدب http://www.adab.com، ووجدتُ فيه 59 قصيدة من قصائد النواب، تراوحت بين العامية والفصيحة، كما وجدت في الموقع نفسه تعريفاً بالشاعر، وهو التعريف الذي جاء على هذا النحو: مظفر النواب شاعر عربي واسع الشهرة، عرفته عواصم الوطن العربي شاعراً مشرداً يشهر أصابعه بالاتهام السياسي لمراحل مختلفة من تاريخنا الحديث... وقد جاءت اتهاماته عميقة وحادة وجارحة وبذيئة أحياناً .
وعلى الرغم من أن صفة التشرد ليست إيجابية، إذْ ليس لكلام المتشردين قيمة، فإننا سنتجاوز عن هذه المسألة، ونتحدث عن التشرد بوصفه إيجابياً في حالة هذا المتشرد فقط، غير أنّ ما لا نستطيع أنْ نَعُدَّه إيجابياً هو أن يتم الحديث عن كل من الاتهام والبذاءة بوصفهما ميزتين فنيتين.. وما هما كذلك.
وإذا ما ابتعدنا عن الألفاظ البذيئة والساقطة في قصائد النواب، ووقفنا عند قصائده الباقية، سنجدها خالية من أي قيمة فنية، بائسة المحتوى والمضمون، ساذجة الصوغ، ضعيفة البلاغة والبيان، ولعل إدراك النَّواب لهذا الضعف الفني في قصائده قد دفعه إلى محاولة التغلب على هذا الضعف برفع وتيرة الخطاب والإكثار من الأسئلة. وحتى لا يظل هذا الكلام نظرياً، سوف أُورد مقاطع من بعض قصائده، ولنبدأ بالقصيدة الأولى في الموقع الإلكتروني الذي أشرنا إليه سابقاً، وهي بعنوان: جسر المباهج القديمة ، حيث يقول:
ألديك فوانيس؟
زيت ما لمسته يدان؟
روح تبصر في الزمن الفاسد؟ .
ويضيف قائلاً:
فأين البصرة؟!
صحيح أين البصرة؟
البصرة بالنيات
قد خلصت نياتي .
ويزداد الضعف الفني وضوحاً في الحوار القصصي الذي ورد في هذه القصيدة، ومن هذا الحوار:
بطارية حزبك فارغة ماذا أعمل؟
التفت الآخر لفتة مَن فاجأه الحيض وقال:
تاهمت مع السلطة تشتمها وتورطنا .
ويتجلى الضعف أكثر ما يتجلى في المقطع التالي:
لكن أين البصرة يا مولاي؟
ما شأني بالبحر.
- لا يوصلك البحر إلى البصرة؟
- بل يوصلني
- لا يوصلك البحر إلى البصرة؟
- بل يوصلني البحر إلى البصرة
- قلنا لا يوصلك البحر إلى البصرة؟
- أو تأتي البصرة إن شاء الله.
بحكم العشق.
وأوصلها .
وإذا كان للتكرار أسباب جمالية معروفة، فإن القارئ هنا لا يستطيع أن يعثر على سبب واحد من هذه الأسباب، فليس التكرار في هذه القصيدة سوى ثرثرة ولغو ممل. ويمكن أن يجد القارئ الأمر نفسه في القصائد الأخرى، ومن ذلك - على سبيل المثال - قصيدة بعنوان: ندامى ، يقول فيها:
احترمْ صمتي
لم أعد أغنّي غير في أقذر حانات الأسى
هيا بكأس يا رفاق الحانة الأولى
خذوا قلبي
اعزفوا لحناً على خاطركم
والذي أقرب للباب
يسلّم على الصحو سلاماً
لم أعد أمزج خمري غير بالخمر
فمن دجلة أولاً.
لم أجد ماء وسكراً مثلهما في الذمام .
وببساطة يمكن للمرء أن يتساءل: أين الشعر في هذا الكلام؟ بل إن هذا الكلام لو صِيغ نثراً لعُدّ نثراً ضعيفاً، فما بالك وصاحبه يسميه شعراً؟ ثمّ لماذا يصر الشاعر على استخدام غير في غير موضعها، فما كان ضَرّهُ لو قال: لم أعد أغني إلاّ في أقذر حانات الأسى ، بدلاً من قوله: ... غير في... ، وما كان ضَرّهُ لو قال: لم أعد أمزج خمري إلاّ بالخمر ، بدلاً من قوله: ... غير بالخمر ؟
وكلما تنقّل القارئ بين قصائد هذا الشاعر، فإنّ صدمته تتضاعف؛ ذلك لأنّ البؤس الفني يتضاعف، ويصبح الخيال الذي ينبغي أنْ يكون عُدّة الشاعر في مكان آخر! والآن سوف أقوم بإهداء عشاق هذا الشاعر بعضاً من قصائده، علّ الحماسة تأخذهم وعلّ مظفراً يطربهم، ولنبدأ بقصيدة عنوانها: أفضحهم ، حيث يقول فيها:
شهرت بندقيتي الشماء للكفاح
لا تقهر انتفاضتي
وموقعي أدوس أنف من يشك
أن بندقيتي
تلقح الزمان
أشرف اللقاح .
وفي قصيدة بعنوان باب الكون يقول:
وللرضيع تؤخَذ التعاويذ
من الثوب المرقط الشجاع
تشرئب خنجراً قراح
عقارب الساعة تعطي زمناً آخر .
وفي قصيدة بعنوان الاتهام يقول:
إن لحمك من لحم سيفك
فاضرب بمذبحة يلتهمونك أو تلتهم
إنّما الرجل البندقية لا يستريح ولا يحتلم
مقدم البندقية نعم المبيت ونعم الرحم .
وأخيراً فإنني أشعر بالحيرة أمام بعض المثقفين الذين يصرّون على رؤيتك بالعين التالية: إذا لم يعجبك هذا الشاعر ، فأنت مع الامبريالية ومَنْ والاها، وإذا أعجبك فأنت شيء آخر!.. لستُ مع الامبريالية ومَن والاها، ولستُ معجباً ب شاعر بهذا المستوى الفني البائس!
* كاتب وأكاديمي أردني
[email protected]
د.أحمد النعيمي - عمًان / الأردن
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟