أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - سعيد هادف - الجزائر في أفق 2012، الذكرى الخمسينية لاتفاقيات إيفيان (الحلقة الأولى)















المزيد.....



الجزائر في أفق 2012، الذكرى الخمسينية لاتفاقيات إيفيان (الحلقة الأولى)


سعيد هادف
(Said Hadef)


الحوار المتمدن-العدد: 2326 - 2008 / 6 / 28 - 12:38
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


من حيرة الأمير عبد القادر إلى حيرة الرئيس سي عبد القادر*
- سعيد هادف/باحث جزائري مقيم في المغرب
مدخل أول
عبد القادر الجزائري أو الأمير عبد القادر، يوصف بمؤسس الدولة الجزائرية الحديثة. فقيه، شاعر، فيلسوف، سياسي و محارب في آن واحد. وهو لا يزال في ريعان الشباب، وجد نفسه في قلب معركة مفتوحة الجبهات جغرافيا، تاريخيا، وسياسيا. الصراع الروسي العثماني كان على أشده وكان قد مضى على الثورة الفرنسية حوالي نصف قرن وعلى تأسيس الفدرالية الأمريكية ما يناهز ذلك. يستفاد من التاريخ أن أمريكا ساعدت فرنسا على احتلال الجزائر، بعدما حظيت الأولى بدعم فرنسي ضد التاج البريطاني. الأمير بطل إشكالي بامتياز، حالما يُذكر اسمه تُذكر الجزائر والمغرب وفرنسا دفعة واحدة وبنكهة غامضة، وحينما يذكر اسمه يذكر عبد القادر المسلم الشاب الذي حارب إخوانه في الدين التيجانيين كما يذكر عبد القادر المسلم المحنك الذي انتصر للمسيحيين ونال الثناء من المحفل الماسوني . رغم كل الأبحاث والدراسات التي حاولت الكشف عن تاريخه وشخصيته إلا أنه يبقى مجهولا، لأنه جزء من التاريخ الذي لا ينفك يقدم نفسه عبر رواته، بهالة من الغموض.
مدخل ثان
عبد العزيز بوتفليقة أو السي عبد القادر،هو الرئيس الحالي للجزائر، ولد بتاريخ 2 مارس 1937 بمدينة وجدة المغربية و دخل مبكرا الخضم النضالي من أجل القضية الوطنية. التحق، في نهاية دراسته الثانوية، بصفوف جيش التحرير الوطني (بعد تهديدات الجبهة بذبح كل من يتخلف من الجامعيين) و هو في التاسعة عشرة من عمره في 1956. ما يعنينا أن عبد العزيز بوتفليقة وجد نفسه في ذات المعركة، بذات الأهداف ولكن بأبطال جدد. في مرحلة خاض فيها العالم حربين ضاريتين، وكان [مارك] البريطاني و[جورج] الفرنسي قد ابتكرا خارطة للمستقبل العربي تحمل عنوان سايس بيكو، وكانت القوى العظمى قد حسمت في الحرب الروسية العثمانية، بتقليص الإمبراطورية العثمانية إلى تركيا الفتاة/ دولة لا دينية، وتحويل روسيا الأرثوذكسية إلى اتحاد سوفياتي/ فدرالية لادينية. وفي مرحلة أصبح فيها وعد بلفور واقعا لايمكن دحضه وفي مرحلة اشتد فيها عود أمريكا التي أعادت بناء العالم على أرضية أطلقت عليها (حق الشعوب في تقرير مصيرها) ولم تفعل ذلك حبا في الشعوب ولكن لتحل محل بريطانيا وفرنسا ومن حذا حذوهما زمنئذ.على هذه المرحلة فتح عبد العزيز عينيه، فهل ترى كان يفقه شيئا في المعركة التي انخرط فيها ؟ بل ، فهل هو الآن على دراية بما يحاك ضد الجزائر؟ التحق بصفوف الحرب شابا كأغلب المجاهدين، في ظرف معقد سهرت على صناعته قوى متنفذة.
عملت فرنسا على تشتيت الصف الجزائري واشتهر الموالون لها تحت اسم (الحرْكة)، واستقطبت أجهزتها السرية شبابا جزائريا وجندته لمصلحة مخططاتها. ويبدو أن الصراع بين الأجهزة السرية كان على أشده، وكان لأمريكا نشاطها المميز في هذا الصراع.
ارتبط اسم بوتفليقة باسم هواري بومدين، وارتبط اسم هذا الأخير باسم عبد الحفيظ بوصوف مؤسس المخابرات الجزائرية سنة 1956 وكان لهذا الجهاز علاقات علنية وسرية بالاستخبارات الأمريكية وخصوصا السي آي إيه وعلاقتها بمسعود زوقار، مما يؤكد أن أمريكا سهرت على تأطير الحرب ضد فرنسا، ومما يؤكد أيضا أن الأجهزة السرية الأمريكية استقطبت بعض الفاعلين العسكريين الجزائريين وقتئذ، ومن العوامل التي ساهمت في استقطابهم أنهم كانوا لايزالون مراهقين لاخبرة لهم ولا دراية، علاوة على قسوة الظروف التي عاشها أغلبهم، ومع مرور الوقت أصبحوا أدوات طيعة في اليد الأمريكية السرية. أمريكا لا تلعب، لها مشروع تعمل على تنفيذه بكل الوسائل، لكن ما عسى أمريكا أن تفعل إذا ما وجدت أمامها دولة تحترم نفسها وتحترم شعبها، بلا شك ستلزم حدودها، هذا لا يعني أنها ستتخلى عن مشروعها أو عن مصالحها ولكن لن تجرؤ على أن تدوس كرامة هذه الدولة. لماذا الدولة الجزائرية ظلت على عداء بنيوي مع جارها المغرب، وهو أهم جيرانها؟ ما هي الملابسات التي صاحبت حرب الرمال؟ كيف تجرأ نظام بومدين على طرد آلاف المواطنين المغاربة من الجزائر؟ هل يعي رجال الدولة في الجزائر ما يدور في العالم؟ من يخطط وينفذ ويسهر على بث ثقافة الخنوع والتملق والجهل في المجتمع الجزائري؟ لماذا تفقير الشعب و أين تذهب عائدات النفط؟
مدخل ثالث

أنبه القارئ الكريم إلى الأسباب التي جعلتني أستبدل (الولايات المتحدة الأمريكية) بـ(الدول المتحدة الأمريكية)، وهي كما يلي:
- إلى غاية 1776، لم تكن هناك مستعمرة واحدة في ظل التاج البريطاني، بل كانت مستعمرات بالجمع، لكل مستعمرة حدودها وعملتها. وهذا يدل على أن تلك المستعمرات كانت دولا ولم تكن ولايات.
- ثارت هذه المستعمرات ضد التاج البريطاني، وفي ذات الوقت دخلت في نقاش حول تصور للكيان السياسي المفترض تأسيسه عند الاستقلال، وبلا شك أنها عندما ارتضت الاتحاد، فإنما اتحدت كدول في نظام فدرالي، وهي بذلك دول متحدة، إذ لا يعقل أن يكون الاتحاد بين الولايات. فالجزائر مثلا تتكون من 48 ولاية، فهل هذا يعني أن الجزائر ولايات غير متحدة، فلا معنى أن نسمي دولة ما بالولايات المتحدة، فكل الدول القطرية هي متحد من الولايات.
- يبدو أن المؤسسين الأوائل للدول المتحدة الأمريكية، كانوا يتمتعون ببعد النظر وبعبقرية تجاوزت نظام الدولة الوطنية كنمط سياسي أوروبي في تلك المرحلة، فاجتهدوا وأبدعوا نظاما مختلفا، تمثل في نظام فدرالي، أصبح في ما بعد محل استلهام عدد من الدول. كان هدفهم تجاوز نظام الدولة إلى نظام الفدرالية (اتحاد اندماجي لمجموعة من الدول، كل دولة تحافظ على استقلالها، وفي الوقت ذاته، تخضع للحكومة الفدرالية).
- البند العاشر من القانون يقول:"إن هذا الاتحاد يبقى مفتوحا على كندا" و كندا ليست ولاية، بل دولة. وما دام الأمر كذلك فهذا يعني أن الاتحاد كان مفتوحا على أي دولة في الجوار، وهذا يعني أيضا أن الدستور الأمريكي عصرئذ وضع أسس إمبرياليته المنشودة التي اشتهرت في عصرنا هذا بالعولمة.
- وأخيرا، فإن المصطلح الانكليزي (State)، المترجم إلى الفرنسية(Etat)، كلاهما يعني (الدولة) و ليس (الولاية). ومادام معجمنا العربي يتوفر على هذه الكلمة (الدولة) فلماذا أشاح المترجم العربي عنها، وحرّف اسم كيان سياسي، أثبت التاريخ أنه لم يكن مجرد ولايات؟ يبدو أن المترجم لم يكن مؤهلا، وهومعذور. ولكن أن يتم تكريس هذا التحريف على أوسع نطاق عربي، زمانا ومكانا، فهذا ما لا يمكن استساغته.
مدخل رابع
ألم يكن لأمريكا دور في تاريخ الجزائر ، منذ مطلع القرن التاسع عشر إلى اليوم؟ لماذا لا يتطرق المؤرخون والمحللون وأصحاب المذكرات للمخططات الأمريكية في الجزائر؟ لقد صدرت مذكرات لشخصيات سياسية، فكرية وعسكرية ولا نكاد نعثر على أمريكا في مذكراتهم؟ (علي كافي- خالد نزار- بلعيد عبد السلام- محمد حربي- علي يحيى عبد النور- الطاهر زبيري.....). حتى الروائي واسيني الأعرج في روايته (كتاب الأمير) لم يشر ولو مرة إلى أمريكا. كل ما يذكره المؤرخ الجزائري، هو اعتراف الجزائر باستقلال أمريكا.

الحيرة المضاعفة
كانت الجزائر جزءا من الجسد الإسلامي الذي استسلم لبيات شتوي وغط في نومة عميقة آمنا مطمئنا تحت خيمة الخلافة العثمانية، و على صدمة رياح فرنسا العاتية التي كشطت الخيمة، استفاق ليجد نفسه في العراء. وأمام غزو مباغت من ثغر كان يظنه محروسا، استفاق وهو يحاول أن يفهم مايحدث، كان في ذات الوقت يسابق الزمن لاستدراك ما يمكن استدراكه. لكن الزمن الفرنسي بدا في غاية الحيوية و لم يكن يشبه أبدا الزمن الجزائري العثماني، فسارعت الجزائر لتسد ثغرا آخر أكثر فداحة من ثغر سيدي فرج، إنه ثغر دستوري، ثغر الحكم والتدبير السياسي. سارعت الجزائر زمنئذ إلى بيعة أمير شاب تحت شجرة الدردار بمدينة معسكر، أسوة ببيعة الرسول عليه السلام.
الأمير عبد القادر الإدريسي، العربي الأمازيغي عمل باستماتة وفتوة، لكنه وجد جزائر أخرى لم تتجاوب معه. وبعد حرب خاضها لمدة سبعة عشر سنة اقتنع بلا جدواها، وهذه القناعة جاءته بعد حالة ارتياب اعترته في غمار الحرب، ليس مع فرنسا ولكن في حربه مع الرأي الجزائري المخالف له. إن فرنسا قدر إلهي ولا راد لمشيئة الله. هكذا كان يرد عليه بعضهم، فكانت حيرته حيرتين، حيرته في أمره وحيرته في حيرته:
- الأولى وهي حيرته في المصير الذي آل إليه أمره وأمر أمته، وهي [حيرة محدودة].
- والثانية وهي حيرته في علة حيرته الأولى، ولأنها حيرة في الحيرة فهي إذن [حيرة لامتناهية](1). وتلك هي الحيرة التي مازالت تعيشها جزائر القرن الواحد والعشرين.
وقبل أن يدخل منفاه الوجودي بسماء التصوف كان قد دخل منفاه السياسي بعد استسلامه لفرنسا ، وبعد أن وافته المنية تم دفنه بجبل قاسيون، بجوار شيخه محي الدين بن العربي ألمع أقطاب التصوف.
النظام الجزائري أثناء الاستقلال نقل رفاته من جبل قاسيون وأعاد دفنها بمقبرة العالية بالعاصمة. وهو بذلك لم يحترم اختياره من حيث أراد إنصافه و إعادة الاعتبار إليه، مثلما لم يحترم خيارات الشعب من حيث أراد خدمته.
لقد كان سيدي فرج الثغر الذي نفذت منه فرنسا إلى الجزائر، وهذا الثغر ازداد اتساعا ليجعل من الجزائر برمتها ثغرا استراتيجيا للنفاذ منه إلى تونس والمغرب.

إن مقاومة الغزو الفرنسي التي بدأت من الجزائر المحروسة وقسنطينة، تحولت مع الأمير إلى ثورة استمرت عبر محطات عديدة، غير أن هذه الثورة التي ظلت تصحح مساراتها لم تنتبه إلى منطلقاتها إلا مع بروز تمثلات جديدة للزمن الجزائري الفرنسي، عبر جمعيات سياسية ومدنية سواء الاندماجية منها أو الإصلاحية، إن الثورة وهي تتحرر من (لاتاريخية) منطلقاتها، بدأت تستوعب شروطها التاريخية من منطلقين متلازمين: التحرر من أسباب التخلف (القابلية للاستعمار) ثم التحرر من المستعمر. ويجدر بنا في هذا المقام أن نشير إلى النضال السياسي الدبلوماسي للمثقفين الذين عاصروا الغزو الفرنسي أمثال حمدان خوجة وابن العنابي. ومخلفاتهم الفكرية التي أضاءت تلك الفترة. ثم الأمير خالد ومصالي الحاج وفرحات عباس وابن باديس والبشير الإبراهيمي ومالك بن نبي الذي أصدر كتابه (شروط النهضة) سنة 1948، وفيه تحدث عن (قابلية الاستعمار) التي تعرض جراءها إلى النقد والتجريح.
لكن أين وقع الانحراف؟ يمكن القول أن الدخول مجددا في العمل المسلح (المنظمة الخاصة ثم جيش التحرير) كان بمثابة الضربة القاضية للنضال السياسي والثقافي الذي كان قد حقق شيئا من التراكم (أنشطة الأمير خالد، مصالي الحاج، ابن باديس، فرحات عباس...)، ومن ثمة تم تحريف الثورة عن منطلقاتها الصحيحة، وبالتالي عن مقاصدها(2).
ثم جاء الاستقلال الذي كان بمثابة التنويم المغناطيسي للثورة وأن الثغر الدستوري الذي هبت منه عواصف الخلاف في عهد الأمير بقي مهملا خلف ظهر السياسات المتعاقبة التي ظلت منهمكة في تقاسم ريع النفط: تلك الغنيمة الملعونة، وفي علاقاتها السرية بالأوساط والأجهزة الاستخباراتية (السوفيات، فرنسا وأمريكا)، وحين بدأ الجسد الجزائري يستعيد صحوه تدريجيا استبدل النظام أحاديته بتعددية صورية و ديموقراطية مغشوشة ليجد الشعب نفسه في نقطة الصفر، حيث الحيرة اللامتناهية في حيرتها، ازدادت انفتاحا على الدم.
لقد استقوت النزعات القومية مدرعة بأجهزتها العسكرية والأمنية الموصولة بالقوى السرية الخارجية، ومؤطرة بنخبها السياسية والثقافية المتخصصة في الواقع الفعلي إلى استبدال القوة الاستعمارية بقوة جديدة، ولم تعمل في نهاية المطاف، وبكثير من الشطط، سوى على نسخ البنى الاستعمارية القديمة في إطار مصطلحات وشعارات جديدة. لقد توقعت كتبات فرانز فانون هذا الانحراف، وأضاءته تأملات مالك بن نبي، كما كشفت عنه الكتابات الحفرية وأخص بالذكر الكاتب إدوارد سعيد.


فرنسا الحضارة وفرنسا العسكر
إن أي ثورة مهما كانت قضيتها عادلة لاتنجو من الانزلاقات والمضاعفات الجانبية والآثار السلبية المناقضة لجوهر أهدافها، لكن أن تنحرف بشكل موصوف هذا ما يثير الريبة، وهذا ما يدعو إلى الوقوف لحظة صمت ليس ترحما على الشهداء فحسب، ولكن تقصيا وتحريا وإصرارا على معرفة الحقائق و فهم مايجري.
لم تكن فرنسا العسكرية هي ذاتها فرنسا الأخوة، المساواة، والحرية. فالعسكري وفي جميع الأحوال زمانا ومكانا يبقى عسكريا قاصرا عن استيعاب ما يقوله الفكر الإنساني، وما يطمح إليه الإنسان العادي. إن الجمجمة العسكرية بطبيعتها الأصولية لم تتدرب سوى على نوع من التلقي، هو تلقي أوامر إطلاق النار والتعذيب.
ظلت فرنسا الإمبريالية تعيش بثقافتين متناقضتين ظلتا بدورهما متصارعتين ولاتزالان. لقد وجد الأصولي الفرنسي ضالته في الحرب، لإشباع رغبته الهمجية في الوقت الذي كان الفرنسي المستنير يعتقد أن دولته تقوم بحملة إسعاف حضاري للمجتمعات المتخلفة. يتضح ذلك من خلال حديث بين هوغو الشاعر الشاب وأحد الضباط السامين، (3) لقد ظل فكتور هوغو يمجد في شعره فرنسا ويحلم بأوروبا المتحدة، لكن يبدو أنه تعلم من الحياة درسا أساسا، وهو أن القيم النبيلة بالنسبة للمثقف تبقى فوق كل الاعتبارات، وأن معركته الأساسية هي فضح آليات البؤس والرفع من القيمة الجوهرية للإنسان. لم يكتشف هذا السر إلا بعد أن بلغ عقده السادس فكتب رائعته الخالدة "البؤساء".
لكن فرنسا اليوم قطعت شوطا في الحضارة وهي مطالبة بالاعتراف بما اقترفه أصوليوها من الجرائم وعلى رأسهم العسكر.
ونتساءل مع محمد حربي "عن المغزى الخفيّ من الحملات التي تستخدم ماضياً يُعاد تأليفه من اجل مناورات غامضة المرامي. تفرض علينا المطالبة بالحقيقة التساؤل حول المجتمع ما قبل الاستعماري وأشكال الهيمنة فيه وتراتبيّته واحتقاره الضعفاء. جاء الاستعمار على مجتمع كان خاضعاً ايضاً للسيطرة. وخلف الفارق، الكبير، بين المجتمع ما قبل الاستعماري والاستعمار، هناك شكل من أشكال الاستمرارية: مجتمع الخضوع. أما الحاضر، فيتطلّب بالطبع معرفة بماضينا، لكن المعرفة لا تعني الاندفاع الذاتي ولا تحكيم الأوهام بالعقول".

عندما كشف جاك ماسو ومعاونه الجنرال بول أوساريس عن ممارسة التعذيب بصورة ممنهجة على المشتبه بهم أثناء حرب الجزائر تشظى الشارع السياسي أمام مقترح الحزب الشيوعي
بإجراء تحقيقات واسعة لإثبات حجم التورط الفرنسي في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال حرب الجزائر، وما رافقها من التباس في الأهداف والأساليب الفرنسية.
لقد أربك هذا الموقف فرنسا وجعلها تعيش في دوامة سياسية غير اعتيادية. غير أن تيارات اشتراكية وديغولية سعت إلى إخماد هذه الصرخة في مهدها منتقدة الحزب الشيوعي واصفة إياه بالمتعاطف مع الاستبداد، اعتقادا منها أن ما يحدث يستهدف الإساءة لسمعة فرنسا. وقد أثارهذا الحدث ردود فعل متضاربة وساخنة في الوسط الإعلامي والسياسي الفرنسي.
واعترف الرجلان أن التعذيب استخدم على نطاق واسع، وقد طالب أوساريس فرنسا الاعتراف بذلك رسميا والتنديد به. غير أن الأمور سارت عكس ذلك تماما فقد جاء قانون 23 فيفري 2005 الممجد للاستعمار ليقول بلسان فرنسي فصيح أن للاستعمار محاسنه الجمة. وكأن الذين فرضوا هذا القانون إنما أرادوا أن يقولوا:"إذا كان الاستعمار سيئا فماذا فعلتم بالاستقلال؟" إنها كلمة حق وإن كان يراد بها باطل.
منذ أن اندلعت الحرب سنة 1954 إلى غاية الجلاء الفرنسي سنة 1962، فإن مليونا وسبعة آلاف فرنسي تم تجنيدهم طيلة هذه الحرب. ويشير كثير من الخبراء أن 350000 من هؤلاء يعانون اضطرابات نفسية. فالأرق والكوابيس المتكررة من أكثر الأعراض تواترا عند هؤلاء الجنود. ويرى خبراء أن الإقرار لهؤلاء الجنود بالمأساة التي ساهموا فيها، سيكون سبيلا لامندوحة عنه لعلاجهم من "جراح النفس".
وفي حوار مع المحللة النفسية أليس شركي أكدت أن النسيان ليس حلا لمعاناة هؤلاء، وأن للكلام دورا فعالا لعلاج الجلاد ولضحيته أيضا.
بعد أربعين عاما من جلائهم اعترف الفرنسيون أن إقامة أسلافهم الطويلة بالجزائر لم تكن وفية لمبادئ ثورتهم الممجدة للأخوة والمساواة والحرية، وأن تلك الإقامة كانت على حساب الجزائريين الذين لم يتوقفوا عن الرفض عبر تاريخ طويل من النضال ضد فرنسا المحتلة. لكن فرنسا الرسمية اليوم لم تمتلك الشجاعة بعد للاعتراف بكامل الحقيقة ومحاسبة القائمين عليها، وما زالت تصر على إغلاق ملفات التعذيب والقمع بحجة أنها من الأسرار العليا للدولة.
التاريخ المسكوت عنه
على صعيد الديبلوماسية الجزائرية لم يبدر من الحكومة أي رد على جاك ماسو ومعاونه الجنرال بول أوساريس و تساءل متتبعون سياسيون عن صمت حكومة بنفليس إزاء هذه القضية، التي أصبحت وقتئذ حديث الشارع في عواصم عديدة.
وإذا كان صمت الحكومة غير مستساغ فإن تصريح الجنرال خالد نزار عجيب غريب، كونه مليئا بالثقوب ويفتح الشهية لقراءة مسيلة للدموع من فرط الضحك. فالجنرال وصف النقاش الدائر حول التعذيب في الجزائر بالمشكلة الفرنسية المحضة، وأن هذا النقاش لايهدد الجزائر مباشرة وأن الجزائر غير ملزمة بالدخول في هذا الجدل، لأن لديها مشاكل أخرى.
وعندما يتضح السبب يبطل العجب. ففي حوار بجريدة الشرق الأوسط قالت المجاهدة لويزة أحريز أنها لم تفهم شيئا من صمت السلطات. إن هؤلاء إما لهم مصالح مباشرة مع المسؤولين الفرنسيين وإما هم خائفون من انكشاف أمرهم ويعلم الجميع أنهم كانوا يضعون قدما هنا(مع الثورة) وقدما هناك( مع فرنسا)، لقد نزلت عليهم تصريحاتي كالصاعقة. وكشفت لنفس المصدر أن عددا من الإخوة حاولوا منعها من الكلام، لكنها لم تستسلم، لذلك اتهموها بالسعي وراء منصب سياسي، وأن بعض معارفها ومسؤولين بوزارة المجاهدين كانوا يتهربون منها ويتفادون الحديث معها. كما اعترفت أن حرب الجزائر عرفت تجاوزات، لكنها بررت ذلك كون الثورة كانت هشة وأن القيادات كانت تخشى حدوث تسرب من شأنه الإضرار بالتنظيم. وفي نفس السياق تحدث الحسين آيت أحمد وقد تعرض لانتقادات هيستيرية من قبل وسائل الإعلام الجزائرية.
لقد كانت لويزة أحريز أول من فجر هذا الاستغراب إعلاميا، دون أن تتوقع، حسب قولها، أن تصريحاتها ستحدث كل هذه الضجة. وبدأت تداعيات هذه الضجة بعد أن اتهمت لويزة أحريز قادة المظليين الفرنسيين بتعذيبها في الجزائر العاصمة عام 1957 (صحيفة "لوموند"، 20/06/ 2000).
أما شقيق الشهيد علي عمار المعروف باسم علي لابوانت، فقد قال أن ما كتبه أوساريس ينطوي على كثير من الصحة، خصوصا بملابسات عملية استشهاد شقيقه. واتهم أحد القياديين بالوشاية ضد شقيقه، والمتهم من قبل علي عمار، هو أحد القيادين آنذاك و أحد منظمي شبكة جبهة التحرير الوطني، وهو عضو بمجلس الأمة ضمن الحصة المعينة بقرار رئاسي.

وإذا اقتصرنا على فترة مابعد الحرب العالمية الثانية منذ أحداث ماي45 ،إلى غاية الاستقلال فإن هذا الملف مازال يكتنفه الكثير من الغموض، ويبدو من خلال الأحداث المتعاقبة أن تاريخا مسكوتا عنه ظل ملفوفا باتفاقات سرية مشبوهة، بدأ يخرج من آخر تخندقاته تحت ضغط عذابات نفسية وحسابات سياسية(4). فقد انشغل فرانز فانون في غمار حرب الجزائر بالتبعات النفسية للتعسفات التي طبعت هذه الحرب، ونبه إلى ضرورة إيلاء تلك المعاناة اهتماما خاصا.
إن المحتل الفرنسي الذي أقام بالجزائر لمدة قاربت قرنا ونصف قرن، لم يبرهن عن حسن نواياه العلمانية وأن بلادته العسكرية الأصولية هي التي كانت تتحكم في الزمام. إنه لمثير للاستغراب أن تقصي فرنسا مطلع القرن العشرين الإسلام من قانونها الخاص بالديانات في وقت كانت تدعي أن الجزائر فرنسية. لقد كان بفرنسا عشرة آلاف مسلم مطلع القرن العشرين ولم يشملهم قانون 1905 الخاص بالديانات الذي اهتم فقط، سوى بالكاثوليكية والبروتستانتية واليهودية. لماذا؟ هل يمكن لفرنسا اليوم أن تجيب عن هذا السؤال؟
لماذا انتظرت قرنا حتى تلتفت إلى هذه الديانة؟ فهل تنوي أن تفتح ملف حرب الجزائر حتى سنة 2050؟
إن فرنسا جزء من تاريخنا ومن حقنا أن نعرف كل ما يتعلق بتلك المرحلة. ففرنسا الرسمية وكذلك الجزائر الرسمية مطالبتان بإضاءة تاريخ الحرب، والكشف عن الخروقات والانتهاكات والانحرافات التي صاحبت هذه الحرب(5).
كما بات من الواجب أن تتحرك النخب في هذا الاتجاه، من خلال المجتمع المدني و عبر الإعلام. فهذا الماضي الملتبس والمتواطأ حول تغييبه وتزويره، هذا الماضي هو الذي يقيد خطى الشعب، وعلى كل من له القدرة والمثقفون بشكل خاص العمل في هذا المنحى.
صمدت فرنسا المستنيرة دوما في وجه فرنسا الأصولية، لكن النتائج لم تكن دائما مرضية. فالمجتمع المعني(الجزائر) لم يتجاوب بشكل ذكي وحيوي مع نضالات القوى المستنيرة للمجتمع الفرنسي، تلك القوى المتشبعة بتقاليد التنوير الأوروبي(6).
لقد سجل التاريخ صفحات ناصعة لمثقفين فرنسيين لم يتوقفوا عن دعمهم للشعب الجزائري، وقد استمر هذا الدعم لمطالبة فرنسا بمراجعة سياستها تجاه الجزائر، وفي هذا المنحى تحرك عدد من المثقفين وقّعوا بيانا وصفوا فيه السياسة الفرنسية بالمتواطئة في جرائم ضد الإنسانية، وقد جاء هذا البيان بعد صدور كتاب "الحرب القذرة" للضابط حبيب سوايدية(7)، وكان على رأس قائمة الموقعين على البيان المفكر الراحل بيار بورديو.
إن القول بضلوع عناصر من الجيش في مجازر ضد المدنيين يؤكد ضلوع الأجهزة السرية الفرنسية والأمريكية في إدارتها لهذه الحرب القذرة، وأكثر من ذلك يؤكد ما راج حول علاقة الاستخبارات الفرنسية والأمريكية ببعض العناصر الجزائرية المؤطرة لحرب التحرير أنذاك، وقد كان هدف الاستخبارات الأمريكية هو حمل فرنسا على إخلاء المكان، فيما كان هدف الاستخبارات الفرنسية هو القضاء على أكبر عدد ممكن من الجزائريين وتصفية أغلبية الأطر، فالحرب التي اندلعت على أرض الجزائر كانت في الجوهر حربا بين فرنسا وأمريكا التي خططت للاستيلاء على الإرث الاستعماري الأوروبي، وهذا ما حدث. لقد ابتلعت حرب التحرير في ظرف سبعة أعوام مليونا ونصف المليون من الأرواح، أي ما يناهز 500 شهيد يوميا إذا أخذنا بالمصدر الجزائري أما إذا أخذنا بالمصدر الفرنسي فإن ما يناهز 250 شهيد كانوا يسقطون يوميا. وبعد أربعة عقود من الاستقلال خرجت جماعات شبحية تحت غطاء إسلامي احترفت الإجرام المنظم، بثت الموت والرعب في الشعب، وفي ذات الوقت، وفي غمار فوضى منظمة، كانت تجهز على خيرة أبناء الأمة، وتسطو على ممتلكات الشعب ومستقبله. لقد كانت الجزائر أرضا مستباحة لصراع أمريكي فرنسي، فالسياسة الأمريكية الداعمة للحرب الجزائرية حملت الاستخبارات الفرنسية على تأجيج الحريق، أو ما سمي آنذاك بسياسة الأرض المحروقة. ويأتي السيناريو بشكل مقلوب خلال سنوات الإرهاب حيث سعت السياسة الفرنسية استغلال الأزمة لصالحها بعد أن نجحت الأجهزة السرية الأمريكية في إشعال الفتنة باسم الإرهاب الإسلامي.
إن ما يحدث في جزائر اليوم ما هو سوى استمرار لسياسة تم حبكها منذ الحرب العالمية الثانية، ومنذ أن تم تحريف الثورة عن منطلقاتها الحقيقية. سياسة تشرف عليها سلطة سرية، قد أصبح واضحا للعيان أنها ارتهنت مصير الشعب عبر شبكة واسعة من الزبونية على رأسها بضع جنرالات هم أصحاب النهي والأمر، محاطة بدرع أخرى من جنرالات تجمعهم بالنواة علاقة المصلحة والولاء. لقد تحدث عن هذه السلطة السرية منذ سنوات زعيم الأففاس الحسين آيت أحمد، ورئيس الوزراء الأسبق، صاحب كتاب (في أصل الأزمة الجزائرية) عبد الحميد ابراهيمي. كما كشفت حركة الضباط الأحرار في بعض تقاريرها عن تفاصيل اللعبة، وهي التفاصيل ذاتها التي فضحها هشام عبود أحد الضباط السامين بالأمن العسكري أثناء حديثه عن الديوان الأسود و أشار إليها أستاذ العلوم السياسية برينو ايتيان. يقوم منهجهم في العمل على التحالفات السرية والمعلنة وهم يعرفون منذ سنوات بالمافيا التي أحكمت قبضتها على السياسة والمال، ففضلا عن اقتسامهم مجالات النفوذ السياسي والعسكري، احتكروا أيضا مجالات النفوذ المالي والتجاري.فمنهم جنرال الأدوية وجنرال الأسلحة وجنرال العقار وجنرال السكر وجنرال النبيذ...، غير أن هذه الشبكة لا تتمتع بالسيادة والاستقلالية، بل هي مجرد أداة لشبكة دولية للقوى الخفية المتحكمة في زمام العالم(8).
ويبدو أن عهد هؤلاء الجنرالات رجال فرنسا بدأ في الأفول، وأن زمنا أمريكيا بدأ يبزغ في ربوع جزائر نوفمبر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* سي عبد القادر هو اللقب الذي اشتهر به السيد عبد العزيز بوتفليقة أثناء حرب التحرير
*اتفاقيات إيفيان: كان من المرتقب إجراء المفاوضات في 7 أفريل1961 لكنها تأجلت إلى 20 ماي 1961 بمدينة ايفيان لأسباب منها رفض جبهة التحرير إشراك أطراف أخرى في المفاوضات عندما أفصح لوي جوكس في 31/3/1961 عن نية حكومة بلاده إشراك الحركة الوطنية الجزائرية (MNA) بالإضافة إلى حادثة اغتيال رئيس بلدية ايفيان و ما تلاه من أحداث . كان في تمثيل الطرف الجزائري ، كريم بلقاسم - محمد الصديق بن يحي - أحمد فرنسيس -سعد دحلب و رضا مالك و أحمد بومنجل والطرف الفرنسي ، لوي جوكس و كلود شايي و برونو دولوس … ورغم الجلسات المتكررة ما بين 20 ماي - 13جوان 1961 لم يحسم في القضايا الجوهرية وتم تعليق المفاوضات يوم 13جوان 1961 .
أستؤنفت المحادثات في لو غران ما بين 20 - 28 جويلية 1961 لكن بدون جدوى مما جعل المفاوض الجزائري يبادر هذه المرة إلى تعليقها بسبب إصرار الحكومة الفرنسية على التنكر لسيادة الجزائر على صحرائها ولم تباشر الحكومة المؤقتة اتصالاتها إلا بعد أن تحصلت على اعتراف صريح في خطاب الرئيس الفرنسي شارل ديغول يوم 5سبتمر 1961 ضمنه اعتراف فرنسا بسيادة الجزائر على صحرائها. على إثر ذلك تجددت اللقاءات التحضيرية أيام: 28 - 29 أكتوبر 1961 ثم يوم 9 نوفمبر 1961 في مدينة بال السويسرية جمعت رضا مالك و محمد الصديق بن يحي بـ شايي ودو لوس عن الطرف الفرنسي و في 9، 23 و 30 ديسمبر 1961 التقى سعد دحلب بلوي جوكس في مدينة لي روس لدراسة النقاط الأساسية و مناقشة قضايا التعاون وحفظ النظام أثناء المرحلة الانتقالية ومسألة العفو الشامل.
بعد أن صادق المجلس الوطني للثورة الجزائرية على مسودة لي روس أعلنت الحكومة المؤقتة رغبتها في مواصلة المفاوضات رسميا في مدينة ايفيان الفرنسية أين التقى كريم بلقاسم و سعد دحلب و محمد الصديق بن يحي ، و لخضر بن طوبال و امحمد يزيد و عمار بن عودة رضا مالك و الصغير مصطفاي بالوفد الفرنسي: لوي جوكس وروبير بيرون ، و برنار تريكو و برينو دو لوس و كلود شايي والجنرال دو كماس ، في جولة أخيرة من المفاوضات امتدت ما بين 7- 18 مارس 1962. توجت بإعلان توقيع اتفاقيات ايفيان و إقرار وقف إطلاق النار، و إقرار مرحلة انتقالية وإجراء استفتاء تقرير المصير . كما تضمنت هذه الاتفاقيات جملة من اتفاقيات التعاون في المجالات الاقتصادية و الثقافية سارية المفعول لمدة 20 سنة.
(1) هذه الحيرة، نجمت عن (صدمة الحداثة)، استنير هنا بالمفكر المغربي محمد سبيلا في كتابه (المغرب في مواجهة الحداثة). والكتاب هو مقاربة حفرية للحظة أساسية في تاريخ المغرب، وهي لحظة المواجهة المغربية للاحتلال الفرنسي. إن الحيرة التي أحدثتها صدمة الحداثة هي حيرة دستورية ما انفكت تزداد انفتاحا كلما ازداد الشعب وعيا، وهي بذلك تتحول بقوة الأشياء إلى عورة دستورية كلما ازدادت انكشافا سارع أقوياء النظام إلى سترها بأوراق شرعية من الشرعيات المغشوشة، وشراء الذمم الرخيصة، وبيع ثروات الشعب إرضاء للإمبريالية المتوحشة وتنفيذا لمخططاتها.
(2) لقد وضعت أزمة 1962نهاية للنزعة الوطنية التي كان يمثلها نجم شمال أفريقيا، ثم حزب الشعب، ثم حركة انتصار الحريات الديموقراطية، ثم حزب جبهة التحرير الوطني الذي قاد كفاح الشعب الجزائري نحو الاستقلال. فالحركة التي تولت هذه المهمة التاريخية تلقت، عام 1954، ضربة قاصمة في قمة هرمها، ولازمها هذا الشرخ طوال الحرب ولم تستطع رأبه، واستمر يستفحل إلى عام 1962، وحرم جبهة التحرير من استكمال دورها في بناء الدولة الجزائرية. فقد توالت سلسلة الانقلابات:1992-1965-1962-1959، غير أن انقلاب 1962 الذي قادته قيادة الأركان لجيش التحرير الوطني، كان الأكثر ضراوة. فقد حرف مجرى الثورة وأفرز نظاما توتاليتاريا أفضى بالجزائر إلى ماهي عليه اليوم. أزمة 1962/بن يوسف بنخدة/ رئيس آخر حكومة جزائرية مؤقتة. لقد حاول امحمد يزيد إضاءة خبايا الأزمة الجزائرية والتأكيد على أن مشروع الدولة الذي كان هدف الحركة التحررية قد تعرض للاغتصاب.
(3) إنها الحضارة وهي تزحف على الهمجية، إنه شعب مستنير حيث سيعثر على شعب في الليل. نحن إغريق العالم، منذورون نحن لتنوير العالم وحينها سننجز مهمتنا. أنا لا أغني سوى الهوزانا، أنت تفكر بطريقة مختلفة، تتحدث كعسكري، كرجل فعل، أنا أتحدث كفيلسوف كمفكر. (في محادثة مع بيجو/أشياء مشهودة-CHOSES VUES 1941).
(4) إن الجنود الفرنسيين الذين تم تجنيدهم في حرب الجزائر، يجدون أنفسهم في وضعية صعبة كلما سألهم أحفادهم إذا ما كانوا قد مارسوا التعذيب هذا ما كشف عنه ماسيريه نائب وزير الدفاع الفرنسي أثناء حديثه عن النصب التذكاري لتخليد أرواح القتلى الفرنسيين أثناء حرب الجزائر، وهو عبارة عن جدار ضخم يحمل أسماء 24ألف جندي فرنسي قتلوا في الحرب. في السياق نفسه يعتزم أنصار تمجيد الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وتحت رعاية الرئيس الفرنسي، إقامة نصب تذكاري للفرنسيين المفقودين والمتوفين غير المدفونين في الجزائر بين 54 و.1963 ويشمل النصب التذكاري المنتمين إلى أنصار المنظمة السرية، إلى جانب إنشاء مركز للحضور الفرنسي في الجزائر . وستعقد قيادات حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية في 25 نوفمبر 2007 قمة للمتعاطفين مع الذاكرة الاستعمارية في الجزائر لإقرار مثل هذه المشاريع التاريخية،
(5) تزامن ميلاد لالا فاظمة نسومر مع الاحتلال الفرنسي للجزائر سنة1930. فشبت هذه الفتاة القبائلية في محيط العلم، حيث تعلمت الفقه والحساب والفلك، ثم اختارت درب الكفاح في سبيل جزائر حرة، إلى أن سقطت في يدهم. لم يحترموا ما تم الاتفاق عليه في المفاوضات،. ولم يكتفوا بسجنها، ولم يكتفوا بنهب فضتها، بل تم السطو أيضا على150 مجلدا.(وهذا الانتهاك سبق أن تمت ممارسته مع داي الجزائر و أثناء الهدنات المبرمة مع الأمير عبد القادر كما مورس أثناء انتفاضات لاحقة، وحتى مع النضالات السلمية على المستوى الجمعوي والإعلامي). أما المجازر التي طالت المدنيين فأكثر بشاعة من الهلوكوست. كان أفظعها مجازر السبعية- أولاد رياح- الزعاطشة و 08ماي 1945، والجريمة النووية بالصحراء منطقة رقان.
وقد رفضت لومينيون نائب رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية وصف ما قامت به فرنسا الاستعمارية في الجنوب الجزائري بالجرائم ضد الإنسانية، لأنه، حسبها، من قام بتلك التجارب لم يكن متيقنا لخطورة التفجيرات وللنتائج الكارثية التي يمكن أن تخلفها على صحة الأشخاص، لكن المهم في رأيها، ومن وجهة نظر إنسانية، هو مباشرة أبحاث حول تاريخ القضية وأبحاث طبية على الأشخاص المصابين ودراسة حالتهم كل واحدة على حدى للتعرف على طبيعة ونوع الأمراض والتشوهات التي أصيب بها الضحايا وهو ما يمكن من جمع أدلة طبية كفيلة بالضغط على المنظمات الأممية والحقوقية لسن اتفاقيات دولية تلزم المسؤولين عن الكارثة بتعويض المتضررين، يجب أن نكون واضحين أمام هذه القضية والتعويض واجب، وهنا يجب التوجه إلى السلطات العسكرية الصحية بفرنسا •(الخبر). ونتساءل بدورنا كيف لم يعرفوا الخطر، وكان قد مر على جريمة هيروشيما 15 عاما؟
الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي" الذي سبق أن وصف الاستعمار بالإيجابي، يأتي أثناء زيارته الأولى للجزائر، لعرض مشروع "الإتحاد المتوسطي" على الرئيس "بوتفليقة"، ليرفض الاعتذار ويكتفي بالقول : "دعنا نتوجه نحو المستقبل .. الجزائريون عانوا كثيراً وفرنسا تقدر ذلك، والفرنسيون عانوا أيضاً، لكن هذا الأمر أصبح جزءاً من الماضي" (الشروق اليومي 28/07/2007).
وكان "بنيامين ستورا"، في محاضرة ألقاها بالعاصمة الجزائرية في 08/05/2006، قد دعا الطبقة السياسية الفرنسية إلى "الإعتراف أمام المجتمع الفرنسي، بكل ما جرى أثناء الحقبة الاستعمارية"، في رده على قيام (البرلمان الفرنسي) بسن – ما يعرف – بقانون 23 فبراير 2005، الذي يتطرق إلى "الدور الإيجابي" للاستعمار الفرنسي في مستعمراتها السابقة وفي إفريقيا الشمالية على وجه الخصوص (الوطن- 09/05/2006).
(6) في الوقت الذي كان الشارع الفرنسي ووسطه السياسي والإعلامي، لايزال يعيش تحت وقع كتاب أوساريس، انتصرت جمعيات إسبانية للثقافة بعمقها الإنساني ومعناها النبيل، وذلك بتجريد الاحتفال بسقوط غرناطة من بعده العنصري.وفي بيان 2 يناير، أكد الموقعون أن الاحتفال بسقوط غرناطة يحمل طابعا عنصريا. ودعا البيان إلى جعل الاحتفال يوما للسلام والحوار بين الأديان، وقد ضم هذا البيان المغني كارلوس كانو والكاتب خوان غويتيسولو والمدير السابق لليونيسكو فيديريكو مايور وعشرات المثقفين. واللافت في هذا الحدث البارز أن المؤيدين لأصحاب البيان هم من فئة الشباب بينما وقف المسنون واليمين المتطرف موقف الرفض.
ويبدو أن فرنسا لاتكترث بالأصوات الداعية إلى مراجعة سياستها تجاه الشعب الجزائري، أم أن السلطة الحاكمة في الجزائر، هي التي تعمل جاهدة على أن يبقى كل شيء طي الكتمان.
(7) هناك شهادات عديدة تؤكد على الالتباس الذي طبع العمليات الإرهابية ووضع بعض الجنرالات موضع شبهة وأن هناك أشياء غامضة وغير مستساغة، وهذه شهادة أحد الناجين:"بعد ذلك، عرفت أن سكان براقت وبن طلحة القديمة وأحياء أخرى سمعوا خلال الليل أصوات الإنفجارات وصراخ الضحايا وحاولوا الالتحاق بالقرية للمساعدة ، لكن الجنود والشرطة كانوا قد نشروا قواتهم عند مدخل الشارع الكبير ومنعوا الجميع من الدخول، السكان لم يستطيعوا الصبر بعد أن ظلوا ينتظرون الساعات الطوال فاخترقوا الحاجز بالقوة وجاءوا لمساعدتنا. كانوا مدنيين فقط، دخلوا القرية بين الرابعة والنصف والخامسة صباحا لم يكن بينهم جندي ولا شرطي واحد، ولاسيارة إسعاف. المدنيون فقط جاءوا بسياراتهم الخاصة لنجدتنا"كتاب من قتل في بنطلحة/ نصر الله يوس..
(8) فقط ما كان يبرر عدم وجود إجماع وطني في عهد الاحتلال هو الدولة الفرنسية ذاتها التي كانت كما يرى هواري عدي، لا تسمح بوجود كيان سياسي داخلها، أي دولة داخل الدولة، ولأن الاستعمار يعد النفي السياسي للكيان المستعمر. فــ"الأيديولوجيا الاستعمارية لا تنظر إلى الاحتلال كقطيعة في التاريخ السياسي للمجتمع، بل كبداية، لأنها تنفي وجود جماعة اجتماعية سابقة تمكنت من تشكيل مجموعة اجتماعية سياسية. فبالنسبة للأيديولوجيا الاستعمارية، إذا كان الإقليم آهلا بالسكان، فإنه فارغ من الناحية السياسية". المستقبل العربي العدد 242/ثنيو نور الدين/الدولة الجزائرية المشروع العصي.





#سعيد_هادف (هاشتاغ)       Said_Hadef#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نصف قرن على مؤتمر طنجة: الشرط الغائب في مسألة الاتحاد المغار ...


المزيد.....




- بعيدا عن الكاميرا.. بايدن يتحدث عن السعودية والدول العربية و ...
- دراسة تحذر من خطر صحي ينجم عن تناول الإيبوبروفين بكثرة
- منعطفٌ إلى الأبد
- خبير عسكري: لندن وواشنطن تجندان إرهاببين عبر قناة -صوت خراسا ...
- -متحرش بالنساء-.. شاهدات عيان يكشفن معلومات جديدة عن أحد إره ...
- تتشاركان برأسين وقلبين.. زواج أشهر توأم ملتصق في العالم (صور ...
- حريق ضخم يلتهم مبنى شاهقا في البرازيل (فيديو)
- الدفاعات الروسية تسقط 15 صاروخا أوكرانيا استهدفت بيلغورود
- اغتيال زعيم يكره القهوة برصاصة صدئة!
- زاخاروفا: صمت مجلس أوروبا على هجوم -كروكوس- الإرهابي وصمة عا ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - سعيد هادف - الجزائر في أفق 2012، الذكرى الخمسينية لاتفاقيات إيفيان (الحلقة الأولى)