كان لي أصدقــاء ... ولازالوا .. ( والحديث عن أصدقائي أيام الصبــا داخــل العراق ) ولكــن الشتات والمنفى القسري والحروب والمآسي وماالى ذلك من ظلم وظلام وعلى مر تلك العقود المظلمة التى عانى منها العراق .. هـــذا البلد.. الغني.... والغني عن التعريف !!!
ولكنني سأدخـــل في موضوع شـائــك وعويص ومنهك لنا ولبلدنا الذي تنفس توا الصعداء وأصبح الناس في بلدي يمزجون بين الحلم في الخلاص ..والخلاص من الحلم الذي أصبح كابوسا ..
ولكي لا أسترسل في موضوع تناوله الجميع ويعرفه الجميع ويتجاهله الجميع أيضا !!! وأعــود الى موضوعي الأساس ألا وهو ... الأصدقــاء والفيدراليــة الجميلة العجيبـة التي عشناها دون أن ندري ودون أن يصاغ لها دستور ولاقانون بل أن الدستور والقانون أسس وكتب وبشكل متين وأمين ومقبول ولم يتجاوزه أحــد منا ولم ننظر الى الأغلبية ولا الأقلية بأنها تستحق أو لا تستحق ولا ولن يتعنصر منا أحــدا على غيــره أو يتكبــر ...
فطيلة أقــل من نصف عمري الذي عشت وتررعت ودرست ونشطت في بلدي الذي غادرته مظطرا ومنفيا ومهاجرا حتى غدا أكثر من النصف الثاني من عمري في المنفى العربي والأوربي
ولكني لم ولن أجد صديــق يشبه تلك الباقة الكريمة والنزيهة والمتفانية والفسيفسائية من الأصدقاء الذين عرفتهم وعشت حيــاة ( حلــوها ومـرها ) معهم ...
ولكنني الآن وبفضل التركــة الغريبــة والعجيبــة التي تركها نظام الأميــة والجهــل عرفت، وبعد أحصائية سريعة وخاطفة ، أجبرت على التفكيــر بها لأرى وأبحث عن ممن تبقى منهم وأين هم الآن مع الأخذ بعين الأعتبار الأخبار المؤكدة أوغيــر المؤكــدة عنهم : وهم
أولهم.. كان شابا شهما وحيـــويا وجــادا يرغب في أن يستمر في دراسته كي يصبح ممثلا كونه مبدعــأ وله أهتمامات وقدرات هائلة في هــذا المجــال.. ولكنه.. لايستطيع مخالفة رغبة والده ( كما أباح لي سره ) الذي يصر على دفعه الى التسجيل في الكليــة العسكرية والذي وعد بمساعدته لتسهيل المهمة..أصطحبته عدة مرات الى محافظة الرمادي حيث يعيش أغلب أقرباءه هناك ..كما أنه من زوار بيتنا بأستمرار.. صداقتنا ليست عابرة وأفكارنا عن الناس والوطن متطابقة وبغضنا على السلطة والمتسلطين لايختلف ..
إفترقت معه .. منذ الدراسة الإعدادية ..ولم أسمع عنه شيئاً ..( شوكت الدليمي)
وثانيهم.. من عائلة فقيرة جــدا جـــدا ( حيث يخلو البيت المكون من سبعة أنفار من الخبز اليومي.. الــخ ) وهو الشاب الثاني بعد أخته العاملة في زمن التنمية الأنفجارية..! والمنهمك في شؤون الحياة اليومية وهو في مقتبل العمر .. وكان يقتطع من مصروفه اليومي كي يشتري كتابا أومطبوعا وهو الذي يعمل صباحا ويدرس مساءاًً ليعيل باقي أفراد عائلته القصر واليتامى من أبيهم الذي مات توا .. اندفع للأنتماء الى الحزب الشيوعي الذي كان يلبي جزءا من طموحه في النضال السياسي والثقافي وامله في الحام بأن يكون محللا سياسيا ناجحا بتفكيره الناضج في وقت مبكر من عمره ..
وتتعارض حالته الأجتماعية والأقتصادية هذه مع طموحــه العجيـب في إكمال دراسته في مجال العلوم السياسية والأقتصادية نظرا الى قدرته وإطلاعاته الموسعة لما يدور في العالم .. حيث يتابع مايحدث بكل دقــة وتفاصيل ( الى حد الإزعاج أحيانا) ... إنـــه ( عزيـــز بـطيـــخ ) الصابئي الطيب والملتزم بمناسباته الخاصة.
قرأت خبرا .. بأعدامه عام 1982 حيث كان أسمه من ضمن قائمة طويلة وجدت في الأمن العامة ( سيئة الصيت ).. رحمه الله .
وثالثهم.. كان شــابا طيبا ( كما نحــن).. غامض علينا.. نحن شلة شباب الحارة .. ولكنه منا والينا .. مخلص خدوم ( خواردة ) شاب طموح بالرغم من سطوة الوالد وكثرة لاءاته عليه .. ملتزم .. متزن .. أبوه كان شبيها بالرصافي( الشاعر الفذ ) ومن المفارقات إننا أسميناه ( إبن الرصافي ) لشدة الشبه بينه وبين الرصافي الذي لانعرفعه إلا من خلال تمثاله الذي يتوسط العاصمة ومن خلاله عرفنا أشعار الرصافي لكثرة ما نستعيره من كتبه ... التي تملأ مكتبته البيتية .. بأهم النوادر المعرفية ومنه نستعير الكتب سرا وعلنا لأن بعضها ممنوع من التداول !!!
في الثمانينات من القرن الماضي سمعت أنه صعد الى الجبــل لمناصرة أبناء جلته هناك ومرة أخرى سمعت أنه .. في قلب بغداد لكنه في حالة صعبــه .. ويرثى لها .. حتى تبين لي أنه قد ألقي القبض عليه عند عودته من زيارة لمسقط رأسه ( أربيل ) بحجة واهيــة وأختفى كامئات من أبناء شعبي .. أين أنت الآن يــــا ( آزاد ) وأنت الذي طالما ناضلت من أجل معنى أســـمك !!..
ورابعهم.. كان مشروع لشاعر كبير لكثرة مايقرأ.. ومايعرض علينا من نتاجات شعرية.. وكتابات تتقدم على عمره.. وضلوعه باللغة العربية .. وتأثره بالشاعر العربي الأكبر ( محمد مهدي الجواهري ) حتى أنه يلبس وفي جلساتنا الخاصة والأحتفالية منها ( حدرية) الجواهري التي عـُرف بها ويتمنطق بلغة لايعرفها إلا الضالعين بها .. وينشــد الشعر إرتجالا .. والذي يخدمه في ذلك طول قامته .. وشموخه عندما يرتجل الشعر .. كان مرحـــا جــدا .. والنكتـــة التي تميز بها .. لها خصوصية نادرة .. وكثيرا ما أستهزأ برجالات السلطة وتفاهات خطاباتهم وقراراتهم وإعلامهم وهو الذي علمنا أن نشتري جريدة الثورة للأستفادة منها في تغطية ماتحتها من جرائد ومجلات ممنوعة في عرف السلطة .. كان حاضرا في كل المناسبات .. الثقافية والأدبية وحتى أنه أصطحبنا معه الى مدينته ومسقط رأسه في أيام عاشوراء .. ليطلعنا على تلك الطقوس الدينية التي يتميز بها أبناء الجنوب والفرات الأوســط وبالمقابل يشرح وبطريقة علمية ودراية حضارية .. كيف صارت ومن اين أتت تلك الطقوس الرهيبة .. وبالرغم من منعها من تلك السلطات ..
علمت لاحقا أن الحرب أبتلعته ومات مبكرا قبل ان يرى الحلم ... الذي طالما سعى لتحقيقه .. رحمك الله
يــا ( سهيــــل الشيباني )
وخامسهم.. الحمد لله أنني شاهدتـــه في أحدى محطات التلفزة منظرا كما عهدته وساعيا الى تقارب الأديان لأنه من ملــة وأقليــة في العراق .. كان يصطحبنا الى بلدته الصغيرة في شمال العراق ( الشيخان ) ويرينا المعبـــد ويشرح لنـــا كل شيء عن الدبن والطقوس والعادات والتقاليد قديمها وحاضرها والتي أندثرت وتلك التي تمارس اليوم .. وعائلتـــه الطيـبــة ..
كريــم سليمان الكردي اليزيدي كان ابوه تــاجرا كبيرا ولــه من المحلات والمقاهي والكازينوات الكثير ومنتشرة في بغداد .. كان نصير الفقراء .. وكان كل هذه المقاهي منـــا للفقراء الذين لا مأوى لهم يفترشون الرض ليلا لينطلقوا صباحا الى أعمالهم المرقتة هنا وهناك فهم كسبة جاءوا الى العاصمة ليسدوا جزءا من احتياجاتهم وعوائلهم في العمل في كل شيء
شاهدتك ايها الكريم والوحيــد من اصدقاءك دفنـــوا وأنني على يقين بمعرفتك بقبورهم وكنت قد شكوت من ألألأم المزمنة التي عشتها في سنوات مجحفة وعصيبة عليّ وعليكم بالتأكيد .. فبكيت حيث بكيتم .. وسالت دموعي مثلكم .. وباخباركم .. دمعتي زادت .. وانا أشاهد مايدور اليـــوم .. مرددا
لاشكوتي فـــادت .. ولاضحكـــتي عــادت .. ولا دمـعـتـي زالــــت !!!! .