عزيز عبد الحسين راضي
الحوار المتمدن-العدد: 2312 - 2008 / 6 / 14 - 08:07
المحور:
الادب والفن
" فتح النافذة ليطرد رائحة النوم " دخلت نسمات الصباح منعشة استنشقها بعمق ، أطل على ضفة النهر ،تفطن أن الطيور لم تعد كما كانت تطير بين الطرقات مسرعة باصواتها الصادحة التي كان يردد شجوها الجسر ، لم يبقى منها إلا القليل ، حين كان يتابعها بنظراته كانت تطير بحذر ، ولما تحط على أعشاشها كانت تتلفت مذعورة .
تلك الاثناء بانت في سماء المكان طائرات مروحية (الأباتشي ) كان هديرها يزداد كلما اقتربت ،حلقت الطيور بسرعة أقصى حين أستفزها الهدير لتحتمي بالجسر التي تعودت أن تحلق بين دعاماته بأمان أزمنةٍ طويلة .
وهو يجول بناظريه من خلال النافذة ، لفت إنتباهه ، ان احد المارة في الشارع المقابل يبحث عن شئ ما ، أدرك ذلك من خلال حركته وتمعنه بالعناوين المكتوبة على واجهات البنايات والمحلات ، تراجع خطوة الى الخلف بعيدا عن النافذة ، ظن ٍ منه انه قد يراه وهو في الطابق الرابع من البناية ، دون ان يتركه بعيدا عن ناظريه ظل يراقبه حتى شاهده يسأل شرطي المرور القابع في " كابينته " وسط الشارع ، كانت إشارات الشرطي تدل على مكان آخر ، ذهب ذلك السائل حسب الوصف رافع يديه بالشكر للشرطي . حينها تنفس الصعداء ، ولعن القلق و الوسواس .
شوقه العارم ، هو الذي دفع به الى الولوج في هذا اليم المتلاطم من الموت ، الذي يسمى وطن ، فبعد عقدين من الزمان في المنافي والمدن البعيدة ، وشحت الشمس و دفئ العلاقات الحميمة ، حين حدث التغيير آتى بكل ما إحتشدت به روحه من حنين ،جاء مثقلا باحلامه التي ما برحته منذ غادر مدينته ، ليرى الموت ،في كل مكان و بأشكال مختلفة ، أثناء جولاته المستمرة الى مراتع الطفولة والصبا ،كان خلالها مذهولا في الشوارع ،مزدحم بالذكريات ،ينتابه احساس بان روائح الاماكن التي يقصدها قد اختفت ،أخذ يشمها من خلال تذكرها ، كانت بوصلة روحه هي الدليل الى تلك الاماكن المكتظة باحلامه القابعة في دهاليز نفسه القصية ، قادته قدماه الى ساحة الطيران ،حيث لا زال العمال يجلسون فيها وقوفا ،رغم الموت الذي استهدفهم مرات ، وبقيت أثاره على اسفل جدارية فائق حسن ،تذكر حين أتى بصحبة هاشم عودة السيد وكيف استوقفه عند مرورهم بتلك الجدارية وسأله :
_شفت هاي الجدارية
_اي طبعا ،ويوميه
_تعرف شتمثل ؟
_شتمثل ،النخل وحمامات بيض والناس .
تخيل ضحكته المصحوبة بسعال خفيف بعد الجواب ،ثم تذكر كيف بادر هو الى سؤاله عن الثقوب الظاهرة علىصدور الحمامات البيض :
_ابو هشام شنو هاي الزروف السود على صدور الحمامات .
لا ينسىتلك اللحظة ،كيف التفت أليه هاشم بألم كمن بوغت بطعنة ،واجابه باقتظاب :
_هاي جيلات الحراميه .
تفطن انه اطال الوقوف امام الجدارية ، وأن موعده مع صاحبه قد اقترب وعليه الاسراع الى المكان المتفق عليه ،بعد اللقاء ذهبوا الى المكان الذي كانوا يرتادونه ايام المحنة الاولى ، للابتعاد عن اعين الوشاة و أذانهم .
جلسوا على الطاولة ذاتها ، حين تقدمهم النادل مرحبا بوصولهم الىالمكان في اقصى القاعة الذي شغلوه في الليلة الماضية ،و كالمعتاد طلبوا ماء الشعير و عصير التمر ،ودعوه ان يجلس معهم مثل المرة السابقة لقلة الرواد وكثرة عمال الخدمة ،كان النادل الشاب كثير السؤال عن الغربة وتلك البلدان وناسها و ........ و .... وأشياء اخرى . لقائهم الذي شارف على الانتهاء بعد اخذ ورد و تبادل اطراف الحديث عما مضى وما الذي يحدث و كيف السبيل الى..........
غادر المكان ، عند امتداد الليل وهو يحبو نحو الغسق ، ليغمر اخر نقطة للضوء ، ولج باب العمارة السكنية حيث يسكن وعند ما فتح باب الدار، وجد رسالة عند عتبة الباب عبارة عن ظرف في داخل الظرف ورقة و رصاصة ،مكتوب على الورقة : ان لم تغادر خلال (48 ) ساعة ................. . أستنفر تلك اللحظات ، اتصل باحد معارفه المقربين ،شرح له الموقف وسأله ما الذي يجب فعله ، _ رد عليه صاحبه بأن لا يبرح مكانه حتى يأتي ويقله بسيارته الى مكان آمن ، ودع اهله مسرعا ، متحجج بان زوجته اتصلت به تطلب حظوره باسرع ما يمكن لامر طارئ ، بدء يحزم امتعته للإياب ،حتى وصول صاحبه ، غادر تحت دهشة أهله وإستغرابهم ، حتى آل به المآل في هذه الشقة ، التي هي عبارة عن مكتب يطل على النهر ، ينجز فيه صاحبه مهامه التجارية ، ولتصبح مأواه بعد التهديد ، ليعيش فيها هواجسه وظنونه المختلطة بين الواقع والخيال . تداعيات تلك الليلة الليلاء لا زالت عالقة في مخيلته ، كيف آتى الملثمون بسياراتهم الفارهة وحاصروا ثلة من الشباب لا يعرفون اي ذنب اقترفوه كي تصوب أ زاءهم ونحو رؤوسهم فوهات المسدسات الكاتم للصوت ، كانت نظراتهم تستنجد الآخرين بصراخ صامت دون جدوى ،حتى أمطروهم بوابل من الرصاص ، تحت انظار الجميع وفزعهم " لهذا ظلت نظراتهم مسمرة ً نحوه الى الابد"
ما الذي يحدث بعد كل هذه الاهوال ؟ تساءل مع نفسه ، وهو ينتظر ما سيؤول اليه مصيره ، وأشيائه مبعثرة في ذهنه الشارد ، بسبب الحد الفاصل ،بين الاستمرار في البقاء ،أو.......................... . حتى رن جهاز الهاتف المحمول ، الرنين المتفق عليه ،قفز نحوه كالملدوغ ، :
_ ألو ........
_ ألو ، نعم
_ كل شئ تمام ،و أطمئن ،بعد اقل من ساعة سوف آتي لأوصلك بسيارتي الى موقف الحافلات ،حيث حجزت لك مقعد في مقدمة الحافلة كما تحب ،وجهز نفسك .
_ شكرا ،يا ......................... .
نظر الى الأفق بدا له أن الطقس قد تغير ،حيث أخذت هبات من الغبار تداهم الغرفة ،أسرع الى النافذة وأغلقها .
#عزيز_عبد_الحسين_راضي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟