أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نديم غورسل - الموت جوعا تفاديا للموت من الوحدة















المزيد.....

الموت جوعا تفاديا للموت من الوحدة


نديم غورسل

الحوار المتمدن-العدد: 135 - 2002 / 5 / 19 - 08:50
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    





Nedim GURSEL

امرأة عجوز تمشي وسط الحشد فوق جسر غلطا في اسطنبول وهي تحمل لافتة كتب عليها: "ابني ناظم حكمت مضرب عن الطعام وانا ايضا اريد ان اموت". الصورة مأخوذة في يوم ربيعي كانت فيه اشجار طرف السرايا مزهرة. ويبدو ابن المرأة، الشاعر التركي الكبير ناظم حكمت (1902 - 1963) الذي نحتفل هذا العام بمئوية مولده، متعب الوجه في صورة اخرى من الصحيفة نفسها المؤرخة في 9 ايار/مايو 1950. وقد جاء في العنوان العريض: "ناظم حكمت مضرب عن الطعام منذ ستة ايام". ويبدو العنوان الفرعي غريبا بعض الشيء بعد مرور خمسين عاما وعلى عتبة القرن الحادي والعشرين: "طبيب السجن يقول انه سيتدخل في حال خطر الموت" (2) .

لكن ماذا سيفعل الطبيب بالتحديد؟ سيطعم السجين عنوة. وكان الشاعر المسجون في بورصا منذ 12 عاما والمحكوم عليه بعقوبة صارمة اثر محاكمة ملفقة قد بدأ اضرابه عن الطعام مطالبا بالحرية. لا تزال لديه القوة الكافية لكتابة قصيدة بعنوان "اليوم الخامس للاضراب عن الطعام" موجهة الى اصدقائه الفرنسيين ومنهم الشاعران تريستان تزارا ولويس اراغون المطالبان باطلاق سراحه: "يا اشقائي/ اذا عجزت عن التعبير بدقة/ عما اود قوله/ اعذروني/ اني منتشٍ ورأسي يدور قليلا/ ليس من عرق الراكي/ بل من الجوع، قليلا من الجوع".

بعد نصف قرن لم يتغير اذاً شيء في تركيا حيث ما زال السجناء السياسيون يضربون عن الطعام ليس من اجل حريتهم مثل ناظم حكمت بل من اجل استعادة كرامتهم. دفاعا عن الحق في العيش معا، عن هذا "الوجود المشترك" الذي يتحدث عنه رينه شار. والسعي ليس حديث العهد، ففي "الترامواي الاخير"، وهو مجموعة قصصية من المنفى، كتبت هذه السطور منذ عشرين عاما: "لكن جسدي لا يمكن ان يتعذب مع اجساد الاطفال الافارقة الهزيلة ولا مع اجساد الشبان من جيلي الذين قضوا في السجون التركية اثر اضراب عن الطعام. لم يتمكن التلفزيون من تصوير هؤلاء لان الصحافيين كانوا ممنوعين من رؤيتهم لكن موتهم ينبسط علي كبقعة حارقة تركتها شمس بلادي".

اليوم، ينوجد الصحافيون على مسرح المأساة ونشاهد مباشرةً من خلال الشاشات عملية الموت البطيء. او الموت السريع تبعا للظروف. منذ ما يقارب العام اي في 19 كانون الاول/ديسمبر ومهما بدا في الامر من مفارقة فإن عملية "العودة الى الحياة" التي قامت بها قوى الامن ضد السجناء المضربين عن الطعام انتهت الى سقوط عشرات القتلى بعضهم من قوات الشرطة. انها لتسمية غريبة تطلق على عملية لم تأخذ الحياة البشرية في الحسبان! والا كيف نفسر هذه المحصلة الرهيبة واللجؤ الى الاسلحة الثقيلة والطوافات والجرافات لتدمير الجدران؟

لن انسى ابدا وجه تلك الفتاة الاشبه بقناع الموت وهي تصرخ قبل ان تُنقل الى المستشفى: "لقد احرقونا ونحن احياء". او ايضا فيدان، الفتاة التي يعني اسمها "برعم" بالتركية والتي قضت حرقا في ربيع العمر. بالطبع، سيقال انهم سجناء ينتمون الى منظمة يسارية متطرفة قرروا التضحية بإلقاء أنفسهم في النار بناء على اوامر رئيسهم. انه امر مرجح لكن الدولة مسؤولة عن سلامة السجناء وليس عن المنظمات الارهابية. ولا يزال من جهة اخرى يرن في اذني التصريح اللئيم لرئيس الوزراء بولنت اجاويد: "نفذت الدولة هذه العملية من اجل انقاذ الارهابيين من ارهابهم". فليكن. ما هو الوضع الآن؟

بالرغم من نقل الذين بقوا على قيد الحياة الى سجون اخرى يقضون فيها عقوبتهم داخل زنزانات، فإن الاضطرابات مستمرة. يموت السجناء الشباب وسط اللامبالاة فيما تتسع الاضرابات عن الطعام. وفي حي قصركرمتلو، فوق التلال المشرفة على البوسفور، بدأ اقارب السجناء بدورهم الاضراب عن الطعام. وللعبارة التركية المستخدمة في هذه الحال، "اولوم اوروكو" والتي تشير الى صيام رمضان، دلالة دينية تعني الصيام حتى الموت. فهم مصممون اذاً على الموت جوعاً بدل الموت من العزلة.

ذلك ان المقصود في الواقع الاعتراض على اصلاح السجون الذي ينص على الانتقال من النظام E الى النظام F . اي، في صيغة اخرى، التخلي عن القاعات لصالح الزنزانات المعزولة حيث قد يتعرض المساجين السياسيون لاستبداد الحراس. بالطبع، ان على تركيا المرشحة للدخول في الاتحاد الاوروبي ان تطابق انظمتها مع المعايير الاوروبية التي تفرض اصلاحا لنظام السجون. لكن لا يفترض بالسلطات استغلال ذلك من اجل القضاء على شخصية السجناء وتدمير حصانتهم الجسدية.

نشهد حاليا احتضار معتقلين شباب في وقت يحتضر نظام كانت له بالطبع مساوئه ولكن ايضا بعض الميزات، فبفضل النظام القديم E اي الاعتقال داخل قاعات مشتركة، تمكن السجين السياسي السابق ناظم حكمت من كتابة رائعته "مشاهد انسانية من بلادي" . وقد وصف رفيقه في المهجع، اورخان كمال، الذي اصبح روائيا بعدما تعلم الكثير من ناظم، شغف التأليف الذي كان يستبد بالشاعر وما كان يمكن ان يتحقق الا ضمن النظام القديم اذ يتيح حياة مشتركة في السجن: "يعمل ناظم على المشاهد، هناك الى جانب الجدار الرئيسي، يروح ويجيء، يشير بيديه وذراعيه، ينعطف فجأة، يتمتم ويغمغم".

كان هناك مراقب آخر لتلك المرحلة هو الفلاح الصغير بلبان، الذي تمكن ناظم من تعليمه الرسم واصبح افضل رسام تركي لواقع حياة الفلاحين: "كان الشاعر يدخل الى جميع قاعات السجن، يصغي الى كل سجين يحكي ما يريده. يطلب بسرعة ورقة وقلما من اي كان ويخرطش الكلمات".

لست اختصاصياً في نظام السجون لكن لديّ قلب. وقلم ايضا. لا يمكنني السكوت امام مأساة كهذه التي تتحمل مسؤوليتها الدولة التي لم تعرف كيف تجد حلا للنزاع، وزعماء المنظمة السياسية المستعدون للتضحية برفاقهم من اجل قضية عفا عليها الزمن.

عرفت لتوي ان المضربين عن الطعام واقرباءهم الذين يحتضرون في قصركرمتلو حيث يحلو العيش (واعرف ذلك بسبب بيتنا العائلي القائم على الضفة المقابلة على ضفاف مياه آسيا العذبة!) اقترحوا حلا: "فتح ثلاثة ابواب". اي ان يسمح للسجناء بالاتصال في ما بينهم في زنزانتهم في مجموعات من ثلاثة اشخاص. لكن وزير العدل السيد حكمت سامي ترك لم يوافق. فتذكرت العنوان الفرنسي لرسائل ناظم حكمت من السجن: "أمل يبكيك من الغيظ". هل يتغلب الامل على رغبة الموت؟ للاسف لا يمكن الرد بالايجاب ما دامت المواجهة مستمرة وهي مرشحة لان تطول اذا لم تقدم الدولة اي تنازل.



--------------------------------------------------------------------------------

(1) كاتب ومدير ابحاث في المركز الوطني للبحوث العلمية. آخر رواياته Les Turbans de Venise, (Le Seuil 2001).

(2) ملحوظة: منذ تشرين الاول/اكتوبر 2000، يعمد المئات من السجناء السياسيين الاتراك من اليسار المتطرف الى الاضراب عن الطعام رفضا لنقلهم الى زنزانات صغيرة يعزلون داخلها. وفي كانون الاول/ديسمبر 2000 اقتحمت الشرطة التركية السجون المعنية من اجل وقف حركة الاضراب ونقل المساجين فاوقعت ثلاثين قتيلا منهم واثنين من رجال الشرطة. لكن الاضراب استمر ومات من الجوع 80 سجينا منذ بداية الحركة.



http://www.mondiploar.com/

جميع الحقوق محفوظة 2001© , العالم الدبلوماسي و مفهوم






#نديم_غورسل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- السيسي يكشف عن أرقام مهولة تحتاجها مصر من قطاع المعلومات
- -عار عليكم-.. مظاهرة داعمة لغزة أمام حفل عشاء مراسلي البيت ا ...
- غزة تلقي بطلالها على خطاب العشاء السنوي لمراسلي البيت الأبيض ...
- نصرة لغزة.. تونسيون يطردون سفير إيطاليا من معرض الكتاب (فيدي ...
- وزير الخارجية الفرنسي في لبنان لاحتواء التصعيد على الحدود مع ...
- مقتل شخص بحادث إطلاق للنار غربي ألمانيا
- أول ظهور لبن غفير بعد خروجه من المستشفى (فيديو)
- من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما ...
- إصابة جندي إسرائيلي بصاروخ من لبنان ومساع فرنسية لخفض التصعي ...
- كاميرا الجزيرة ترصد آخر تطورات اعتصام طلاب جامعة كولومبيا بش ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نديم غورسل - الموت جوعا تفاديا للموت من الوحدة