ناجي عقراوي
الحوار المتمدن-العدد: 134 - 2002 / 5 / 18 - 11:56
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
يبحث الكاتب البريطاني ( دافيد رايس جونسون ) في كتابه ( الدائرة المغلقة The Closed Circle ) موضوع الديمقراطية في العالم العربي ( ويقصد به العالمين العربي والإسلامي ) ، ويرجع إلى علم الاجتماع عند تحليله الأوضاع الديمقراطية ويقول :
إن جوهر الحياة الاجتماعية والأخلاقية عند العرب يقوم على مفهوم العار والكرامة ، ولما كان النهج الديمقراطي يقضي بالمساومة والمشاركة ، والدخول في العلاقات التعاقدية بين الناس ، فانه يبقى غريبا على العرب ذلك لأن صناع السياسة العرب يعتبرون كرامتهم أهم من التمسك بالعقود وأنها فوق القانون ، كما يرون في المساومة ضعفا ومن ثم فأنهم لا يرتاحون) (للنظام الديمقراطي .
إذا اتفقنا مع رأي الكاتب أو اختلفنا معه ومهما كانت دوافعه ، علينا أن نقارن رأيه مع تصرفات بعض الأنظمة في منطقتنا الإقليمية ، منها تصرفات ومواقف النظام العراقي كمثال ، الذي ضرب بعرض الحائط كل الوعود التي أطلقها والاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمها ، الجبهة الوطنية التقدمية - اتفاقية 11 من آذار - اتفاقية الجزائر - وعود بعدم غزو الكويت - التوقيع على التنازلات في خيمة صفوان - قرارات الأمم المتحدة عن الأسلحة العراقية ...الخ ، ومن ثم حول كل الهزائم إلى انتصارات بكلمات رنانة - أم المعارك - يوم الزحف العظيم .... الخ .
لذا يستوجب علينا التوقف مليا عند طرح الكاتب البريطاني ، فلو قارنا طرحه بصورة أعم مع حالة الحريات ومع أوضاع العالمين العربي والإسلامي ، حينئذ نجد مدى تعثر الديمقراطية في هاتين المنطقتين ، حيث اصبح ممارسات الحكام على درجة كبيرة من الخطورة ، أدت إلى كوارث مروعة ، وتركت حالات مأسوية دامية ، ثخنت جراح شعوبنا ، وأفرزت مشاكل وصعوبات في شتى نواحي حياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، ويشعر انساننا كأن كل شئ في طريقه إلى الضياع ، وكأنه لا يستطيع أن يفعل أي شئ لوقف التداعيات ، أو لا يمكنه وضع حد لاهدارات حقوق الإنسان ، هذا اليأس الذي زرعه فينا حكامنا وصحابتهم ومر يديهم من المستفيدين والمتملقين والمتزلفين .
في عالمنا الملوك والرؤساء وقادة بعض الأحزاب ، دقوا الإسفين بجسدهم مع كراسيهم ، ووصل إحباط الشارع من النظام الرسمي ومن بعض القوى السياسية ، إلى درجة من تأزم لا يستطيع المراقب تقديرها ، أنظمة غير شرعية وغير منتخبة ، تلعب بعواطف الناس وبمصائرهم ، حتى اصبح الفرد لا يستطيع أن يفتح فمه الا عند طبيب الأسنان ، ويعتبر حكامنا المطالبة بالتقرب حتى من حافات الديمقراطية جريمة لا تغتفر .
بادئ الأمر أصبحت شرعية شعوبنا ضحية للمصالح الغربية ولمراسيم انتدابهم ، ومن ثم أصبحت وبدرجة اكبر ضحية لممارسات حكامنا ، وتحولت موارد بلداننا لمصلحة الحاكم بأمره والى آل بيته ومريديه ، وقسم آخر من هذه الأموال تحولت إلى أسلحة وأجهزة لقمع أي صوت ينادي بالحقوق والحرية والخبز ، ونتيجة ذلك أصبحت الأمور عالقة وحل المشاكل معلقا ، وجعلت من أية محاولة جادة لإيجاد حلول واقعية لمشاكلنا الكثيرة والعديدة يكون التردد مرادفا للسعي ، ويصار إلى إلقاء ستار من الصمت على المجازر والتصفيات التي تحصل في أوطاننا .
بعد التطورات الدولية والمستجدات العالمية وانتهاء الحرب الباردة والتقدم العلمي الحاصل في شتى مجالات الحياة ، أصبحت الثوابت في حالة المتحول الا في منتقطتنا ظلت على ركودها ، ليستمر الكبت والظلم ، مما زادت من الاختلال بين أطراف الصراعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
من المعروف إن قضية الديمقراطية مرتبطة بقضايا التطور الاجتماعي والاقتصادي ، وتفشي الأمية والتعصب وتدني مستوى المعيشة ، تركت أثرا سلبيا في طريق المطالبة بالديمقراطية، ومن ثم تشبث الحكام بكراسيهم حولت أسلوب الحكم إلى أنواع من الديكتاتوريات المدنية والعسكرية ، في الأنظمة الجمهورية والملكية ، وأدت إلى بروز التناقضات بين الحاكم والمحكوم ، وكانت ابرز نتائج الصراع بين الحكام والشعوب هذه الحروب الأهلية والإقليمية .
العالم يتقدم وحكامنا يسبحون ضد التيار ، وشعوبنا تمر بمنعرجات خطيرة وتواجه قضايا معقدة ، ويتناقل العالم الأخبار عن تجاوزات حكامنا ، وترتسم تفاصيل كثيرة مع الأيام ، حتى ترسخ في الأذهان صورة الوجه الوحيد الذي هو وجه الاستبداد والفساد عند هؤلاء الحكام ، ومع ذلك لم يتراجع الحكام عن تصرفاتهم ، ولم ينضج في عقل صانع القرار العربي والإسلامي فكرة قبول رأي الآخر ، بدلا من تفهم مستجدات العالمية شكلوا أيادي خفية لدعم الأجهزة البوليسية والقمعية ، هذه الأيادي الخفية التي تتكون من وعاظ السلاطين ومن أنصاف المثقفين ومن بائعي الضمائر، وبإيعاز من الحكام يعملون دون تحررنا الذاتي واستكمال شخصيتنا الإنسانية والحضارية ، هذا الأسلوب الخاطئ كلفت شعوبنا المنكوبة اكفالا باهظة من هدر أموال طائلة وسفك دماء زكيه وضياع فرص النمو والتقدم ، هذه السياسة الرعناء تقودنا إلى المجهول ، حتى بدى الغير يساومنا في موضوع الديمقراطية ، مستغلين ما في كوامن نفوس حكامنا وقادتنا، وكلنا سمعنا الرئيس الأمريكي يصف رئيس وزراء الإسرائيلي بالزعيم المنتخب ورجل السلام ، لم يضع هذا الغير فاصلا بين صحوتنا واصوليتنا وبين مقاومة الشعوب ومقارعتهم للظلم والإرهاب ، مع أن الوافد الغريب يعرف بأنه لا توجد شرعية لحكامنا ، ويدرك مأزقهم بتشبثهم بكرسي الحكم إلى حد الجشع ، ويعلم بأنهم يرتعدون خوفا من الدول الكبرى ، ويستأسدون في نفس الوقت على شعوبهم ، وبالمقابل يتصور عندنا الحكام بان حقوقهم وامتيازاتهم في الحكم أهم من النصوص المكتوبة في قوانين غير مطبقة وضعت للديكور ، والحكام يعرفون أيضا بان حالات مطالبة الغرب بتطبيق الديمقراطية في منطقتنا ، حينما تكون هناك مصلحة اقتصادية لها ، لذلك نجد حكامنا مربوطين بخيوط حريرية غير مرئية مع هذه الجهة الدولية أو تلك ، وشعوبنا تعرف بان الوافد الغريب هو الذي صنع اكثر حكامنا ، ويمد وضعهم الأمني بكل مفرداته ، ويغض الطرف عن التوزيع السئ للثروات في عالمنا ، وبحجة الاستقرار في المنطقة تدعم ديمومتهم في الحكم بشتى الوسائل ، ومن ثم يأتي الغريب ويحاسب شعوبنا على جرائم وأخطاء اقترفها حكامنا ، وما حصل ويحصل للشعب العراقي خير مثال ، لذا تفسر شعوبنا دعوتهم لنا بالديمقراطية مجرد نفاق ورياء ، حتى أن قبلاتهم لا تبعث فينا الحرارة ، طالما كان هناك اقتناء في التعامل مع الحكام على حساب الشعوب ، وكذلك في التعامل مع القرارات والتوصيات الدولية .
هنا يكون من الضروري أن ندرك كم نحن بحاجة إلى التكاتف والتعاون والتحالف ، شعوبا وقوى سياسية ، لبناء قوتنا الذاتية لكي ندرأ الأخطار بوعي كامل التي تجابهنا وتجابه مستقبلنا ومستقبل أجيالنا القادمة ، هذه المعضلات لا يمكن تجاوزها الا بوعي يخلق المواطن الأمنع إرادة .
على المفكرين والمثقفين الذين يؤمنون بالتغيير ، اخذ زمام المبادرة لتفعيل الوعي برفض الممارسات الظالمة ، وللخروج من الأسر الذي وضعنا فيه مستبدينا ، لا يكون الا باتخاذ قرار من نوع الذي يحسم ، بأنه لا بديل عن الديمقراطية والحريات ، لان مشكلاتنا من الحكام قبل أن تكون مع الآخرين ، هؤلاء الذين أوصلونا إلى الفشل في كل حاجة ، والذين يغيبون تحقيق أي انفراج ديمقراطي يؤمن كفالة حقوق الإنسان ويبني المجتمع المدني ، إن نشر ثقافة الصراع مع الاستبداد ومقاومة الظلم ورفض كل ما هو ليس شرعيا ولا إنسانيا ، سلوك حضاري نبيل ، سوف يحرك الضمير العالمي لرفض ما يجري لشعوبنا .
الشعب العراقي قدم اكثر من مليون ضحية واكثر من هذا العدد من الجرحى والمعوقين ، في حروب النظام الداخلية والخارجية ، بالإضافة إلى ملايين من المعتقلين والمهجرين والمرحلين والمنفيين واللاجئين في الخارج ، ناهيك عن المليارات التي هدرت أو سرقت ، لو كانت لدى قوانا السياسية إرادة الاتفاق والتعاون والتضامن السياسي وتفاعل الآراء ، كان هذا التوحد يتحول إلى قوة أكبر من سطوة الديكتاتورية ، وكان شعبنا يكسر حاجز الخوف كما كسره في الانتفاضة الباسلة ، وكان قد دك أركان النظام منذ أمد بعيد وبأقل تكلفة ، ولما وصلنا إلى حالة أن يتاجر دول الجوار بمعاناة شعبنا ، الذين يتحملون جزء كبير مع غيرهم ، استمرار هذه المعاناة وبقاء النظام ، بتفضيلهم الديكتاتورية على حقوق وتضحيات شعبنا ، كل ما مر بشعبنا هي نتيجة لتشرم المعارضة ، ولعدم وجود قيادة ميدانية منظمة وملتزمة ، بسبب المصالح الذاتية والحزبية والفئوية ، أن الأيمان بالديمقراطية والحريات والتضامن والحوار فعلا لا بالقول فقط ، يوصلنا إلى طريق تسوية خلافاتنا ومشاكلنا بصورة سلمية وحضارية .
يذكر التاريخ بان أمم سادت ثم اندثرت ، ولكن الحضارات استمرت بكم تراكمي وتقدمت بفعل الإنسان ، الذي هو اثمن شئ في الطبيعة وهو جوهر الحياة ، والفكر الأصلح هو الذي يستديم ويستمر من جيل إلى جيل ، والديمقراطية هي نتاج الفكر النير والسليم للبشرية المتراكم على مدى تجارب التاريخ ، والسلطة العادلة معناه تجسيد لإرادة الشعوب ، ولا تتجسد هذه الإرادة الا بالديمقراطية ، ولا ديمقراطية بدون تعددية ، وفي عملية الديمقراطية لا توجد شرعية حزب الأوحد أو الحزب الطليعي ، ولا قائد الضرورة ولا زعيم الملهم يجثم على صدور الناس مدى الحياة ، لان التجارب تقول بان صيغة الحزب الواحد نتاج الفكر التسلطي وتزييف للديمقراطية مهما تحدث البعض عن تفاعل الأفكار والمنابر، أما التعددية تجعل الأفكار بان تتفاعل مع الحقيقة والواقع ، لتنوع البشر تفكيرا وسلوكا وتوجها وتعلما ومعتقدا ، الديمقراطية بالنسبة لحكامنا هي الخيار الأصعب ، لأنها لا تنسجم مع أصحاب الذهنيات المعطوبة ، أما بالنسبة إلى شعوبنا هي الحاجة الضرورية و الخيار المطلوب قبل أن تكون سمة العصر ، كقطرة ماء في الصحراء ما أن تلامسها شفة الإنسان حتى يشعر بحاجة إلى أخرى .
الديمقراطية لا تأتى على طبق من الذهب ، بل يصنع الإنسان حريته ويخلق الديمقراطية إذا كان للمجتمع وعيا بالحريات ، وشاهدنا كلنا الانتخابات الفرنسية ، وكيف نزل الشعب الفرنسي إلى الشارع حينما جد الجد ، أما بالنسبة إلى شعوبنا فهذا الوعي غائب أو مكبوت إن وجد هنا أو هناك ، قلما نجد تحركا بمستوى الفعل ورد الفعل .
على الأعلام أن يلعب دوره لنشر ثقافة حق الشعوب في تقرير المصير ، وحقها في الحياة الكريمة ، وحقها في التظاهر والإضراب والعصيان المدني ،والدعوة إلى قيام المجتمع المدني ، تنتهي فيه كل أشكال التمييز ويكون فيه السيادة للقانون ، وان هذه الحقوق ليست منة يقدمها لنا هذا الحاكم أو ذاك ، بل حق شرعته الشرائع السماوية والوضعية ، خسرت الكتلة الشرقية المعركة بالإعلام ، الذي جرى توظيفها من قبل الغرب ، بدون أن يحرك جنديا واحدا .
لم يلعب إعلامنا دوره ولم يستغل الانتخابات في أوربا ، حيث نجد الإنسان العراقي يحتاج إلى الخبز والدواء ، وحاكم العراقي يريد أن يقضي حتى على أحلامهم ، ويقوم بتمويل اليمين الأوربي بصفقات النفط والأموال ، في فرنسا وبلجيكا والنمسا وغيرها من البلدان ، كي يفوز هذا اليمين في الانتخابات لتضييق الخناق على اللاجئين العراقيين .
يقع البعض منا في مغالطات حينما ينظر إلى الديمقراطية باعتبارها عملية انتخابية فقط ، بل يجب ربطها مع التنمية في كافة مجالات الحياة ، لغرض تفعيل حقوق الفرد والمجتمع بصورة متوازية ، لان هدر حقوق الفرد لحساب المجتمع أو بالعكس منه ، هي خطوة على طريق كبت الحريات والتنصل من الديمقراطية ، فكل الكوارث التي مرت على بلداننا ، كانت نتيجة غياب نظام حقوق الإنسان وحرياته ، وكانت دائما تهدر هذه الحقوق باسم مصلحة المجتمع ، ولم يحصل التوازن المطلوب ، الذي أدى إلى نظرية السلطة أقوى من المجتمع والذي نعيش تداعياتها .
كما ذكرنا بدون العطاء والإصرار على المطالبة بالديمقراطية لا نحصل على الحرية ، ولا عطاء بدون جهد وتضحية ، والعطاء الصحيح يكون بروح متفتحة على الآخرين .
لا تعبير عن الرأي بغير الحرية ، ولا صيانة للديمقراطية الا بجعلها قانونا يسود على الجميع .
ملاحظة:
نشرت المقالة في جريدة المؤتمر عدد304 في 16/5/2002
[email protected]
#ناجي_عقراوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟