حاتم زكي
الحوار المتمدن-العدد: 2287 - 2008 / 5 / 20 - 11:14
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
المجتمع المصري يشكو من سلسلة تراكمات واختلالات سياسية واقتصادية، أدّت إلى احتقان شعبي. منذ سنوات، يعاني الاقتصاد من ركود، ضاعت خلالها أموال الدولة على مشاريع لم تلتفت فيها الحكومة للإنذارات (التي أكدت الأيام صحتها) المحذّرة من تلك المشاريع التي استهلكت المليارات. كما ساعد التدليل الزائد لرجال الأعمال، وتبني سياسات مصرفية توسعية على الاقتراض من البنوك دون دراسات جدوى سليمة.
وقد أدى تواطؤ البيروقراطية الفاسدة مع البرجوازية المصرية إلى ضياع وهروب المليارات إلى خارج البلاد مما اضطر الدولة للسحب من الاحتياطي الأجنبي. كما وعجّل تعويم الجنيه المصري من تعميق أزمة الركود الاقتصادي، حيث انخفضت قيمة الجنيه أمام الدولار لتصبح قيمة الدولار الواحد حوالي 6 جنيهات، مع ما صاحبه من معدلات رهيبة للتضخم.
هذا الأمر أدى إلى إغلاق المصانع العاجزة أصلاً عن المنافسة بالداخل وإلى تسريح آلاف العمال تعسفيًّا. كما ترافق بيع بعض مؤسسات القطاع العام العديد من التجاوزات، كالبيع بأثمان بخسة، بسبب فساد القائمين على عمليات البيع كشركة النصر للغلايات وشركة الأهرام للمشروبات وغيرها...
مصر اليوم تغلي على صفيح ساخن من جرّاء تفشى البطالة والفقر وعجز الدولة المصرية عن إقامة تنمية عادلة. هذا ما يؤكده تمدد رقعة الفقر وانكماش الطبقة الوسطى كنتاج منطقي للسياسات النيوليبرالية المطبّقة.
الأسباب والمسببات
في العام 1990، اتفقت الحكومة المصرية مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على تطبيق التكيّف الهيكلي كنتيجة عجز الدولة عن الوفاء بالديون وأعباءها الباهظة وبسبب عدم قدرتها التحول لدولة صناعية وقوة اقتصادية واعتمادها على الخدمات (ما يسمى بالقمم الأربعة: تحويلات العاملين بالخارج وعوائد السياحة وقناة السويس والبترول)، وهي مداخيل هشّة لا يمكن الاعتماد عليها في حالات الاضطرابات مثلاً، مثلما حدث مع حادثة الأقصر الإرهابية ما أدى إلى تدنّي عائدات السياحة.
لكن طبيعة سياسات مؤسسات "بريتون وودز" (السالفتي الذكر) تُلزم الدول المديونة بتقليل الإنفاق العام للتخفيف من عجز الموازنة العامة عبر خفض الإنفاق على الخدمات الصحية والتعليمية وخفض دعم الفقراء والطبقة الوسطى ومحدودي الدخل وإلقاء أعباء التنمية على أكتاف "الرأسمالية الوطنية"، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار عبر الإعفاءات الضخمة الضريبية والتيسيرات المصرفية.
الرأسمالية الوطنية
كنتيجة منطقية لطبيعة الرأسمالية الدولية القائمة على المنافسة والاحتكارات الكبرى، لا مجال للرأسمالية الوطنية لتحقيق أرباح سوى بالشراكة مع الرأسمالية العالمية عبر التوكيلات التجارية وشراء البيروقراطية المصرية المحدودة الدخل - التي يتضاءل قدرها مع الضغوط التضخمية - من أجل تسهيل العمل وضمان عدم تدخل الدولة ضد الرأسمالية الوطنية الطفيلية ومشاريعها القذرة.
وبالفعل، تشهد مصر عدّة احتكارات: كاحتكار الحديد والصلب الذي تقوم شركة العز لمالكها أحمد عز، أمين التنظيم بالحزب الوطني وعضو مجلس السياسات الذي يعد من أرفع المناصب الحزبية والمقرّب من نجل الرئيس جمال مبارك؛ واحتكار الأسمنت لصالح شركات أجنبية والتي ترفع الأسعار باستمرار علمًا أن المواد الخام مصرية (ويتم دعمها بالكهرباء والغاز والبنزين بالكامل!).
كما شهدت الخصخصة تجاوزات عبر شراء أصول إنتاجية كشركة النصر للغلايات وشركة الأهرام للمشروبات بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية - وهي تجاوزات لم يتم التحقيق فيها.
كما أن الدلال الزائد للرأسماليين، عبر تبنى الدولة لسياسات التوسع في إقراض رجال الأعمال، أدى لعجزهم عن تسديد 200 مليار جنيه من 355 مليار تم اقتراضها من البنوك المصرية، وقام العديد منهم بالهروب إلى الخارج، مثل "رامي لكح" وغيره.
السياسة النيوليبرالية
يقدر أحمد السيد النجار، رئيس التقرير الاقتصادي الاستراتيجي التي تصدره مركز دراسات الأهرام، عدد الفقراء المدقعين بـ 20.5 مليون مصري، وهم بالطبع الأكثر تضرراً من جراء تلك السياسات، كما أن هناك بعض التقديرات التي ترى تجاوز نسبة الفقر والفقراء 60% من مجموع الشعب المصري.
كما تعاني الطبقة الوسطى من التهميش الاقتصادي، حيث التضخم المرتفع ينهش ثرواتها. فسعر الفائدة في المصارف يحقق قيمةً سالبة لو طرحناها من معدل التضخم، مما يعنى إفقارًا للذين يمثلون بأرصدتهم القطاع الأهم في المصارف والذين هم الأكثر تسديدًا لضرائبها التي تدفع مباشرة من المرتبات، على عكس رجال الأعمال الذين لا يدفع الأغلبية منهم الضرائب.
عام 2006-2007، بلغت الضرائب المحصلة على الأنشطة التجارية والصناعية 3137 مليون جنيه، أي نصف حصيلة الضرائب على المرتبات والأجور التي وصلت لـ6192 مليون جنيه لنفس العام. مما يعنى مزيداً من الإفقار في مقابل ثراء النخبة الاقتصادية. كل هذا أدى لانكماش الطبقة الوسطى وسقوط الكثيرين في قاع الفقر.
التناقض الصارخ.
لكن برغم تلك المعاناة والألم الذي تعانيه فئات المجتمع المصري، إلا أن ثروات الأغنياء في مصر تزداد باستمرار. حيث تشير بعض التقديرات إن الـ20% الأفقر نصيبهم من الدخل القومي 8%!! أما الـ20% الأغنى فنصيبهم الإجمالي 45% أي حوالي نصف الدخل القومي. أما الـ40% الأفقر، فلم يزد نصيبهم عن 20% كما يصرح د. إبراهيم العيسوي.
وها هي عائلة سويرس، على سبيل المثال، العاملة بقطاع المقاولات والاتصالات "موبينيل"، تتجاوز ثروتها المليارات بحيث وصلت ثروة أنسي سويرس (الأب) إلى 4.8 مليار دولار و ثروة نجيب سويرس (الابن)، صاحب أكبر شركة اتصالات مصرية، إلى 2.6 مليار دولار. كما أن هناك أخباراً تقول أن ثروة أحمد عز بلغت ال20مليار جنيه.
بالرغم من هذا الوضع، وبالرغم من كل ما يحدث، إلاّ أن الشعب بدأ يخرج ويتظاهر ويحتج. وهي كلها بشائر بمستقبل جديد...
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟