محمد بنيس
الحوار المتمدن-العدد: 2270 - 2008 / 5 / 3 - 10:19
المحور:
مقابلات و حوارات
– مقدمات اعتزال -
بدون تشدق , انتميت بعشق وشغف إلى صف النضال مبكرا في رحابك التي احتضنتني في مرحلة أوج الشباب . فكانت المتعة التي تحول كل الهزات إلى ثبات على المبدأ , وتحيل الهزيمة إلى انتصار واقتدار على مواجهة أساليب القمع , وتعطي للظفر مهما كان صغيرا طعم الانطلاقة المحفزة . وكانت أسوتنا في رجالك وهم الأب الروحي للمنتمين . الشهيد منهم رمز للفداء , والفقيد رمز للتفاني , والمعتقل مدرسة , والمنفي المبعد قلب ينبض بأمل العودة ونهاية المتسلط المرتعب , والخطيب نتاج للمجتمع الذي شب فيه كان النضال داخل بيتك بكل تحوطاته , ييسر الاتصال ويعبئ للفعل السياسي المنتج لمواجهة الخصم الضخم أو العدو المفترض ومبهم الهوية
في درب نضالك تعلمت مواجهة الفساد والمحسوبية دون تخوف أو تريب , في ظل قاعدتك الشعبية المتسعة الساعية إلى التغيير , دون أن تتعاظم في رجالك قوة الزعامة , فكان الحب متبادلا عملا على رفع الطموحات الاجتماعية ووصولا إلى تركيز ثروات البلاد وتقاسم المواطنين لها على نحو مستمر وثابت حتى القضاء النهائي على التفاوت الطبقي والفقر المدقع , وتطوير آليات ضبطها بتطوير المؤسسات وجعلها جديرة بالثقة
في رحابك بين المناضلات والمناضلين , تعلمت أن نكران الذات فرض عين على كل الفاعلين , فتميزالنضال – على حد تقديري بنكران ذات حتى النخاع – أو هكذا يشهد لي رفاق النضال على الأقل – أعترف أن لك على المناضل فضلا في اقتداره على تمثيلك في عدة واجهات اجتماعية ومؤسساتية رغم أن المناضل الشريف يوثر من هو أقدر وأسبق – ربما بسداجة كما وصفها البعض – ولكنها في آخر الأمر ترجيح وحدة الصف حتى ولو كانت من جانب واحد على اقتناع أنها تؤثر إيجابا . وكلما حظيت مثلا بثقة تحميلي مسئوليات داخل تنظيماتك أو تجددت لعدة مرات , كانت تطوقني بالأمانة والتكليف واهبا نفسي للنضال إعلاما وتأطيرا وتواصلا إشعاعيا , وأحمد أن نفس التقدير اكتسبته في الشارع العام ولدى الرأي العام المحلي والوطني بفضل انتمائي إلى كيانك الثائر
ربما كان المناضل مستلبا بمبادئك وأهدافك النبيلة , يؤول كل الصراعات الخلافية مظهرا صحيا يزيد من تحصينك ويقوي صفوفك . قبل أن تنزل الصاعقة ويدرك أنك أمسيت من أحاديث " كان يا ما كان " خاصة وقد افتقد فيك المواصفات المطلوبة والتي عاش كحد أدنى عليها بين أحضانك . فكلما تصاعد الوعي السياسي والثقافي والاجتماعي , أو انتشرت الأفكار الآخذة بالتحولات , المطالبة بالديمقراطية واحترام القوانين وحرية التعبير ومصداقية الانتخابات الحرة والمباشرة , كلما قصدت تجاهلها ونحوت إلى خلق قيادات سلبية وزعامات وصولية ذات أهداف وسلوكات معادية للقواعد الحزبية , تحرق الماضي التليد وتشوه النضال الشريف – ولا أخفيك أني صرت أحلم بعودة ماضينا الحزبي ومجد نضاله الذي تخلينا عنه لغيرنا يجني ثمار ما راكمناه وفرطنا فيه – إنها اليوم مني عقدة نفسية وسياسية سلبية , تعكس حالة الاستيلاب فينا , منذ تحول الفصيل قطيعا والتيار معاديا , وهذا دليل على إفلاس واقعنا السياسي , وافتقادنا لقيادة مخلصة , أرى أن حلت محلها زعامات مستوردة ومدسوسة تتبرقع بالشعارات البعيدة عن كياننا ونضالياتنا الشعبية , بعد عهود العذاب وسنوات الجمر والرصاص الطويلة , كأنها زعامات تقودنا بالوكالة , لا تدع مجالا لزعيم أو قائد يتحلى بمكارم الأخلاق – علما أن السياسة أخلاق – أو تربى في مدارس النضال . إنها طموحات منزوعة السياسة , نسخة هي اليوم طبق الأصل من بعضها البعض , عيون الساعين إليها لا ترى إلا بالقدر المسموح لها برؤيته , تتمنى البقاء على قيد الحياة وعلى نعمة الكراسي والحقائب , وتجهل ما إذا كانت خطواتها جرعات للاستمرار في الانفتاح ومبادرات الانفتاح , أو أنها مجرد تصفية حسابات وتهيئة جو التمكن من قيادة انسلخت عن نضال الماضي بأساليب جديدة مشوهة فأسباب الخلاف المتراكمة / المركزية والجهوية والإقليمية والقطاعاتية , لم تغير مستوى الوعي لدى المناضلات والمناضلين , أو الانتقال من البجث عن التأييد الأعمى إلى تأييد الفكر والنقد والوعي بأهمية الاختلاف , فالمناضل الحق هو الذي لا يعمل فقط وفق معادلات المصالح الشخصية , قدر ما يريد توازنات سياسية فاعلة , وهذا ما أضعته فينا إذ جعلت مناضليك يرزحون تحث ظلم النفعية واللاأخلاق , وأصبحت الضبابية تطوق السؤال فينا . كيف الخلاص والجو السياسي ميت داخل بيتنا ؟
كانت المناضلة كما كان المناضل ابنا للرموز التي أرضعتنا النضال مناعة وأمطرته علينا غيثا يتوضأ منه الشجر, وعشقا لأن نغدق العطاء دون أن نفكر في حط الرحال أو ينال منا غبر السفر , فظلت علاقة البنوة شيقة قبل أن تحل اللعنة التي جعلت المناضل يرمي بالشيق ليعتنق الشقاء حتى لو طوقه الفشل لأن عزاءه الوحيد أن مراياك اليوم خادعة لا ترغب في الزاهد في الولاء للحزب من بين المناضلين الذين يحسون أنك توليهم ظهرك وتفرض رأيك , فهل هو حب الكراسي وحده الذي غيرك ؟
محمد التهامي بنيس
25 أبريل 2008
#محمد_بنيس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
