أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماون حمدونه - في ربوع الأدب السياسي - حوار التناظر مع الأديب القاص وليد رباح















المزيد.....

في ربوع الأدب السياسي - حوار التناظر مع الأديب القاص وليد رباح


ماون حمدونه

الحوار المتمدن-العدد: 2265 - 2008 / 4 / 28 - 04:07
المحور: الادب والفن
    


مشهد عزف منفرد على قماش الخيمة !!

كل نساء القرى يتسلحن بشموخ لا يهرم إلا في خريف العمر .. يتسلحن بجلد وصبر يربك الدهر .. لا تؤرقهن مخاريز الارض وحصاتاها ، حتى لو تحشرت بين تشققات كعب الكاحل .. ترى شموخهن في وجه مشقة الحياة كحصون القلاع ، يرسمن بهجة الصلابة وتوهبك الأمن وجمال المكان ...
يمنحن البهجة على وجوه أطفالهن ، وينتجن لأزواجهن سعادة لا تنضب رغم قسوة الحياة .. يكحلن سواد الليل وظلمته بخيوط النور بسراج يتوهج يتسلل في ربوع الدار ويرسم السكينة رغم وحشة المكان .
قدمت لنا " وليد رباح " وصفاً للزمان والمكان والإنسان وكيف يواجه عتمة الظلم واستبداد الجلاد ..في زمن النكبة الأولى عام 1948 م .
شاهدت تلك المرأة التي تيبست أطرافها حتى ضربت التشققات أطنابها في كعب الكاحل .. ، كيف كان يصرخ الألم من صمتها .. ولم ينال منها ، رغم صرختها من ألم المفاصل ، وأوتار العصب المكبلة ما بين الشقاء وفرحة راحة اليد التي تجني سنابل القمح البراقة في حقول اماد حتى فسحة الشفق .. تجمع سنابل روتها ندى العين التي تراقب عودها .. والدمع الذي روى ثمرها .
كانت تلك السيدة الفقيرة التي لم تشكو حالها وتعتصر ألما وتحتبس بين ضلوعها ألام الجسد الذي تيبس ، وغرست أقدامها عمق الطين في ذروة الشتاء القارص .
بعد الرحيل والتهجير ...
حطت خيامها تقارع الرياح العاتية ..أخذت تقاوم هدير الزوابع المجنونة .. تتأرجح أوتاد خيمتها كورقة يابسة تتأرجح على أهداب شجرة اللوز في زمن الخريف ..شد الزوج زنده وخرج ، وأطفاله الصغار يحملون حجارة تكاد ان تغرسهم في المكان ، اخذوا يدقون الأوتاد ، ثبتوا أوتاد خيمتهم بعد النكبة 1948 م ،كأن الدنيا تقول لهم ثبتوا الأوتاد هناك ستطول غربتكم وقد تطول أجيالا تلو أجيال .
لحظات وتجمع وأغلقوا حلقتهم في وسط الخيمة حول كومة من حطب ، أوقدوها لتدفئ الجسد الواهن من الجوع والبرد القارص ووحشة المكان .. تأجج لهيب الحطب ، تزداد فراقيع الحطب ، تكاثف الدخان ..طمس جفون الأطفال المتعبة بعجيج ابيضا كثيفا رائحة بقايا خضرة الأشجار مازالت فيه تعبق في المكان . أخذت الأم لها مكانا في زاوية المكان ترتق ثوب قماش وضعته على مثنى ركبتها رغم انه يكاد ان يفنى واهترأ في أكثر من مكان .
كان لك حذاء من قش او خشب كانوا يقولون عنه قبقاب " .أما بعد النكبة وفي أوج هجرة المكان قهرا .. وزعت هيئة الأمم حوطة من قماش يطلق عليها "الصرة" . وفي زحمة صراع البقاء كان لتلك السيدة طفلاً كانت وضعته قبيل النكبة وأصبح يجول بتلابيب ذيولها في أزقة وسراديب المخيم .. تتذكرها كلمة صرخ من الم الجوع أو لطلب قطعة حلوى يذوبها بلعابه تحت اللسان ... تعود منها على ألوان الاستجابة ، فغالبا يتلقى منها لطمة على فمه بباطن الكف أو بظهره تبرق الدنيا بعدها في وجهه حتى يفقد الكلام تشك بعدها انه اصابه خرس في اللسان .
حين يرق قلب الأم على طفلها تشكو له غلب الحال ، وقلة حيلتها وضيق اليد بعد ان صادرت جحافل من أهل السفرديم والاشكناز كجراد الأرض حين يباغتون خضرة مواطن أماكنهم .
ذات مرة وفي موسم حصاد القمح .. جمعت حصادها من سنابل القمح لثلاث أيام متواصلة .. وكانت نهايتها وجبة عشاء دسمة من اللحم لم تنال منها جمار الحطب وصارعها ساعات ، وتناولتها الأسرة بعد ان علكها الفم وتحجر الفك .. وعلى كل حال كانت وجبة لجم دسمة !!
عندما تحلقنا حول النار لننال دفء موقدها في ليلة الشتاء القارص .. ولفت الزوجة زوجها بمعطف مبطن بفرو دافئ ، كان نصيب الطفل سروالاً من الصرة يتسع لأخر حتى تمتلئ فسحته من شدة الاتساع .. وجد في جيبة المعطف قطعة من ورق ابيض ناصع خطت عليه بعض الكلمات لا زالت ترتسم حروفها في ذاكرة الطفل بعد ان مضت أجيالا وأجيال ..كتبت بخط عربي كوفي .. تضعه في وصية كمن ترك لأحفاده وصية ارث لا يفرطون بها كوصية صاحب السروال ، فهو من قماش جيد ، ناله من والده في عيد ميلاده قبيل عامان من تبرعه له وتمنى ان يناله في عيد ميلاده هو الأخر .
في أيام الحصاد ...
مضت تلك السيدة تخترق أكوام القش والعشب والأشواك كالسهم ، كنمرة تلاحق ارنب بري اختفى أعماقها لون فروته التي غطاها اللون كظاهر المكان .. كانت تمضى ولا تتوقف إلا عندما تتحشر شقوق كعبها من الرمل والحصى تعيق مسارها ، تقف تنبش الكعب بعود يابس من تلك الحصى وتمضى في طريقها كعزم العواصف في مقارعة أمواج البحر الهادر.
كانت قامتها كشجرة نخيل ، شامخة في وجه الرياح ، راسخة الجذور في باطن الصخور أو الرمال .. في قسوة الصلصال .. كان يزين معصمها سوار لا نعرف عنه سوى انه كان في ليلة زغرودة عرسها .كانت ترتدي حلة من ثياب مطرزة .. مزقت ذيوله عجيج الأرض وخليط الماء والطين والتراب.. تبعث منه رائحة دائمة لا تتغير ، هي قالت عنها رائحة الأرض التي هطلت عليها المطر العذري البكر في بداية موسم الشتاء بعد طول انحباس .
من خلف الجبال الشامخة في المكان ، بزخ فجر الوطن على شمس ، طرقت جداول شعاعها أبواب اليابسة ، كان لونا من شفق احمر وبرتقالي تلفه كومه رمادية داكنة تلفها صفرة كمنجم مرصع بحجارة الذهب .. تكحلت عيون الجبل ببهجته كيوم زفاف عروس في ليلة عمرها .. وكالمنديل الأصفر المذهب المطرز من بين سواعد أهل المجدل في أوج صناعتها قبيل الهجرة .
قضت تلك السيدة تقبل الأرض بسواعدها التي لا تكل ولم تعرف الملل ، تجمع السنابل تجدل أكواما منها في ربط ، وتنبش الرمل لتجد بعض السنابل التي خلفها الحصادين في غباب الرمل تغرس بعد ان تقع .في ذاك اليوم وقفت تضحك بجزل .. سعادة وبسمة غطت ملامح وجهها ، وانفردت ثنايا الوجه والرقبة بعد طول عناء .. قالت : في ذاك اليوم انها يجب ان تجمع أكثر ان تكد فمازال الوقت مبكرا للرحيل .. خاطبت طفلها الذي لا يفارق ذيولها ، لابد ان تنتظر قبل عودة اخيك من مدرسته فهو ينتظرني كي ينال قرشين ليشترى "السندويش" كزملاء صفه في المدرسة ، فهو كل يوم يشاهدهم بعينية ولا ينال مثلهم سوى الحسرة من كثرة النظر ..فبت اخشي على عينيه ان يصيبها ضرر .
مضت تجمع حصادها .. تعبت .. جلست تهادن أنفاسها من شدة الإعياء من التعب ، صوت شهيقها كصراخ طفل في بئر مياه خاوٍ سقط ، وصوت زفيرها كشخير الأب حين كان يجر محراث الأرض التي صادرها جار لنا جاء متأخرا قبيل النكبة كان لونه أشقر.
وضعت الأم المسكينة أكواما من حصاد يومها على مقربة من اعلي هامتها قرب سافية من الرمال .. ورويدا بعض الشيء عنها ابتعدت ، ترنح الطفل في ذيلها قالت : له استرخ على أكوام الحصاد ..فغلبه النعاس والسهاد ومضى ، إلى ان أيقظه عويل تلك المسكينة التي من أعماقها صرخت ، شاهدت رقبتها تحلق في فضاء الكون كزرافة ، أو نعامة تراقب الوحوش الضارية .. امتدت بساعديها إلى السماء مذهولة .. تسأل كل الذين تجمعوا من حولها ، سرقوا كل تعبها في ذلك اليوم السعيد ..الذي سرعان ما تبدد ونحول إلى نواحٍ وعويل . تحلق الناس من حولها .. منهم من غلب على وجهه الغضب ، ومنهم من تثنت جفونه وغطاها الأسى .. يقول الصغير : أخذت تتمتم ..تنوح ، كمن ودعت زوجها ولحدته في باكورة عمرها ، وضعت يدها اليمنى على خدها .. وأخذت تنحني وتميل تارة صوب اليسار ومرة أخرى صوب اليمين كأوتاد خيمتنا تلك التي
كاد ان يقتلعها هدير الزوابع قبيل المطر .
تمنيت ان تشتق الأرض وتبتلعني .. أمضى في باطنها .. ان ترحمني من حرقة الألم والغصة التي تملكت حلقي .. أخذت تشكو همها لي .. خاطبتني وقالت : سرقوا كل تعبي طول النهار يا طفلي .. سيسرى في بطون من لا يعرف كم شقينا ولا يعلمون ان هناك أطفالا ينتظرون في الخيمة ومنهم من عاد من المدرسة مازالوا ينتظرون عودتي . سرقوا منها كل ما جنته كم سرقت الدنيا منه حظ النهار وتركت له السهاد حلة لا تبرحه كلعنة الأقدار . وفي زوبعة العويل والنواح .. حضر احد الحصادين وصلب المقام كمن عاهد الدنيا لان يقهر الشقاء والقهر وهو يحتضن كومه كبيرة من سنابل القمح وخاطبها قائلا : خذيها كلها لك وكفاك نواح وعويل .. لا تحزني فالله معنا يا أختاه .. وهمي كعادتك كالجبال الشامخة ، رفعت رأسها بانكسار .. مسحت بطرف كمها دمعتها التي هامت على وجنتها ، وهمت تجمع من سنابل القمح من وراء الحصادين على مقربة من المكان ، وتهامست نسوة القرية في ذلك اليوم انها جمعت ما كان يتركه خلفهم الحصادين وهم يعلمون إنها تتعقب خطاهم على بعد لا يختفي عن البصر.
هناك عند سوق المواشي افترشت رمل الطريق ، عند أعلى الطريق .. على مرمى من البصر من تجوال المشاة حطت بضاعتها للبيع .. بهت صوتها .. عددت محاسن قمحها الخالي من الزوان .. تغضن حلقها من العطش .. ضاع صوتها .. سئمت عزوف الناس من الإقبال على قمحها يبدو ان الناس أعجبهم دقيق الشعير بدلا عن دقيق القمح.
هناك في المكان تحت الشمس الملتهبة ، سال عرق الجبين كالسهم يخترق جدار ثنايا الوجه صوب منحى النحر .. وقف احد المختالين من المتعجرفين بتبرم واستخفاف بنظرة احتقار وتجبر .. نظر اليها بعد ان حاورت صاحب المقام . قالت له أنت تأكل البسكويت والزبدة مالك أنت والقمح الذي تراه أدنى من غبار حذائك .. رد عليها بكل استخفاف وبنظرة كلها شزار ، من سيشترى منك وأنت تتلحفين بكفن ميت ، أو حلة من مجمع نفايات !!
سقط نظرها على شرطي يجوب المكان .. ينهر الباعة بمغادرة المكان .. ينهر هذا وذاك .. ركل رجلا نحيلاً يبيع الكعك فقلب طبق الكعك من على رأسه .. بكى الرجل .. استعطفه .. فنهره دون ان يجمع حاجياته من المكان . وأخر معه إبريق الليمون .. سال العصير على الأرض .. غضب الشاب اليافع شتم الاحتلال . لعن حكومتهم .. لعن الانتداب .. فكبلوه بالقيود ورموه في صندوق السيارة كمن يركل كرة قدم في ملاعب لندن عاصمة الانتداب !!!
هناك في المكان ...
خاطب المرأة المتعبة بعد طول عناء ذاك الشرطي المتغطرس من رجال الأمن الغربية .. قال : اذهبي من هنا قبل ان اهرس حبات قمحك وأحوله إلى خليط بين التراب والحصى .. أنت تشاهدين بأم العين لغيرك ما حل بهم وما جرى .. أنت وأمثالك تشوهون وجه حضارتنا كالشحاذين في العواصم العربية ..انتم تشوهون مظهر مدينتنا الراقية !! انذرها مراراً وهي لم تعره باهتمامها .. تجاهلت نهره لها ،استمرت في النداء "ذهب يا قمح .. بلدي وخالي من الزوان يا قمح " إلى ان اقترب منها فلمع بريق الشمس المنسل من حزامه الفضي المتوهج في عيناها .. اقترب بحذائه المدبب اللامع بلون الكيوي الأسود .. عكس ظل وجهه على الحذاء .. نهرها .. وشتمها قال بلهاء لا يردعها إلا بلهاء ولكن سأدوسك بعقب الحذاء .. وداس قمحها وانتشر كرشقات المطر على الأرض القاحلة ، وهام بهراوة سقطت على كتف السيدة المسنة ، صرخت .. تأوهت ، تنهدت وقالت : "الله يجيبك يا طوله الروح" !!!
ترى هل من سيرد لهذه السيدة وكل سيدات قرانا كرامتهن التي داسها ذاك القادم من خلف البحار ، مغلفا بثقافة المغول والتتار ؟ هل يطهروا الأرض التي داستها أحذية لطخت وجه التراب المقدس؟



#ماون_حمدونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماون حمدونه - في ربوع الأدب السياسي - حوار التناظر مع الأديب القاص وليد رباح