محمد الشهابى
الحوار المتمدن-العدد: 2259 - 2008 / 4 / 22 - 10:24
المحور:
كتابات ساخرة
حينما أجلس وحدى وأتأمل أحوال المجتمع الذى أعيش فيه أشعر بدهشة غريبة وبإنبهار فى نفس الوقت لحجم الكذب والتضليل الذى يمارس من حولى على جميع المستويات .
ولا أكون مبالغا حينما أقول جميع المستويات وكأنما إتفق الجميع فيما بينهم على تطبيق هذا المنهج وهذا الأسلوب فى وقت واحد وبنفس الأسلوب تقريبا مع إختلاف المواقف والأشخاص.
ولا أكون مبالغا أيضا حينما أقول إنبهار لمدى دقة الكذب والتزييف لدرجة أننى أنخدع فى بعض الوقت من قوة الحجة وكيف يتسنى لصاحب هذه الحجة العقل والإحترافية الشديدة فى إخراج هذه الأباطيل والأكاذيب.
فحينما أتأمل ماحولى وأحاول إيجاد قاسم مشترك يجمع هذه الخيوط المتفرقة مع بعضها البعض لا أجد صعوبة فى ذلك فأجد هذه الخيوط تتجاذب وتتشابك لتشكيل نسيج واحد وكالفرقة الموسيقية الواحدة التى يمسك عازفيها كل بآلته لعزف المقطوعة الموسيقية والسيمفونية الرائعة التى تشعرك بمدى التجانس فى النغمات بحيث لا تستطيع أذنك إلتقاط أى نشاذ فى هذا العزف لدقة ومهارة العازفين .
فإذا تأملت ونظرت للصورة من خلال العدسة المكبرة لرؤية المجتمع الكبير الذى أعيش فيه أشعر بالغثيان لمدى الكذب والتضليل الذى يمارس على هذا المستوى الكبير من خلال منظومة الأمم المتحدة فأجد هذه الهيئة رفيعة المستوى تمارس قمة الإزدواجية فى المعايير بحيث لا يخطىء المتابع لأحوالها ذلك بوضوح شديد وبصفة دورية منتظمة حينما تسمع على لسان أمينها العام مساندة الأمم المتحدة لجميع المقهورين على سطح الأرض وكيف يتسابق العالم من خلال هذه الهيئة فى رفع الغبن والظلم الواقع على الشعوب المقهورة وفى نفس اللحظة تجد نفس المسؤل يطلق التصريحات والتهديدات للشعب الفلسطينى الأعزل المحاصر بضرورة السكوت والخنوع وعدم الرد على العدوان الصهيونى الذى يتفنن يوميا فى إذلال وقهر هذا الشعب المسكين بل والأكثر من ذلك لا يجب عليك أن تعبر ولو حتى بالإمتعاض والتنديد بهذه الممارسات وإلا ستصبح معاديا للسامية ويدرج إسمك مباشرة على قائمة الإرهاب.
وإذا نظرت بعدسة أخرى لأحوال المجتمع الدولى تجد الدول العظمى التى تتغنى وتتشدق بالديمقراطية تمارس أبشع أنواع الديكتاتورية واالعنجهة السياسية حينما تفرض على حكام دول العالم الثالث الطامحين للحفاظ على كراسيهم التى خار السوس فيها الإنقياد والإنصياع لكل أوامرهم بل قل لمجرد أحلامهم فذلك الحاكم يرمون له بالجزرة ويلوحون له بالعصى لإرهابه فيركع لأوامرهم و لا يفكر مجرد التفكير فى العصيان وليذهب الشعب إلى الجحيم فى سبيل الهدف الأسمى وهو بقائه فى السلطة حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا.
كما نجد هذه الدول العظمى تنادى على لسان رؤسائها وحكوماتها بضرورة إحترام إرادة الشعوب فى إختيار حكامها وضرورة ترسيخ مبادىء الديمقراطية التى هى كالماء والهواء للإنسان تجدهم فى نفس الوقت يطالبون المجتمع الدولى بفرض وتشديد الحصار على الحكومة الفلسطينية الشرعية التى إختارها الشعب الفلسطينى من خلال تجربة ديمقراطية حرة نزيهة لم تشهد منطقتنا العربية مثيلا لها لا لشيء ولكن لتضارب مصلحة أمريكا فى مساندة الكيان الصهيونى وهذه الحكومة الفلسطينية الشرعية.
وأمثلة هذه الإزدواجية التى ينتهجها هذا العالم المتحضر الديمقراطى إسما فقط لا حصر لها ولنا فى الإحتلال الأمريكى للعراق المثل فحينما نسمع من خلال جميع المحطات التليفزيونية الرفض الشعبى فى العراق لهذا الوجود المحتل على أراضيه من خلال جميع الطوائف العراقية تغض أمريكا الطرف عن هذه الإعتراضات ولا تستمتع إلا لصوت واحد فقط وهو أمريكا أولا وليذهب الجميع إلى الجحيم.
وإذا نظرنا بنظرة أقل شمولا على مجتمع أصغر وهو المجتمع العربى فحدث ولا حرج يوميا يطالعنا الأفاقين من خلال أبواقهم النجسة بسعى الحكومات العربية لتوفير الرخاء والرفاهية لشعوبهم تجدهم يتحالفون مع الشياطين لنهب الثروات وشعوبهم خارت قواهم من الأنيميا الحادة .
وحينما ننظر لأحوال المجتمع المصرى ترى العجب العجاب ...
تصريحات من قيادات الحزب الحاكم ومن الوزراء والمسؤلين بالديمقراطية والشفافية والتغيير والدماء الجديدة والفكر الجديد وحرية و رفاهية ورخاء من أجل المواطن المصرى كل ذلك والمتابع لهذه التصريحات يحسد الشعب المصرى على كل هذه النعم التى ينعم بها والتى إن دلت على شيء فإنما تدل على أن هذا الشعب هوشعب جبار لا يملأ عينه إلا التراب .... لماذا هو دائم الشكوى من الديكتاتورية وزوار الفجر وكبت الحريات وغلاء المعيشة ؟
ماذا يريد بعد كل ذلك؟
حتى مجرد محاولات الخروج من هذا الإحساس القاتل حينما أحاول الدخول للمنتديات على شبكة الإنترنت تصطدم أيضا بمثل هذا النوع من الإزدواجية حينما تقرأ الإسم البراق للمنتدى الذى ينادى بحرية الرأى والذى يعانى المسؤلين عن هذا المنتدى من الإضطهاد والحجر على حرياتهم يمارسون نفس الأسلوب من الإزدواجية برسالة إدارية من إدارة المنتدى تعتذر لك بعدم نشر مقالك وذلك لأنه يتعارض مع فكرهم ونهجهم العلمانى الذى يختلف عن معنى ومضمون المقال وكأنهم بذلك يكملون هذه الحلقة اللانهائية من صور الشيزوفرنيا.
ثم أتأمل بعد ذلك فى أحوالى فى العمل فأجد مديرى فى العمل يمارس نفس الأسلوب وبنفس الطريقة حتى أكاد أشعر بأننى أنا المستهدف بكل هذا الإزدواج والكذب وكأن أمريكا والأمم المتحدة وكل من حولى إتفقوا جميعا ضدى لإيهامى بأنهم جميعا على صواب وأنا المخطىء ويجب إيداعى مستشفى الأمراض العقلية .
#محمد_الشهابى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟