أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عزيزة خرازي وكريمة الوزني الطيبي - مفهوم الدولة في زمن العولمة المغرب نموذجا















المزيد.....



مفهوم الدولة في زمن العولمة المغرب نموذجا


عزيزة خرازي وكريمة الوزني الطيبي

الحوار المتمدن-العدد: 2251 - 2008 / 4 / 14 - 10:28
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


فصل تمهيدي:

يعرف العالم اليوم تغيرات و تحولات في كافة الميادين يطلق عليها مصطلحات وألفاظ شتى، فلكل عصر مفاهيمه و مصطلحا ته ومفرداته، ولكل مرحلة من مراحل التاريخ البشري اهتماماتها، وفي مسيرة الفكر الإنساني، تتجدد ألفاظ الحضارة و تتطور معانيها وتتشعب مضامينها، وتظهر أفكار جديدة و نظريات مبتكرة تطرح في صياغات مستحدثة، أو تصب في قوالب و نظم تلائم العصر، وتعبر عن طبيعته وتستهدف قضاياه.
و من المفاهيم الجديدة التي تطرح في هذا العصر، وتحديدا منذ العقد الأخير من القرن الماضي، مفهوم "العولمة" ، الذي تم اعتماده كإيديولوجيا من أجل السيطرة الكاملة على العالم، وأداته المباشرة في ذلك هي الحرب، لكنها حربا ليست كباقي الحروب، مع أنها حرب قادرة على إبادة الجيوش الوطنية وزعزعة الحدود الدولية والقومية وتقويض استقرار شعوب بأكملها بدون إراقة دماء وربما من دون طلقة واحدة، إنها حرب الكلمات!!! .
فالعولمة لم تعد مجرد مفهوم تحت الدراسة بل أصبحت ممارسة تعمل على تغيير الكثير من قيم وأخلاقيات وتقاليد وعادات وسلوك الفرد والمجتمع على الصعيد العالمي.
وهي بذلك من الموضوعات التي تحتاج معالجتها إلى قدر كبير من الفهم لعمقها و جوهرها، وإدراك بعدها و غاياتها، والوقوف على ما تنطوي عليه السياسات التي تتحكم فيها و تقودها و تتحمس لها و تدعو إليها.
وهي تمارس دورها منذ الآن في تغيير الكثير من قيم وأخلاقيات وتقاليد وعادات وسلوك الفرد والمجتمع لا على صعيد العالم الرأسمالي المتقدم فحسب، بل ستمتد لتشمل بلدان وشعوب العالم الأخرى تدريجاً. وستواجه كثرة من الأفكار القديمة الراسخة، وخاصة بين القوى الإسلامية السياسية والقومية، حتى الآن مثل إشكاليات الهوية والأصولية والعنصرية والأحكام المسبقة إزاء الآخر والحنين للماضي في الحاضر اهتزازا شديدا ورفضا واسعا باعتبارها جزءا من ماض لا يمكن أن يعود.

إن الثورة المعاصرة ستجد طريقها إلى جميع أرجاء العالم ويمكن أن تصل إلى كل الناس دون قيود أو حدود، فهي لا تحتاج إلى جواز سفر أو سمة دخول. وفي هذا تكمن قوتها أيضاً، وتثير في الوقت نفسه مخاوف غير قليلة.
وهنا يمكن أن تطرح العديد من الأسئلة أهمها:
ماذا نقصد بالعولمة؟ و ما سماتها و مرتكزاتها؟
و ما أثارها على السيادة الوطنية؟ أو على مفهوم الدولة؟
أو بمعنى آخر: ما مصير الدولة في زمن العولمة؟







































الفصل الأول: العولمة، السمات و المرتكزات.

1- مفهوم وسمات العولمة:

أ- المفهوم:

يعد مصطلح العولمة من المصطلحات التي أصبحت شائعة و متداولة في جميع النقاشات والأحاديث والسجالات، وهي بذلك تستعمل بمعاني شتى تبعا لتعدد المشارب الفكرية والإيديولوجية لكل باحث و متخصص لذلك فإن النظام الاقتصادي العالمي الجديد كمفهوم استراتيجي أثار و لا يزال يثير العديد من التساؤلات حول مفهومه.
فالعولمة بالمعنى العام للكلمة تؤسس في آن واحد الصيرورة أو المسلسل و نتائج هذا المسلسل الذي بمقتضاه تتخذ الظواهر المتعددة الأوجه(اقتصادية، بيئية، سياسية....) بعدا كونيا.
و سنتطرق في هذا الباب إلى عدد من التعاريف للعولمة حسب بعض الباحثين والمفكرين، وهكذا نجد العولمة تعني حسب:
- محمد عابد الجابري:"ما بعد الاستعمار، باعتبار أن (المابعد) في مثل هذه التعابير لا يعني القطيعة مع (الماقبل) بل يعني الاستمرارية فيه بصورة جديدة كما نقول ما بعد الحداثة...." ، والعولمة في رأيه ترجمة لكلمة"Mondialisation" الفرنسية التي تعني جعل الشيء على مستوى عالمي، أي:"نقله من المحدود المراقب إلى اللامحدود الذي ينأى عن كل مراقبة و المحدود هنا هو الدولة القومية، أما اللامحدود فالمقصود به العالم أي الكرة الأرضية، على أن الكلمة الفرنسية المذكورة إنما هي ترجمة لكلمة "Globalisation" التي ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة."


- أما د. محمد العبدايمي فيرى أن العولمة:
« La mondialisation ne se réduit pas à l’association des deux "M" de multimédia et de marché globalisé comme le soutiennent certains auteurs si elle avait démarré de la sorte pendant les années 80, lors de "big bang" boursiers qui avaient besoin de multimédia pour transférer au plus vite les ordres d’achats , ventes et les ordres de paiements aux quatre coins de la planètes, c’est qu’aujourd’hui la mondialisation a franchi d’autres étapes pour s’ériger en véritable nouvelle révolution industrielle économique et sociale. Nouvelle révolution industrielle en ce sens que si la première avait pour symbole la locomotive et pour carburant le charbon en Angleterre de la fin du XVIIIéme siècle, et si la seconde avait pour support la voiture et pour carburant le pétrole au USA du début du XXéme siècle(fordisme), c’est que l’actuelle révolution a pour moteur le multimédia(ordinateur + téléphone + télévision….) et pour carburant la matière grise( le logiciel, l’information, le savoir, le software).
Toute ces révolution ont en commun un seul et unique objectif : gagner du temps et raccourcir les distances, au profit de l’entreprise productive et du simple citoyen consommateur. »
أما الاقتصادي: "نبيل مرزوق فيرى أن العولمة تقوم على إيديولوجيا الليبرالية الجديدة كما يفضل استخدام مصطلح النظام الاقتصادي الدولي المعاصر".
أما أوليفيي دولفوس فيرى أن:" العولمة هي التبادل المعمم بين مختلف الأطراف التي تقطن كوكب الأرض، فيكون الفضاء العالمي، و الحالة هذه، هو فضاء التعاملات البشرية."
أما الباحث الاقتصادي المصري: إسماعيل صبري عبد الله فيرى أن "الكوكبة" هي الترجمة العربية الأقرب إلى المفهوم نفسه و المقصود بالكوكبة:"التداخل الواضح لأمور الاقتصاد و الاجتماع و السياسة و الثقافة و السلوك دون اعتداء يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو انتماء إلى وطن محدد أو دولة معينة و دون حاجة إلى إجراءات حكومية" .
في حين يعرفها الدكتور صادق جلال العظم مرتكزا على السياق التاريخي على أنها: "حقبة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء في ظل هيمنة دول المركز و بقيادتها و تحت سيطرتها و في ظل سيادة نظام عالمي للتبادل غير المتكافئ" .
ويرى عبد الصبور فاضل أن العولمة " هي مجموع العمليات التي تغطي الكوكب أو التي تتسع على مستوى العالم، ومن ثم فالعولمة لها بعد مكاني لأن السياسة والأنشطة الاجتماعية الأخرى أصبحت تبسط واقعها على كل أنحاء المعمور، وساعد في ذلك التقدم الهائل في وسائل الاتصال وقدرتها على اختراق الحدود من خلال الفضائيات التي حولت العالم إلى غرفة عالمية صغيرة بل" القرية العالمية ".
في حين يرى الدكتور المهدي المنجرة أن العولمة تعني الإدماج اقتصاديا وثقافيا وسياسيا بل حتى اجتماعيا"
أما الفيلسوف الفرنسي المسلم " روجيه غار ودي " فيرى بان العولمة هي "نظام يمكن الأغنياء من فرض الديكتاتوريات اللانسانيه التي تسمح باختراق الآخرين بحجة التبادل الحر وحرية السوق ".
ويرى أحد علماء السياسة الأمريكان وهو روزاناوا أن العولمة تقيم علاقات بين مستويات متعددة للتحليل الاقتصادي والثقافي والسياسي والأيديولوجي، وتشمل إعادة تنظيم الإنتاج وتداخل الصناعات عبر الحدود وانتشار أسواق التمويل إضافة إلى تماثل السلع المستهلكة لمختلف الدول.
- أما في كتاب فخ العولمة، فقد رأى كل من هانس- بيترمارتين- هارالد شومان، العولمة كما يلي: " إن ثمة جهودا خارقة تبذل لكي يتخذ العالم صورة واحدة، ولا ريب في أن المحصلة النهائية لمثل هذا التصور ستكون في المجال الثقافي كما يتبناها ابن نيويورك الفنان كورت روي ستون بسيادة الصراخ والزعيق الأمريكي بمفرده في العالم أجمع "
أما يحيى اليحياوي في دراسته الجادة "العولمة الموعودة " فعرف العولمة بأنها " مجموع العوامل التي تجعل عددا متزايدا من السلع والخدمات يصمم ويطور وينتج ويوزع ويستهلك ويستصلح ويقيم وفق منطق عالمي دون أن يكون للبلد الذي تمر فيه هذه العمليات من قيمة كبرى تذكر " .
ويضيف اليحياوي:" أن العولمة تعني الضحك على ذقون العالم الثالث ما دامت هذه الدول محكوما عليها بالخضوع للنظام العالمي الجديد الذي يكرس الهيمنة والتبعية، وما دام الاقتصاد العالمي محكوما من طرف ثلاث مؤسسات دولية كبرى وهي صندوق النقد الدولي، البنك العالمي، والمنظمة العالمية للتجارة، وهي كلها قنوات أرهقت كاهل العالم الثالث بمديونية ثقيلة وجعلته خاضعا للشمال ولمؤسساته وخاصة الهيمنة الأمريكية إلى درجة أن العولمة قد تعـني" أمركة العالم " .
و المراد بالعولمة من وجهة نظر"برهان غليون":" الدخول بسبب تطور الثورة المعلوماتية و التقنية و الاقتصادية معا في طور من التطور الحضاري يصبح فيه مصير الإنسانية موحدا أو نازعا للتوحد."
أما بالنسبة للكاتبة عفيفة دسولي فإن العولمة تعني:" تدويل اقتصاد السوق على مستوى الكرة الأرضية تحت نمط واحد من التنمية، إنها الثورة التكنولوجية و الانخفاض المتزايد لأثمان الاتصالات و النقل ولإدماج دول الجنوب في التجارة العالمية، ودخول لاعبين جدد في الاقتصاد العالمي."
وأخيرا يعرفها صندوق النقد الدولي على أنها:" التعاون الاقتصادي المتناهي لمجموع دول العالم و الذي يحتمه ازدياد حجم التعامل بالسلع و الخدمات و تنوعها عبر الحدود، إضافة لتدفق رؤوس الأموال الدولية والانتشار المتسارع للتكنولوجيا في أرجاء العالم كله" .
بعد تطرقنا لمفهوم العولمة و باستعراضنا لمختلف التعريفات يتبين لنا أن لها قاسمامشتركا يتجلى في التدويل و الانفتاح على الاقتصاد العالمي في أفق خلق سوق عالمية موحدة.و بذلك فهي نوع من التداخل الكثيف في العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الثقافية بين مختلف بلدان العالم.
و منه فإن العولمة هي امتداد لمفهوم النظام العالمي الجديد بمعطياته والياته و محدداته، وهي بذلك لم تحدث فجأة بل لها جذورها التاريخية و لها مقدماتها الموضوعية، فالعولمة مرحلة متقدمة ومتميزة من مراحل تطور النظام العالمي الجديد ، إذ أن لها امتداد في التاريخ، فهي نتاج الثورات الصناعية. المتتالية والتحولات البنيوية العميقة التي كانت تجري في رحم العالم (الرأسمالي الإمبريالي)، منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى بداية العقد السابع من القرن العشرين، والتي اتخذت مسارا أكثر وضوحا وتميزا مع انهيار نظام الحكم الاستعماري والبدء بممارسة أشكال جديدة للهيمنة والاستغلال الرأسماليين على اقتصاديات وشعوب بلدان القارات الثلاث، آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وبعض أجزاء من أوروبا. ثم تسارعت هذه العملية في أعقاب انهيار بلدان "المنظومة الاشتراكية" وتفكك الاتحاد السوفييتي وغياب مجلس التعاضد الاقتصادي. وعملية العولمة مستمرة، إذ ما تزال في بداية الطريق.

فالعولمة إذن هي مسلسل التدويل الذي ميز – طيلة هذا القرن – التداخل المتزايد ( وعبر كل دول العالم) لتيارات السلع و الخدمات و المواد الأولية و المعارف العلمية و التقنية، ويتأسس على معايير موحدة في مجالات التسيير و التدبير بانهيار كل أشكال الضبط على مستوى الأسواق المالية الدولية و إزالة القيود على التجارة العالمية".

ومن الضروري هنا الإشارة إلى العوامل التي أدت إلى ظهور العولمة و المتمثلة في:




















و هناك اتجاهان مركزيان اثنان بالإمكان استشفافهما لدى استقراء معظم الأدبيات الرائجة ( والمروجة بشدة) حول إشكالية العولمة مفهوما وواقع حال و توجها مستقبليا:
 الاتجاه الأول: اتجاه لا يرى في إشكالية العولمة شيئا أخر كونها امتدادا لعصور سبقتها (أي سبقت ظاهرة العولمة) كانت خلالها الاقتصاديات و المجتمعات و الثقافات شبه منغلقة على نفسها، غير متداخلة التيارات فيما بينها و غير "متفاعلة" مع بعضها البعض.
و على هذا الأساس، فهو لا يرى في انفتاح هذه الاقتصاديات و المجتمعات و الثقافات و تزايد التبادلات ( المادية منها و الرمزية) فيما بينها إلا تطورا "طبيعيا و حتميا" لفاعلين محكومين بالعيش في عالم واحد و كوكب واحد.
 الاتجاه الثاني: وينطلق من التصور بأن ظاهرة العولمة إنما هي ظاهرة افتراضية تأخذ فيها الرأسمالية و الليبرالية لبوسا جديدا بغرض نشر قيمها و توسيع فضائها و زيادة الكفاءة في نظمها(الاقتصادية و السياسية). و هي لا تعدو كونها تمثلا ذهنيا خالصا لا هو بالطبيعي و لا أثر للحتمية في تبعاته .
قد يبدو أن لكلا الاتجاهين مرجعيته و منظومته الفكرية(الاقتصادية و السياسية) و قد يبدو أيضا أن الظاهرة لربما تنصهر في إحدى الاتجاهين أو في كليهما معا.
و على العموم فإن الحديث عن حتمية العولمة تجعلنا لا نحتكم على أدوات مفاهيمية لبلوغ ذلك، فتتبعنا لواقع الحال السائد إنما يدعونا للقول بأن ظاهرة العولمة بقدر ما هي محكومة بشروط موضوعية تمهد لها و تغذيها، بقدر ما هي مدفوعة بظروف "ذاتية" داخلية و على مستوى كل دولة من دول الاقتصاد/العالم) تترجم لانعكاساتها و تدفع بآفاقها.
و للعولمة خصائص و مميزات لا يمكن لمسها جليا إلا بالنظر إلى التبادل التجاري الدولي، ثم ما يشهده العالم على مستوى السوق المالية و الاستثمار والإنتاج.


ب- سمات و خصائص العولمة:
إن أبرز سمات الاقتصاد العالمي حاليا هي حركة السلع و الخدمات و رأس المال و تكنولوجيا المعلومات و الأيدي العاملة، فالصفات المتناقضة للعولمة بركنيها التجاري و المالي تقودنا إلى عرض السمات المميزة لعولمة السوق الجديدة و المتمثلة في:

 على مستوى التبادل التجاري:

إن ما يميز التجارة الدولية خلال المرحلة الحالية هو التمركز و التركز بين أطراف الترياد(triad)، و المقصود هنا دول الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية و اليابان، بالإضافة إلى دول جنوب شرق آسيا حديثة التصنيع حيث تستأثر هذه المجموعة من الدول بما يعادل 87% من الواردات العالمية و حوالي94% من الصادرات العالمية من السلع المصنعة . لقد جعلت التكنولوجيا من العالمية أمرا ممكنا، ومكنت عملية تحرير الأسواق من إطلاقها، فبين عامي 1970و2001 ارتفع عدد الدول التي ألغت القيود على التبادلات الخاصة بمستوردات السلع و الخدمات من 35 إلى 185 دولة.
وقد كانت لهذه التجارة الحرة عدة انعكاسات سواء بالنسبة للدول المصنعة أو بالنسبة للدول النامية، إذ تراجعت حصة المواد الأولية من حوالي 35% سنة 1963 إلى ما يقارب 15% عام 1992 من التجارة العالمية، ويقدر البنك الدولي الخسائر التي تكبدتها القارة الإفريقية وحدها من جراء انخفاض قيمة صادراتها من السلع الأساسية من 1986 إلى 1990 بما يناهز 50 مليار دولار.
و بصفة عامة، ومن أجل تأمين التقارب بين مداخيل الدول المتقدمة و الدول النامية يتعين على هذه الأخيرة أن تلائم سياستها الاقتصادية مع قوى العولمة و أن تدخل التعديلات الضرورية عليها خصوصا وأن الاعتماد المتبادل المتنامي في الميدان الاقتصادي يجلب تجارة أكثر حرية بكل ما فيها من حسنات و مساوئ. فعلى سبيل المثال: يسيطر الاتجار الدولي في المخدرات حاليا على اقتصاديات عدد كبير من البلدان، وقد تزيد قيمته على التجارة في المواد الغذائية،" فأصبحت التجارة – سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة في الأسلحة و تصريف النفايات و التجارة في البشر مثل البغاء – أنشطة تجارية عالمية ضخمة"

 على مستوى السوق المالية و الاستثمار و الإنتاج:

استخدم مصطلح العولمة أساسا لوصف بعض الأوجه الرئيسية للتحول الحديث في النشاط الاقتصادي، والعنصر الأساسي في هذا التحول يتجلى في النمو و التطور الرأسمالي الذي أدى إلى التراكم المضطرد في رأس المال الذي عبر حدوده القومية بحثا عن فرص استثمار أفضل، حيث قامت البنوك و المصارف بتوسيع نشاطها و الدخول في شراكة مع رأس المال الصناعي و التجاري ، وفيما يخص السوق المالية يمكن القول بأن استراتيجياتها و تقنياتها العالمية جعلت من عبر القوميات الفاعلين الرئيسيين في الأسواق المالية الدولية، فرؤوس الأموال تتحرك من مكان لأخر بانتقالها بين الفروع و الشركة الأم، و من ثم فالعمليات المالية تدخل في إطار اندماج أسواق الرساميل الدولية التي تشير إلى أن الخزائن المالية للشركات عبر القومية تفوق بعدة مرات الاحتياطات النقدية للبنوك المركزية، وفي هذا الصدد نشير إلى الأهمية المتزايدة للتمويل الدولي الذي يجد ترجمته في التصرف اليومي في مئات الملايير من الدولارات التي تنتقل في نفس اللحظة بين المراكز المالية المهمة في العالم، ففي مجال التمويل لم يعد للحدود الوطنية أهمية كبرى، "فقد أخذت نهاية الجغرافية تقترب" . وفي هذا الإطار، يرى أنطون بروندر (Anton Brender) بأن الأسواق المالية تمارس دكتاتورية خفية على حكام الكرة الأرضية .
أما فيما يخص الاستثمار، فقد سجل نموا كبيرا بفضل التقارب نحو السياسات اللبيرالية لاستقبال رؤوس الأموال و استعمال سياسات الخوصصة و استخدام مجموعة من الأدوات التي تندرج في إطار السياسات الانفتاحية.
وعلى مستوى الإنتاج، فإن أهم ما يميز النظام الاقتصادي العالمي الحالي هو المسلسل التصنيعي لدول جنوب شرق آسيا، وكان من نتيجة ذلك فقدان البلدان الصناعية القديمة لأجزاء من الأسواق التصديرية،و من الملاحظ أن مقر التراكم العالمي انتقل من الدول المحادية للأطلسي إلى المحيط الهادي، ذلك أن الأسواق المصنعة هي معولمة بصفة كلية خصوصا في الإلكترونات و السيارات حيث توجد أنظمة عالمية وضعت في هذه القطاعات.
و على العموم فإن أية سياسة لا تكفي لوحدها و يجب تطبيقها في مجالات متعددة متنافس عليها لخلق نمو سريع يسمح بتقسيم عالمي للعمل، فالعولمة تحبذ الإنتاجية و رفع مستوى العيش، كما أن المستهلكين يريدون سلعة بثمن أقل و ذات درجة عالية من الجودة و الخدمة، لهذا فالعولمة تسمح للدول بتحريك اقتصادياتها.
و أخيرا لإبراز التداخل المهم بين الأنظمة الإنتاجية نسوق المثال التالي الذي جاء به الأستاذ جلال العظم: " حين ننزل إلى السوق لشراء سلعة مستوردة من الخارج – مستوردة إما نظاميا أو تهريبيا – تعودنا أن نسأل، هل هذه بضاعة فرنسية أم ألمانية أم أمريكية، لأن التجربة علمتنا أن صناعة هذا البلد أو ذاك تعطينا مواصفات معينة....
أما في ظل العولمة فالسؤال الذي يصح هو هل هذه البضاعة من صنعIBM أم من صنع شركة PUMA أو شركةNIKE فالجهاز الأجنبي العالمي الذي نشتريه من صنع IBMمثلا يمكن أن تكون تصاميمه تمت في كاليفورنيا في الوقت الذي كان يجري فيه بناء هيكله الخارجي في معمل IBM في البرازيل......و تم تصنيعه في الأرجنتين......إلىأن يتم تجميع ذلك كله في ورشة للشركة نفسها في ماليزيا مثلا..."

2- مرتكزات العولمة:

تتجلى مرتكزات و أسس العولمة في ما تلعبه المؤسسات الدولية و الشركات المتعددة الجنسية من أدوار مهمة لتثبيت هذه الظاهرة.

أ- المؤسسات الدولية:
• صندوق النقد الدولي:
يعتبر البنك الدولي مصدرا مهما لتقديم المساعدات المالية و الفنية للبلدان النامية في جميع أنحاء العالم."....ونحن لسنا بنكا بالمعنى العادي الشائع لهذه الكلمة، فنحن نتألف من مؤسستين إنمائيتين فريدتين تملكهما 185 دولة من البلدان الأعضاء و هما البنك الدولي للإنشاء و التعمير (IBRD) و المؤسسة الدولية للتنمية(IDA) و لكل مؤسسة منهما دور مختلف و لكنه مساند لرسالتنا المتمثلة في تخفيض أعداد الفقراء و تحسين مستويات المعيشة في العالم."
و قد وضع حجر الأساس لكل من البنك الدولي و صندوق النقد الدولي سنة 1944، أثناء مؤتمر لزعماء العالم في بريتون وودز بولاية نيوهامبشير الأمريكية، و كان الهدف منهما هو وضع الاقتصاد الدولي على الطريق الصحيح بعد الحرب العالمية الثانية، و الجدير بالذكر أن عضوية البنك الدولي تتاح للبلدان الأعضاء في صندوق النقد الدولي.
فنشأة هاتين المؤسستين:صندوق النقد الدولي و البنك العالمي في السنة الأخيرة للحرب العالمية الثانية بمبادرة من الولايات المتحدة الأمريكية التي أيقنت أنها ترث عالما متباعد الأطراف من دول استعمارية أنهكتها الحرب و دمرتها، بينما تملك هي تفوقا عسكريا و اقتصاديا لا مراء فيهما، وقد توجهت اتفاقية بروتونوودز إلى جعل الدولار عملة للعالم.
و قد كان دور البنك الدولي في مطلع نشأته إعادة إعمار البلدان الأوروبية و ضمان الاستثمارات في البلدان التي لحقها التدمير، لكن السنوات الأولى لإعمال هاتين المؤسستين أظهرت عمق المشاكل و ضخامتها في بلدان أوروبا و بخاصة فيما يتعلق باحتياجها الكبير لرؤوس الأموال و بالتالي عجزت المؤسستان عن معالجة الأوضاع، فمن جانب الصندوق فإنه لم يستطع أن يدعم استقرار و تحويل العملات، أما البنك الدولي فلم يتمكن من الوفاء بمتطلبات إعمار البلدان الأوروبية وبقي الأمر في يد الولايات المتحدة تملي شروطها وتضع سياسة هاتين المؤسستين، وتجدر الإشارة هنا إلى أن أزمة المديونية في الثمانينات قد منحت الفرصة المواتية لتطبيق برامج التكييف الهيكلي، وجرى الربط بين إعادة جدولة الديون ومنح قروض جديدة مساعدة وبين تطبيق هذه البرامج، وبالتالي ثم الانتقال من مرحلة التنسيق إلى مرحلة رسم السياسات و التوجهات وفرض قواعد و إجراءات محددة سواء بالنسبة للسياسة الاقتصادية الداخلية أو الخارجية.
أما البنك العالمي أو البنك العالمي للإنشاء و التعمير(BIRD) كما يصطلح عليه عادة، فإن أول تحدي واجهه يتمثل في مشروع"مارشال" الذي انتزع منه الأولوية في إعمار أوروبا، مما مكن الاقتصاد الأمريكي من النمو بسرعة فائقة حتى كاد أن يسيطر على عصب الاقتصاد الأوروبي، أما فيما يخص البلدان النامية فقد تميز عمل البنك العالمي بالتركيز على مشروعات البنى الأساسية و الطاقة التي استأثرت بحوالي50% من مجموع قروضه، بينما لم تحظ مشروعات الخدمات الاجتماعية و الزراعية بأكثر من 10% و هذا يرتبط أشد الارتباط بالإصلاحات القطاعية، وعلى إثر تولي "ماكنمار" رئاسة البنك توسعت أنشطة البنك لخدمة إيديولوجية التنمية التي اكتسحت العالم الثالث و بالتالي تقديم قروضه مشروطة بتنفيذ برامج التقويم الهيكلي لدعم موازين المدفوعات لتمكين الدول النامية من تسديد ديونها عبر اليات تحرير الأسعار و الخوصصة وفتح الأسواق و زيادة التصدير، وبالتالي تهييء أرضية مناسبة لعولمة الاقتصاد.
و أخيرا يمكن القول بأن المؤسسات الدولية تشكل العنصر الحاسم و الرئيسي في هذا النظام عبر اليات عملها و القواعد الملزمة التي تنشئها، كما أن المفاهيم الأساسية التي تستند إليها يتم استلهامها من تطور النظام الاقتصادي العالمي الجديد:"و في حالة صندوق النقد الدولي و البنك العالمي يتضح ما يلي:
1 – أنها تترجم مفهوما وإيديولوجية ليبرالية من خلال السياسات المالية و الاقتصادية و التجارية.
2- أنها سلطة دولية للتشاور و التنسيق.
3- أنها سلطة معنوية في المقام الأول.
4- أنها سلطة تمتلك حق إنشاء القواعد و الضوابط و اتخاذ الإجراءات ضد من يخل بها، لقد اعتبر مبدأ المشروطية ركنا أساسيا من أركان سياساتها"

• منظمة التجارة العالمية:
أنشئت منظمة التجارة العالمية سنة 1995، وهي واحدة من أصغر المنظمات العالمية عمرا حيث أن منظمة التجارة العالمية هي خليفة الاتفاقية العامة للتعريفات و التجارة(الغات) و التي أنشئت في أعقاب الحرب العالمية الثانية وقد مرت هذه المنظمة بمرحلة اختمار طويلة حيث بدأت كمقترح فكرة إنشاء المنظمة الدولية للتجارة في مجلس النواب الأمريكي أثناء الحرب العالميةI، ثم طرحت الفكرة في المؤتمر الاقتصادي العالمي المنعقد عام 1927، و المؤتمر الدولي السابع للدول الأمريكية المنعقد في "مونتفيديو" عام 1933 وفي الميثاق الأطلسي الصادر عام 1941، اقترح الرئيس روزفلت و تشرشل مبادرة جديدة تعزز وصول جميع الدول المنتصرة و المهزومة إلى التجارة و المواد الخام في العالم، و بعد ذلك دعا الاجتماع الأول للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي في 1946 إلى عقد مؤتمر بشأن التجارة و العمالة، ثم اختتم مؤتمر "هافانا" أعماله عام 1948 بإبرام اتفاقية بين 53 بلدا وأدرج ميثاق هافانا في الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية و التجارية الموقعة في شهر أكتوبر 1947، لكن هذا الميثاق تم إهماله عندما امتنعت الولايات المتحدة التصديق عليه، وفي ختام جولة الأورغواي للاتفاقية.ع.ت.ت(GATT) في عام 1993 و بعد ذلك بمراكش في شهر أبريل 1994 وافقت مجموعة من الدول على إنشاء منظمة عالمية للتجارة، على أن تدخل حيز التنفيذ في أول يناير 1995، "لتوفير منبر للمفاوضات و إدارة آليات تسوية المنازعات و التنسيق مع صندوق النقد الدولي و البنك العالمي من أجل تحقيق المزيد من التماسك في عملية صنع القرار الاقتصادي على الصعيد الدولي"
تعتبر جولة الأورغواي للمفاوضات التجارية المتعددة الأطراف أكثر الجولات شمولا و تركيزا على الموضوعات الخاصة بتحرير التجارة الدولية في السلع و إزالة القيود التعريفية و غير التعريفية التي تعوق انسياب التبادل التجاري الدولي، كما سعت هذه الجولة إلى إدخال موضوعات جديدة في إطار "الغات" و هي الخدمات و الاستثمار و الملكية الفكرية بالإضافة إلى بحث كيفية تطبيق قواعد الغات على قطاعين هامين هما المنتوجات الزراعية و المنسوجات اللذين تحكمهما ترتيبات استثنائية مؤقتة تخرج عن قواعد الغات.
و تمكنت جولة الأورغواي من معالجة مجموعة من الموضوعات، إذ تم الاتفاق على قيام كافة الدول بتقديم عروض وطنية عن مجالات الخدمات التي ترغب في تحريرها و فتحها أمام المنافسة الأجنبية، كما دعت نتائج جولة الأورغواي إلى تحرير قطاع الاستثمار من القيود الوطنية التي تفرضها الدول في هذا المجال و التي تؤثر على إمكاني زيادة التبادل التجاري الدولي.
أما فيما يخص البلدان النامية، فقد منحت اتفاقية جولة الأورغواي امتيازات خاصة للدول الأقل نموا و التي يقل فيها متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي عن ألف دولار سنويا، و تتجلى هذه الامتيازات في السماح لهذه الدول بحماية الصناعة الوليدة و بدعم الصناعة المحلية، و مع ذلك فإن اللجوء إلى السياسة الحمائية من طرف الدول المصنعة يضر كثيرا بدول الجنوب خصوصا على المستوى الفلاحي و القطاع النسيج. و بهذا ستحسن أوروبا و(و.م.أ) من مداخيلهما من الصادرات على حساب البلدان النامية نتيجة لاتفاقيات تم توقيعها خصوصا من طرف البلدان الإفريقية التي تعاني من الارتفاع العالمي في أسعار الأغذية ومن تم وجب اتخاذ إجراءات عن طريق التمويل التعويضي من أجل مساندتها، حيث لم تحصل البلدان النامية إلا على تحسينات محدودة وشحيحة فيما يخص القطاعات الحساسة، و بذلك تواجه هذه البلدان حواجز تجارية تقدر تكلفتها بضعف قيمة كافة المساعدات المقدمة لها.
عموما يمكن القول، بأن الهدف المنشود للتنافس المفتوح معلن بوضوح: إنه إلغاء ما تبقى من الاحتكارات الوطنية المحددة بقرارات رسمية، ويدخل ضمن ذلك قطاع الاتصالات الذي تم الاتفاق بشأن تحريره في إطار منظمة التجارة العالمية في شهر فبراير 1997.
إن القضية الأساسية التي تواجه الحكومات هي كيفية توفير إطار من القواعد التي تنظم المنافسة بأوسع معانيها، ويمكن اعتبار الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية و التجارة"الغات" المنبر الرئيسي لمعالجة هذه الاهتمامات ومن خلال ثلاث مستويات:
1- يتعلق بتوسيع المجالات و القطاعات التي يمكن مراقبتها بتضمينها في المنظمة.
2- يتعلق بتوسيع مجال الامتيازات و الأفضليات للدول النامية.
3- يتعلق بخلق ترسانة تنظيمية إلزامية تتضمن ميكانيزمات تقنية لحل الخلافات بين الأطراف المتعاقدة و الحرص على مطابقتها لروح الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية و التجارة.
مما سبق يتضح بأن المؤسسات الدولية الثلاث:(البنك الدولي صندوق، النقد الدولي، منظمة التجارة العالمية) تشكل القيادة المركزية للنظام الاقتصادي العالمي الجديد (العولمة)، وذلك بتنسيق الجهود لتوفير أرضية مناسبة تسمح بتسريع الاعتماد الاقتصادي المتبادل في أفق خلق سوق رأسمالية عالمية تمثل فيها الشركات المتعددة الجنسية الفاعل الرئيسي.
ب- الشركات المتعددة الجنسية.
* المفهوم و النشأة:
ارتبط ظهور الشركات المتعددة الجنسية بالتطور الذي عرفه نمط الإنتاج الرأسمالي في النصف الثاني من القرن 19، و الذي أدى تحت ضغط المنافسة الدولية الاقتصادية الحرة إلى ظهور الاحتكارات الصناعية و التجارية الضخمة، و قد حاولت في بداية الأمر بعض الدول الرأسمالية و على رأسها و.م.أ مقاومة هذه الظاهرة عن طريق التشريع و إصدار قوانين مضادة للاحتكار، إلا أن ذلك لم يمنع اندماج هذه الاحتكارات بإنشاء وحدات أكبر و أكثر قدرة و سيطرة، وهذا راجع إلى قانون التطور الرأسمالي الذي كان أقوى من أي قانون أخر، وكان الطابع المميز للرأسمالية في هذه المرحلة هو الجنوح نحو المزيد من تركيز الإنتاج و الرأسمال و الاحتكار. وما كان يميز هذه الاحتكارات السابقة كونها ركزت معظم نشاطها داخل إمبراطورية استعمارية، حيث كانت ترفع شعار الوطنية وتبذل كل الجهود في نمو الاقتصاد القومي على حساب اقتصاديات المستعمرات و شبه المستعمرات لحماية السوق القومية من المنافسة الخارجية، كما كان لبعضها فروع داخل أراضي الإمبراطورية و أحيانا خارجها في مجال التعدين و الطاقة، والنشاط المالي أو التجاري في أضيق الحدود. .، "غير أن العالم الخارجي لم يكن المجال الرئيسي و المحدد لنمو و تطور هذه الشركات، كما انه لم يمثل لها المجال الديناميكي، فالعمل على الصعيد العالمي كان في الحقبة السابقة اختيار لإحدى الاستراتيجيات الممكنة للشركة من أجل النمو". ، ومن ثم كان العمل على هذا الصعيد جزئيا و في بعض الأحيان هامشيا بالنسبة لغالبية الشركات القائمة على الإنتاج الرأسمالي الحديث.
خصوصا و أن المهيمنين على الاقتصاد الحديث منذ النهضة الأوروبية إلى أواسط هذا القرن هم أساسا مالكي رؤوس الأموال من تجار و صناعيين و مدراء، والذين كان نشاطهم محدودا بحدود الدولة القومية التي ينتمون إليها، أما خارج تلك الحدود فقد كانت الدولة نفسها تتولى نيابة عنهم أو بواسطتهم التعامل التجاري مع الخارج، " وبعبارة أخرى كان الاقتصاد محكوما بمنطق الدولة القومية، منطق"الداخل" و "الخارج" .
و علاوة على النزعة القومية التي تميزت بها الاحتكارات الكبرى، اتسمت هذه الأخيرة بارتباطها دائما بصناعة محددة تشكل نشاطها الأساسي بغض النظر عن المنتجات الثانوية. و بالرغم من توافر الظروف الموضوعية التي تسمح لهذه الشركات بتدويل إنتاجها، فإن ذلك لم يكن ممكنا لولا تزامنه التاريخي في علاقة جدلية مع المد الاستعماري الذي شهده العالم خلال نفس الفترة، فمن ناحية لعبت هذه الشركات دورا مهما في التمهيد للتوسع الاستعماري عن طريق مختلف أنواع الضغوط التي تمارسها على السلطات السياسية و العسكرية للدول الاستعمارية من أجل احتلال هذا البلد أو ذاك لتضمن وضعية احتكارية لتسويق منتجاتها و التزويد بالمواد الأولية، ومن ناحية أخرى ساعدت القوى الاستعمارية بدورها انتشار هذه الشركات لكونها الأداة الحاسمة في فرض سيطرتها و بسط نفوذها الاقتصادي على المستعمرات .، حيث كان شعار: "ابنوا المصانع و المنشات لإحكام سيطرتنا" الترجمة الحقيقية "لمبدأ المشاركة المتكافئة" الذي روجت له الرأسمالية الاحتكارية، وهذا ما يفسر نشأة هذه الشركات هذه الشركات من الدول الرأسمالية، ذلك أن أولاها ظهرت إلى الوجود في بعض الدول الأوروبية الصغيرة"Nestlé" بسويسرا، و "Philips" بهولندا، إلا أن الثورة الاقتصادية و التكنولوجية التي عرفتها الرأسمالية الأمريكية في نهاية القرن 19 و خصوصا مع مطلع القرن الحالي و ترافقها مع بعض الظروف الداخلية و الدولية جعلت من (و.م.أ) المهد الذي نشأت فيه أغلب كبريات الاحتكارات الرأسمالية.
و إجمالا يمكن القول، بأن الشركات المتعددة الجنسية تشكل بهذا المعنى مرحلة متقدمة من مراحل تطور الشركات الرأسمالية، وبالتالي فإن تحليلها يقتضي عدم عزلها عن الإطار العام للتوسع الرأسمالي.

* خصائصها و دورها في عولمة الاقتصاد:
1- إن ما يميز نشاط الشركات المتعددة الجنسية هو انتشاره في عشرات من الدول لمحاولة الاستفادة من أي ميزة نسبية و في أي دولة، دون أفضلية لبلد المقر القانوني، كما تحصل على تمويل محلي من كل بلد يمتد إليه نشاطها، وفي حالات معينة تقتصر مبيعات الشركة في بلد المقر الرسمي على نسبة ضئيلة من إجمالي المبيعات، ويتضح من خلال كل ذلك أن الشركات المتعددة الجنسية لا تؤمن بالنزعة القومية التي كانت سائدة في عهد الاحتكارات الكبرى، وإنما تؤكد على الدخول في علاقات اقتصادية عالمية.
2- أما السمة الثانية فتتمثل في تعدد الأنشطة التي تشتغل بها دون أدنى رابط فني بين المنتجات المختلفة، فالشركات المتعددة الجنسية تتعمد تنويع نشاطها لاعتبار اقتصادي هام هو تعويض الخسارة المحملة في نشاط معين بأرباح تتحقق من أنشطة أخرى لها أسواقها المتميزة، والهدف هو نمو الربح سنويا و بانتظام رغم كل التقلبات في الأسواق(مثلا شركة التليفون والتلغراف الدولية تملك شركة فنادق"شيراتون").
3- و فيما يخص التطور التكنولوجي فيمكن اعتباره العمود الفقري للشركات المتعددة الجنسية و بالتالي سمتها الثالثة و الأهم، فهذه الشركات في أمس الحاجة لثورة المعلومات و الاتصالات و هي الممول الرئيسي لعمليات البحث و التطوير بعد الدولة.فقد أصبحت المعرفة العامل الحاسم في الحياة الاقتصادية، والسلاح الأساسي للشركات المتعددة الجنسية في تعاملها مع مختلف الدول خاصة البلدان النامية.
4 – أما السمة الرابعة فكانت:"ناتجة عن ازدياد دور النشاط المالي، إذ غمرت أشكال النقود المصرفية الأسواق و أخذت مكانها في تعامل المواطنين اليومي"، وغالبا مالا تخضع هذه النقود للبنك المركزي الذي يحكم إصدار هذه العملة و لا للبنك المركزي للدول التي تتداولها.
أما التوزيع السياسي للشركات المتعددة الجنسية فيوضح تركيز النشاط الاقتصادي العالمي في يد مجموعات محددة و كمثال على ذلك أشار "ذ. الجابري" إلى أن خمسة بلدان و هي و.م.أ، و اليابان و فرنسا و ألمانيا و بريطانيا تتوزع فيما بينها 172 شركة من أصل 200 من أكبر الشركات العالمية العملاقة التي تسيطر عمليا على الاقتصاد العالمي، مضيفا أنها ماضية في إحكام سيطرتها عليها. و لا بد من الإشارة هنا إلى الاندفاع السريع لشركات كوريا الجنوبية التي ارتفع عدد شركاتها في فترة قصيرة نسبيا من شركة واحدة فقط إلى ست شركات، وتأتي دايو على رأس هذه الشركات. ومن ثم تعتبر بمثابة رأس حربة لاستعمار كوري و برقم معاملات يتجاوز 52 مليار دولار تتفوق على شركات عملاقة.
كما يساهم الاندماج بين الشركات في إقامة مركبات اقتصادية شمولية.(التهام الشركات)، و عموما يمكن القول، بأن الشركات عبر الوطنية حققت بذلك عولمة الإنتاج و التجارة و الاستثمار بتعزيز الاعتماد الاقتصادي المتبادل على مستوى العالم، فالشركات المتعددة الجنسية هي المستفيد الرئيسي من انفتاح الاقتصاد العالمي لأنها تمارس أنشطتها في مجالات ترابية متنوعة، و من هنا كانت محاولتها لإبعاد قواعد القانون الخاص المطبقة في مجال المنافسة الدولية الغير المقننة و الصادرة عن المنظمات الدولية(FMI,OMC) و بهذا تشكل قوة كبرى لا تعترف لا بالمصلحة العامة و لا بسلطة عقد الاتفاقيات الدولية المتعلقة باحترام حقوق الإنسان و لا بالبيئة و لا بالاستقرار المالي الدولي، خصوصا و أن تخفيض العراقيل بالنسبة للتجارة و الاستثمار و ضع حدا فاصلا بين المجموعات التي تريد اختراق الحدود الوطنية و المجموعات الأخرى، و هكذا تبقى المقاولات و الشركات العالمية على حد قول (Robert Boyer) أسطورة باستثناء الشركات المتعددة الجنسية المرابطة ببعض الدول الصغيرة مثل سويسرا أو السويد التي تستجيب لمعايير العولمة الحقة، أما الباقي فهو شركات مركزية.



3- تحديات العولمة:
ذا كانت العولمة ظاهرة موضوعية فهي في جانب من جوانبها نتيجة لسياسات وإرادات الحكومات وبرلمانات الدول التي وافقت ووقعت على القوانين والاتفاقات التي تلغي الحدود وتحرر حركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال في الأسواق العالمية، ورغم أن هناك دعوات تصف العولمة بظاهرة النشوء، وأننا لم نصل عصر العولمة بالكامل، إلا أن العولمة لم تعد تقف خلف الباب تستأذن الدخول بل هي بدأت تفعل فعلها على هذا الكوكب منذ سنوات، ولم تعد مجرد مفهوم بل هي ممارسة وسلوك يومي وعملية مستمرة تنمو وتتطور على الدوام، ويمكن تلمسها من خلال مجموعة من المؤثرات الكمية والكيفية في كافة المجالات. و كذا من خلال التحديات التي تطرحها و التي يمكن تلخيصها في:

أ‌- التحديات الاقتصادية:
تعد التكتلات الاقتصادية الكبرى اليوم هي إحدى نتائج زمن العولمة على الصعيد الاقتصادي و ينطبق هذا بصفة أساسية على الأقطاب الاقتصادية الدولية الثلاثة و هي: الاتحاد الأوروبي و القطب الأمريكي الشمالي، و القطب الآسيوي ممثلا في اليابان و بلدان جنوب شرق أسيا التي تعرف اليوم أعلى معدلات النمو.
ولتوضيح مفهوم التكتلات الاقتصادية الإقليمية ينبغي أولا الإشارة إلى مسألة أساسية تتجلى في كون التكتلات الاقتصادية لا تظهر فقط في الاتحاديات الإقليمية الجغرافية بل تريد التوسع إلى مناطق قريبة تشكل فرصة للدخول في عولمة بشروط خاصة، فعلى سبيل المثال نشطت في السنوات الأخيرة الدعوة الإسرائيلية، ومن ورائها و.م.أ إلى إقامة "سوق شرق أوسطية" كما نشط الأوروبيون في الدعوة لشراكة أورومتوسطية، ويتضح من دراسة المشروعين أن الاتجاه فيهما واحد:" و هو استخدام آلية الاندماج الإقليمي لتسريع عملية الاندماج في العولمة".
ولكن نجاح التكتلات الاقتصادية في صورها المختلفة يتوقف على التنسيق الجماعي لدول المجموعة لتحقيق الأهداف المنشودة من مثل هذه التكتلات، فكان لابد من تواجد أسلوب معين تستطيع الدول من خلاله تنفيذ التكامل فيما بينها
أما عن المزايا المتوقعة من التكامل الاقتصادي (العولمة) في الدول النامية، فهي : تمكن التكتلات الإقليمية الدول النامية من تحقيق الإنتاج ذي الموفورات الاقتصادية، كما أنة وسيلة للاستفادة من المواقع والتخصص، وعلي سبيل المثال أن تخصص كل دولة من الدول النامية في سلعة معينة تتميز فيها بالمميزات النسبية مما يؤدي إلي الاستفادة المثلي من المواد الخام والطاقة ، ويؤدي هذا بدوره إلي تقليل تكلفة الإنتاج •• ومن تلك المزايا أيضـًا أن التكامل الاقتصادي يعتبر وسيلة لزيادة كفاءة القطاع الصناعي، ولما كانت أسواق الدول النامية أسواقـًا صغيرة بالإضافة إلي أن الحماية التي تتميز بها هذه الصناعات من الأمور التي تؤدي إلي ضعف مستوي الكفاءة ، ويتطلب رفع كفاءة هذا القطاع التنسيق بين السياسات الاقتصادية والخاصة بالتعريفات الجمركية وسياسة التجارة الخارجية "تجاه العالم الآخر" والتنسيق أيضـًا في السياسات المالية والنقدية وسياسات تشجيع الاستثمار•
أما فيما يخص معوقات التكامل الاقتصادي، فما زال التكامل والتعاون الاقتصادي وخاصة بين الدول الأفريقية والدول العربية ضعيفـًا، ويرجع ذلك لثلاثة أسباب: سياسية، تاريخية، اقتصادية •• فالأسباب التاريخية ترجع إلي ارتباط أسواق هذه الدول بأسواق الدول المستقرة، ولبقاء السياسات الاقتصادية المستقرة والسياسية والتجارية بالدول المستقرة، وأصبح هناك اعتقاد لدي معظم الدول بأنه من الأهمية وجود شبكة مواصلات بين أوروبا ويعدون ذلك أهم من وجودها بين الدول الأفريقية، أما السبب الثاني وهو سياسي فيرجع إلي الاندماج وهو قرار سياسي بالدرجة الأولي ، في حين أن معظم الدول ما زالت تحاول رسم حدود بلادها، الأمر الذي يجعل من الصعب تحقيق هذا التكامل، بالإضافة إلي أن معظم شعوب هذه الدول ليس لها رأي من تحقيق هذا النوع من التعاون وإنما مرجعه للحكام•• أما السبب الثالث فهو سبب اقتصادي، ويرجع إلي ضعف المؤسسات ويشمل ذلك وجود عدد كبير من منظمات التكامل الإقليمي، وعدم وفاء معظم الدول بالتزاماتها للمنظمات الإقليمية، ضعف هذه المنظمات في الإعداد الصحيح للمؤتمرات، بالإضافة إلي قلة التعاون والمشاورة بين هذه المنظمات•
من هذا المنطلق، تتضح مكانة الاتحاديات الإقليمية خصوصا و أن الاقتصاد الدولي يتمثل حاليا في التكتلات الاقتصادية الثلاثة، لهذا فإن هذا النمط الاقتصادي المؤسس على الإنتاج و الاستهلاك هو إعلان عن نمط جديد للتنظيم في إطار المناطق الاقتصادية الجهوية الكبرى، وأن العالم هو ثلاثي القطب و بالتالي فإن وضع قواعد جديدة للعبة لا يمكن أن يكون إلا بالمفاوضات بين و.م.أ، أوروبا و اليابان، فالعالم غير ثابت و من ثم فإن وضع نظام عالمي جديد أبح بدون شك أمرا صعبا، في عصر أصبحت فيه العولمة تتغذى من خلال التجمعات الاقتصادية الإقليمية و في المقابل تولت الإقليمية مهمة الدرع الواقي للعولمة بتحملها للأخطار المحتملة و الناتجة عن الانفتاح.

ب‌- التحديات البيئية:
تعد البيئة في الحقيقة بمثابة المرآة التي تعكس السمات الأساسية للنظم السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، و هي بذلك تطرح عدة تساؤلات و على مستويات مختلفة تتمثل في المشاكل البيئية الخطيرة و أدوات محاربتها و كيفية التنسيق بين النظم الإيكولوجية المتباينة. وهكذا تطرح تحديات هامة أمام إدارة الشؤون العالمية خصوصا و أن حالات الإجهاد البيئي تنشأ من عدم التوازن بين ما يستهلكه الناس و ما يمكن للنظم الطبيعية أن توفره، ويمكن تقسيم المشاكل البيئية إلى مشاكل كمية(نضوب المعادن و مصادر الطاقة و قطع الغابات و التصحر و انجراف التربة وندرة المياه) ومشاكل نوعية(تآكل طبقة الأوزون...)، ولمواجهة مشاكل البيئة تؤيد لجنة إدارة شؤون المجتمع العالمي الاتجاه نحو النهج التعاقدي بتدعيم لجنة التنمية المستديمة المتمخضة عن اتفاقية "ريو" و التي تعمل على تحقيق الترابط و التنسيق بين البرامج و تعمل الآن كمركز تنسيق داخل منظومة الأمم المتحدة كما تؤيد استخدام الحكومات للضرائب البيئية على أساس "مبدأ الملوث يدفع الثمن"
ت‌- التحديات الاجتماعية :
عند حديثنا عن التحديات الاجتماعية فإن من أهم ما يميز العولمة هي ظاهرة الفقر التي ما فتئت تتعمق و تتزايد بسرعة مذهلة، إن أول مظاهر العولمة هو تركيز النشاط الاقتصادي على الصعيد العالمي في يد مجموعات قليلة العدد، وبالتالي تهميش الباقي أو إقصاؤه بالمرة، و النتيجة الاجتماعية لهذا التركيز المفرط للثروة على الصعيد العالمي هي تعميق الهوة بين الدول و بين شرائح المجتمع الواحد، ليس فقط بين الطبقات بل أيضا بين الفئات داخل الطبقة الواحدة، وبين الفصائل و الأفراد داخل الفئة الواحدة.

ث‌- التحديات الثقافية و السياسية:
إن الحديث عن تحديات العولمة السياسية و الثقافية، يقودنا مباشرة للحديث عن الهوية و الوطنية و السيادة و الدولة القومية و حتى نتعرف أكثر على هذه التحديات و خصوصا أنها تمثل المحور الجوهري و الرئيسي لعرضنا هذا ارتأينا أن نتناوله في الفصل الموالي.
و كخلاصة لما سبق يتضح أن العولمة هي تعبير عن صيرورة كونية جديدة تذوب فيها مجموعة من القضايا كالثقافات القومية بل وحتى الحدود القومية، فمثلا:أوروبا تسمى بالقارة العجوز – رغم صغرها – كونها تضم العديد من البلدان و الإثنيات و الثقافات.
لكن في خضم هذه التحولات و ما أصبحت تسعى إليه مختلف الدول المتقدمة و النامية كذلك، من زحف نحو الانخراط في المنظومة العالمية الجديدة ألا و هي العولمة و التي تعرف على أنها محاولة إكساب الشيء طابع العالمية حسب معجم Webster ، تطرح مجموعة من القضايا و التساؤلات حول:
- هل هذا التعريف البريء و المبسط ينسجم في عمقه مع دلالة اللفظ و مفهوم المصطلح؟
- في إطار الدعوة إلى إلغاء الرسوم الجمركية و توحيد السوق العالمية و إلغاء الحدود القومية، ما مصير كل من:
* الثقافات.
* الدولة.
* الهوية.
* الوطنية.









































الفصل الثاني: الدولة في مواجهة تحديات العولمة.

قبل الحديث عن مصير الدولة في زمن العولمة، لا بد من تحديد بعض المفاهيم:

1) مفهوم الدولة أو السيادة :
إن مفهوم سيادة الدولة لهو واحد من المفاهيم التي اهتم بها فقهاء القانون و باحثي السياسة على قدم المساواة، وذلك منذ أن ابتدعه جان بودان في مؤلفه:"ستة كتب عن الجمهورية" الذي نشره سنة 1576م، حيث عرفها على أنها سلطة عليا على المواطنين و الرعايا و التي يرى أنها:
1- سلطة دائمة: غير محدودة في الزمن، وهنا فرق بين السيد و الحاكم الذي تكون سلطته مؤقتة و بذلك فهو ليس صاحب سيادة و إنما أمين عليها.
2- سلطة غير مفوضة: هي سلطة لا يمكن تفويضها كما لا تخضع للتقادم.
3- سلطة مطلقة: لا تخضع للقانون لأن صاحبها هو الذي يضع القانون.
و إذا كان بودان قد عالج السيادة من زاوية الشؤون الداخلية و علاقة الدولة بالمواطنين نجد هوجرجروشيون قد عالجها من زاوية الشؤون الخارجية و علاقة الدولة بغيرها من الدول. و بالتالي فإن السيادة عنده تتركز في أنها السلطة السياسية العليا التي تتركز في الشخص الذي لا تتمكن أي إرادة إنسانية من نقص أعماله.
في حين أن هوبز سلك طريق بودان في إطلاقه للسلطة صاحبة السيادة و التي هي دائما مطلقة و منه فإن السلطان المطلق أي الدولة مالكة لجميع الأموال بحجة ان الأفراد قد تنازلوا للحاكم الذي اختاروه عن جميع حقوقهم و بالتالي لا تكون لهم على الأموال حقوق و إنما مجرد امتيازات يقررها الحاكم و يسحبها كما يشاء.
و هنا يقول بودان:"إن الأمير صاحب السيادة هو صورة الله في الأرض" و هذا التعبير يجب أن يفهم بكل ما يعنيه، فهو يعني أن صاحب السيادة يسود الشعب كما يسود الله الكون.
إلا أن مضمون السيادة قد تغير مع كتابات جان جاك روسو الذي يقول:"إن العقد الاجتماعي يعطي للمجتمع السياسي سلطة مطلقة على كل أعضائه، وهذه السلطة المطلقة التي تتولاها إرادة عامة تحمل اسم السيادة، و السيادة التي ليست سوى ممارسة الإدارة العامة لا يمكن أبدا التصرف فيها، وصاحب السيادة الذي هو كائن جماعي لا يمكن لأحد أن يمثله أو ينوب عنه...." .
كما تقوم سوسيولوجيا أصل الدولة حسب ما يسميه نوربير إلياس، قانون الاحتكار في إشارة إلى مسلسل السيطرة الاحتكارية للدولة على تدبير شؤون الجماعة الوطنية .
و يعرف د.مصطفى أبو زيد فهمي السيادة بقوله:" هي السلطة الأصلية التي تنبع منها سائر السلطات الأخرى، وهي لا تنبع من أي منها لأنها أصيلة، فمثلا سلطة العمدة تنبع من سلطة المأمور، وسلطة المأمور تنبع من سلطة المحافظ و سلطة المحافظ تنبع من القانون، وسلطة القانون تأتي من البرلمان الذي تأتي سلطته من الدستور والدستور تضعه الجمعية التأسيسية، وسلطة الجمعية التأسيسية تنبع من الأمة، وسلطة الأمة لا تنبع من أي سلطة أخرى فليس هنالك ما يساويها أو يعلوها، إذن فهي السلطة العليا، والأمة هي صاحبة السيادة" .
انطلاقا من التعاريف السابقة للدولة (أو للسيادة)، فإنه يمكن تقسيم الدول من حيث السيادة إلى نوعين ،و هو نفس ما ذهب إليه روبيرت جاكسون ، وهما:
1- الدولة ذات السيادة الكاملة: وهي الدول التي تتمتع باستقلال كامل في مباشرتها سيادتها الخارجية و الداخلية، فلا تخضع في ذلك لسيطرة أو هيمنة أية دولة أو هيئة أخرى تحت أية صورة من الصور.
 معنى السيادة الخارجية:
-حرية تبادل التمثيل الديبلوماسي مع دولة أو دول معينة.
- حرية قطع الديبلوماسية مع أية دولة.
- حرية الاشتراك في عضوية الأمم المتحدة و سائر المنظمات الدولية و إعلان الحرب...
 معنى السيادة الداخلية:
- حرية اختيار نظام الحكم المناسب لظروفها.
- حرية وضع الدستور الذي يحدد العناصر الأساسية للدولة و السلطات العامة فيها.
- حقوق الأفراد و حرياتهم العامة.
- العلاقات بين السلطات العامة و إصدار القوانين و اللوائح...

2- الدول ناقصة السيادة:
هذه الدول هي عكس الدول الأولى أي الدول الكاملة السيادة، وذلك لكونها لا تتمتع باستقلال كامل في مباشرة سيادتها الخارجية أو الداخلية أو كليهما معا، وذلك لخضوعها لسيطرة دولة أخرى خارجية أو منظمة أو هيأة دولية.
ومما سبق يمكن تلخيص مضمون السيادة في الخطاطة التالية:














2) مفهوم الهوية:
إن مفهوم الهوية يمثل جملة من العناصر المتداخلة والمتشعبة ويكشف عن المغزى الحقيقي للشخصية الإنسانية عبر المسارات التاريخية والتحولات الاجتماعية والتغيرات والتطورات الفكرية والثقافية والاقتصادية.. إلخ .
إن للهوية الإنسانية بدون شك أهمية عميقة وتاريخا طويلا حافلا بالتناقضات والصراعات والنزاعات ذات الطابع المتحرك باستمرار والمتجدد والمتطور على الدوام، بالرغم من الأسس والمكونات الأصلية التي تعتبر من بين الثوابت الأساسية المحافظة على هذه الهوية أو الذاتية الإنسانية. فكيف يمكن النظر إلى الإنسان كإنسان، بعيدا عن كل أنواع التسلط والعنف.. والخراب والدمار والاستغلال والاستعمار والوحشية والعدوان.. إلخ، التي أصبحت تنخر وتهدد الهوية الإنسانية..
الهوية لغويا: هي كلمة مركبة من ضمير الغائب " هو " مضاف إليه ياء النسبة، لتدل الكلمة على ماهية الشخص، أو الشيء المعني كما هو في الواقع بخصائصه ومميزاته التي يعرف بها. وهي بذلك اسم الكيان أو الوجود على حاله، أي وجود الأمة كما هي بناء على مقومات ومواصفات وخصائص معينة تمكن من معرفة صاحب الهوية بعينه، دون اشتباه مع أمثاله من الأشباه .
كما يعرفها المعجم الوسيط الصادر من مجمع اللغة العربية أنها: " حقيقة الشيء أو الشخص التي تميزه عن غيره "
أما الجرجاني في كتابه التعريفات يعرف الهوية بأنها: " الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق"
ويعرفها قاموس إكسفورد بوصفها: " حالة الكينونة المتطابقة بإحكام، أو المتماثلة إلى حد التطابق التام أو التشابه المطلق ".
ولقد جاء في المعجم العربي الحديث "لاروس".. "الهوية ، البئر البعيدة القعر، ج: هوايا "العوامل التي تثبت أن شخصا مسمى هو عينه"
ومنه فالهوية : " مركب من العناصر المرجعية والمادية والذاتية المصطفاة التي تسمح بتعريف خاص للتفاعل الاجتماعي " .
أما الدكتور تركي الحمد، في كتابه ،الثقافة العربية في عصر العولمة، يفسر الهوية بأنها: " الهوية طالما أنها مركب من عناصر فهي بالضرورة متغيرة في الوقت ذاته تتميز فيه بثبات معين، مثل الشخص الواحد يولد ويشب ويشيخ وتتغير ملامحه وتصرفاته وأحيانا ذوقه، لكنه يبقى في الخير هو نفس الشخص وليس شخصا آخر " .
وهناك أنواع من الهوية تتداخل فيما بينها نذكر أهمها النوعين التاليين:
(أ) - الهوية الثقافية:
نقف أولاً على مفهوم الثقافة ثم نكشف عن العلاقة التي تربط الهوية بالثقافة، فنجد تحديداً لمصطلح " الثقافة culture من ثقف بمعنى حذق وفطن " فارتباط الثقافة بالحذق والفطنة - أي الذكاء - يشير إلى العلاقة القوية التي تربط الثقافة بالعقل، كما تعني الثقافة باللغة اللاتينية " الفلاحة والتهذيب " ، أي أن الثقافة ليست نبتة برية يمكن أن تنبت وتنمو في أي مكان بل غرسة مروية تحتاج إلى عناية الفلاح ورعايته، تحتاج إلى الجهد الإنساني المتواصل من العطاء والإبداع والابتكار في ظروف تتميز بالحرية وتسمح بولادة الإبداعات المتنوعة في شتى العلوم والفنون الإنسانية.
أما العلاقة بين الهوية والثقافة، فإنها تعني علاقة الذات بالإنتاج الثقافي، ولا شك أن أي إنتاج ثقافي لا يتم في غياب ذات مفكرة، دون الخوض في الجدال الذي يذهب إلى أسبقية الذات على موضوع الاتجاه العقلاني المثالي، أو الذي يجعل الموضوع أسبق من الذات، وإن كل ما في الذهن هو نتيجة ما تحمله الحواس وتخطه على تلك الصفحة (ذهن الإنسان) كما يذهب لوك، والاتجاه التجريبي بشكل عام. الخلاصة أن الذات المفكرة تقوم بدور كبير في إنتاج الثقافة، وتحديد نوعها وأهدافها وهويتها في كل مجتمع إنساني وفي كل عصر من العصور. وبناء على ما سبق فإنه يصعب أن نجد تعريفاً جامعاً مانعاً لمفهوم الهوية الثقافية، فالهوية الثقافية تختلف من مجتمع إلى آخر ومن عصر إلى عصر، كما تختلف باختلاف التوجهات الفكرية والأيديولوجية لمنتجي الثقافة العربية.
ومنه فإن العلاقة بين الثقافة والهوية هي علاقة تلاحم وانصهار، حيث إن أي خلخلة أو اختراق للثقافة سيؤدي بالضرورة إلى إضعاف لمكونات الهوية. ونجد أن الخطاب حول الهوية، أصبح سائدا في ساحات النقاش الفكري في الدول النامية، كما يسود في الدول المتقدمة، وهذا ما أكده المؤرخ ألفريد غروسير بقوله: " هناك كلمات قليلة أخذت هذه الأيام البعد الذي أخذته كلمة الهوية... فالهوية تحتل الصدارة في النقاشات الفكرية ".
وبالتالي فالهوية الثقافية كيان يصير ويتطور، وهي ليست معطى جاهزا ونهائيا. هي تصير وتتطور، إما في اتجاه الانكماش وإما في اتجاه الانتشار. فهي تتحرك على ثلاثة دوائر متداخلة ذات مركز واحد ، هي:
 الفرد داخل الجماعة الواحدة: قبيلة كانت أو طائفة أو جماعة مدنية ( حزب، نقابة...).
 الجماعات داخل الأمة.
 الأمة الواحدة إزاء الأمم الأخرى.



(ب) – الهوية الوطنية:
« من لا هوية له، لا وجود له في الحاضر ولا مكان له في المستقبل«.
لقد تنامت في الوقت الراهن الأفكار المنادية بالهوية الوطنية والنضال القومي، وذلك من أجل التحرر من أعباء التزامات القومية. وهذا ناتج عن جملة من التأثيرات الداخلية والخارجية، فالحراك الاقتصادي والاجتماعي والثقافي داخل المجتمع الواحد، والحراك الدولي والتداول الاقتصادي والمالي والثقافي والصراع على النفوذ والسلطة داخل المجتمع وكذا على الصعيد الدولي، وهذا ما أكده الدكتور محمد عابد الجابري ، بقوله: " هوية مجتمع من المجتمعات ليست أمرا ثابتا سرمديا داخلي المنشأ، بل يرتبط تطور الهوية بالمؤثرات الخارجية، وبالتداول الدولي للأفكار والثقافات والحضارات، كما يرتبط بالصراع على السلطة داخل كل مجتمع، وهي الصراعات التي تشحذها هي نفسها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، المؤثرات الجغرافية الكبيرة وبالتالي المنافسات بين الدول الإقليمية والدولية "
وهنا تطرح أمامنا التساؤلات التالية:
 ما علاقة الهوية بالأمة؟
 هل يمكن للهوية أن تبقى محافظة على ذاتها دون سند الأمة؟
 هل تتمكن الهوية من التفاعل مع الهويات الأخرى وتستفيد من الآخر؟
يقول مايكل بيليج: " إن الأمة ترفع لنا كراية كل يوم، ونحن نميز ونستخدم ونلتمس الراحة من الرايات والعملة الوطنية والرموز القومية الأخرى لوظائفها المألوفة "
انطلاقا من مقولة مايكل بيليج، نجد أن القومية ليست مجرد عقيدة، وإنما تعطي الإنسان شعورا بالهوية والانتماء، وتساعد على إدراك أن له مكانة وأنه ليس مجرد فرد نكرة، إنما يشترك مع عدد كبير من البشر في جملة من المعطيات والمكونات والأهداف والآمال التي تخلق لديه شعورا بأن له شخصية وكيانا.
فالهوية الوطنية ببساطة هي العماد والمصدر الأكبر للقوة. وحين تتعرض للطمس، أو التشويه، أو محاولات المحو والتدمير وتهتز، تطرح مسألة الهوية، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الشعوب والأمم، كلما كان هناك تحد أو تهديد خارجي أو شعور بالتهميش والإحباط ... إلخ، فهذا شيء طبيعي جدا. إنه أسلوب من أساليب تأكيد الذات وإعادة ترتيب علاقاتها بمحيطها من أجل إثبات الوجود وتحقيق الاستقرار والطمأنينة...
والمقصود بهذا التوجيه بداهة هو أن تحظى قضية الهوية الوطنية بالاهتمام الأول من جانب مؤسسات الدولة الرسمية وأيضا مؤسسات المجتمع المدني، وأن ينصب الاهتمام هنا على بحث سبل الحفاظ على الهوية الوطنية في مواجهة الأخطار التي تتهددها.
نستخلص انطلاقا مما سبق أن هناك تواجد لوشائج علاقات جدلية بين مفهومي الهوية والعولمة، هذه الوشائج فريدة من نوعها في طبيعة العلاقة بين المفاهيم والأشياء. حيث يأخذ مفهوم الهوية في الغالب دور " الطريدة " بينما يأخذ مفهوم العولمة دور " الصياد "
وبالتالي فالعولمة تعني ذوبان الخصوصية والانتقال من الخاص إلى العام، ومن الجزئي إلى الكلي، ومن المحدود إلى الشامل. وهذا خلافا للهوية التي تعني الانتقال من العام إلى الخاص، ومن الشامل إلى المحدود.
ومنه فالهوية تعتبر ضمن السيادة والتي تعني الدولة. هاته الدولة التي تتساءل عن مصيرها في ظل الدعوة إلى الكونية وإلى العولمة.

3) آثار العولمة على السيادة الوطنية: مصير الدولة في ظل العولمة:
لقد أدى التقدم التكنولوجي إلى جعل الحدود مسامية إلى حد كبير، فالدول تعاني من تآكل سلطاتها، وهي الآن أقل قدرة على السيطرة على انتقال الأموال أو المعلومات عبر الحدود وهي تواجه ضغوط العولمة على عدة مستويات .
دشنت الدولة القومية في عصر النهضة الأوربية مرحلة غزو العالم فيما عرف بالنظام الاستعماري ابتداء من ق 15، أما اليوم فإن أممية رأس المال والشركات المتعددة الجنسية هما اللذان يغزوان العالم، وهكذا بدأت الليبرالية الجديدة في هدم الأساس الذي ضمن وجود شقيقتها الكبرى: الرأسمالية الكلاسيكية، أعني الدول القوية، والاستقرار الديمقراطي، فأصبح اليوم أصحاب الشركات الكبرى والمتحالفون معهم من المضاربين يدعون إلى أن تحل الشركات محل الدولة، فلا غرابة إذن أن نجد كثيرا من الدول فشلت في التعامل مع فوضوية السوق العالمية، بل تهاوى بعضها تحت ضربات سماسرة السوق. الاقتصاد هو المهيمن على السياسة وإذا كان الإعلام الحر والقضاء المستقل في المجتمعات الديمقراطية، يميطان اللثام عن هذه الهيمنة وعن أساليبها الملتوية فقد تحولت إلى ظاهرة مزعجة في البلدان النامية حيث أصبح سماسرة السوق يؤثرون تأثيرا بعيد المدى في القرار السياسي، ويؤثرون بالتالي في مستقبل مجتمعات بأسرها ويحدد الليبراليون الجدد مهمة الدولة في عصر العولمة بأنها مضيفة للشركات المتعددة الجنسية، وما يقترن بالضيافة من كرم وترحيب، وفرش البساط وتزيين الطرقات.
فهل يا ترى هذا هو الدور الذي ستلعبه الدولة في ظل العولمة أما أنها ستحتفظ بسيادتها وهويتها؟
إن العولمة بمفهومها الإنساني الرفيع و المجرد و المتمثل في تعزيز التعاون الدولي و ترسيخ التضامن الإنساني لتحقيق النمو للاقتصاد العالمي دون الإخلال بالأمن و الاستقرار، وهذا ما تدعو إليه و تشجعه منتديات الأمم المتحدة العالمية، وذلك لإحياء التعاون الإنمائي الجاد باعتباره أحد ركائز السلام العالمي، لربط أبعاد التنمية العالمية الخمسة:السلام، البيئة، الاقتصاد، المجتمع و الديمقراطية.
إن هذه الأهداف التي تسعى العولمة إليها تتلاشى عندما نلاحظ ما ترتب و ما يترتب عن هذه الأهداف من أثار سلبية في جميع المستويات: سواء الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية، الثقافية، و كذلك الإعلامية و التكنولوجية.
إن العولمة تخترق أربعة جوانب رئيسية للدولة ذات السيادة، هي: الاحتكار، السلطة، التشريع و الحدود الجغرافية. ومن هنا يتقلص دور الحكومات في إصدار التشريعات داخل الدولة و ممارسة سلطاتها. ودليل ذلك ما جاء في خطاب الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك في 14 يوليوز2004:"إن العولمة بحاجة إلى ضبط، لأنها تنتج شروخا اجتماعية كبيرة، وهي وإن كانت عامل تقدم، فهي تثير أيضا مخاطر جدية ينبغي التفكير فيها جيدا، و من هذه المخاطر ثلاثة:
1- إنها تزيد ظاهرة الإقصاء الاجتماعي.
2- أنها تنمي الجريمة العالمية.
3- أنها تهدد أنظمتنا الاجتماعية.
و منه فقد كثر الحديث مؤخرا عن مكانة الدولة في ظل العولمة، وأكد معظم الكتاب و المفكرين أن سلطة الدولة و سيادتها آيلة إلى التآكل و السقوط تحت ضربات سلطة رأس المال العابر للقوميات و نفوذه ومن أهم هؤلاء المفكرين الذين أثارت كتاباتهم ضجة كبيرة نجد:
- تشارلز كندلبرجر: قال سنة1969:" إن الدولة القومية أوشك دورها على الانتهاء بوصفها وحدة اقتصادية"
- أما فرانسيس فوكوياما الذي يصرح بأن محاولته هي نوع من التفسير الماركسي للتاريخ فإنه ينطلق من العامل المعرفي و دور التجانس الثقافي على المستوى العالمي في كسر أطواق سيادات الدول، ‘ذ تسود ثقافة عالمية عابرة للحدود، قياسا على الشركات عابرة القومية، ويصبح لزاما على الأفراد أن يعيدوا باستمرار تأهيل أنفسهم لمجالات عمل جديدة، في مدن جديدة، ويتلاشى الإحساس بالهوية الذي توفره الإقليمية و المحلية و يجد الناس أنفسهم ينسجون من داخل العالم الصغير لأسرهم و الذي يحملونه معهم من مكان لمكان.
و يقول فوكوياما أن نهاية سيادة الدولة القومية أمر واقع لا محالة، إن لم يكن في هذا الجيل ففي الجيل التالي و إن لم يكن في التالي ففي الذي يليه......إنه واقع لا محالة.
و بخصوص صاموئيل هنتنجتون، فقد اتخذ من العامل الثقافي مرتكزا أساسيا للقول بثاكل سلطة الدولة فهو يرى أن عامة الناس في البلدان غير الغربية يظلون متشبثين بصورة عميقة بثقافة البلاد الأصلية، بيد أن هذه العلاقات قد انعكست الآن، إذ يجري نزع للطابع الغربي وغرس للطابع المحلي الأصلي في صفوف الصفوة في كثير من البلدان الغير الغربية . الأمر الذي يعني قابلية الجماهير للانفتاح على الثقافة الغربية الأمريكية و انطوائها على إمكانية التخلي عن الهوية الوطنية بما ييسر عملية تآكل سلطة الدولة و سيادتها القومية.
- أما رؤية كينشي أوماي لتآكل سيادة الدولة القومية و انتهاء دورها فإنه يقوم على أن انتشار السوق و الإيقاع السريع للتغير الثقافي يضعفان العقد الاجتماعي بين الأفراد و الأمم، وتؤدي عولمة رأس المال إلى متجانسة الثقافات، ومن ثم إزالة الفوارق بين القوميات أو الحضارات.
-أما علي حرب فيذهب إلى القول: " مع العولمة حيث الزمان الفعلي الذي يجري بسرعة الضوء يكتسح المكان التقليدي بأبعاده الثلاثة، بذلك يتعولم المكان وتزول بين الداخل والخارج، فتتشكل طوائف جديدة هويتها السوق ووطنها حيث تصل منتجاتها الأثيرية، وتتراجع الجغرافيا السياسية التي كانت تنظم العلاقات بين الدول على أساس الأمداء والمسافات، لصالح علاقات جديدة تقوم على خرق الحدود الوطنية عبر حرب المعلومات الإلكترونية".
- أما بنيامين باربر فهو يرى: " أن حركية عالم الماك تنهض بها أربعة حوافز هي: السوق والموارد وتقانة المعلومات والبيئة. وقد قلصت هذه الحوافز العالم وتفهت شأن الحدود، وأحرزت انتصارا مهما على الانقسام والخصوصية، بل دحرت الشكل الأكثر تقليدية للخصوصية: الدولة الوطنية. وهو يقتفي بذلك خطى كارل ماركس في طرحه للآلية التي تقوم فيها السوق الاقتصادية العالمية الشاملة بتفتيت الدولة القومية، فالعولمة تخلق مصادر جديدة للقوة الاقتصادية وثقافة كونية، مجردة بذلك الدولة القومية من مبررات وجودها الاقتصادية والسياسية "
- ويقول أحد الاختصاصيين في عالم التنبؤ بالمستقبل: " سنقوم بإنشاء حضارة الروح... حضارة تكون أكثر إنسانية وأكثر عدلا من العالم الذي أنشأته حكوماتكم من قبل "

وبالتالي نجد:
1. تراجع مبدأ السيادة الوطنية.
2. تراجع قوة الدولة القومية وتضاؤلها.
3. بروز مفهوم الحكم كبديل للحكومة.
4. تزايد الاتجاه نحو التكتل الدولي بين دول الشمال مع تزايد حدة التفتت في دول الجنوب.
نلاحظ من خلال ما سبق أن هناك نقاط يتفقون فيها، ويختلفون في نقط أخرى من حيث أولوية العوامل المؤثرة في تآكل سيادة الدولة و سلطتها، فهم يختلفون في دور قوى الاقتصاد و ألياتها المتعاظمة التأثير و الفعالية في كسر أطواق الحدود و الحواجز أمام الصلات التجارية و ما يلعبه ذلك من دور حاسم في تفتيت السيادة القومية للدولة انطلاقا مما يحاولون ترسيخه بوصفه مقولة وهو أن "الدولة القومية تفقد مركزيتها في اقتصاد غير مرتبط بالحدود" .
وفي الجانب الأخر نجد منهم من يثير زوابع العامل الثقافي الذي يستنهض في النفس اتجاهات و ميولات انتمائية وولائية جديدة تحمل الفرد من ضيق حدود وجوده إلى حدود أعم و أشمل هو الحضارة الإنسانية و الثقافة الشمولية للبشرية التي هي ثقافة الأقوى من غير شك، أو الثقافة الأمريكية بالمعنى الضيق، ويعني ذلك احتدام عملية التنميط الثقافي عبر عولمة القيم الغربية.
ومنه فقد عرفت سنوات التسعينات مواقف جد صعبة أثرت على مستوى ضبط التنظيم فمع ازدهار إيديولوجية السوق اختفت الوطنية كقيمة من سلوكنا، ولم تعد الرأسمالية الكوكبية بحاجة إلى القوات المسلحة إلا كسوق تورد له الأسلحة أو كمصدر تمويل البحث والتطوير وتم الاستغناء عن الشرطة اعتمادا على وحدات الأمن الخاصة بالشركات، ووصل شيوع بطاقات التأمين في دفع أثمنة المشتريات إلى حد أوسع من الدفع بالشيك، ومن ثم نتعامل مع نقود مصرفية تصدرها البنوك دون رجوع إلى سلطات الدولة واستغنت الشركات الكبيرة بصفة عامة عن القضاء في المسائل المدنية والتجارية لالتزامها مسبقا بإجراءات التحكيم وتراجعت الدولة في البلدان الصناعية المتقدمة إلى أن أصبح رؤساء الدول والحكومات يحملون في زياراتهم الرسمية عقودا تجارية خدمة للشركات الكوكبية، لقد أصبح كبار السياسة مندوبي مبيعات (SOLESMN) ، إن العولمة بهذا المعنى يمكن اعتبارها محددا ومهددا بفقدان السيادة للدول، فالمهم الآن هو مناقشة القدرة على التدخل الاقتصادي للدول أي ملائمة أشكال الرأسمالية الوطنية مع نمو الأسواق ومع الثورة التكنولوجية .
وهذا ما يفسر تراجع القواعد التقليدية في حماية الدولة أي سقوط المفاهيم الممنوعة المجالية للدولة بفعل إكراهات تجليات العولمة، وصارت هناك جرأة أكبر بكل ما تحمله من تقييد لسلطات الدولة، ومن ثم أصبحت الدولة مقولة جغرافية فقد تفتقد لعناصر الحركة فيها .
فالعولمة إذن تتضمن فضاء يشمل الكرة الأرضية جميعها، ومن هنا يطرح مصير الدولة القومية ، إن العولمة نظام يقفز على الدولة والأمة والوطن، وفي مقابل ذلك يعمل على التفتيت والتشتيت.
لقد تحولت الدولة إلى جهاز لا يملك ومن لا يملك لا يراقب ولا يوجد، فدور الدولة في المراقبة والتوجيه في المجال الاقتصادي يتقلص في نظام العولمة إلى الصفر، أو على الأقل يراد منه ذلك، أما الاتصال والإعلام فأصبحت مراقبته مستحيلة عمليا، أما السياسة الخارجية في نظام العولمة فتتولاها مؤسسات ما يسمى بالمجتمع العالمي أو الدولي وعلى رأسها مجلس الأمن سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة، علاوة على التأثير الذي تقوم به المؤسسات الدولية مثل F.M.I و BIRD.

انطلاقا من كل ما سبق و على الرغم من ان عملية العولمة قد ضربت بجذورها في الأعماق في بعض الميادين، وتخطت السيادة القومية للدول في بعض القطاعات، كالمال و الإعلام و الثقافة، إلا أن الدولة القومية مازال لها كلمة الفصل في مسائل أخرى..
إذن الحدود لن تضمحل أو تزول، و لا يعني أن المزيد من التعارف و التواصل بيت الشعوب يمحو الفوارق بينها، وبالتالي فإن سلطة الدولة و سيادتها القومية ستظل قائمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى البقاء، شريطة أن تكون متوافقة مع مقتضيات المرحلة الراهنة و المقبلة، فعلى الرغم من أن قوى العولمة تفرض تعقيدات صارمة على الحكومات القومية، إلا أنها تمنحها السلطة و القوة بأشكال جديدة، ومن ثم فإن العولمة لا يترتب عليها صفور أو تأكل سلطة الدولة القومية، بل يترتب عليها بالأحرى تغير في استراتيجيات الدولة وإعادة توجيه لطاقتها .
و بالتالي فإن تزايد دور العامل الخارجي، كما يرى برهان غليون، في تحديد مصير الأطراف الوطنية المكونة لهذه الدائرة المندمجة و بالتالي لهوامشها أيضا، من خلال تعريفه للعولمة.
لكن مم تتكون الدولة؟ و على من تمثل سيادتها؟ إنهم المواطنون الذين يمثلون الحامل العقائدي و الفكري و الثقافي و الديني و الاجتماعي...، للدولة، وهم أصلا من يفترض أنهم يشكلون أساسا محوريا في عملية تآكل سلطة الدولة من خلال الثورة المعلوماتية و الاقتصادية و الثقافية المتواشجة الصلة مع العولمة، فالواقع و المنطق التارخي يؤكد أن هؤلاء المواطنين يشكلون السياج الحقيقي للدولة القومية من خلال إرثهم الثقافي و الحضاري و الاجتماعي من جهة، ومن خلال حاملهم الديني من جهة ثانية و هو الأهم.
و هذا ما جعل هنتنجتون يعتقد أن الدين يلعب دورا مهما في إمحاء الحدود بين الأمم و القوميات، فإنه يعود ليؤكد أن الدين يفصل بين الناس بصورة أكثر حدة و حصرا حتى من العرق الإثني. فالمرء قد يكون نصف فرنسي أو نصف عربي، بل حتى مواطنا في بلدين في الوقت نفسه، لكن من الصعب أن يكون نصف كاثوليكي و نصف مسلم .

وانطلاقا من كل ما سبق ونظرا لما للعولمة من إيجابيات وسلبيات ظهرت تيارات متعددة بين مؤيد ومعارض ومعتدل ويظهر ذلك جليا فيما يلي:
1- المتحمسون للعولمة
يرى المتحمسون للعولمة أنها" قدر لا مرد له، وأنها ستصيب أمم المعمور، التي لم يعد أمامها إلا الخضوع والاستسلام لها" . ولذلك يعتبرونها فرصة ينبغي أن لا تضيع، لأنها حسب رأي هؤلاء المفتاح السحري لكل قضايا البشر الذي سيتمكن من خلاله العالم من فتح بوابة القرن الواحد والعشرين المقبل، بثورته الثكنولوجيا والتواصلية على مصراعيه وأنها جنة الأرض الموعودة، ويلوح أنصار العولمة بالتهديد بالدمار الشامل، في حالة عدم الانخراط في هذه المنظومة الكونية " لأنها سوف تقرر ليس مصير حضارة معينة، أو أمم محددة بل مصير البشرية كلها". باعتبارها" ظاهرة العصر وسمته، وإن الوقوف في وجهها ومحاولة تجنبها، أو العزلة عنها إنما هو خروج على العصر وتخلف وراءه" . فخبراء الاقتصاد العلمي سواء منهم العاملون في منظمة التنمية التعاون الاقتصادي أو في البنك الدولي أو في صندوق النقد الدولي يشجعون الدول على المضي قدما في عملية التكامل على المستوى العالمي.
" فهؤلاء الخبراء يلحون على أن إزالة الحدود أمام السوق يعبد الطرق أمام العالم الثالث للخروج من مأزق الفقر والتخلف معتبرين أن العولمة تحسن من فرص البلدان النامية للحاق اقتصاديا بركب الدول الصناعية. (فمن خلال العولمة فقط سيكون بوسع ستة مليار مواطن في العالم المشاركة في تلك الانتصارات التي لم ينعم بها حتى الثمانينيات سوى ستمائة مليون في البلدان الصناعية القديمة لا غير" .
وإذا نظرنا إلى العولمة من زاوية أخرى، فإننا نجد المناصرين لها يؤكدون على" أنها فرصة تاريخية لكسر طوق التخلف عن الدول النامية" .
ويركز الخطاب الأمريكي على القول: "بأن العولمة ليست مجرد خيار قابل للتبني والرفض، بل هي حتمية لا مناص عنها في توجه النظام العالمي الجديد. ولا خيار للعالم النامي غيرها إلا خيار بقائه محبوسا في تخلفه.ويضيف هذا الخطاب أن العولمة هي اقرب الطرق وأجداها لتحقيق الحداثة السياسية والاجتماعية والفكرية للعالم المتخلف وهي أنجع الوسائل لطيها بسرعة مراحل التنمية الشاملة لأنها وحدها الكفيلة بتأهيله اقتصاديا. وبالتالي فكريا واجتماعيا. بل يذهب الخطاب إلى قول أن تغيير العالم إلى أفضل مرهون بتطبيقها" .
والواقع أن العولمة التي هي الآن في طور البناء ليست حتمية كما يدعي المتحمسون لها وأن الحتمية التي يدعونها هي في نظرنا مجرد تكريس وترويج لمذهب وسياسة خاصة لا ترتكز على أي أساس لأن العولمة ليست أمرا محققا فعلا ومكتملة البنيان وإنما هي إرادة تتوجه نحو التحقيق الفعلي وليست بالشيء المنتهي حتى نكون ملزمين ومرغمين بالخضوع لها.
لكن إذا كانت العولمة كما ينادي بها المتحمسون لها ستعمل على إسعاد البشرية ورفاهيتها وإخراج الدول الفقيرة من فقرها وستعمل على طي مراحل التنمية فإن الانخراط فيها سيكون تلقائيا وعن طواعية لأنها علاج يبتغيه الجميع ومنظومة سينخرط فيها الجميع.
2-المعارضون للعولمة:
وعلى النقيض من ذلك فإن المعارضين للأخذ بالعولمة لا يفتأ ون يحذرون من هذه العولمة ويطالبون بمقاومتها لأنها حسب رأيهم وان بدت براقة إلا أنها لا تحمل في جوانبها قدسية البراءة فهي تعمق الفوارق وتضاعف من عجز الدول أمام ديكتاتورية الأسواق المالية " التي تحصر النشاط الاقتصادي في عدد من الشركات العالمية في الدول الصناعية الكبرى ولما تفرضه من اتجاهات وقوانين تقلص الصناعات الوطنية وتزيد فقر الفقراء وتشييع البطالة" .
فالأساس الذي اعتمدته العولمة في انطلاقتها هو تآخي وشمول شعوب العالم بالرفاهية ووضع حد لظاهرة الفقر المزرية. في حين أن ما تمت عولمته هو البؤس والفقر وزيادة الهوة بين الدول الفقيرة والغنية وزيادة البطالة والخوف والقلق من المستقبل وتعميق ظاهرة الفساد والاتجار في المخدرات والجريمة المنظمة والحرب وعدم السلام والأمن وزيادة ثراء لدا طبقة محصورة.
فقد أصبح مصطلح العولمة يعني اتساع الفرق بين البشر وبين الدول وهكذا نجد مثلا أن عدد الأثرياء في العلم يصل إلى 358 ملياردير فهؤلاء يمتلكون ثروة توازي ما يملكه مليارين ونصف من سكان المعمور وأن عددا قليلا من دول العالم تستغل %80 من الناتج العالمي الإجمالي و%84 من التجارة العلمية ويمتلك سكانها %85 من مجموع المدخرات العالمية.
ومن بين الناقمين الكارهين للعولمة الوزير الأمريكي " روبير ريتش" الذي يأخذ على العولمة "مضيها في إنشاء نظام من الطبقة السفلة داخل الديموقراطية الصناعية يتسم بالفقر وانعدام الأمل".
لقد أدت العولمة " إلى إعدام بعض المصطلحات المهمة التي شغلت ساحات الفكر والسياسة لفترة طويلة مثل مصطلح" العالم الثالث" " ومصطلح التحرر" " والتقدم " "وحوار الشمال والجنوب" والتنمية الاقتصادية. وهناك من اعتبر أن أيديولوجيتها تتميز بفقرها الرمزي والتصويري ولا ترضي التطلعات البشرية الدفينة ولا تتوفر على عناصر الحكم والأمل التي تلازم الرؤى الجماعية لضبط العلم وتغييره".
فالعولمة في رأي المعارضين لها تبتلع السياسة وتحل محل الدولة في ميادين المال والاقتصاد والإعلام الخ....ويترتب على ما تفرزه العولمة من نتائج " تضاءل إمكانات الدول المتخلفة على التدخل أكثر فأكثر في حين يتعاظم أكثر فأكثر تجاوز اللاعبين الدوليين حدود اختصاصهم من دون رقيب يذكر. ولعل القطاع العام خير دليل على ذلك كما يقول بطرس غالي الأمين العام السابق لهيئة الأمم المتحدة مضيفا بأن قادة الدول بصفتهم هذه فإنهم لا يزالون يتصورون بأن السيادة الوطنية ما فتئت في أيديهم وأن بمقدورهم السيطرة على العولمة في النطاق الوطني وأن القادة السياسيين لم يعودوا يمتلكون الكثير من مجالات السيادة الفعلية التي تمكنهم من اتخاذ القرار. إلا أنهم يتصورون بأنهم قادرون على حل المسائل الرئيسية. إني أقول أنهم يتوهمون إنهم يتخيلون أن هذا بوسعهم.
" والواقع أن دور الدولة في عصر العولمة قد تقلص في القيام بدور الدركي لنظام العولمة نفسه. وإذا تقلصت مهام الدولة انحصر مجال السياسة. فالعولمة تقتضي الخوصصة أي نزع ملكية الأمة ونقلها للخواص في الداخل والخارج وهكذا تتحول الدولة إلى جهاز لا يملك ومن لا يملك لا يراقب ولا يوجه.وبالفعل فدور الدولة في المراقبة والتوجيه في المجال الاقتصادي يتقلص في نضام العولمة إلى درجة الصفر أو على الأقل يراد منه ذلك. أما في مجال الاتصال والإعلام والثقافة فالمراقبة أصبحت مستحيلة عمليا إذ لم يعد للدولة في هذا المجال سوى خيار واحد وهو تسهيل الاتصال وسريان الإعلام لفائدة الشبكات العالمية .أما السياسة الخارجية في نضام العولمة فتتولاها بصورة مباشرة أو غير مباشرة مؤسسات ما يسمى " المجتمع الدولي " وعلى رأسها مجلس الأمن. هذا فضلا عن التأثير التي تمارسه المؤسسات الاقتصادية " العالمية " مثل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. جميع هذه الشؤون التي تنتزعها العولمة من الدول تنتزعها أيضا من السياسة فتتركها بدون موضوع لأن العولمة تفرض طريقا واحدا وفكرا وحيدا: اللبرالية ولا شيء غير اللبرالية تعني اليوم الخوصصة والعولمة.
أما المواطنون في عالم العولمة فهم صنفان : المستهلكون للعولمة المندمجون فيها والمشددون إلى " الخارج " خارج الدولة والأمة والوطن هؤلاء مشغولون ومستلبون في عالمهم الا مرئي عالم الاتصال الذي لا يسمح بالانفصال وإمكانيات الاستقلال بالرأي وهؤلاء إذا يعيشون في عالم الإنسانية. أما الصنف الثاني من المواطنين فهم جموع المحرومين المنبوذين من عاطلين عن العمل ومسرحين ومهمشين ومقهورين الخ....هؤلاء تتركهم العولمة لقانون اصطفاء الأنواع" . بل إن هناك من يذهب أبعد من ذلك ويعتبر أن %20 من السكان العاملين ستكفي في القرن القادم للحفاظ على النشاط الاقتصادي الدولي. وإنه سيسود العالم مبدأ " إما أن تأكل أو تؤكل ".
ويضيف المعارضون لركوب هذه القاطرة بأنها جرافة المعلوميات والتكنولوجيا الجبارة وإنها ستؤدي إلى تدمير منهجي لثقافة الشعوب باعتبارها قوة استعمارية جديدة أو أصولية جديدة أخطر من أي أصولية ثقافية أو دينية.
وهناك من يرى "إن العولمة عبارة عن القولبة الكلية للأحادية الأكثر اتساعا وشمولية تنجرف إليها الأوضاع الدولية مدفوعة نحوها بالثورتين الاقتصادية والمعلوماتية المذهلة".
واعتمادا على ما ذكر ينبغي في نظر هؤلاء المعارضين الانغلاق على الذات والانكماش داخل بوثقة ضيقة. ولعل لهؤلاء ما يشفع لهم في مواقفهم هذه خصوصا عندما نقرأ أقوالا كتلك التي وردت في كتاب " المشكلون لسلوك الشعب لمؤلفه نانس باكاد " الذي اعتبر في مؤلفه " أنه من الممكن استخدام معارفنا المتطورة لاستعباد الناس بطريقة لم يحلم بها أحد من قبل بإلغاء شخصياتهم المتميزة والسيطرة على عقولهم بوسائل يتم اختيارها بعناية بحيث لا يدركون أنهم فقدوا شخصياتهم" .أو عندما نسمع العالم الأمريكي "سكنير " يقول "نحن نحتاج إلى تقنية جديدة لتغيير السلوك البشري ولا نحتاج لأجيال متعاقبة من "السوبرمان" تملك الوسائل القادرة على زرع السلوك الذي نريده".
وهكذا نرى أن مفهوم العولمة حسب رأي المعارضين لها هو توسيع الهيمنة الأمريكية وأمركة العالم كله وهو ما أعلنه بالفعل فريدمان " نحن أمام معركة سياسية وحضارية فظيعة. العولمة هي الأمركة والولايات المتحدة قوة مجنونة نحن قوة ثورية خطيرة وأولئك الذين يخشوننا على حق إن صندوق النقد قطة أليفة بالمقارنة مع العولمة. في الماضي كان الكبير يأكل الصغير أما الآن فالسريع يأكل البطيء".
و يرى المهتمون بالشؤون الاقتصادية أن النهج الذي تسير فيه الولايات المتحدة راعية العولمة اخذ ينهار بسبب ما يلاحظ من انتشار الجريمة في هذا البلد. ففي ولاية كاليفورنية فقط التي تحتل بمفردها المرتبة السابعة في قائمة القوى المخصصة لقطاع التعليم إن هناك 28 مليون مواطن أمريكي أي ما يشكل عشر السكان قد حصنوا أنفسهم في أبنية وأحياء سكنية محروسة. ومن هنا فليس من الغريب أن ينفق المواطنون الأمريكيون على حراسهم المسلحين ضعف ما تنفقه الدولة على الشرطة لكونها تخفي من ورائها أضرارا خطيرة. فهي كما صورها "كرولين طوماس وتبيستر ولكين" في كتابهما الذي صدر سنة 1997 تحت عنوان " العولمة والجنوب " بانما" ليست فقط تكرس الفروقات وانعدام العدالة الاجتماعية والمساواة بين الشمال المتخم بالغنى والجنوب المدقع بالفقر، وإنها تضاعف هذه الفروقات وتجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل ردم الفجوة التي اتسعت وسوف تتسع مع العولمة ليست في دول الجنوب فحسب، وإنما سوف تعمق جيوب الفقر داخل الغرب نفسه بل إن الخوف امتد إلى عدم تخوف الجناح المتطرف من العولمة يرجع لعدم وضوح الرؤيا بالنسبة لخطاب العولمة في الاقتصاد العالمي " فهي لا تتبع بالضرورة مبدءا واحدا يسري على كل أرجاء المعمورة. ففي حين تدعو بلدان الرفاهية القديمة إلى ضرورة تراجع دور الدولة وإعطاء قوى السوق مجالا أوسع تطبق على البلدان الصاعدة حديثا العكس من ذلك. كما أن قادة المؤسسات أنفسهم الذين يرفضون في الولايات المتحدة الأمريكية أو ألمانيا كل أنواع التدخل الحكومي في قراراتهم الاستثمارية رفضا قاطعا نعم هؤلاء أنفسهم يخضعون في آسيا صاغرين استثمارات تبلغ المليارات للشروط التي يضعها البيروقراطيون الحكوميون الذين لا يتهيبون من تسمية عملهم بالتخطيط الاقتصادي المركزي. ولكن على ما يبدو ترسي الأرباح المتحققة في سياق معدلات نمو تتكون من خانتين كل التحفظات الأيديولوجية".
3- المعتدلون الذين ينادون بالأخذ بالعولمة بحذر:
ومن المتحمسين لفكرة ركوب قاطرة هذه المنظومة الكونية والمعارضين لها جاء فريق وسط واعتبرها قدرا محتوما ينبغي التعامل معها وتطويعها لخدمة مصالح المجتمع أو الحد من أخطارها لكون التحولات الجوهرية التي يعرفها المسرح العالمي تتطلب المزيد من الحذر والانتباه إلى المفهوم الحقيقي لنوع العلاقة مع الآخرين حينما نكون بصدد وضع الخيارات والتوجهات العامة لأي بلد. ويمكننا القول بأن العولمة الحقيقية التي ينبغي تبنيها والدفاع عنها هي تلك التي تهدف جعل سكان العالم أشبه بسكان القرية الكونية. ولتحقيق هذا الهدف ينبغي أن يكون هناك وعي بين مختلف طبقات المجتمع المدني العالمي بقضايا هذا العالم في إطار شمولي وموحد يساهم في بنائها وبلورتها وقولبتها المجتمع العالمي بكامله لا أن ينفرد به قطب معين على حساب مصالح الآخرين أو فرض سيطرة جهة على أخرى. وأن يقوم زارعو نبتة العولمة والمدافعين عنها بتغيير لغتهم وخطاباتهم وحوارهم السياسي والأيديولوجي الاستراتيجي مع شعوب العالم وفتح أواصر جديدة للإخاء والتعاطف.
وهذا الاتجاه الوسطي هو الذي تبنته بلادنا "عندما انخرط المغرب عن وعي في عصر العولمة واتبع منطق وقواعد اقتصاد السوق منذ عدة عقود وقد كانت الظروف التي فضل فيها هذا الخيار ذات طبيعة معقدة سواء على الصعيد المحلي أو الدولي إذ تميزت بإعادة توزيع المتدفقات الاقتصادية والتجارية والمالية التي غالبا ما تخضع لتفسيرات التوجهات الأيديولوجية وأحكام القمة التي تضيفها عليها.. لقد انحاز المغرب لصف المنخرطين في عولمة مضبوطة ومعقلنة تمر لزاما عبر تقوية وإعادة تأهيل سلطاته الإدارية وهو خيار أوجبته الثورة التكنولوجية التي أصبحت تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد والمبادلات والاستثمار.و تتسم مقاربة المغرب للعولمة بالواقعية القائمة على أساس مشروع مجتمعي متكامل تتكاثف داخله جميع العناصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كما تتسم بالواقعية أيضا على المستوى الإقليمي فسواء تعلق الأمر بالمغارب العربي أو الشرق الأوسط أو أوروبا أو منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، يظل التقدم على مستوى التعاون الإقليمي مسألة ضرورية لا محيد عنها لإضفاء طابع التفاؤل على الوضع الذي نشأ نتيجة تسارع مسار العولمة وتعميقه" .
ولعل وعي المغرب بالأخذ بالعولمة مع الحذر التام تمثل في انخراطه عن وعي في مسلسل العولمة بانتقاله من منطق طلب المساعدة إلى منطق طلب الشراكة مع الاتحاد الأوروبي القائمة على أساس الحقوق والواجبات وأصبح شريكا معه بعد مؤتمر الأ ورو متوسطي ، وبعد احتضان بلادنا الميلاد الرسمي لسياسة العولمة حيث احتضنت مدينة مراكش مؤتمر الغات في ربيع 1994 الذي تولد عنه ميلاد المنظمة العالمية للتجارة كما احتضنت بلادنا أيضا في أكتوبر1994 التظاهرة الاقتصادية الكبرى التي شكلت منعطفا هاما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط بصفة عامة والمتمثلة في مؤتمر القمة الاقتصادية حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.










































مقدمة:
يعتبر الوضع الاجتماعي الحالي بالمغرب امتداد لتواريخ بعينها، فاستقلال البلاد والتحرر من الهيمنة الاستعمارية جعل المغرب يفكر في كيفية التغلب على مظاهر التخلف التي تركها الاستعمار. وتعد نهاية سبعينيات القرن الماضي أحد المنعطفات الكبرى التي رسمت معالم المجتمع المغربي في مستهل الألفية الثالثة. في هاته الفترة سيلقى الاقتصاد المغربي ضربة موجعة، وجهت له من قبل تحالف عوامل خارجية وداخلية اضطرته إلى اللجوء للمؤسسات المالية الدولية. فالسياسة الحمائية التي انتهجتها بعض الدول حيال المنتوجات المغربية وارتفاع أسعار المحروقات و تقلبات الأسواق الدولية، وضرورة إعداد التراب الوطني، كلها عوامل أدت بالدولة المغربية إلى اقتحام مجال الاستثمار ومنه إلى الاقتراض، وانتهاء بطلب إعادة جدولة ديونها الخارجية.
وبالتالي فإن تاريخ تطبيق السياسات النيوليبرالية المطبقة اليوم ببلادنا، كما هو الشأن في مجموعة من "بلدان الجنوب"، يعود إلى مطلع الثمانينات من القرن الماضي حيث نتج عن المفاوضات مع المؤسسات المقرضة تبني الدولة برامج إصلاحية لتجاوز الأزمة واتباع برامج لتقويم اقتصادها، فسارت على خطى برامج مسطرة من طرف خبراء دوليين، بهدف تحقيق نتيجتين اقتصاديتين: التوازن والنمو. و سقطت البلاد تحث رحمة مخططات المؤسسات المالية العالمية (صندوق النقد الدولي، البنك العالمي...) و التي ابتدأت بمخطط التقويم الهيكلي وصولا إلى عقد اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوربي و اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية و الاتفاقيات الأخرى المماثلة.
فما الجديد الذي جاء به برنامج التقويم الهيكلي؟ وما مدى انعكاسه على المجتمع المغربي؟ وما هي التقارير التي يقدمها البنك الدولي بشأن المغرب كل سنة؟



سياسة التقويم الهيكلي: L’ajustement structurel
- مفهوم التقويم الهيكلي:
التقويم الهيكلي هو سياسة اقتصادية ومالية تهدف إلى القضاء على الأسباب العميقة للاختلال الاقتصادي، وذلك على المدى المتوسط والطويل. كيف ذلك؟
إن المغرب كغيره من الدول النامية، عانى من عدة مشاكل اجتماعية واقتصادية ونظرا لما للجانب الاقتصادي من آثار على الجاني الاجتماعي فإننا نحاول رصد بعض المشاكل الاقتصادية التي أثرت على تنمية المغرب. ومن أهم هذه المشاكل العجز عن الأداء بشكل عميق. ومن المؤشرات الأساسية التي عادة ما تقاس بها حالة العجز في ميزان الأداء لبلد ما نذكر مؤشرين اثنين:
 تراكم المستحقات المتأخرة للدين العام الخارجي.
 تناقص احتياطات النقد الأجنبي وعدم كفايتها لتمويل فاتورة الواردات.
وللخروج من وضعية الاختناق الاقتصادي تفرض المؤسسات المالية العالمية (صندوق النقد الدولي- البنك العالمي...) مجموعتين من التدابير والإجراءات على الدول المعنية كالمغرب، قصد تجاوز تلك الوضعية. ويوجد في مقدمة هذه التدابير ما يسمى:
ببرنامج التقويم الهيكلي: Programme d’ajustement structurel والذي ينبني على ضرورة القيام بإصلاحات ومراجعات بهدف إدخال تغييرات على البنيات والاختيارات التي تقف وراء مظاهر الاختلال الاقتصادي والمالي للبلد المعني.
ننطلق في البداية من التمييز بين سياسة التثبيت الاقتصادي وسياسة التقويم الهيكلي، فالأولى ذات مدى قصير وتتم تحت مراقبة صندوق النقد الدولي (FMI)، بينما الثانية وهي ذات مدى متوسط وبعيد، فهي تطبق تحت إشراف ورعاية البنك الدولي (BM). وبشكل عام فإن سياسات التقويم ترتبط بجدولة الديون، حيث يتم فرضها في الحالة التي يريد فيها بلد معين إعادة جدولة ديونه الخارجية، أو الاستفادة من التمويلات التي يقترحها مخطط برادي.
- إعادة جدولة الديون: Le Rééchelonnement des Dettes
إن الدولة التي تعاني من صعوبات في تأمين خدمة ديونها الخارجية تكون أمام حلول ثلاثة أساسية:
1. عدم تسديد الديون.
2. تسديد الديون.
3. إعادة جدولة الديون.
بالنسبة للاختيار الأول: هو اختيار مستبعد لأنه يؤدي عمليا إلى فقدان ثقة المؤسسات والدول المقرضة، لذلك لم يسبق لأي دولة أن عملت بهذا الاختيار.
أما اختيار الثاني: يبقى غير ناجع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، باعتبار أن تسديد الديون في هذه الحالة يتم على حساب التنمية الاقتصادية للبلد المعني.
والاختيار الثالث و الأخير: يمثل الحل الوسط ، ويتمثل في طلب تأجيل تواريخ الاستحقاق، مع ما يعنيه ذلك من إمكانية الاستفادة من مكاسب إعادة الجدولة، والتي يمكن التعبير عنها من خلال المعادلة التالية:


ومن النتائج المباشرة لإعادة جدولة الديون، النقص من إمكانات خروج رؤوس الأموال.
ولتحقيق مكسب إعادة جدولة الديون فإن البلد المعني يتفاوض إما مع نادي باريس أو مع نادي لندن.
نادي باريس: ويمثل المؤسسة المكلفة بإعادة التفاوض حول ديون الدول النامية تجاه الحكومات.
نادي لندن: ويمثل المؤسسة المكلفة بإعادة التفاوض حول ديون الدول النامية تجاه الأبناك التجارية الدولية.
ولا بد من الإشارة إلى أنه من شروط التفاوض مع هاتين المؤسستين لإعادة الجدولة، ضرورة التوقيع المسبق لاتفاق التقويم الهيكلي مع صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، مع العلم أن هذين الأخيرين لا يقبلان إعادة جدولة ديونهما وبالنظر إلى الشروط المحيطة بعملية إعادة الجدولة فلا يمكن القول إلا أنها تمثل شكلا جديدا من أشكال التبعية المالية للدول الدائنة، أي أنها لا تمثل في حد ذاتها حلا لأزمة المديونية.
مخطط نيكولا برادي: يشكل أحد السيناريوهات المقترحة من طرف برادي، كاتب الدولة الأمريكي في الخزينة، ويقدم على أساس أنه شكل من أشكال التعاون بين صندوق النقد الدولي والبنك العالمي من جهة، والأبناك التجارية الدولية من جهة ثانية، وذلك كمحاولة للتخفيف من عبء المديونية على الدول النامية.
ويرتكز هذا المخطط على ثلاثة عناصر أساسية هي:
 التخفيض بنسبة لا تقل عن 20% من الدين العام للدول ذات الدخل المتوسط.
 مساعدة هذه الدول على شراء جزء من ديونها اتجاه الأبناك التجارية الدولية.
 استفادتها من قروض جديدة تسمح لها بإعادة تكوين احتياطاتها من العملات الأجنبية.
لكن الاستفادة من هذه التمويلات التي يسمح بها هذا المخطط ، تقتضي ضرورة تطبيق سياسات التقويم الهيكلي.



خاصيات التقويم الهيكلي:
 أنه لا يوظف فقط الوسائل ذات الطابع الاقتصادي، بل يلجأ إلى مقتضيات وتدابير ذات طبيعة سياسية، أو اجتماعية، أو ثقافية...
 إن إجراءات التقويم الهيكلي تحل محل السياسة الاقتصادية الوطنية، بل كثيرا ما تحد من استقلالية البلد المعني على مستوى اتخاذ القرارات.
 مراقبة دورية للأداء الاقتصادي للبلد المعني من طرف صندوق النقد الدولي بهدف ضمان الانصياع الكامل للبرامج والمواقيت الزمنية الخاصة بها.
الآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسة التقويم الهيكلي:
1) تعرض الاقتصاد الوطني ذات البنية الهشة لصدمات خارجية.
2) خلق التضخم.
3) ارتفاع الأسعار وإلغاء الدعم المقدم للمواد الأساسية.
4) ارتفاع أثمان المنتجات المستوردة.
5) إضعاف دور الدولة.
6) تعميق عدم التكافؤ في توزيع المداخل.
7) ارتفاع معدلات البطالة.





I. تقرير البنك الدولي حول الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب في ظل العولمة:
- تقرير 2000:
قدم البنك الدولي يوم 23 يونيو 2000 تقريرا عن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب في بداية العقد الأول من الألفية الثالثة يستقي في استنتاجات وخلاصة الدراسات المنجزة حول مصادر التنمية للاقتصاد الوطني ويهتدي هذا التقرير إلى ضرورة وعجالة اعتماد سياسة اقتصادية جديدة قصد الحد من تنامي البطالة، وكذا مناهضة الفقر المدقع.
وبالرجوع إلى الحقب الاقتصادية السابقة يرى التقرير أنه إذا تميزت سنوات الثمانينات بأشد إكراهات التقويم الهيكلي وإعادة جدولة الديون، فإن حقبة التسعينات اتسمت بوضعية الركوض المتجلية في جل مؤشرات الاقتصاد الوطني، حيث تدنى متوسط معدل النمو الاقتصادي في الفترة من 1991 إلى 1998 إلى 1.9، في الوقت الذي بلغ فيه متوسط النمو الديموغرافي 1.8 سنويا.
فلأول مرة مند عقد من الزمن عرفت بلادنا تفاقم البطالة والفقر، وهكذا فقد قطاع النسيج وقطاع البناء 500 ألف منصب شغل في عام 1998، وكذلك تقارب البطالة في الوسط الحضري سنة 1999 ما نسبته 22 من تعداد السكان البالغين سن الشغل أو الوافدين على سوق التشغيل.
ويخشى أن تتزايد ظاهرة الهجرة القروية من جراء آثار الجفاف الذي يفتك بالعالم القروي، وارتفعت نسبة الفقراء من 1991 إلى 13 في عام 1999. وفي هذه الصورة القاتمة التي هي نتاج السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة على مدى العقود السابقة أكثر مما هي في حكم الطبيعة وما أقرته من تحولات مناخية وبيئية ما يوحي ويفيد بضرورة المراجعة السياسية الاقتصادية الراهنة التي يعتبرها البنك الدولي في تقريره للسياسة الاقتصادية ثم تصورها في سنوات الثمانينات وهي إذا حققت أهدافها فلقد أبانت عن محدوديتها، في مواجهة واقع اليوم ومستجداته.
وهكذا خلص البنك الدولي في تقرير إلى حاجة المغرب إلى اعتماد سياسة اقتصادية جديدة يصنفها بالحقبة الثانية من التحررية الاقتصادية.

- تقرير سنة 2004:
قال تقرير صادر عن البنك الدولي، نهاية عام 2004، إن المؤشر الرقمي المغربي للفقر يصل إلى نحو 17% من إجمالي سكان المغرب، ويختلف هذا المؤشر بين المدن والأرياف.
وأوضح التقرير، أن الأرياف هي الأكثر فقرا، إذ أن معدل الدخل السنوي يقارب 3037 درهما (366.47 دولار)، في حين يصل المعدل السنوي للدخل بالمدن إلى 3922 درهما (473.26 دولار).
واعتمد التقرير في توصله إلى هذه النتيجة على دراسات أنجزت حول الاستهلاك المنزلي عام 2001 وتقديرات المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب لنفس العام.
ولاحظ التقرير وجود فوارق بارزة بين البلديات والجهات من حيث معدلات الفقر، ويصل المعدل الإجمالي للفوارق بين المحافظات إلى 29% إذا ما تم احتساب ساكني القرى فقط، وينخفض إلى 18% إذا ما أضيف إليهم سكان المدن، وبالمقابل يصل معدل الفارق بين البلديات في القرى إلى 55%.
وأوضح التقرير أن البرامج الاجتماعية للحكومة المغربية التي تستهدف المناطق القروية على مستوى المحافظات، يمكن أن تشكل مقاربة فعالة لتحسين وضعية الفقراء وتجنب تحويرها لفائدة السكان الميسورين، كما أن وضع خريطة مدققة للفقر تمكن من معالجة الفوارق على مستوى بلديات المدن.
بيد أن التقرير توقع تراجعا في معدل الفقر في السنوات المقبلة، استنادا إلى تحسن معدل النمو بالنسبة للناتج الداخلي الإجمالي وخاصة في القطاع الزراعي، إذ حقق في الفترة الفاصلة ما بين عام 1999 و2003 نسبة 4%.
وثمن التقرير مجهودات الحكومة المغربية لاعتمادها إصلاحات تهم قانون المصارف الذي أعطى استقلالية لبنك المغرب (المصرف المركزي) لتدبير جيد للقطاع في إطار من الشفافية، وكذا المصادقة على قانون مدونة الشغل الذي يضبط بدقة حقوق وواجبات أرباب العمل والمشغلين على السواء، وخصصة قطاعات بنيوية تهم الاتصالات والنقل، وقوانين الجمرك، وتحرير التجارة لعقد اتفاقيات التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي وأميركا، علاوة على برامج تهم تمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة.
وناشد التقرير الحكومة المغربية باعتماد معدل صرف أكثر مرونة يسمح للمغرب بالاستجابة للتغييرات الحاصلة في الأسعار العالمية لضمان تنافسية جيدة.
- تقرير سنة 2005:
حذر البنك الدولي في تقرير صادر عنه، المغرب من التوترات الاجتماعية، التي قد يتعرض لها، نتيجة الأزمة الاقتصادية، التي تمر منها البلاد. وجاء في التقرير الذي صدر في 100 صفحة من الحجم الكبير، أن نسبة النمو الضعيفة، والارتهان إلى معدل تساقط الأمطار غير المستقر، واستمرار عجز الميزانية، الناتج عن ارتفاع حجم أجور الموظفين، وضعف المؤشرات الاجتماعية في ما يخص مستوى الدخل، وارتفاع نسبة البطالة، والضغط المتزايد على الموارد الطبيعية، كلها مؤشرات تهدد باضطرابات اجتماعية، قد تجعل أي إصلاح اقتصادي أو اجتماعي غير ممكن في حال حدوثها.
والمعروف أن المؤسسة الدولية النقدية تقول إنها وضعت إستراتيجية للتعاون مع المغرب، تمتد من 2005 إلى 2009 لمواكبة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، التي تباشرها الحكومة.
وحسب واضعي التقرير، فإن الهدف من الإستراتيجية هو الرفع من وتيرة النمو، المنتج لفرص الشغل، وكذا الحد من الفقر والتهميش. ويرى البنك الدولي أن المناخ السياسي والإداري الحالي بالمغرب مناسب أكثر مما مضى لإدخال إصلاحات، بالنظر إلى الشعور بضرورة التعجيل بها، سواء من أعلى سلطة قرار أو من هيئات المجتمع المدني. ويعرض البنك الدولي في تعاونه مع المغرب برنامج قروض مرنة، تتراوح بين 250 و 350 مليون دولار سنوياً، بغية ضمان تمويل الخطط المدرجة في نطاق هذه الإستراتيجية.
وقد عبر المغرب من جهته خلال سنة 2005 عن رغبة في تحديد القرض في مستوى 300 مليون دولار. وبخصوص الدين الخارجي، أشار التقرير إلى أن المغرب نجح في تنويع مصادر الاقتراض الخارجي، ولم يعد معها البنك الدولي، بما يقدمه من قروض، وحده المساهم في توفير دعائم لمباشرة الإصلاحات.

قبل صدور هذا التقرير بشهر تقريبا أي في 16 سبتمبر 2005 دعا صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي حول الوضع في المغرب السلطات المغربية إلى إضفاء المزيد من الليونة على سياساتها الاقتصادية الرامية إلى تسريع النمو.
وجاء في الوثيقة أنه بالرغم من أن سياسة الموازنة الحالية ومستوى الديون لا يشكلان مخاطر على الاستقرار الاقتصادي على المدى القصير فإن السياسيات الحالية إذا تواصلت قد تخفض من قدرات السلطات على امتصاص الصدمات، الأمر الذي قد يحد من النمو. وبعد أن أشاد الصندوق بالمغرب لأنه حافظ على الاستقرار الاقتصادي واستمر في تنفيذ برنامج إصلاحات هيكلية شدد على أن النمو لا يزال هشا وغير كاف لخفض البطالة والفقر بشكل فعلي.
ودعا الصندوق في تقريره المغرب إلى تحقيق نمو قوي خارج القطاع الزراعي واعتبر أن تسريع الإصلاحات الهيكلية وتعزيز الميزانية أمران أساسيان في إستراتيجية النمو القوي.
وعرض الصندوق اقتراحات عدة منها إصلاح النظام الضريبي بتوسيع قاعدة المساهمين وبخفض النسبة الضريبية وتسهيل ومواصلة خفض الضرائب الجمركية وتحرير قطاعات اقتصادية أخرى مثل ما تم إنجازه في قطاعي الاتصالات والسياحة.
ودعا صندوق النقد الدولي الرباط إلى تطبيق كامل لقانون العمل الجديد وإلى التسريع في الإصلاحات القضائية لتحسين ثقة المستثمرين. كما أشار التقرير إلى إنجاز تقدم في مجال الشفافية لتحسين أجواء الأعمال.
II. تقرير المندوبية السامية للتخطيط.

1) مفهوم المندوبية السامية للتخطيط: haut Commissariat au Plan
المندوبية السامية للتخطيط، هي هيأة رسمية مكلفة بالإحصاء، تتمتع بالحياد في إنجاز تقاريرها وذلك اعتمادا على معطيات الجهات الرسمية دون السماح لهذه الأخيرة بالتأثير عليها وهو ما جعل المندوبية أكثر من مرة عرضة لانتقادات الحكومة حتى بات البعض يتحدث عن وجود حرب خفية بين المندوبية والحكومة.
2) أهداف المندوبية السامية للتخطيط
 Déterminer la population légale de toutes les unités administratives .
 connaître les différentes structures socio-économiques de la population et déterminer les caractéristiques du parc logement à tous les niveaux géographiques.
 constituer la documentation de base nécessaire à l élaboration de l échantillon-maître .


لقد وجه التقرير الأخير للمندوبية السامية للتخطيط ضربة قوية للحكومة السابقة في آخر أيامها حين وصف وتيرة النمو الاقتصادي ببلادنا خلال الفصل الأول من السنة الجارية بالبطء الملحوظ. وجاء تقرير المندوبية ليرد على الادعاءات التي طالما ترددها الحكومة قبل رحيلها والمدعمة بالأرقام والمعطيات التي ظلت تواجه ارتياب المتتبعين للشأن العام الوطني.
و يأتي تقرير المندوبية ليرد الأمور إلى نصابها بعدما راحت الحكومة الحالية تمارس ديماغوجيتها الرقمية والتي طالما أثارت حفيظة الرأي العام الوطني للنظر لابتعادها عن الواقع.
وهكذا، عزا التقرير المذكور هذا البطء الملحوظ للنمو الاقتصادي لبلادنا خلال الفصل الأول إلى تراجع الأنشطة الأولية وكذا إلى ظرفية اقتصادية عالمية أقل ملاءمة مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية.
وقد أقر التقرير أن استهلاك الأسر عرف تباطؤا بالمقارنة مع السنة الماضية مبرزا أن الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار المواد الغذائية خلال سنة 2006 و بداية 2007.
في مجال التشغيل وعكس ادعاءات الحكومة، فإن التقرير أكد أن معدل البطالة ارتفع ما بين 2006 و 2007، حيث شهدت بداية السنة الحالية دخول 89 ألف إلى عالم البطالة ببلادنا، وهو ما يعني الانتقال من 9.7 في المائة السنة الماضية إلى 10 في المائة بارتفاع 0.4 نقطة خلال سنة.
وكما كان منتظرا، تراجعت القيمة المضافة للقطاع الفلاحي حسب التقرير بنسبة 18 في المائة خلال الفصل الأول من 2007، نتيجة الظروف المناخية الصعبة التي شهدتها بلادنا الموسم الماضي، كما تراجعت الأنشطة المرتبطة بتربية المواشي. نفس التراجع عرفته الكميات المصطادة من السمك السطحي والعمقي خلال الخمسة أشهر الأولى من السنة الحالية بنسبة بلغت على التوالي 7.3 و 4.3 في المائة علما أن القيمة المضافة للقطاع استمرت في انخفاضها بنسبة ناقص 5 في المائة نتيجة ضعف المخزون السمكي.
وبخصوص المالية العمومية، فقد أبرز التقرير المذكور أن وضعيتها تعرف تدهورا نسبيا نتيجة بطء النمو الاقتصادي خلال السنة الحالية من جهة ومن جهة أخرى استمرار ارتفاع أسعار البترول مشيرا إلى أن نفقات الخزينة العامة شهدت ارتفاعا ب29.6 في المائة في متم الأربعة أشهر الأولى من السنة الحالية، وهمت هذه الزيادة كل من مصاريف التسيير والاستثمار في المقابل لم يتجاوز نمو الموارد 20.4 في المائة بالرغم من التحسن الملحوظ في المداخيل الجبائية.
و يمكن القول إن تقرير المندوبية السامية للتخطيط جاء ليسد ثغرة تركتها الحكومة الحالية وتتمثل في عدم إنجاز أي تقييم لحصيلتها علما أن الحصيلة التي تقدم بها الوزير الأول اعتبرت غير ذات مصداقية بالنظر لتخندقها في العموميات والضبابية.
كما أكد آخر تقرير للمندوبية السامية للتخطيط في المغرب أن تكاليف المعيشة في البلاد ارتفعت بنسبة 2 في المائة.

وسبّب هذا الارتفاع في التكاليف اليومية الضرورية لعيش المواطنين البسطاء يعود حسب نفس المصدر إلى الزيادات في الأسعار والتي شملت كلا من المواد الغذائية بـنسبة 3.2 في المائة والمواد غير الغذائية بنسبة 1 في المائة.

وتراوحت نسب الارتفاع في باقي المجموعات غير الغذائية ما بين 0.7 في المائة بالنسبة للعلاجات الطبية و2.8 في المائة بالنسبة إلى السكنى.

أما على مستوى المدن، فأوضح بيان المندوبية السامية للتخطيط، وهي هيأة رسمية مكلفة بالإحصاء، أن الرقم الاستدلالي لتكلفة المعيشة سجل خلال عام 2007 أهم ارتفاع في مدينة فاس بـ 3 في المائة وفي مراكش بـ2.8 في المائة وفي الرباط والعيون بـ2.7 في المائة، فيما سجل أقل ارتفاع في طنجة بـ1.8 في المائة وفي أكادير بـ1.7 في المائة وفي الدار البيضاء بـ1.3 في المائة.

وعلى المستوى الشهري، سجل الرقم الاستدلالي لتكلفة المعيشة خلال شهر ديسمبر من عام 2007 استقرارا بالمقارنة مع الشهر السابق.

وعزت المندوبية السامية هذا الاستقرار إلى تراجع الرقم الاستدلالي للمواد الغذائية بـ0.1 في المائة نتيجة الانخفاض الذي عرفته، على الخصوص، أثمان الفواكه الطازجة بـ17.7 في المائة والبيض بـ3.7 في المائة والفواكه اليابسة بـ 0.6 في المائة، وارتفاع الرقم الاستدلالي للمواد غير الغذائية بـ0.1 في المائة.

وبالموازاة مع هذه الأرقام والدراسات الرسمية وغير الرسمية التي تؤكد ارتفاع تكلفة المعيش اليومي بالنسبة للمواطنين المغاربة، خرج المئات من المتظاهرين خلال الأسابيع القليلة الماضية في عدد من المدن المغربية احتجاجا على الغلاء ( احتجاجات مدينة صفرو يوم الأحد 23 سبتمبر مثلا)، وعلى ارتفاع ثمن الماء والكهرباء، مما يهدد حسب المراقبين بانفجار اجتماعي وشيك، بدأت ملامحه الأولى تظهر مع تسرب أخبار تفيد عزم النقابات العمالية القيام بإضراب وطني منتصف الشهر المقبل مما قد يتسبب في شلل تام لكل القطاعات الحيوية في البلاد.

ومع تسرب أنباء التنسيق الذي تقوم به النقابات على المستوى الوطني للقيام بإضراب عام يذكّر الرأي العام بإضرابات الثمانينات من القرن الماضي الدموية، سارعت الحكومة المغربية إلى عقد لقاءات عاجلة مع النقابات من أجل إيجاد وسيلة لامتصاص الغضب الشعبي المتزايد، ولمنع قيام الإضراب المرتقب، كما استطاعت اللقاءات التي عقدتها الحكومة مع ممثلي أرباب المخابز إقناعهم بالتراجع عن الزيادة في ثمن الخبز التي كانوا يلوحون بها عقب الزيادة في أثمان الدقيق.

إلا أن المتتبعين للشأن الاجتماعي يؤكدون أن الحكومة قد تنجح في تقديم بعض المسكنات لتأخير موعد الانفجار دون أن تستطيع منع حدوثه .

وكخلاصة، يمكن القول أنه نظرا لانطلاق العولمة من الاقتصاد، واهتمامها المتزايد بانفتاح السوق أهملت الجانب الاجتماعي، مما أدى إلى وجود شروخ وهوات عميقة بين الشرق والغرب، بين الشمال والجنوب، بين المحيط والمركز، وقد انعكس ذلك على مجتمعات العالم الثالث مما أدى إلى ظهور فوارق طبيقية داخل المجتمع الواحد، ولعل الحالة التي وصل إليها المغرب وحسب ما جاء في تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يحتل المغرب المرتبة 126 من أصل 177 بلدا على صعيد التنمية البشرية بعدما كان يحتل المرتبة 123 سابقا، وجاء هذا التصنيف كنتيجة حتمية لانخراطه المفروض في مسلسل العولمة ، وكذلك للتوجهات السياسية المُعتمدة، أي للنموذج الذي اعتمده المغرب واختياراته الاقتصادية والاجتماعية، حيث نجد أن هذه الأخيرة طبقية، لأنها تكرس إغناء الأغنياء وتفقير الفقراء.
ومن أجل تدارك هذا الموقف وبعد التحذير الذي قدمه البنك الدولي في أبريل سنة 2005 للمغرب في تقريره الذي أشرنا إليه سابقا، أعلن جلالة الملك محمد السادس عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في خطاب موجه إلى الشعب المغربي في الثامن عشر من ماي 2005، كإطار جديد لمحاربة الفقر والإقصاء، حيث قدم جلالة الملك تشخيصا للأوضاع الاجتماعية الصعبة التي تعيشها شرائح عريضة من ساكنة المغرب، والتي تتنافى مع شروط العيش الكريم خصوصا في الأحياء الفقيرة بالمدن وعدد من الجماعات القروية التي تشكو من غياب المرافق الأساسية كالماء والكهرباء والمؤسسات الصحية والتعليمية.

وأكد جلالة الملك في خطابه أن مواجهة هذا الخصاص يجب أن يتم عن طريق المساعدات والأعمال الخيرية، بل من خلال التنمية البشرية المستدامة المستندة على سياسات مندمجة تدخل ضمن مشروع شامل تنخرط فيه كل القوى الحية للمجتمع.
لكن لماذا .....؟














خاتمة:

إن العولمة كلمة متداولة بلا دولة بلا هوية أو جنس ونوع، وهي قادرة بسبب قدراتها الاقتصادية والعسكرية وموازين القوى الدولية على فرضها على الآخرين، فتثير الكثير من الإشكاليات لبلدانها، ولكن بشكل خاص لبلدان العالم الثالث. فسياسات العولمة الجارية تدعو بصرامة إلى:
ممارسة التدخل الفظ لفرض "الحرية التامة"، وهي من جانب واحد، أمام انتقال رؤوس الأموال والتبادل التجاري وإلغاء القيود الجمركية وتحقيق الإصلاح والتكيف في اقتصاديات البلدان المختلفة مع بنية واقتصاديات الشركات الرأسمالية المتعددة الجنسية على بقية بلدان العالم دون الأخذ بالاعتبار ظروف تلك البلدان ومشكلاتها. ولكنها تقف في الوقت نفسه ضد انتقال وهجرة الأيدي العاملة (عدا هجرة الأدمغة التي تشجعها) وتقيم الحواجز إزاء العالم النامي لهذا الغرض.
وهي تسعى إلى تغيير وظيفة الدولة وجعلها مجرد جهاز إداري مهمته تنظيم وجبي الضرائب وتأمين توزيعها لصالح تنمية مشاريع القطاع الخاص وتأمين مستلزمات نشاط هذا القطاع وضمان أرباحه. كما تبقي لها دورها العسكري والأمني واحتكار ممارسة القوة والعنف أو القمع لضمان الأمن والاستقرار ومستلزمات استمرار تطور الرأسمالية وبقاء الحياة العامة هادئة دون تهديد للنظام الرأسمالي، أي دون أن تعصف بها التناقضات والصراعات الاجتماعية والسياسية. وهي في هذا تتجاوز حتى على أسس الديمقراطية التي تستوجبها طبيعة العولمة ذاتها.
وتساهم هذه الاتجاهات في تشديد التناقض بين الطابع الاجتماعي المتعاظم للإنتاج وبين الطابع الخاص لعلاقات الإنتاج والهيمنة الخاصة المتعاظمة على القسم الأعظم من الثروة الاجتماعية والدخل القومي لا في داخل الدول الرأسمالية المتقدمة بل وعلى الصعيد العالمي، حيث تبدو بوضوح عمليات الاستلاب المستمرة للثروة من أجزاء متزايدة من السكان وحرمانها من أبسط مقومات استمرارها في العمل والعيش الكريم في مقابل المزيد من الثروة والاغتناء لمجموعات صغيرة جدا من الاحتكاريين المهيمنين على الاحتكارات المتعددة الجنسية، ويساهم في جانب آخر منه في زيادة حجم البطالة على الصعيد العالمي.

وتقترن العولمة بسعي مجموعة من الشركات الاحتكارية المتعدية الجنسية للسيطرة على العملية الاقتصادية الدولية برمتها، أي على مجمل مراحل عملية إعادة الإنتاج على النطاق الدولي باستخدام أساليب وأدوات كثيرة تسمح بها القوانين السائدة. والصحافة مليئة بأخبار عمليات إفلاس وابتلاع واندماج الكثير من الشركات الرأسمالية ببعضها تحت ضغط المنافسة أو من أجل ‎إقامة أكبر الاحتكارات العالمية القادرة على الهيمنة الفعلية على العملية الاقتصادية الدولية. وتقوم تلك الشركات المتعددة الجنسية بالسيطرة على مصادر إنتاج الموارد الأولية وإخضاعها لمصالحها وسياساتها، كما هو الموقف من النفط الخام في الشرق الأوسط مثلا.

ويلعب الرأسمال المضارب والأسواق المالية الدولية دورا متميزا ومتناميا في سياسات العولمة ويلقي بظلاله على اقتصاديات وبورصات العالم الثالث ويتسبب لها بأزمات حادة تدفع إلى هروب رؤوس الأموال منها إلى بلدان الشمال المتقدمة.
وإذ تسمح العولمة بنشوء نظرة ذات طبيعة شمولية وعامة للطبيعة ومواردها الأولية والبيئة والإنسان وحقوق الإنسان، وكذلك للإمكانيات المتاحة والحاجات المطلوبة، بسبب طابعها الشمولي والدولي والطابع الاجتماعي المتعاظم للقوى المنتجة حيث تنشأ إمكانية ممارسة برمجة واستخدام عقلانيين للموارد والطاقات والإمكانيات المتوفرة والحاجات الضرورية للمجتمع البشري، فأن هذه الإمكانية المتاحة عمليا يصعب استثمارها بشكل عقلاني لصالح المجتمع البشري كله بسبب الطبيعة الاستغلالية للرأسمالية أساساً والعفوية والفوضوية النسبية التي تفرضها طبيعة القوانين الاقتصادية الموضوعية للرأسمالية واستمرار عمل تلك القوانين التي تبقي على أو تنمي التمايز الشديد في مستويات التطور بين الدول والتباين في مستويات الدخول والمعيشة في ما بين الطبقات والفئات الاجتماعية وفي ما بين الدول، وكذلك المنافسة غير العقلانية المحتدمة في ما بينها، والاستغلال الشديد الذي تريد تلك الشركات فرضه على شعوب العالم عموما. فالعولمة التي يمكن أن تكون في مضمونها وبسبب التطور الرفيع والمستمر للقوى المنتجة على النطاق الدولي ذات طبيعة إيجابية كبيرة لكل الشعوب، تتحول في بعض ابرز جوانبها إلى طبيعة سلبية بسبب تلك السياسات في إطار علاقات الإنتاج الرأسمالية، وخير دليل على ذلك ما تبرزه النقاط التالية:
ـ الإخفاق في تحقيق نسب نمو مرتفعة، وتفاقم مشكلة البطالة في العالم فمن المتوقع أن يرتفع معدل البطالة في العالم إلى الضعف خلال السنوات القليلة القادمة. فالمنافسة في الاقتصاد المعولم لا تعرف الرحمة، ولم يعد هناك فرص عمل، وقد أخذ قسم كبير من العمال والموظفين يتحول من عقود عمل نظامية إلى عقود عمل مؤقتة من حيث عدد ساعات العمل أو من حيث مدة العقد. كما أن الأجور في انخفاض مستمر.
ـ القضاء على الطبقة الوسطى وتحويلها إلى طبقة فقيرة، وهي الطبقة النشطة ثقافياً وسياسياً واجتماعياً في المجتمعات المدنية، وهي التي وقفت في وجه تيارات التطرف وقاومت قوى الاستغلال والاحتكار تاريخياً.
ـ تهديد النظام الديمقراطي في المجتمعات الليبرالية وخضوع معظم الدول النامية لسيطرة المنظمات المالية الدولية وانشغال رجال السلطة فيها بمكافحة البطالة والعنف والجريمة والأوبئة القاتلة.
ـ زيادة الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة في المجالات الاقتصادية والثقافية والتكنولوجيا. ويضم العالم حالياً أكبر نسبة للفقراء من مجمل سكان الأرض هي الأعلى في التاريخ.
ـ إهمال البيئة والتضحية بها. فمن المتوقع أن ترتفع كمية الغازات الملوثة للبيئة بمقدار يتراوح بين 45 و 90%.
ـ وأصبح ارتفاع مستوى البحار لا مفر منه إذا بقيت كمية غاز ثاني أوكسيد الكربون ترتفع. وهذا يهدد المدن الساحلية، إذ أن أربعة أخماس التجمعات السكانية التي يزيد عدد سكانها عن نصف مليون نسمة تقع بالقرب من السواحل.
ـ احتمال تفاقم الحروب الداخلية والإقليمية في دول الجنوب لعدم الاستقرار في النظام العالمي والأنظمة الداخلية في تلك البلدان.
ـ ازدياد نزعات العنف والتطرف، وتنامي الجماعات ذات التوجهات النازية والفاشية في التجمعات الغربية، الموجهة ضد المهاجرين الأجانب وخاصة من الدول الإسلامية والدول الفقيرة.
ـ ارتفاع نسبة الجرائم وجرائم القتل في العالم فقد دل التقرير الذي أصدرته الأمم المتحدة عن الجريمة والعدالة لعام 1999 إلى أن الضغط الاجتماعي والاقتصادي الذي يقاس بالبطالة والتفاوت وعدم الرضا بالدخل ـ عامل رئيسي في ارتفاع معدل الجريمة.
ـ هيمنة الثقافة الاستهلاكية وتهميش الثقافات الأخرى ومحاولة طمس الهويات الثقافية للشعوب.
وتجارب الشعوب تشير إلى أن الدول الرأسمالية المتقدمة بدأت تستخدم حقوق الإنسان أداة للتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى عندما تجد في ذلك ما يخدم مصالحها وتكف عنه عندما يتعارض مع تلك المصالح.
والسؤال الذي يمكننا أن نطرحه هنا:
هل يمكن أن يكون هناك نظام عالمي جديد يرضي جميع الأطراف والفاعلين في مختلف البقاع ويحقق جميع الأهداف؟


لائحة المصادر والمراجع
الكتب بالعربية:
- د . إبراهيم استنبولي، من جريدة البرافدا؛ 17/1/2004.
- سعيد لحدوشي، جواد بلخضير، العولمة أو النظام الاقتصادي العالمي الجديد، بحث لنيل الإجازة في الحقوق، شعبة القانون العام، سنة:1997-1998.
- ناصر الدين الأسد: الهوية والعولمة عرض القي في ندوة أكاديمية المملكة المغربية خلال دورتها المنعقدة في ماي 1997 تحت عنوان" العولمة والهوية "
- عبد الهادي بوطالب عرض قدمه في ندوة أكاديمية المملكة المغربية في دورة ماي 1997 تحت عنوان"لابد من تكامل العولمة والهوية ليكون العالم واحدا ومتعددا"

- محمد عابد الجابري، قضايا في الفكر المعاصر، عدد يونيو، 1997، مركز دراسات الوحدة العربية.
- محمد عابد الجابري، مسألة الهوية والعروبة والإسلام.. والغرب، سلسلة الثقافة القومية، العدد 27الطبعة 3، س: 2006 .
- محمد عابد الجابري، العولمة والهوية الثقافية، عشر أطروحات – الأطروحة الثانية ( الهوية الثقافية مستويات ... ) – في العرب ولعولمة ، مركز الدراسات، الوحدة العربية بيروت، س: 1998.
- د. محمد عابد الجابري، التراث وتحديات العصر، مداخلة في الندوة.
- محمد عابد الجابري، العولمة: أسئلة يجب الوعي بها، الاتحاد الاشتراكي 4 فبراير 1997.
- نبيل مرزوق، حول العولمة و النظام الاقتصادي الجديد- مجلة الطريق.عدد:4، 1997.
- أوليفيي دولفوس، العولمة وحقيقتها، ترجمة: عبد الرحيم هزل- دار الثقافة مؤسسة للنشر و التوزيع. الدار البيضاء الطبعة الأولى :2003.
- إسماعيل صبري عبد الله، الكوكبة- مجلة الطريق. العدد:4.
- صادق جلال العظم، ما هي العولمة.
- صندوق النقد الدولي، سلسلة الدراسات الاقتصادية.آفاق الاقتصاد العالمي مايو1997.
- د. محمد علي حوات، العرب و العولمة، منشورات مكتبة مدبولي القاهرة2002.
- يحيى اليحياوي، العولمة الموعودة ، قضايا إشكالية في العولمة و السوق و التكنولوجيا.. منشورات عكاظ-1999.
- عبد السلام رضوان، جيران في عالم واحد، تقري لجنة"إدارة شؤون المجتمع الدولي" ، سلسلة عالم المعرفة.الكويت 1995 عدد:201.
- د.قيس مرزوق الورياشي، محاضرات الفصل الأول من ماستر علم الاجتماع، مادة التنمية و العولمة ليوم:18/01/2008.
- جان جاك روسو ، العقد الاجتماعي.
- نزار القرواني، العولمة وأزمة الدولة الوطنية، سلسلة المعرفة للجميع عدد:31، منشورات رمسيس، مايو-يونيو 2005.
- محمد عبد الفتاح الحمراوي، أثر العولمة على سيادة الدولة، جامعة الإسكندرية، كلية التجارة، قسم العلوم السياسية.سنة 2007.
- بشير خلف، سؤال الهوية وصدمة العولمة، عن كتاب الهوية، لأليكسي ميكشيلي، دار الوسيم دمشق، سنة 1993.
- تركي الحمد، الثقافة العربية في عصر العولمة، دار الساقي، بيروت، سنة: 2001.
- عبد المنعم الحنفي، المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة، القاهرة، مكتبة مدبولي، (2000)
- الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، في كلمته بمناسبة الذكرى السادسة والثلاثين لقيام الإمارات.
- المهدي ، المنجرة ؛عولمة العولمة، كتاب الجيب ، منشورات الزمن ، البيضاء، 1999
- د. علي وطفة، تصدعات الهوية وهزائمها، من موقع اتحاد الكتاب العرب.
- دانييل دريزنر، يا عولميي العالم...اتحدوا، ترجمة عبد السلام رضوان-ضمن المجلة الثقافية العالمية- المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الأداب، الكويت.العدد 85.س:1997.
- صامويل هنتنجتون و أخرون، صدام الحضارات، مركز الدراسات الإستراتيجية و البحوث، بيروت. ط:1. س:1995.
- مجلة الطريق، العدد 4 ، سنة 1997.
- حماد صابر، الأنظمة السياسية للبلدان النامية، مطبوع كلية الحقوق، فاس، سنة 1997 – 1998.
- نايف علي عبيد، العولمة و العرب، ص:28.من برهان غليون: العرب و تحديات العولمة الثقافية.


الكتب بالفرنسية:

Dr. Mohamed el Abdaimi, mondialisation et emploi.i,primerie najah el jadida, casablanca 2000.
R. Borbalan, Jean Claude, un seul monde, sciences humaines Juin/ Juillet n° 17.
R. Boyer, comment règuler l’économie mondiale ?, sciences humaines Juin/Juillet, 1997 n° 17.
Josepha larocher politique internationale ; L.G.D.J.Paris. 1998.
Jean pisani alternative économique ; la mondialisation en face, -n°143..
les effets de la mondialisation , la nouvelle tribunes.n M76/17 au 23 juillet 1997.

المواقع على الأنترنيت:
www.google.co.ma
http://www.asharqalawsat.com
موقع صندوق النقد الدولي:http // web.worldbank.org
- د. أحمد بن نعمان، من موقع،
http://www.diwanalarab.com/spip.php?article64
http://www.hcp.ma/frmEnquetes.aspx?id=0101.
- موقع المندوبية السامية للتخطيط : /http://www.hcp.ma
http://membres.lycos.fr/berradarz/m6.htm




#عزيزة_خرازي_وكريمة_الوزني_الطيبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- السعودية.. الديوان الملكي: دخول الملك سلمان إلى المستشفى لإج ...
- الأعنف منذ أسابيع.. إسرائيل تزيد من عمليات القصف بعد توقف ال ...
- الكرملين: الأسلحة الأمريكية لن تغير الوضع على أرض المعركة لص ...
- شمال فرنسا: هل تعتبر الحواجز المائية العائمة فعّالة في منع ق ...
- قائد قوات -أحمد-: وحدات القوات الروسية تحرر مناطق واسعة كل ي ...
- -وول ستريت جورنال-: القوات المسلحة الأوكرانية تعاني من نقص ف ...
- -لا يمكن الثقة بنا-.. هفوة جديدة لبايدن (فيديو)
- الديوان الملكي: دخول العاهل السعودي إلى المستشفى لإجراء فحوص ...
- الدفاع الروسية تنشر مشاهد لنقل دبابة ليوبارد المغتنمة لإصلاح ...
- وزير الخارجية الإيرلندي: نعمل مع دول أوروبية للاعتراف بدولة ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عزيزة خرازي وكريمة الوزني الطيبي - مفهوم الدولة في زمن العولمة المغرب نموذجا