في صالة مطعم <<سايلور>> في اللونغ بيتش أعلن الأمين العام فاروق دحروج قرابة الساعة الحادية عشرة من صباح أمس افتتاح مؤتمر <<حزبنا>> الشيوعي اللبناني التاسع. لم يتأخر الرفاق عن الموعد. حضروا مخضرما وشابا. تصدر المجلس الوطني القاعة أفقياً.. وأمامه تمددت الطاولات عموديا جلس إليها الرفاق محشورين يدخنون، مدججين بأفكار ستشغلهم في الأيام الثلاثة المقبلة.
جورج حاوي على عادته يملأ مكانه. كريم مروة في زاوية بعيدة. <<أبو حبيب>> المشاغب الأبدي في التظاهرات.. <<الرفيق>> كامل فقيه الذي ينشد الأهازيج تعيد مجد زمن غابر يجلس هنا مستمعاً بفخر. <<الرفيق>> سامي حواط يجلس بالقرب ممن قد يكون الشيوعي الأكبر سنا في هذا المكان. <<الرفيق رشاد>> واحد من أصغر حبات العنقود الأحمر يعبس بجدية وهو يشير إلى الأماكن المخصصة للمندوبين، مندوب أصيل بطاقته حمراء يحق له بالاقتراع، ومندوب مراقب ببطاقة زرقاء.. أماكن لجلوس الإعلاميين يلحظ برنامج الحفل <<شكرهم>> في نهاية جلسة الافتتاح، أي يطلب منهم المغادرة بلباقة لا يستطيعها إلا أهل الكلام هؤلاء.. عفيف حمود الأسير المحرر.. مقتطفات من مشروع المؤتمر التاسع تلف أعلى جدران القاعة في لافتات حمراء. وصورة فرج الله الحلو، بالابيض والأسود تقف خلف المنبر الرئيسي. النشيد الوطني اللبناني.. نشيد الأممية.. إنه الحزب الشيوعي اللبناني يحتفل بجدية مطلقة، وعلى الرغم من إنهاكه الذي يشبه تماما المطعم المنهك حيث يدور مؤتمره، إنه الحزب الشيوعي اللبناني يحتفل مرة جديدة بعراقة ثقافته الحمراء.. يحتفل بحنينه إلى تقنياتها ومصطلحاتها الصعبة ولحظاتها <<التاريخية>>.
بالقرب من بحر هائج، في خلوة حمراء لا تغري إلا قلة بالتلصص عليها في هذا الزمن اللبناني وفي هذا الزمن <<الشيوعي>> بدت جدية الرفاق الهائلة في الإنصات إلى كلمة دحروج وقلب صفحات كلمته المطبوعة بين أيديهم على وقع واحد.. بدا حضورهم إلى هذه الجزيرة الصباحية فعل تجديد إيمان أبدي بالحزب والفكرة.. <<فالتاريخ لم ينته بعد>> تقول <<المقدمة الفكرية السياسية لمشروع التقرير السياسي والتنظيمي المقدم من المجلس الوطني للمؤتمر التاسع>>.
يمكننا أن نسوق بحقهم ما شئنا من اتهامات.. لكننا، في هذا المطعم وفي هذا الصباح لا يمكننا إلا أن نقر أنهم ما زالوا هنا، شيبهم أكثر عدداً من شبابهم.. لكن لغتهم، على خشبيتها، ما زالت أشد شباباً وتقدمية من أي خطاب حزبي أو زعاماتي آخر في هذا البلد. لنا دائما أن نحترم خصوصيتهم ومفترقاتهم <<التاريخية>> التي من أجلها افتتحوا أمس المؤتمر التاسع بالوقوف دقيقة صمت تقديرا لشهداء الحزب والمقاومة ثم كلمة الإفتتاح لرئيس المجلس الوطني موريس نهرا، ثم كلمة الأمين العام. ولهم بعدها أن يغلقوا الباب على أنفسهم طول ثلاثة أيام ليمارسوا اللعبة كما ينبغي. يدخّنون ويلقون بمداخلات طويلة ويتنادون ب<<يا رفيق>> .. ثم يخرجون مساء الأحد بنتائج <<تاريخية>> ستكون مرجعا حين بدء النقاش حول انعقاد المؤتمر العاشر حيث سيكونون على أتم الإستعداد للإنشغال بإعادة ترتيب الأثاث الداخلي للبيت العتيق مرة من جديد.
وقال نهرا في كلمته إنه قد <<جرى التحضير للمؤتمر في مناخ بلغت فيه الاختلافات والتباينات، وأحيانا بعد الخلافات، درجة عالية، إضافة الى الصعوبات القائمة موضوعياً>>. وأضاف أن هذا حمل في جانب منه سلبيات لا يجوز إغفالها خصوصا عندما وصل الأمر إلى الخروج على الالتزام بالأصول الحزبية في بعض الممارسات السياسية وفي نوعية النشر الإعلامي، مما أثر سلبيا على صورة الحزب وحدّ من نشاطيته وفاعليته>>.
وقال دحروج إن الإعداد للمؤتمر التاسع شهد الكثير من الحوار وقدرا لا بأس به من التنافس والصراع لم يخلوا من الحدة والتعسف احيانا سواء في الطرح أو في الممارسة، أو سواء طال ذلك مواقف القيادة وأداءها، او مواقف بعض الرفاق وأداءهم. وتابع دحروج: ما جرى لا نرى فيه تهديداً لوحدة الحزب ومستقبله، بل على العكس من ذلك، سيتحوّل إذا أحسنّا تطوير آليات عملنا واسلوب نقاشنا إلى نموذج جديد من العمل الحزبي في لبنان والمنطقة.
وقال دحروج <<للرفاق الذين قاطعوا، أو استنكفوا عن المشاركة في أعمال التحضير لهذا المؤتمر إننا لن نتردد عن بذل أي جهد كي يعيدوا النظر في موقفهم هذا>>. وأضاف: سنعمل من أجل أن تستكمل الإجراءات الديموقراطية التي أنتجت مؤتمرنا الحالي بتعديلات تنظيمية وإصلاحات جديدة تستجيب من جهة إلى ضرورات إرساء وحدة وديموقراطية حقيقيتين وفعالية عالية بما يضمن تمثيلا صحيحا لآراء وتوجهات الرفاق ومراقبة ومحاسبة فعلية للهيئات والأفراد على كل المستويات الهيكلية الحزبية>>.
ورأى أن <<ازمتنا الوطنية، ازمة بنيوية تاريخية فاقمتها ظروف الصراعات الاقليمية وتخلّف الطبقة السياسية اللبنانية>>، موضحاً أن <<اتفاقية الطائف ساهمت في تعميق تلك الازمة البنيوية، وأن الطائفية تبقى المعضلة الرئيسية التي تهدد وحدة الوطن وتشل مؤسساته وتعيق تطور وعي مواطنيه على الصعد النقابية والسياسية والاجتماعية>>. وفي ما يتعلق بالحزب، رأى دحروج انه <<لم ينجح في التحول قطبا جاذبا لتجميع قوى اليسار>>، داعيا المؤتمر الى <<العمل من اجل تطوير برنامجه النضالي لمواجهة التحديات والمستجدات>>.
واقترح مجموعة افكار <<لتحقيق تقدم في القضايا المطروحة، تتركّز على تثبيت مقررات المؤتمرات السابقة على صعيد الهوية الفكرية والاجتماعية، وعلى إعداد الشباب وإحداث اختراق حقيقي على مستوى التمثيل السياسي وتحديدا على مستوى العمل لإحداث تغيير في قوانين الانتخاب باعتماد التمثيل النسبي كأساس لهذه القوانين والسعي لايصال مرشحين عن الحزب الى المجلس النيابي والمجالس البلدية..
وقال: في ظل تفاقم الازمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونقص الثقة الشعبية بالسلطة، نرى احتمال تفكك في التحالفات السلطوية مما يفتح الباب امام احتمالين: اما ان يضعف الخط الوطني والقومي العام والدور السوري، وهذا ما لا نريده. ونحن معارضون لهم بسبب سياستهم وممارستهم اللبنانية، كوننا لا نريد لمعارضتنا ان تؤدي الى مزيد من تدهور الوضع على اكثر من صعيد سياسي أمني واقتصادي واجتماعي، بفعل التآمر الاميركي الاسرائيلي وبفعل طموحات واوهام البعض في ان يلعب دور قرضاي لبنان. والاحتمال الثاني، هو ان يؤدي ذلك الى صحوة او يقظة في الاداء السوري فيصحح الاداء والنهج، ويفتح باب إعادة التنسيق الحقيقي مع بعض الحلفاء القدامى للتعاون بالشكل الممكن، اي الاستفادة من مأزق الطائف واهل الطائف لتصحيحه مع كل الحريصين على بقاء لبنان ديموقراطياً ضمن الخط القومي العام وبتأمين السيادة والمصلحة الوطنية الحقيقية بوفاق وبتعديل في السياسات كما في النهج الاقتصادي والاجتماعي>>. ودعا الى <<اعادة تفعيل تحالفات الحزب مع التجمع الوطني للانقاذ والتغيير ومع الحزب التقدمي الاشتراكي والقوى القومية وقوى المقاومة الاسلامية من جهة، ومع حركة التجدد والقوى المسيحية غير المتورطة في الرهانات الاميركية من جهة اخرى، مع التمسك دوما بثوابتنا الوطنية والديموقراطية>>. كما طالب بتحديد <<اولويات واضحة في البرنامج الاقتصادي الاجتماعي التربوي للحزب تسمح بتنظيم نضالات اقتصادية اجتماعية فاعلة، تعيد الزخم الى الحركة الشعبية اللبنانية وتقطع الطريق على مخططات الاثارة الطائفية، بالترابط مع تعزيز جهودنا لتطوير منظماتنا النقابية والديموقراطية. واقترح استئناف اصدار جريدة <<النداء>> وان اسبوعيا وإقرار <<صيغة تنظيمية جديدة تأتي كمحصلة للتجربة التي نعيشها منذ سنوات>>. وختم دحروج: <<ليبقَ سلاح النقد الموضوعي مشرعاً في الحزب، وسيظل احتكامنا إلى قيم الديموقراطية الحقيقية والتزامنا قضايا الوطن والناس هو سبيل تحوّل حزبنا إلى حزب الشعب، حزب التغيير الديموقراطي، حزب المستقبل>>.
******************************
السفير
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
