أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أثير كاكان - قراءة في ذاكرة مريضة بالحب














المزيد.....

قراءة في ذاكرة مريضة بالحب


أثير كاكان

الحوار المتمدن-العدد: 2243 - 2008 / 4 / 6 - 09:56
المحور: الادب والفن
    


إلى كل الذين طاردتهم سلطات القمع لا لشيء سوى أنهم اقترفوا جريمة اسمها الكلمة.

في ذاكرة الاغتيال الأول كنت قلماً محلياً أكتب عن ذكريات مشوهة لحقائق غائبة عن مسارات التأريخ.
ذلك اليوم وقبل انطلاق الرصاصة الأولى من كلاب البوليس التي ما فتأت في الأسابيع الأخيرة ترصد أنفاسي الخارجة من رئتي وحتى طرق العودة إلى الشعب الحزبية الأدق، كنت لا أزال أحمل أزميل نحات أحاول به تشويه جثة صديقي الذي كان هو الآخر قلماً قبل أن يغدو جثة بلا حراك، كنت أحاول أفعل ذلك لا حقداً عليه بل لأنني كنت أرجو إلا تتعرف عليه المخافر الحدودية فتصادره قبل وصوله تراب الوطن. كانت هويته قد ضاعت منذ أمد بعيد في مطارات الغربة وأرصفة الطرقات الغربية التي اعتدنا التسكع فيها في رحلة تيهنا الممتدة دهراً من الشتات بحثاً عن ذلك الحاضر الغائب الذي ما فتأت مقابره تتحرق شوقاً لجثثنا الغائبة عن ال (نحن) في حاضر ال (أنا) وال (هو).
ذلك اليوم كانت المركبة التي تنقل جثمانه تتهزهز فوق الأرض مهدهدة أياه كما الطفل في حضن أمه بيد أن الأرض كانت غريبة وأجنبية كغرابة هذا الطعم المر الذي يجتاح حلقي في هذه اللحظة المتوارية من عيون أولاد الأفاعي. عبرنا كل مخافر الحدود الموصولة بذاكرة الاغتراب المجهدة دون أن يعترضنا أحد نحو أخرى كنا نعرفها ولا تزال صورها شاخصة وماثلة في أذهاننا، طلبوا أوراقنا، أقلامنا، عناويننا، أسماءنا، وجوهنا، أشكالنا، وأسماء من نرتبط بهم، والشبكات التي نديرها من خارج اللحظة الأولى التي نمزق فيها العدم نحو الوجود الأول، والرواتب التي تقاضيناها خلال مدد ضياعنا، والجروح التي هربناها لخارج البلاد تحت أقنعة الليل المستتر ضميرأً متصلاً تقديره هم. توالت الصفعات بانهيال الأسئلة على وجودنا وانهيار أسئلتنا على ثرى طالما سحقنا تحت أحذية تعودت صبغه بالأحمر القاني كأسراب من الحشرات.
في الصباح كنت جثة أخرى ممددة إلى جانب صديقي في طريقنا نحو الأرض الموعودة لنا تجرنا العربات الحكومية، وكنا قد صنفنا كإرهابيين خطرين كي يسمح لنا بختم جوازات مرورنا إلى بلاد كانت ذات يومٍ سبب تبعثرنا.
في مرة أخرى كنت قلماً سفيهاً أو قد أقول شريفاً لكن من طراز خاص، خاف أن يموت تحت الأحذية العسكرية للسلطة ففضل أدعاء الجنون وإلقاء أشعاره في مقاهي الشحاذين والعشارين الخطأة وربما حتى قرب أبواب المساجد حيث اعتاد آلاف من روافض السلطة أن يمارسوا هوايتهم اليومية في الاستجداء بكرامة بدلاً من لعق الآنية الذهبية للحشرات المزينة بالنياشين، كنت أخشى من ذلك اليوم الذي أجبر فيه على الاختيار بين تزويقها لتتلاءم وألوان النجوم الصفراء والأوسمة الملونة التي تزخر بها المؤخرات المترهلة للجنرالات الذين حكموا بلادي وبين الموت الذي طالما حلمت به فاختار الأول.
بيد أنهم أخبروني وقد أدركوا لعبتي هذه بأنهم بدلاً من أخذي إلى مستشفى المجانين حيث أخوتي وبني عمي بأنهم سيقتادونني إلى حديقة الحيوان حيث يرقد جنرالات العهر البائد والقادم هناك أضعاف عددهم في الخارج وبأن القيادة العامة لقوات المسلخة تتخذ من هذا المكان مقراً عاماً، ساعتها توسلتهم أن يطلقوا سراحي لأعود إلى عالمي، ذلك أنني اكتشفت إن موتي بين مجانين أبناء جلدتي هو أفضل من الموت سحقاً تحت البساطيل والمارشات العسكرية. كان أولاد العاهرة يحاصرونني وأوراقي، في كل مكان حتى داخل قلبي.
في الليل جاءني أحدهم في المنام مرتدياً كابوساً مهولاً قادم على حصان مزرق الشفاه وهو يحمل خلف عجيزته النتنة جسداً، لم يمهلني طويلاً حتى أفكر بل سرعان ما قذف في وجهي كابوسه ليروع جنوني قائلاً بأنه يحمل فرج حبيبتي وقد امتص كل رحيقها إلى الأبد حتى ما عاد يوائم متطلباته فقرر أن يقذف بجسدها لكلابه، كي يقتاتوا مما بقي من أثدائها الملطخة بقاذورات لعابه النجس الأخضر، تلك الليلة الباردة أخبرني بأنه أصدر مرسوماً عهرياً بوجوب أن أحب ثانية فهو لا يلتذ إلا بفروج المغتصبات وطمثهن السائح في دورات الموت.
بيد أنهم في اليوم الذي أعقب حقني بسموم خوفهم وعجزهم الجنسي القديم أعلنوا سقوط كل الجنرالات السمر وحلول جنس آخر يقال أنه أشقر وبعيون ملونة.
أخبرني مجانين بلادي بأن الحكام الجدد هم لقطاء أولاد زواني فتساءلت إن كان أولاد زنا العهد البائد والعهود التي أبيدت قبله كانت خير مما يحكمني اليوم.
في الساعة الثانية إلا موت أدركت أن الرصاصة التي خرجت من فوهة المسدس الذي يطاردني لم يكن لها أن تعود إلى فوهتها ما لم تتفجر ألوان أخرى من وطن قضى الشطر الأطول من احتضاره مصطبغ باللون الأحمر والأسود. بيد أن الرصاصة وللمفاجأة لم تصبني بمقتل، ما جعل اغتيالي الأخضر يزهر مزبلة مضرجة بالعفن الصبحي وهو يخرج من أفواههم المتضمخة بعطور الدورات الشهرية للحزن.
في نهاية اليوم المقرون بجديلة حرة كان الجنرالات الجدد يلحسون أظلافهم وحوافرهم ببردة شعراء الغد المنقضي متصورين بأنهم إن فعلوا ذلك فإنهم سيبدون أقرب إلى بربرية كلاب الصحراء، لكنهم كانوا أشبه بأرجوزات المولد النبوي وقد غطت وجوهم دماء الفجر الممتقع في بلاد الشمس التي هي أجمل من سواها والظلام حتى الظلام فهو يحتضن الظلام ولقطاء الليل البارد المنقضي على جلدي العاري والمسلوخ حتى العظم بسكاكين أخوتي كخروف، في سبيل الله كما يقولون.
القتل ههنا أسهل من لقمة الخبز وما دام الله لا زال يتسكع في حوارينا فمواعظ سادتنا لا تنفك تنتن المرة تلو الأخرى، حتى تجد أتباعاً كثراً وتجد رصاصاتهم طريقاً إلى قلبي.
هكذا كانت نهاية رحلتي، كنت جالساً مع الله عند عتبة أحد المساجد المكتظة بالمخصيين نلوك القات ونبصقه ونضحك لهؤلاء الذين يريدون رفع اسمه بإطلاق الرصاص عليه.
قالوا أن في تلك الليلة لم يكن للأقلام أن تختار غير الموت أو الحتف إذ لا سبيل لها غيره، لذلك وقبل بزوغ الفجر الدامي كانت بلادي تشهد مولد يوم من الصمت دام طويلاً لا صوت فيه لغير لحى عفنة أو بقايا المخصيين من العسكر.



#أثير_كاكان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللحظات الأخيرة في حياة رجل مهزوم
- يوم في حياة ذاكرة تتداعى
- وطني أيها الطاغية
- مطر الذاكرة
- أنثى بلا ذاكرة


المزيد.....




- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أثير كاكان - قراءة في ذاكرة مريضة بالحب