قيادات الأحزاب الكردية ومظاهرات كركوك : مطلب خطير في التوقيت الخاطئ

المكتب الإعلامي للتيار الوطني الديمقراطي العراقي

الحوار المتمدن-العدد: 693 - 2003 / 12 / 25 - 12:50
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

بيان صادر عن التيار الوطني الديموقراطي العراقي :
 
 قيادات الأحزاب  الكردية ومظاهرات كركوك :  مطلب خطير في   التوقيت الخاطئ .

 لا أحد يمكنه أن يخمن ما هي القواعد التي تحكم سياسات الأحزاب الكردية النافذة ،فغالبا ما تأتي مواقفها مفاجئة وصعبة التفسير لأنها قلما تكون محكومة  بتقدير مطابق للظرف أو الحالة المعاشة ،لا في شمال العراق / إقليم كردستان ولا في العراق على وجه العموم .  وعلى هذا المنوال جاء موقفهم الحالي فلقد قرروا فجأة التصعيد والنزول إلى الشارع فيما يخص موضوع الفيدرالية  واعتبروا الموافقة المسبقة على هذا الحل الذي يقرر شكل الدولة العراقية  ،وكما هو دأبهم ، شرطا مسبقا قبل أي إجراء آخر من قبيل الانتخابات أو صياغة الدستور العراقي المنشود وارفقوا خطوتهم تلك بتسيير المظاهرات  التي غاب عنها العلم العراقي ورفع العلم الأمريكي  ، تلك المظاهرات التي استقتلوا في التحضير والإعداد لها أملا في أن تكون معبرة وضخمه ، تطالب في شوارع كركوك بضم المدينة إلى كردستان وإقامة اتحاد فيدرالي بين كردستان والعراق .
  لقد ذاق شعبنا العراقي الويلات طوال أربعة عقود من حكم شمولي انقلابي وخصوصا في حقبة الطاغية صدام حسين الذي كان يستقوي بأجهزة الأمن القمعية  على الشعب وقواه الحية وكان هو مبتكر ورائد هذه العقلية الابتزازية القائمة على انتزاع الاعتراف بالشروط المسبقة من الطرف الآخر قبل أي  شيء أو إجراء .
    لقد أثارت تصرفات قيادات الأحزاب الكردية المتحالفة مع الاحتلال الأمريكي  حفيظة الأخوة من تركمان العراق فبادر أحد ممثليهم إلى تشبيه ما ينوي الأكراد القيام به بما قام به صدام حسين بضمه الكويت بالقوة والغزو، أما  الآشوريون والكلدان واليزيديون فقد أصيبوا بالذعر وصدرت فورا تصريحات من الحكومة التركية ترفض تقسيم العراق ، والعرب العراقيون عموما تنبهوا إلى ضرورة تجاوز خلافاتهم وهم يتأهبون إذا تطور الموقف لإعلان اتحادهم . والغريب أن الأحزاب الكردية قد طرحت المشروع على مجلس الحكم الانتقالي مع علمها بأنه جهة غير شرعية وغير صالحه ولا مؤهلة لاتخاذ قرارات من هذا النوع والأغرب أن هذا الطلب لم يقدم عندما كان جلال الطالباني هو الرئيس الدوري للمجلس مع أن هذا قام بعقد اتفاق مع الأمريكيين يتعلق بقضية الدستور والانتخابات وإقامة مجلس وطني عراقي لا مثيل له يقوم على متناقضات مستحيلة أساسها الانتخاب والتعيين في ذات الوقت وهو يعرف بان اتفاقه قد رفض وانه هو نفسه أعلن تراجعه عنه مؤكدا بذلك أن قرارات المجلس لا قيمة لها ولا يعول عليها .
   ماذا يعني إذن طرح مثل هذا المطلب اليوم ؟ وما الفائدة التي يمكن أن يجنيها الشعب الكردي والشعب العراقي من مثل هذا التصرف غير المفهوم وغير المدروس ؟  لاشك بان هذا التحرك سوف يزيد الأوضاع في البلاد توترا وتعقيدا ولربما أدى إلى خسارة وحرج وجعل الأكراد يعانون من عزلة لأن العرب والتركمان والآشوريين والكلدان واليزيديين والصابئة يمكنهم أن يسيروا غدا مظاهرات حاشدة تمتد من جنوب البصرة إلى شمال الموصل معلنين عن رفضهم لهذا المطلب ، و ليس ذلك بالأمر المستحيل أو المستبعد ، وإذا حدث فانه لن يكون من قبيل ردة الفعل الشوفينية كما يمكن أن يردد وقتها بعض من يسيرون أمور الأكراد الآن من دون روية وبلا حكمة تستوجبها لحظة قاسيه وصعبه من لحظات العراق وشعبه .

   إذا حدث ذلك فانه سيكون من قبيل الرد على تصرف مناقض للمصلحة الوطنية العراقية للأكراد والعرب معا، لأن طرح مطالب غير قابلة للتحقيق الفوري ، وعلى جهات لا تملك الشرعية أو حق التقرير ، يعني سعيا لاستغلال حالة الفوضى والفراغ السياسي ، كما يعني عمليا قرارا مرتجلا وتعسفيا يقوم به طرف واحد في ظل غياب الممثل الشرعي للعراقيين الآخرين .  وهو إذا حدث سيكون لغما في البناء الوطني ومعضلة كبرى ستؤدي لاحقا لتأجيج مشكلات خطيرة يحركها هذه المرة واقع سيئ آخر هو واقع اضطهاد أمة صغرى لامة كبرى بعد واقع اضطهاد الأمة الكبرى للامة الصغرى على مدى سنين ، فهل الشعب الكردي معني بحل شامل وراسخ ، حل وطني يطمئن له العرب والأكراد أم أن المطلوب محاولة انتهاز فرصة واستغلال لحظة ضعف وتمزق لاقتناص غنيمة لها معنى الانفصال وهي تجهد لكي تبدو وكأنها ثمرة موافقة واتفاق .
    والاتفاق أو العقد شرط المتعاقدين فمع مَن يتعاقد ممثلو الأكراد الآن ؟ وهل من يحيلون الأمر لهم يملكون أهلية تمثيل الشعب العراقي بفئاته وتكويناته ؟ لا طبعا !  والواقع العراقي الراهن واقع شاذ وانتقالي واقع احتلال يفتقد العراقيون فيه للحرية والتعبير عن الإرادة .  والغريب أن يكون الاخوة الأكراد وكأنهم بعيدين عن هذه الحقيقة أو يداخلهم الاعتقاد للحظة بأنهم ـ متحررون ـ ومنتصرون متجاهلين حقيقة أن حرية الأكراد لن تتحقق من دون عراق حر ، الكل فيه يحققون أهدافهم ويصلون إلى غاياتهم ضمن وحدتهم أي بما ينشا عن تنازلاتهم لبعضهم البعض وهو ما يعلي راية الاتفاق أو العقد الكبير دستورهم الديمقراطي القائم على تحقق طموحهم و إرادتهم المشتركة والحرة .
    هذا ما يمكن وما يجب للعراقيين أن يكسبوه اليوم بعد سقوط الدكتاتورية وتلك فرصتهم التي تلوح في أفقهم وسط ركام الخراب والاحتلال والفوضى وهذا مالا يمكن لهم تحقيقه إلا إذا أقاموا مؤتمرهم التاسيسي العراقي العام المستقل فأي حل وأية محاولة أو مشروع آخر لن يكتب له النجاح على الإطلاق ولا طريق أمام العراقيين سوى قرارهم المشترك بان يلتقي  ممثلوهم الدينيون والعقائديون والاجتماعيون والقوميون والمذهبيون ...الخ في اجتماع عام لا يخضع لأي تدخل من أية جهة كانت ليخوضوا في قضاياهم ويتداولوا إلى أن يصلوا لصيغة النظام والدولة التي يريدون العيش في ظلها أن هذا الأمر ليس بدعة في التاريخ أو في واقع العراق ، وثمة في واقعتا تقاليد العوارف واجتماعاتهم في القضايا المستعصية لأيام وأسابيع إلى أن ينتهوا إلى حصيلة وقرار ، والمظيف هو خلية نقاش عام شامل ويومي موجود في أعماق السلوك الاجتماعي للعراقيين على مر القرون .
  فمن هو الذي لا يريد قبول هذا الاقتراح سوى شخص  فئوي لا يدرك معنى وحدود حريته كعضو في مجتمع غني وثر يعطي لاختيار الجزء أغنى الأبعاد وأكثرها تلونا بوجود آخرين لهم حدودهم وتطلعهم ، ومن الذي يريد أن يسقط من حسابه هذا الطرف أو تلك القوة أو يفكر بغمط حقوقها إلا طامح لأخذ ما ليس له وما يتجاوز حقوقه ؟ هذا هو طريق العراق وشرط تحرره وقيام نظامه التوافقي الديمقراطي ولا طريق أبدا غيره ، الانتخابات تحتاج إلى اتفاق ودستور مسبق وهي إذا قامت قبل الاتفاق ستكرس الخلاف ، والدستور لا يمكن وضعه إلا من قبل الاجتماع العام حيث النصاب الاجتماعي للشعب وممثليه ، وآلا كان ناقصا وبلا معنى ولن يلبث أن يخرق ويرفض ، إذا سقطت الدولة وانهارت ، تؤول الشرعية وحق سن القوانين إلى ممثلي السكان ، إلى المؤتمر التأسيسي العام المستقل ، والأمريكيون جاءوا تحت دعوى إسقاط النظام فدمروا الدولة ، ولم يبق على العراقيين الأحرار إلا أن يعيدوا بناءها على شاكلتهم تعدديه متوافقة وحره .
    لو كان ممثلو الأكراد يملكون رؤية بعيدة وحصافة تليق بتاريخهم وموقعهم في البنية الوطنية لبادروا إلى تبني شعار المجلس التأسيسي الوطني العراقي العام ولنادوا به واقترحوا على العراقيين عقده في كردستان على أن يتحقق فيه شرط المصالحة مع الجميع والاستقلال عن أي تدخل أمريكي لقد عقدت الكثير من المؤتمرات في كردستان ، ظن قادة الأكراد أنها ستحقق لهم ما يريدون إلا انهم لم يحصلوا الأعلى الخيبة فليجربوا الآن ، الدعوة إلى عقد مثل هذا المؤتمر وليكونوا مهيأين لتلقي أسئلة كثيرة منها مثلا : هل إذا تحققت الفيدرالية ستكون الحدود العراقية الشمالية والشمالية الشرقية أبدية أم مؤقتة لان الأكراد عادة يشبهون ما يطرحونه  ببعض الفيدراليات الأوروبية  وينسون أن الرومان الناطقون بالفرنسية  في سويسرا سويسريون ، والألمان سويسريون  ، فهل الأكراد يريدون فيدرالية ضمن دولة نهائية ويكونون فيها عراقيين حتى لو قامت كردستان الكبرى ، أم انهم يفكرون بالفيدرالية كإجراء مؤقت قبل والى أن تتهيأ ظروف قيام دولة كردية أوسع ؟
    الأمر مختلف في المعنى والتطبيق كثيرا جدا لأن المطالبة برسم ولو افتراضي للحدود سوف يكون غير منطقي في حالة قيام الفيدرالية كإجراء انتقالي عنها في حال كانت إجراء ثابتا ويخص مواطنين أبديين في كيان واحد ذلك لأننا في الحالة الأولى نعالج حدود دولة افتراضية لاوجود لها ولاشيء يحتم قيامها وهي بحالتها الراهنة ليست دوله الأكراد بل دولة أقلية كرديه في حين يصبح الأمر له معنى آخر إذا كان المقصود قيام فيدرالية هي جزء من دولة عراقية الأكراد فيها مواطنون عراقيون من دون أي احتمال آخر.
    ثم هل  يريد الأكراد  العيش ضمن دولة عراقية قائمه على التوافق والثقة  أم على انتزاع الحقوق في لحظة عابرة من ضعف الطرف الآخر ؟
    ولهذا فإن الأمل طريق لا يلتقي أبدا مع ما تطرحه قيادة الأحزاب الكردية في هذه اللحظة ، علما بان الأمر كله لا يتفق مع مقتضيات حسن التوقيت وحصافته لان المطلب مطروح على سبيل الاستباق قبل نقل السلطة المزعوم قبل سن الدستور الوهمي قبل الانتخابات المستحيلة ....
لقد جرب الشعب الكردي قبل غيره من مكونات المجتمع العراقي عقيلة القيادات الحزبية القومية وتلك التي تزعم اليسار وهي في الحقيقة ليست أكثر من ذيل قميء لتلك الأحزاب ،  و لقد ذاقت تلك الجماهير الخيبات تلو الخيبات والهزائم تلو الهزائم لأن تلك القيادات راهنت دائما على الاستقواء بالأجنبي سواء كان هذا الأجنبي جارا أو غازيا قدم عبر المحيط غير أن ما يحدث اليوم أخطر بكثير من كل ما فعلته تلك الأحزاب حتى الآن  بهذا الشعب الطيب الحر ، وهي تراكم الحطب الآن بمساعدة الاحتلال الأجنبي لتحرق كل شيء .
 إن على الكرد العراقيين الشرفاء   وكافة مواطني العراق أن يرفضوا مغامرات الأحزاب برأس الوطن والناس فالطرف الآخر لن يقف مكتوف الأيدي وأمريكا لن تبقى إلى الأبد على أرض العراق وليتذكر قادة الأحزاب أن في بغداد فقط أكثر من مليون مواطن عراقي كردي وهناك مئات الآلاف من الكرد في مدن عراقية أخرى في الوسط والجنوب  أفلا تعتبر سياسيات الأحزاب القومية الكردية الراهنة مغامرة بحياة واستقرار هؤلاء الكرد الأبرياء ؟ أليس هذه لتصرفات بداية لعميلة التطهير العرقي المدانة والمفروضة قسرا على الناس ؟ أليس الاستقواء بالمحتل الأجنبي ودباباته لتحقيق شعارات حزبية معينة ، والاستعجال في حسم شكل الدولة العراقية في غياب كامل للشعب ،وفي خضم أجواء متوترة ومضطربة تفوح بروائح الحرب الأهلية ، أليس هذا دليلا على إفلاس هذه الأحزاب سياسيا  وقصر نظرها تاريخيا ورعبها العميق من الديموقراطية والاستقلال ؟
دفاعا عن العراق بعربة وكرده وتركمانه وجميع أقلياته المتآخية ..
وحرصا على مستقبل الشعب والوطن العراقي الواحد الموحد..
ندعوا الجميع إلى التهدئة والتآخي والتبصر بعواقب سياسات بعض الأحزاب المغامرة ..
ونعتبر أن المهمة رقم واحد في حياة العراق وشعبه الآن هي استعادة الاستقلال وإقامة النظام الديموقراطي ..
إن الديموقراطية هي الطريق لحل المشكلة الكردية ومشاكل كافة المكونات المجتمعية العراقية ..
أما فرض  حل - مهما كان -  للمشكلة الكردية بقوة التحالف مع الاحتلال الأجنبي فهو تدمير للديموقراطية وللاستقلال والسيادة وللقضية الكردية ذاتها ..

#المكتب_الإعلامي_للتيار_الوطني_الديمقراطي_العراقي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات