أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجذوب قفة - اليتيم














المزيد.....

اليتيم


مجذوب قفة

الحوار المتمدن-العدد: 2229 - 2008 / 3 / 23 - 04:09
المحور: الادب والفن
    



تعرفت عليه تلميذا في مدرسة البنين بمدينة المشربة في أواخر الخمسينات إبان الاستعمار الفرنسي للجزائر ثم معلما للغة العربية في سنة 1970 ن بعد ثمانية أعوام من الاستقلال . كان كثير التردد على المكتبات كثير الحضور في الندوات والملتقيات والأمسيات الأدبية التي تظم على مستوى مدينة المشرية .
كنت لا أراه إلا وهو يحمل مجل أو جريدة أو كتابا ، كنت أكن له الاحترام لما يتصف به من تفان في عمله وإخلاصه لرسالته كمعلم ولما يتصف به من هدوء وحلم في تعامله مع زملائه وتلاميذه .كان محبوبا لدى الجميع لما يتصف به من تواضع وبساطة في الحديث والحركة والملبس . لكن في نفس الوقت كنت أرى أن الشخص يحمل هما في داخله في صمت وبدون ضجيج ، كل ذلك كان يظهر من خلال الكيفية لتي يمشي بها في الطريق ،في اغلب الأحيان لوحده ، ومن خلال ملامح وجهه التي تشبه على حد ما ملامح وجه فنان أسطوري فيه أكثر من علامة استفهام .ا أو من خلال نظراته التائهة التي تروي أن هذا الإنسان في داخله قضية أو أمر يخفيه عن الجميع . أمرُ صديقي هذا كان دوما يحيرني ، مما دفعني أكثر من مرة أن أتقرب منه بغية الوصول إلى الحقيقة التي يخفيها ، بقيت مدة طويلة أرسم فكرة عن خفايا هذا الشخص لكن دون جدوى .فتوجهت ذات يوم على بيته لاستعارة بعض الكتب والمراجع في إطار تحضير الدروس التي تنتظرنا ،وبينما هو يقلّب ويبحث عن المراجع المناسبة ، وإذا بعيني تسقط على صورة قديمة مكبرة بين طيات دفاتره وكتبه ،وبدون تردد أخد احمد هذه الصور ذات اللون الأبيض والأسود والتي تميل إلى الصفرة من القدم ، راح ينظر إلى وجه صاحبها ، ينظر بعمق وبنظرات مشعة كأننا يريد استنطاق هذه الورقة الكرتونية الصامتة ويسمع منها صوتا يتخفى منذ سنين لا طالما طارده في أحلامه وخيالاته ، وفي لحظة التفت نحوي :
- هل تعلم يا أخي بأنها صورة أبي ، لم يبق منه غير هذا الماضي وهذه الورقة الحاضرة معي في كل الأوقات ، تلاحقني في كل مكان ، انفجر يروي ما كان يسمعه من أمه عن هذا الوجه الغائب الحاضر وفي أكثر من مناسبة :
- ما زلت أذكر يا بني ،
- كان ذلك في شتاء 1955 ، كنت مسترخية بمفردي بقرب الكانون أعابث الخشب الملتهب في وحدتي وعزلتي وإذا بدقات خفيفة على الباب تصل أذني ، عرفت في التو أنه أباه
- .كنت يا ولد وقتها طفلا تبلغ من العمر خمس سنوات تقريبا .
- فتحت الباب يا ولدي فإذا بأبيك يقف وقد تشعّث ذقن شعره ومن عينيه كان تظهر علامات الشوق والحنين ممزوجة بالتعب والإجهاد ،وبصوت مبحوح تلمست فيه كل الرقة وكل الثورة ، قال لي :
- أنا قادم من هناك ، وأنا هنا للحظة ولحظ قصيرة ، أريد أن أسرقها من الزمن ، جئت لرؤيتك ولأرى أحمد ولو في نومه ...
أعلم يا بني بأنني توجهت وإياه إلى فراشك فكنت غارقا في نومك ، فاكتفى أبوك بنظرة إلى وجهك الملائكي وبهزة من رأسه لها ألف مدلول اكتفى أبوك .
جلسنا نتبادل النظرات كأنما كل واحد يريد تفكيك رموز غامضة أو فك لغز لمشاعر دفينة في القلب ، لا هي من الفرح ولا هي من الحزن ولا هي ،الخوف وفجأة وبدون تردد وقف بسرعة وقال : الواجب ، الأمانة ، أنت ، ابني ... أنا ذاهب من حيث جئت .. أنا ذاهب للجهاد ولن أعود ولكننني سأعود يوما . قالها ببساطة فأذهلتني تلك البساطة التي تحدث بها والهدوء الذي اكتنف حركاته ، في وقت كنت أنا قلقة مثل علامة الاستفهام .
رمى أبوك مرة أخرى بنظرة كلها رقة على وجهك وأنت تنام ، قبض على رشاشه وأخفاه تحت جلبابه ، ودعته بحرارة واندفعت إلى عتبة الباب أراقبه وهو يمضي في الشارع . كان يمشي بثقة وحزم وكانت المدينة تغرق في كآبة الليل ، بينما الإنفجارات وطلقات الرصاص تٌسمع من بعيد في أنحاء عديدة منها .
عدت يا ولدي إلى الغرفة وأخذت أتأمل في نومك الملائكي ، فأحسست بنوع من الدهشة والقلق والخوف . قضيت تلك الليلة مؤرقة وأنا أحاول تقليد أبيك في كل شيء ، أقلد تلك البساطة التي تحدث بها حينما قال : الواجب يا أم أحمد ، الأمانة ...أحسست أن صوتي متحشرج
الأمانة .. الأمانة يا أم أحمد ، فأحسست بصوتي متلعثما ، لكن حينما حاولت أن أقلده في كلماته الأخيرة : أنا ذاهب إلى الجهاد ، أنا ذاهب ولن أعود ، ولكنني سأعود يوما ، اعترتني قشعريرة حادة وأحسست أن الدم تجمد في عروقي وأحسست أن صوتي ميت ، فتلاحقت أمامي صور المعركة ، حينها يا بني أحسست أن جزءا مني مات وبقيت طوال الليل مؤرقة أسائل نفسي هل فعلا سيعود يوما ؟
وفي الصباح دوّت المدينة لاستشهادي .
مجدوب قفة



#مجذوب_قفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 158 مترجمة على قناة الفجر الجزائري ...
- وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبدالمحسن عن عمر يناهز 75 عاماً ب ...
- “أفلام تحبس الأنفاس” الرعب والاكشن مع تردد قناة أم بي سي 2 m ...
- فنان يحول خيمة النزوح إلى مرسم
- الإعلان الأول حصري.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 159 على قصة عش ...
- أكشاك بيع الصحف زيّنت الشوارع لعقود وقد تختفي أمام الصحافة ا ...
- الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود ...
- “نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ ...
- تونس.. مهرجان الحصان البربري بتالة يعود بعد توقف دام 19 عاما ...
- مصر.. القضاء يحدد موعد الاستئناف في قضية فنانة سورية شهيرة ب ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجذوب قفة - اليتيم