أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - العربي إدناصر - الفكر الأصولي و الوعي السياسي في إعادة التأسيس للمفاهيم















المزيد.....


الفكر الأصولي و الوعي السياسي في إعادة التأسيس للمفاهيم


العربي إدناصر

الحوار المتمدن-العدد: 2223 - 2008 / 3 / 17 - 08:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


  عرف المجتمع الإسلامي في العصر العباسي تدهوراً سياسيا و انحطاطا فكريا ساهم في تفشي حالات اليأس و الإحباط، دفع ذلك برجل العلم إلى ابتكار تصور جديد يقنن مفاهيم الولاء السياسي للسلطة، و يضبط مفردات العلم و الفقه الذي صار يتتبع سنن السلطة شبراً بشبر وذراعا بذراع حتى دخل جحرها، فجاءت محاولات الشافعي في كتابيه " الرسالة" و "الأم" لإعادة تفكيك و تركيب اختصاصات العلم و السياسة في ضوء قواعد فكرية و شرعية مستمدة من أصول الأحكام في الإسلام: الكتاب و السنة، باستقراء نصوصهما لاستخراج الغايات الكبرى والمعاني العظمى من التشريع، في وقت عرفت فيه الساحة السياسية والفكرية تسيبا وانعطافا خطيرا نحو مزيد من الضبط السياسي لحركة الثقافة والإجتماع.
          ولهذا فإذا " كان صاحب الرسالة قد أعطى بعمله الرائد الميلاد الشرعي لعلم الأصول، فقد كان حتما أن يعكس ذلك العلم، خاصة في لحظة الميلاد و التأسيس سائر تلك الهموم الأخلاقية و السياسية التي كانت موضوع تجربة رجل العلم مع دولة الخلافة"[1]، التي كان فيها الفقيه مسيَّراً و حُظر عليه الدخول في شؤون السياسة و الحكم  إلا من باب تقديم النصائح والوصايا كما يفعل كُتاب الآداب السلطانية، و من جهة أخرى تم اكتساح ميدان تخصصه من قبل رجل السلطة الذي بات يُلوي أعناق النصوص في الإتجاه الذي يخدم طموحاته السياسية و الإجتماعية ضاربا بعرض الحائط الضوابط العلمية التي توصل إلى استخلاص المعرفة من منابعها الأصلية، ولذلك لم تكن مهمة الشافعي فقط استدراك الفَوَاتْ العلمي و الفكري في زمن الانحطاط بقدر ما كان اجتهاده "راجعا بالأولى إلى هدف أساسي و ملح، هو إنقاذ النص المؤسِّس للشرعية في الإسلام من محاولات الإستغلال و التوظيف التي ظهرت باسم المصلحة أو لأي اعتبار ذاتي آخر، غالبا ما يكون مصدره المالك لقوة السيف و للرقاب"[2].
           ولقد أدرك رجل السلطة أهمية السلطة العلمية في دعم و مساندة السلطة السياسية، فعمل على توظيف الفكر الفقهي في إمداد مواقف السلطة بجملة أحكام شرعية في الحقل الأصولي من قبيل مفاهيم: الإجماع، الطاعة و الواجب... وليس باعتبارها محددات لتوجيه سلوك السلطة وتقويمه، بل لكونها معطيات مسلم بها فقهيا، لكن يتم تنـزيلها وفق مناط جديد يحقق مصالح الفئة الحاكمة على حساب مصالح المحكومة، و بالتالي تفرغ من معانيها الأصلية التي تحملها النصوص الشرعية، لِتُضاف إليها غايات جديدة من اجتهاد مَن نصبه الفقهاء حاميا للملة والدين وساهراً على وحدة الأمة و الجماعة.
          فباتت مُهمة إعادة صياغة هذه المفاهيم صياغة علمية مضبوضة حاجة ملحة للحفاظ على التوازنات السياسية داخل الدولة بين الأمة ومختلف المؤسسات الفاعلة داخلها من سلطة وعلماء...، و لعل مفهوم "الإجماع" يشكل أبرز هذه المفاهيم وأكثرها " التصاقا بمشكل السلطة، ولأنه يشكل أقدم مفهوم حاول رجل السياسة الإستئثار به و تأويله لصالحه، منذ عام الجماعة عام انقلاب الخلافة ملكا عضوضا"[3]. و على أساسه تم التغطية على الإنحراف السياسي في الحكم باسم الإجماع السياسي الذي أفرز فيما بعد أوجاعا إدارية وسياسية أثقلت كاهل العقل السياسي العربي بمجموعة من " الإجماعات" على مستويات عدة: وجوب طاعة الإمام وحرمة الخروج عليه، إجازة ولاية المتغلب، النسب القرشي... و هلم جرّا من الإنتكاسات الفقهية التي قدمت خدمة علمية للسلطة السياسية التي ما كان لها أن تستمر نظرا لقهريتها لولا استدعاء الشريعة و العقيدة في الظروف العصيبة.
          وتفاديا لمثل هذا الإستغلال، عمد الكثير من الأصوليين كابن حزم وابن رشد الحفيد والشاطبي إلى تقنين مفهوم الإجماع ورسم حدوده ومجالاته. وقبلهم أرْسى الشافعي الأسس العلمية التي ينبني عليها هذا المصدر الجديد وذلك ليقطع الطريق على الإجماع السياسي الذي تُروَّج له السلطة، ولتعزيز نفوذ العلماء في تنظيم المجتمع، إلا أن جهود الشافعي لم تبلغ بالإجماع سقف المواجهة الحقيقة لإكراهات الواقع الذي لم يشهد ظروفا ملائمة لتفعيله " فظل الإجماع سلطة تقديرية لم تتحقق، ولم يتولد إجماع على أكثر من ضرورات الدين التي اتفق عليها المسلمون الأوائل"[4]، كما أن هذا المفهوم انحصر في النقاش النظري العالي واستأثر به خاصة الخاصة من العلماء، فلم يعتبروا رأي المقلدين والعوام والمبتدعة داخلا في مدلولاته، فلا إجماع إلا إجماع النخبة الفكرية التي تتمتع بالقدرة على الإجتهاد و استنباط الأحكام، وكل من لا تتوفر فيه هذه الشروط العلمية لا أثر له في تزكية هذا الإجماع أو نقضه، وبذلك انتقلت عصمة الأمة من الخطأ إلى عصمة مجتهديها فقط، فتم تقزيم الأبعاد الكبرى للإجماع واقتصر مدلوله على البعد المعرفي الأكاديمي فحسب، ولو أخذ هذا المفهوم"بدلالته السياسية التي غابت عن ذهن الفقيه زمن التأسيس، لتحولت حجية إجماع الأمة إلى آلية انتظام اجتماعي تحفظ تماسك المجتمع و تمنعه من التقطع والإنقسام و إلى حق عام في تقرير مسائل الحياة العامة والمصالح والقضايا المصيرية التي لا تتطلب توافقا معرفيا، بل تتطلب توافق إرادات و تقاطع ميول و اشتراك أهواء"[5]. إلا أن غياب هذه الرؤية عطل الأهداف التي كان من الممكن أن يحققها الإجماع و أبطل مفعوله الأساسي فارتد إلى درجات دُنيا من إجماع الأمة إلى إجماع مجتهديها إلى إجماع علماء المذهب إلى إجماع أهل فرقة عقدية ما، ولذلك "كان الخوارج يرفضون القول بحجية الإجماع، باعتباره في النهاية إجماع أهل السنة و الجماعة".[6]
                  وهكذا فشل هذا المفهوم في ترسيخ سلطة العلماء، وفي كبح تصرفات رجل السلطة الذي أوجَبَ طاعته في المنشط والمكره وفي المعروف والمنكر، وهذا اختلال آخر في المفاهيم تنبه الفكر الأصولي إلى خطورته الميدانية، مما دعا علماء الأصول إلى ضبطه بما يراعي مصلحة الشرع و مصلحة الأمة، ويحدد التزامات كل من الأمة والإمام في شكل تعاقدي يضمن حقوق كل منهما، وخصوصا أن هناك مجموعة من النصوص توحي بإلزامية الطاعة للإمام قد يفهم منها الإطلاق في الطاعة للإمام، ولهذا الأصوليون لما "وقفوا عند آية أولي الأمر...[7] قد اعتبروا تبيين دلالتها دخولا إلى المشكل السياسي من بابه الواسع من حيث اعتبارهم ذلك فرصة لتأكيد سلطتهم المعرفية، وهو تأكيد حمل القاضي ابن العربي المعافري (543هـ) على الإعتقاد بأن أُمراء وحكام صدر الإسلام كانوا رجال علم بقدر ما كانوا رجال سياسة ودولة"[8].
          ومن جهة أخرى لاحظ الأصوليون أن طاعة الحكام (أولي الأمر) واجبة بعد ثبوت طاعة الله و رسوله، بمعنى أن الحاكم الذي لا يطيعهما لا يستحق سمعا ولا طاعة، بل يجب عصيانه لأن في طاعته انخراما للشريعة وافتئاتا عليها وتزكية للظلم و الفساد، وهذا ما جعل الإمام الزمخشري (ت538 ) عند تفسيره للآية السابقة ينفي الطاعة للظلمة والمتجبرين لأنهم" لا يؤدون أمانة، ولا يحكمون بعدل، ولا يردون شيئا إلى كتاب الله ولا إلى سنة رسوله.. وأحق أسمائهم اللصوص المتغلبة"[9]، وهذا الموقف يعد ثورة فكرية واجتماعية على جور السلاطين، في واقع عرف فوضى سياسية صارت الغلبة والقهر والشوكة العناصر الحاسمة في تنصيبهم ولم تعد البيعة تنهض بمهمة انتخابهم، كما عرف استهتار الأمراء بحق الأمة في استخلاف من تشاء على شؤونها، وبالالتزام بمقتضيات الإمامة من حفظ حقوق الرعية وإقامة العدل، وذلك ما ساهم في ظهور فتاوي نظَّر لها العقل الأصولي تبيح الخروج على الإمام بعد ما كان ذلك محظوراً بفتاوى المحدثين والفقهاء، وهذا الأصولي فخر الدين الرازي (ت604هـ) يعلن أن الطاعة إنما تجب فيما " علم بالدين أنه حق وصواب... أما طاعة الأمراء والسلاطين [اليوم] فغير واجبة قطعاً، بل الأكثر أنها تكون محرمة، لأنهم لا يأمرون إلا بالظلم !"[10].
            وأي ظلم أن يجعل الإنسان نفسه فوق المساءلة و المحاسبة، فلا يرى للناس إلا ما يراه، وإذا استفسر في ذلك أو أُنْكِر عليه أخذته العزة بالإثم[11]، فينتقم لرأيه لا لشيء إلا لتبقى كلمته هي العليا وحتى لا يقول الناس أخطأ أمير المؤمنين، ولهذا المعنى أبدى بعض الأصوليين شيئا من اللين في الطاعة للإمام المتجبر " لا لكونه آمراً بل لدفع مفسدةِ ما يهدده به [أي المطيع] من قتل أو قطع أو جناية على بضع..."[12]. وهذا استثناء له ما يبرره و إلا فإن الأصل لدى الأصوليين هو أن الطاعة مشروطة باتباع الكتاب والسنة، وذلك بطاعة الله ورسوله كما تقدم في الآية:58 من سورة النساء، وكل أمر أو رأي خارج عن هذا الشرط فلا اعتبار له من الوجهة الشرعية، وبالتالي فلا طاعة فيه ولو كان مصدره السلطان. وذلك ما دفع الشافعي عند وقوفه على الآية يستدرك على القائلين بوجوب الطاعة المطلقة بقوله: " لا طاعة مطلقة، بل طاعة مستثناة فيما لهم و عليهم..."[13]، و هنا التفاتة قوية من صاحب الرسالة إلى ما ساد في المجتمع من نصائح الكتاب للسلاطين بالاجتهاد في الدين وإلزام الناس بآرائهم وأقوالهم بما يرونه دليلا قويا وحقّاً ناصِعاً، وهذا الإنحراف الفكري هو عين ما جعل الشافعي يقنن الرأي في الدين حتى لا يصير مجرد هوى واستبداد في التشريع، ومن هنا نفهم موقفه من " الإستحسان" الذي لا يراه إلا ضربا من " التحليل والتحريم" الذي يختص بهما الله دون غيره، إلا أنه ومع ذلك فالشافعي لما يقول " من استحسن فقد شرع"[14] فهو لا يقصد بذلك منع إبداء الرأي أو الإجتهاد في الدين، فقد ثبت لدى الأصوليين أن الرأي المذموم في الدين هو الرأي العاري من الدليل أو الذي ينبع فقط من التلذذ والتشهي والهوى، وإلا فإن القرآن الكريم مليء بالمجملات والعمومات التي لا يمكن فهمها ولا إدراك معانيها إلا بإعمال الفكر وتقليب النظر فيها بالضوابط العلمية التي وضعها المتخصصون.
          ومن جهة أخرى يجب ربط موقف الشافعي هذا بالواقع السياسي الذي عرف استبداد الحكام بالتشريع دون مشورة العلماء، و لذلك أورد الشافعي حديثا عن شيخه مالك بن أنس ["أن الخليفة معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله ينهى عن مثل هذا: فقال معاوية: ما أرى بهذا بأسا. فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية! أخبره عن رسول الله ويخبرني عن رأيه لا أساكنك بأرض!][15].
          إن مكمن الخطورة في هذه الواقعة أن مُصدر الرأي فيها ليس شخصا عاديا يؤخذ من قوله ويترك، إنما يتعلق الأمر بالرجل الأول في الدولة وهو الخليفة، ويزيده خطورة أنه رأي يتعلق بالتشريع الإقتصادي الذي أبدى فيه الخليفة رأيا مخالفا لما كان عليه العمل في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، ويظهر من النص أن رأيه لم يكن صادراً عن علم أو أَثَرَ، بقدر ما كان نابعا من موقف شخصي. ولذلك لم يتردد الشافعي في أن التصريح بأنه " لا يجوز أن يقال لقولٍ فرض إلا لكتاب الله ثم لسنة رسوله... ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسول الله!"[16].
          وهذا هو عين ما يفعله السلاطين إذ يستحسنون أشياء فيعتبرونها مما يرمي إليه الشرع، وقد يسمونها أسماءً دينية لإيهام الناس أنها حق يلزم اتباعه، ومن ذلك ما كان الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور يهدف إليه من رغبته في فرض كتاب الموطأ على الناس وتعليقه على جدران الكعبة لتوحيد الفقه والفتوى والقضاء، وفي نفس الوقت لاستيعاب العراقيين وأهل الرأي بفقه أهل المدينة الذي ترعاه المركزية السياسية، لتكتمل لها السيطرة على الجزيرة العربية ونواحيها، ولتدجين المعارضة فكريا قبل أن تُحْتوى سياسيا.
         ولقد تنبه الإمام الشاطبي فيما بعد إلى أفعال هؤلاء السلاطين ولم يفُته أن يدرجها في نظريته الجديدة في تحديد مفهوم البدعة[17]، فقد كان يسعى إلى نقد سلوكات المتصوفة الذين يكثرون من الوسائط بين العباد ورب العباد، وسلوكات السلاطين الذين يبتدعون في السياسة ما لم تشهد له النصوص بقدر ما تشهد له السيوف. وفي هذا الصدد حمل على من يزعم "أن خاتم الذهب جائز لذوي السلطان، أو يقول إن الحرير جائز لهم لبسه دون غيرهم..."[18].وقد يكون وراء هذه الفتوى بعض وعاظ السلاطين يتقدمون بها إلى القصور زلفى. ومن ناحية أخرى استنكر " استحلال القتل باسم الإرهاب الذي يسميه ولاة الظلم سياسة وأبـهة الملك ونحو ذلك، فظاهر أيضا، وهو نوع من أنواع شريعة القتل المخترعة"[19]، وهذا النوع من التعزير اعتبره الشاطبي بدعة سياسية لم يقم دليل على مشروعيته وإنما استحدثه السلاطين وزينته لهم أنفسهم.
            ولقد استشهد في ذلك بالنموذج المغربي مشخصا في مؤسس الدولة الموحدية "محمد بن تومرت" الذي ادعى لنفسه العصمة، وابتكر أموراً جديدة في العقيدة دوَّنها في كتابه "التوحيد" وألزم الناس بقراءته وحفظه لأنه أساس العقيدة الموحدية[20]، وبالإضافة إلى هذه البدعة الدينية كانت لابن تومرت بدع سياسية أخرى تتعلق بتأديب المخالفين لأموره ومُعتقداته بالقتل، حتى "كان أكثر تأديبه القتل"[21]، وهذا النقد السياسي من الشاطبي لسلوكات السلاطين هو جوهر ما تميز به في تنظيره لمفهوم البدعة، فلم يكن كغيره ممن سبقه منهمكا في تتبُّع "بدَع القبور"، بقدر ما كان منشغلا كذلك برصد  "بدع القُصور" التي انتشرت في الأندلس وفي غيره من البُلدان، وبتزكية من فقهاء السلطة أحيانا.
          ويمثل الشاطبي لذلك بالفقيه "محمد ابن لبابة" الذي يتحايل على الشريعة لتفويت أوقاف عمومية لصالح الخليفة الناصر الذي تعلقت نفسه بها[22]، مقدما بذلك مصلحة الخاصة على مصلحة العامة ولو على سبيل التحريف للدين والتوظيف السياسي لمقاصده التي كانت لب المشروع الفكري للشاطبي من خلال "الموافقات" و"الاعتصام"، وعلى أساسها أبدع في مقاربة مفهوم البدعة، فلم يخلطها بالمصالح المرسلة، كما لم يجرها على جانب العادات، ورفض تقسيمها وفق الأحكام الخمسة المعروفة.
                 وخلاصة لكل ما سبق، يظهر الخطاب الأصولي منشغلا بالتصدي لمشكلة "التباس المفاهيم" التي اصطبغت بألوان السلطة والقهر في زمن يعاني أزمة أفول السلطة العلمية، ليأتي الأصوليون لإعادة بناء تلك المفاهيم على أساس ضوابط اللغة والمقاصد، وتشكل تجربة الشافعي الإرهاصات الأولى لهذه الصحوة الفكرية من خلال مؤلفه "الرسالة"، إلا أن هذا المجهود توقف مفعوله بعد أن طغى عليه التقليد والجمود فلم ينهض من جديد إلا بعد مجيء الشاطبي في إبداعه المقاصدي في "الموافقات"، فساهم في عقلنة الفكر الأصولي على أساس من القطع واليقين.كل ذلك لم يتحقق لولا الوعي السياسي للمثقف الأصولي ذي التوجهات الكلامية في وقت عرف فيه الفقه إحباطات متكررة واحتكرت فيه السلطة الإشراف على شؤون الدولة والدين.
 
 
 
 
 
 
 
 


*العـربي إدنـاصر، باحـث من المـغرب.
[1]- د. عبد المجيد الصغير: الفكر الأصولي وإشكالية السلطة العلمية في الإسلام: قراءة في نشأة علم الأصول ومقاصد الشريعة، دار المنتخب العربي بيروت ط1/1994 ص: 158.
[2]- نفسه، ص: 191.
[3]- نفسه، ص: 214.
[4]- و جيه قانصو: تكون الفكرة السياسية في التاريخ الإسلامي، مجلة المنطلق الجديد العدد 2 شتاء ـ ربيع 2001، ص:40
[5]- نفسه ص: 43.
[6]- المستشار عبد الجواد ياسين: السلطة في الإسلام: العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ، المركز الثقافي العربي البيضاء، ط1/ 1998، ص: 83.
[7]- هي الآية: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم..." النساء: 58.
[8]- الفكر الأصولي، المرجع السابق، ص: 211.
[9]- أبو القاسم جار الله الزمخشري: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل،  دار المعرفة بيروت، بدون رقم الطبعة و لا تاريخها، ج1 ص: 536.
[10]- فخر الدين الرازي: تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب، المجلد 5 الجزء 10دار الفكر ص: 150.
[11]- حذر عبد الملك بن مروان الناس من أن يقول له أحد بعد حكمه: اتق الله، و إلا قطع رأسه ! و قد كان يلقب بحمامة المسجد إلا أنه لما و لي الحكم خاطب المصحف بقوله: هذا فراق بيني و بينك !
[12]- العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، دار الكتب العلمية بيروت ج2 ص: 134. وموقف سلطان العلماء هنا من طاعة الطغاة نابعٌ من تقدير الضرورة التي تدفع بها المفسدة التي تُلْحِقُها السلطة بالناس، وهذا التكييف طغى على تحديد العلماء لمفهوم الضرورة فابن العربي مثلا يحدد الإضطرار " إما بإكراه من ظالم أو بجوع في مخمصة أو بفقر لا يجد فيه غيره"ينظر: أحكام القرآن، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الفكر، المجلد 1، ص: 55. وتبعه في ذلك القرطبي مرجحا أن إكراه المظالم أولى صورتي الإضطرار والضرورة، ينظر: الجامع لأحكام القرآن، المجلد 1، دار الفكر، الطبعة 2، ص:225.
[13]- محمد بن إدريس الشافعي: الرسالة، تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر، بدون ناشر ولا رقم وتاريخ الطبعة، الفقرة: 259 إلى 263، ص: 79-80.
[14]- الحنفية أكثر المذاهب قولا بالإستحسان، و قد قال أبو الحسن الشيباني عن شيخه أبو حنيفة: " كان أصحابه ينازعونه و يعارضونه بالمقاييس فينتصفون منه، فإذا قال   أستحسن لم يلحقه واحد منهم لكثرة ما يورد من الاستحسان من المسائل".
[15]- الرسالة، المرجع السابق، الفقرة: 1228، ص: 446. قال المحدث والمحقق أحمد شاكر: والحديث صحيح ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة إلا النسائي ...
[16]- نفسه، الفقرة: 255 إلى 257، ص: 78-79.
[17]- انتقد الشاطبي التقسيم الخماسي للبدعة عند الفقهاء ووصف كلامهم حولها أنه " مغفل جدا، إلا من النقل الجلي...! لا يشفي الغليل " ينظر: الإعتصام، وبه تعريف العلامة المدقق السيد رشيد رضا، ج2 دار المعرفة بيروت،  ص:117ـ 118.  و قدم تعريفا جديداً لها مفاده أنها كل " طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يُقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية "  الإعتصام، ج1 ص: 37.
[18]- المرجع السابق، ج2ص: 82.
5- نفسه، ج2 ص: 90.
 
[20]- ذكر ابن تيمية أن ابن تومرت " صعد إلى جبال المغرب إلى قوم من البربر وغيرهم جهال لا يعرفون من دين الله إلا ما شاء [...] واستحل دماء ألوف مؤلفة من أهل المغرب المالكية [...] فزعم أنهم مشبهة [...] واستحل أيضا أموالهم وغير ذلك من المحرمات..."مجموع  الفتاوى، جمع وترتيب عبد الرحمان بن محمد النجدي، المجلد11 طبع بأمر من فهد بن عبد العزيز، الطبعة1، 1398هـ ، ص: 476  إلى 487.
[21]- الإعتصام، ج2، ص: 91.
[22]- تنظر القصة في: الإعتصام، ص: 177 ـ 178.



#العربي_إدناصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -أزالوا العصابة عن عيني فرأيت مدى الإذلال والإهانة-.. شهادات ...
- مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف ...
- هامبورغ تفرض -شروطا صارمة- على مظاهرة مرتقبة ينظمها إسلاميون ...
- -تكوين- بمواجهة اتهامات -الإلحاد والفوضى- في مصر
- هجوم حاد على بايدن من منظمات يهودية أميركية
- “ضحك أطفالك” نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ج ...
- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...
- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة الجديد 202 ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - العربي إدناصر - الفكر الأصولي و الوعي السياسي في إعادة التأسيس للمفاهيم