أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - نعيم الأشهب - امارة حماس















المزيد.....



امارة حماس


نعيم الأشهب

الحوار المتمدن-العدد: 2219 - 2008 / 3 / 13 - 10:12
المحور: القضية الفلسطينية
    


مقدمة

تمثل هذه المادة "إمارة حماس" امتداداً وتكملة للمادة التي سبقتها، ونشرت قبل عام تقريباً، تحت عنوان "حماس من الرفض الى السلطة"، وذلك في ضوء المستجدات منذئذٍ في الساحة الفلسطينية على وجه الخصوص. فخلال العام الفاصل بين المادتين، وقعت أحداث أكدت، في مدلولاتها، بعض ما جاء في المادة الأولى. فعدا "اتفاق مكة" و "حكومة الوحدة الوطنية" ، التي لم تكن في مسيرة حماس نحو هدفها في اقامة "الامارة الحمساوية" سوى مناورة تكتيكية، جاء الانقلاب الدموي، الذي نفذته هذه الحركة ، أواسط حزيران 2007، لتفصل القطاع العزيز عن الجسم الفلسطيني جغرافياً وسياسياً، ولو الى حين، وكل ذلك في أوج المعركة مع الاحتلال الاسرائيلي.
واذا قُدر لسلطة حماس أن تطول، فستكتسب كل سمات الحكم الشمولي وأوصافه، الأصولي، والفاشي، والمعادي لكل ما هو ديمقراطي، وينكر الآخر، بدعوى أن نظامه هو تجسيد للاسلام وصورته، وبالتالي، للإرادة الآلهية ، التي لا تحتمل تحدياً او خروجاً من أحد، باعتبار ذلك كفراً وارتداداً، جزاؤه اقامة الحد! وباختصار، ستكون المرأة في مقدمة ضحايا النظام الشمولي الأصولي واكثر من يعاني من عسفه. والمفارقة، التي لا مثيل لها، أن يقع كل ذلك في ظل الاحتلال، بدل توحيد كل الجهود وتوجيهها للخلاص منه.
لكن ما يمنح العزاء، هو الثقة بهذا الشعب الذي تمرّس بالتجارب واكتسب خبرات بالغة الغنى، خلال العقود الماضية، في صراع لم ينقطع لحظة مع الاحتلال. هذا الشعب العظيم ، الذي وإن أساء الاختيار في لحظة نزق وضيق من جرائم الاحتلال في الأساس، ومن سلوك بعض الفاسدين، فإنه – كما تشير الوقائع – في طريق العودة الى الحقيقة، والسعي للتكفير عن خطأ اختياره.
فالإضراب في ايلول 2007 الذي شهده قطاع غزة الواقع تحت قبضة حماس وارهابها، شكل تحدياً استعراضياً لسلطة الانقلابيين وكان بمنزلة استفتاء لا يحتمل الشك، في أن شعبنا في القطاع راح ينفض يده من الانقلابيين، بل ويتحدى سلطتهم، وارهابهم. ولا تقل أهمية عن ذلك معطيات استطلاع الرأي الذي أجراه مركز استطلاعات الرأي، والدراسات المسحية، بجامعة النجاح – نابلس والذي جرى نشر نتائجه يوم 18/9/2007. فهو يشير الى أن اكثر من 84% من الذين استطلعت اراؤهم، عارضوا توظيف الدين من اجل تحقيق اهداف سياسية (1). وهذا يعني، دون لبس، أن هذا الشعب المؤمن يعي ويميز بين الاسلام كقضية ضمير وإيمان، وبين الاسلام السياسي ذي الاغراض الأنانية، لفئة من اصحاب الغَرَض. وكل ذلك يشكل تباشير مشرقة بأن شعبنا لا يمكن خداعه طويلاً.
واذا كان شعبنا، بحكم معاناته الطويلة والمعقدة بنوع خاص، من اوائل ضحايا خداع الاسلام السياسي، فلعله يكون رائداً في الخلاص منه. ليقدم بذلك البرهان القاطع على أن الاسلام السياسي ، الذي يبلغ هذه الأيام، أوج تمدده وانتشاره، كإفراز رئيس لحالة الانحطاط المريع التي بلغتها بلدان العالمين العربي والاسلامي، هو آخر التجارب الفاشلة لخروج شعوب هذين العالمين من ازماتهما الخانقة، التي تدور في دوامتها منذ عقود. وحين تدرك هذه الشعوب بتجربتها المّرة أن الاسلام السياسي، ليس فقط لن يحل مشاكلها المزمنة، بل يزيدها تعقيداً، حينها، سيبدأ فجر هذه الشعوب، بالعودة الى طريق النضال السوي والثوري ضد الاحتلالات الاسرائيلية والاميركية، والهيمنة الامبريالية، وضد عسف حكامها المدعومين من قوى خارجية، وضد فسادهم.
وشأن المادة الاولى "حماس من الرفض الى السلطة"، فهذه المادة بدورها لا تعدو أن تكون اجتهاداً شخصياً ، لا يتجاوز وجهة نظر خاصة.
المؤلف
الانقلاب العسكري في القطاع
على طريق الامارة "الحمساوية"

اعاد انقلاب حماس، في قطاع غزة، اواسط حزيران 2007، الى الأذهان ، تصريح الدكتور محمود الزهار، أبرز صقور حماس، غداة انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، أوائل العام 2006، حين قال: "كنا أمام أحد خيارين: ألقيام بانقلاب أو دخول الانتخابات". وعقب وقوع الانقلاب السالف الذكر مباشرة قدر سامي ابو زهري، الناطق الرئيس باسم حماس، الوضع باعتباره "التحرير الثاني للقطاع"، (على اعتبار ان التحرير الأول تم بعد الانسحاب الاسرائيلي من القطاع عام 2005) . أما اسلام شهوان، المتحدث بلسان القوة التنفيذية التابعة لحماس، فقد قال :"جاءت مرحلة الحق وسلطة الاسلام".
ومن الواضح أن مغزى هذه التصريحات ومعناها هو، اولاً: ان اللجوء للانقلاب قائم وموجود في أجندة حماس، وليس بالأمر الطاريء وابن ساعته، وهو مبرّر وشرعي في شريعة قادتها. وبالتالي، ليس في الأمر افتعال او غرابة. وثانياً، ان كل ما تظاهرت به حماس من التلاقي مع القوى الوطنية، بعد فوزها في انتخابات 2006، حول البرنامج السياسي، في مرحلة الصراع للخلاص من الاحتلال، هو مجرد تمويه، فرضه احساسها بالعزلة والمقاطعة، بأمل التغلب عليهما، وبالتالي: فإن اصرارها على اقامة الإمارة الإسلامية – كما تفهمها – لم يطرأ عليه اي تغيير. وقد أكد هذه الحقيقة عقب الانقلاب الدكتور محمود الزهار في المقابلة التي اجرتها معه" شبيغل اون لاين" الألمانية (1) في رده على سؤال فيما اذا كانت حماس تريد تأسيس دولة اسلامية في قطاع غزة، حيث أجاب:"في هذه الآونة لا يمكننا تأسيس دولة اسلامية لأنه لا توجد للفلسطينيين دولة. وطالما أننا لا نملك دولة سنحاول تأسيس مجتمع اسلامي"(2). وثالثاً، أن حماس تضع السلطة الفلسطينية، مهما كان الخلاف مع القائمين عليها، على قدم المساواة مع الإحتلال الإسرائيلي، وذلك حين يعتبر ممثلها سامي ابو زهري استيلاء حماس على قطاع غزة، عبر انقلاب عسكري، بـ "التحرير الثاني". وهذا المعنى ليس مجرد استنتاج بالحدس والمنطق، بل يؤكده الدكتور الزهار، في نفس المقابلة مع الصحيفة الألكترونية الألمانية، وذلك في رده على السؤال التالي لمراسل الصحيفة المذكورة :"لا يوجد في الوقت الحالي هجمات من الجناح العسكري لحماس على اسرائيل، فهل هذا توجه جديد؟". جواب الزهار :"نعم، علينا الآن أن نتعامل مع عدوين في وقتٍ واحد"! بل وهدد الزهار، في نفس المقابلة، بنقل العنف الى الضفة الغربية واستهداف قادة فتح. كما أوضح الزهار هذه النقطة في اجابته على سؤال آخر لنفس المراسل. سأل المراسل: "في الأسبوع الماضي كان هناك قتال شوارع في الضفة الغربية بين ميليشيات فتح وحماس. وقد احتفظت فتح باليد العليا، فكيف سيدافع انصار حماس عن انفسهم في حال أي قتال جديد؟". فأجاب الزهار:"دعني اسألك، كيف دافعنا عن أنفسنا حتى الآن ضد الاحتلال الاسرائيلي؟". رد مراسل الصحيفة متسائلاً: "بالقنابل والهجمات؟" وكان رد الزهار: "بالضبط، لكن أنت الذي قلتَ ذلك، وليس أنا".
واذا كان الدكتور الزهار يضع الطرف الفلسطيني المنافس على قدم المساواة مع العدو الإسرائيلي، الا أن حالة التهدئة الطويلة التي تلتزم بها حماس مع الاحتلال من جانب، والانقلاب في القطاع من جانب آخر، يؤكدان أن حماس تقدم "العدو"الفلسطيني على العدو المحتل. ولا يتعلق الأمر هنا، بزمرة "المتأسرلين" أو اتباع الجنرال الاميركي دايتون، كما يردد قادة حماس لتبرير انقلابهم، وإلا، لماذا بادرت تلك الحركة حال سيطرتها على القطاع الى انزال العلم الوطني الفلسطيني ، ورفع علم حماس الأخضر مكانه. ولم يقع ذلك في موقع او آخر، ليقال انها نزوة فرد غير مسؤول، بل عمت القطاع بكامله. وتدارك هذا السلوك، في وقتٍٍ لاحق، امام غضبة الجمهور الفلسطيني، الذي ما يزال يذكر جيداً كيف كان ابناؤه يضحون بحياتهم، احياناً، ليرفعوا هذا العلم تحدياً للاحتلال ... أن مثل هذا التدارك لا يزيل او يمسح من الذاكرة ما كشفته النوايا المبيتة ساعة "النصر" ! هذا، عدا حرق بعض اماكن العبادة والتعليم لمواطنين فلسطينيين مسيحيين.
اما الذريعة التي اوردها قادة حماس لتبرير انقلابهم، بدعوى انه – أي الانقلاب – كان خطوة استباقية لإحباط انقلاب كان يعد له "المتأسرلون" وأتباع الجنرال الاميركي دايتون، فهي ذريعة واهية تفتقر الى المنطق السوي. فلو كان هناك من أعد لانقلاب بالقوة – عدا قادة حماس - لبدا ذلك في مواجهة انقلاب حماس الذي تحقق دون مقاومة تذكر وفي زمن قياسي.
ومن المفارقات، أن هذا الانقلاب جاء على شرعية كانت حماس ركناً أساساً منها، كما كان رئيس الوزراء "الحمساوي"، اسماعيل هنية، يتولى في الوقت ذاته صلاحيات وزير الداخلية. وعلى كل حال، لو كان لدى حماس معلومات حقيقية عن انقلاب يجري الاعداد له، ضد هذه الشرعية، فقد كان حرياً بها – أي حماس – أن تبادر الى فضح المؤامرة والمتآمرين امام الشعب الفلسطيني، لعزلهم وادانتهم، وكشف أمرهم، في الوقت ذاته، امام البعثة الأمنية المصرية، وامام السلطات السعودية ، راعية اتفاق مكة.
لكن من المعروف أن الضربات الاستباقية شكلت، على مدى التاريخ، غطاء للكثير من اعمال العدوان والتخطيط له. وتكفي الاشارة، في ايامنا هذه، الى الغزو الاميركي للعراق، بدعوى امتلاك نظام صدام حسين لأسلحة دمار شامل تهدد الآخرين، وتحت نفس الذريعة، يريد بوش اقامة قواعد للصواريخ والرادار الحربي في كل من تشيكيا وبولونيا، بدعوى الحماية من الصواريخ الايرانية! وتحت نفس الذريعة كذلك تهدد ادارة بوش بضرب ايران.
عدا تأمين غطاء للانقلاب، فذريعة الخطوة الاستباقية، حررت حماس من كل ما ادعت الالتزام به، سواء في برنامجها الانتخابي أم في البيان الوزاري لحكومة الوحدة الوطنية، كقضايا الديمقراطية، والتبادل السلمي للسلطة، وغيرها من الالتزامات المماثلة. وللتذكير، فقد جاء في البرنامج الانتخابي لحماس، (الصفحة السادسة، بند السياسة الداخلية) ما يلي: "تعميق اواصر الوحدة الوطنية، واعتماد لغة الحوار والاحتكام الى العقل لحل الخلافات الداخلية، وتحريم الاقتتال، وكل اشكال استخدام القوة، أو التهديد باستخدامها في الاطار الداخلي".
لقد أدانت جميع الفصائل والتنظيمات الفلسطينية انقلاب حماس، وتحفظت عليه بما فيها الاسلامية، كحزب التحرير، والجهاد الاسلامي،. وقد جاء على لسان خالد البطش، احد قياديي الجهاد الاسلامي، يوم الخامس من آب 2007، بأن "الحسم العسكري الذي نفذته حماس في قطاع غزة، أضرّ بالقضية الفلسطينية" (1)
واذا كانت حماس قد قامت بانقلابها ضد السلطة الوطنية الفلسطينية، اواسط حزيران 2007، فإنها قد توقفت من طرف واحد، ومنذ ايلول 2005 عن مهاجمة اسرائيل، أي قبل انتخابات المجلس التشريعي التي فازت فيها، بعدة اشهر. فهل كان هذا استعداداً لمرحلة ما بعد الانتخابات؟ حينها، اكد الدكتور محمود الزهار، أواخر ايلول 2005 أن "حركته لا تريد اعطاء ذرائع لرئيس الوزراء الاسرائيلي، ارييل شارون، لإراقة المزيد من الدم الفلسطيني". بينما رأى غازي حمد ، احد مسؤولي حماس، أن وقف العمليات جاء خشية" حماس من أن تشن اسرائيل هجمات كبيرة واسعة على القطاع".(2)
الصراع على الأجهزة الأمنية

جاء في البرنامج الانتخابي لكتلة حماس (قائمة التغيير والاصلاح) حول الأجهزة الأمنية (تحت الباب الثاني "في السياسة الداخلية" الصفحة السابعة) ما يلي: "تصويب دور الأجهزة الأمنية في حماية أمن المواطن، ووقف الممارسات الخاطئة والتعسفية وضمان حريات المواطنين والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، واخضاع ممارسات هذه الأجهزة لرقابة المجلس التشريعي".
ولكن حين شكل اسماعيل هنية حكومة الوحدة الوطنية، في آذار 2007 ، على أساس اتفاق مكة، تغيرت هذه الصيغة واختلفت اللهجة. وقد جاء في البيان الوزاري الذي تقدم به الى المجلس التشريعي لنيل الثقة على اساسه، بخصوص أجهزة الأمن الفلسطينية، ما يلي: "هيكلة الأجهزة الأمنية وبناؤها على أسس مهنية، والعمل على توفير احتياجاتها، وتنفيذ اصلاح شامل ينزع عنها الصفة الحزبية والفصائلية، وابعادها عن التجاذبات والصراعات السياسية، وترسيخ ولائها للوطن أولاً واخيراً، والتزامها بتنفيذ قرارات قيادتها السياسية، والحرص على التزام العاملين في المؤسسة الأمنية بالمهام المنوطة بها".
يلاحظ المرء الفارق بين الطرحين والصيغتين. ومردّ هذا الفارق هو فشل حماس، خلال وزارتها الأولى، في اخضاع الأجهزة الأمنية الفلسطينية لسيطرتها، رغم المحاولات المختلفة التي بذلتها في هذا المضمار. وطالما فشلت في تحويلها الى جهاز تابع لها، فالخطوة الأولى في سبيل التغلب على هذا الفشل، هي في تحييد هذه الأجهزة، مأخوذ في الحسبان أن حماس لم تكن، حينها، في وضع مريح يسمح لها بانتزاع هذه السيطرة بالقوة، حتى ولا على نطاق قطاع غزة، كما فعلت لاحقاً، بالانقلاب في ظل حكومة الوحدة الوطنية.
لكن، كيف تعاطت حماس مع ما جاء في البيان الوزاري، الذي قدمه اسماعيل هنية للمجلس التشريعي، نيابة عن حكومة الوحدة الوطنية، في آذار 2007، والداعي الى "هيكلة الأجهزة الأمنية وبنائها على أسس مهنية ... وتنفيذ اصلاح شامل ينزع عنها الصفة الحزبية والفصائلية، وابعادها عن التجاذبات والصراعات السياسية، وترسيخ ولائها للوطن اولاً واخيراً ..."؟
في الواقع ، عملت حماس عكس نص هذا المبدأ الصحيح ومضمونه تماماً. فخلال حكومتها الأولى، وحين أعيتها الحيلة في بسط سيطرتها على الاجهزة الأمنية، قامت بتشكيل "القوة التنفيذية" التابعة لها، لتضعها في مواجهة قوى الأمن التي تسيطر عليها "فتح". وكان هذا إيذاناً بتوقع الاحتكاكات والاصطدام المسلح. ولو كانت حماس ملتزمة ومخلصة لما جاء في البيان الوزاري لحكومة الوحدة الوطنية حول مبدأ استبدال الأجهزة الأمنية القائمة بأخرى مهنية، غير حزبية او فصائلية، لكان حرياً بها ليس فقط المناداة والتبشير المتصاعد لخلق مثل هذه الأجهزة، بل ولباشرت خطوات عملية على طريق تأسيسها، بدل التحوّل لتشكيل القوة التنفيذية "الحمساوية"، مما كان سيكسبها مصداقية كاسحة في اوساط الشعب الفلسطيني، ويفتح أمامها الطريق لاستكمال هذا التغيير الديمقراطي الصحيح. لكن لجوءها، بدل ذلك، الى تشكيل القوة التنفيذية ، ثم الانقلاب العسكري في قطاع غزة، أكد أن هذا الطرح الصحيح لم يكن الاّ للتمويه وتغطية استعداداتها للانقلاب المبيّت.
لقد أدركت حماس، ومنذ البدء، انه لا مجال لفرض اجندتها وبرنامجها المختلفين الى حد التعارض، مع أجندة القوى الوطنية الفلسطينية المنضوية في اطار منظمة التحرير الفلسطينية الا اذا سيطرت على الأجهزة الأمنية، ولو بالقوة . وكان هذا هو بيت القصيد.
***
الأجهزة الأمنية وكيف تشكلت

معلوم أنه لدى تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، وفق اتفاقات اوسلو ، قام ياسر عرفات بتشكيل الأجهزة الأمنية على مقاسه – إن صح التعبير – واذا كانت عناصر هذه الأجهزة بغالبيتها الساحقة من فتح، فإن قادتها هم حصراً من فتح، دون أن يكون المعيار المهني هو المقرر، هذا اولاً. وثانياً، تعدد هذه الأجهزة التي بلغت لدى تشكيلها ثلاثة عشر جهازاً، لا يمكن تفسير كثرتها على هذا النحو الا كإجراء احتياطي من احتمالات تمرد أي منها على سلطته، بخاصة في ظروف ما قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة، وأخذاً في الحسبان التمرد والإنشقاق السياسي الذي وقع داخل فتح ومؤسساتها العسكرية عام 1983 في دمشق. وثالثاً، ارتباط قادة هذه الأجهزة المتعددة به شخصياً لضمان حصر ولائها له دون غيره. واذا كان قد جرى نقل صلاحيات أجزاء متواضعة من أجهزة الأمن، في وقت لاحق، الى مسؤولية وزارة الداخلية، فقد جرى هذا عقب استحداث مركز رئيس الوزراء، نتيجة ضغوط داخلية وخارجية على عرفات، وإشغال محمود عباس لهذا المنصب لأول مرة.
وحين حاولت حماس، عقب تشكيلها لحكومتها الأولى، مدّ سيطرتها على هذه الأجهزة الأمنية، فقد واجهت محاولتها الصد الكامل. وهنا، تداخلت ثلاثة عوامل وراء هذا الرفض، الأول ناجم عن اصرار حماس على التمسك بمشروعها الخاص والمختلف عن مشروع القوى الوطنية المنضوية في اطار منظمة التحرير الفلسطينية، وخشية هذه القوى من أن سيطرة حماس، على الأجهزة الأمنية، قد تدفع بها الى محاولة فرض مشروعها على الساحة الفلسطينية بالقوة، بشقيه السياسي العدمي الذي يمكن أن يدمر المشروع الوطني الفلسطيني، او الاجتماعي الذي يمكن أن يعيد الشعب الفلسطيني قروناً الى الوراء.
بمعنى آخر: هذا الرفض لم يكن موقف فتح وحدها ، بل لقي الدعم والعطف والتفهم من جميع الفصائل التي تتمسك ببرنامج م.ت.ف، وباعلان الاستقلال اللذين اقرهما المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشرة عام 1988. أما العامل الثاني، فيعود الى تعصب فئوي من تنظيم فتح، الذي قاد النضال الوطني الفلسطيني منذ العام 1968، ويعتبر أن تسليم قيادة الأجهزة الأمنية، ذات التركيبة الفتحاوية، الى تنظيم فلسطيني آخر، انما يمثل اقراراً وتسليماً بأفول دوره التاريخي. هذا ولم تكن نتائج انتخابات المجلس التشريعي، اوائل 2006 كافية لاقناعه بهذه الحقيقة. وأما العامل الثالث، فهو خاص بتلك الشريحة البيروقراطية العسكرية، والتي يمكن تسميتها بأمراء الحرب، الذين تربعوا على قمة هذه الأجهزة، وتشكلت لهم امتيازات ومصالح خاصة، غدت متعارضة مع طبيعة المهام المنوطة بهم.
ومن الواضح أن العامل الأخير كان بمنزلة "كعب أخيل" الذي ضمن لحماس نجاح انقلابها. فقد سئُل أحد الكوادر العسكرية الفتحاوية عقب نجاح الانقلابيين عن سبب تقاعسهم في مقاتلة الانقلابيين ، فأجاب: عن ماذا نقاتل، لقد هرب قادتنا، وراحوا يصدرون الأوامر من الغرف المكيفة من فنادق القاهرة ورام الله!
ويبدو أن مأساة فتح أنها لا تتعلم من تجاربها. فهرب قادة الأجهزة الأمنية الفتحاوية من أرض المعركة حين باشرت حماس انقلابها العسكري في القطاع .. انما هو تكرار لما وقع في جنوب لبنان عام 1982، حين وقع الغزو الإسرائيلي. حينها ايضاً هرب معظم القادة الميدانيين من مواقعهم دون قتال، مما فتح الطريق امام الجيش الاسرائيلي الغازي ليتقدم دون مقاومة تذكر حتى وصل بيروت. وقد توارى تخاذل هؤلاء القادة وفرارهم من أرض المعركة، وراء اضواء المقاومة البطولية لبيروت المحاصرة، التي قادها عرفات بنفسه والمقاومة البطولية لبعض المواقع المتباعدة مثل قلعة شقيف، ومثل خلدة. لكن عرفات، من جانب آخر، يتحمل مسؤولية المرور دون حساب على تخاذل هؤلاء القادة العسكريين.
لقد تشكلت لهذه الشريحة من البيروقراطية العسكرية مصالحها الخاصة، منذ أن كانت في جنوب لبنان، تتصرف في الدوائر الجغرافية المسؤولة عنها عسكرياً، كاقطاعيات خاصة بها، مأخوذ في الحسبان أنه لم يكن يجري تغيير مواقعها بشكلٍ دوري، كما هو متبع في التقاليد العسكرية. وقد حملت معها نفس السلوك الى ارض الوطن وعممته كتقليد.
واذا كانت قيادة السلطة الفتحاوية قد قامت ، اخيراً، وبعد خراب البصرة – كما يقال – باقتلاع بعض رموز هذه الشريحة البيروقراطية العسكرية، التي نخرها الفساد، ممن كانوا على رأس الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، وفشلوا في أداء واجبهم العسكري، مما اتاح لحماس السيطرة على القطاع دون مقاومة تذكر .. فإن غيرهم من رموز هذه الشريحة وممن هربوا من الجبهة في جنوب لبنان لدى الغزو الاسرائيلي عام 1982، ما زالوا يحتلون مراكز رفيعة ، حتى اليوم، في الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية . ولو شمل انقلاب حماس الضفة الغربية ايضاً ، فمن المشكوك فيه أن يكون سلوك هؤلاء مغايراً لسلوك زملائهم في القطاع. وما يقال عن فساد هذه الشريحة من البيروقراطية العسكرية يمكن أن يقال عن البيروقراطية المدنية ايضاً، وهي بدورها من فتح في الأساس، وكان المجلس التشريعي الأول ، الذي كانت تسيطر عليه فتح، قد أوصى وطالب بمحاكمة بعض رموزها ، ولكن دون مجيب.
لقد تفاقم صراع هذه الأجهزة مع حماس الطامحة للسيطرة عليها، وبخاصة عقب فوز الأخيرة في انتخابات المجلس التشريعي. وقد نجم عن ذلك تفاقم الفوضى والفلتان الأمني، الذي عانى منه المواطن العادي. فإذا كان هدف حماس من وراء الفلتان الأمني إثبات عجز أجهزة الأمن الفلسطينية بقيادتها الفتحاوية وفشلها في تأمين الأمن والأمان للمواطنين، فإن قادة أجهزة الأمن المذكورة، كانوا بدورهم يحاولون تحميل حماس مسؤولية الفلتان الأمني وتفاقمه. وخلال ذلك، لجأ كل من الطرفين لتوظيف تشكيلات جانبية من مليشيات متنوعة، وحتى عصابات مرتزقة لهذا الغرض، وقد اكدت حادثة اختطاف مراسل الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) ضلوع حماس في هذا النشاط، حيث اصبح معروفاً، بعد اطلاق سراحه، أن الجهة التي اختطفته لها روابط بحماس، وقد تعمدت الأخيرة تأمين اطلاق سراحه بعد استيلائها على القطاع ، بغرض تحقيق مكاسب سياسية دولية.
***
توقيت انقلاب حماس

تقاطع انقلاب حماس في قطاع غزة، من حيث التوقيت، مع موجتين أساسيتين من النشاط السياسي، المستهدف القضية الفلسطينية: الأولى – اسرائيلية – فقد قام حكام اسرائيل بموجة جديدة من النشاط المحموم، غرضها سد الطريق على أي مسعى حقيقي لتحريك القضية الفلسطينية. ومن المعروف، في هذا السياق، انه منذ تبنت منظمة التحرير الفلسطينية، عام 1988، قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني، فقدت اسرائيل زمام المبادرة السياسية في هذا الميدان، حيث راح الطرف الفلسطيني، مسلحاً ولأول مرة بهذه القرارات، يطالب اسرائيل بالالتزام بها وتطبيقها، ويدعو المجتمع الدولي والأمم المتحدة لإلزام اسرائيل بتلك القرارات. ومنذئذٍ، واسرائيل تتهرب وتناور، مستفيدة في كثير من الأحيان من أخطاء القيادة الفلسطينية، وتخلق، في الوقت ذاته، المزيد من الوقائع على الأرض، بالاستناد الى الحماية الأميركية، بغرض عرقلة قيام دولة فلسطينية مستقلة في حدود الرابع من حزيران 1967.
لكن في ضوء نكسات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، كما يبدو في الحالة العراقية، ناهيك عن الحالة الأفغانية، حيث تفشل الخطط الأميركية الواحدة بعد الأخرى، ويجري مع الفشل تغيير الخطط والطواقم العسكرية والمدنية الأميركية في العراق، مرة تلو الأخرى، وانفضاض حلفاء واشنطن في هذا العدوان، الواحد تلو الآخر، وانعكاس كل ذلك على الداخل الأميركي، حتى وصل الأمر حد انضمام بعض النواب والشيوخ من حزب بوش الجمهوري الى المعارضة، احياناً، ضد بعض الاجراءات المتعلقة بهذه الحرب العدوانية، مما جعل هذه الإدارة تتخبط في تصرفاتها، وتفقد أعصابها، الى حد توجيه الاتهام العلني لأحد أقدم حلفائها وأخلصهم في المنطقة، حكام السعودية، بتمويل المعارضة السنية في العراق، كما جاء على لسان السفير الأميركي في الأمم المتحدة، زلماي خليل زاده، أوائل آب 2007، يرافق ذلك تدهور سمعة هذه الادارة وهيبتها الى حد أن بعض صنائعها في المنطقة راحوا يتحدون سياستها في المنطقة علناً. فقد جاء على لسان الرئيس الأفغاني، حامد كرزاي (الذي نصبه الاحتلال الأميركي) قوله، خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، اوائل آب 2007: " أن ايران شريكة في القتال ضد الارهاب والمخدرات"، واضاف: "حتى الآن تبدو ايران تساعد". (1)وطبعاً، فهذا لم يعجب المضيف بوش، الذي رد على اقوال ضيفه بمهاجمة ايران ودورها في المنطقة بشدة. وقد تكرر هذا الخروج العلني على الخط الأميركي، خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي لطهران، مباشرة بعد زيارة كرزاي لواشنطن، في تقييمه للدور الايراني في العراق. كما تكرر ذلك خلال زيارته لدمشق في ايلول 2007.
الى جانب هذا كله، كانت النكسة الخطيرة التي منيت بها الاستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، الصيف الماضي، حين تواطأت واشنطن مع اسرائيل في شن العدوان على لبنان. كان هذا الهجوم جزءاً من استراتيجية واسعة تستهدف تصفية محور ايران – سوريا – المقاومة اللبنانية، تمهيداً لفرض مشروع الشرق الأوسط الجديد المتعثر. ومعلوم أن كونداليسا رايس أعلنت، من بيروت، والغارات الوحشية الاسرائيلية تقتل وتدمر دون تمييز، أن هذه هي آلام المخاض للمولود الجديد! كان المخطط يبدأ بضرب أضعف الحلقات في المحور السالف الذكر. وبعد تصفية المقاومة اللبنانية – كما كان يطمح ويؤمن الاميركيون والاسرائيليون وبعض اصدقاء واشنطن في المنطقة – يتحول الضغط على الجبهة السورية، مع احتمال افتعال اشتباك عسكري معها، لمعالجة هذه الحلقة، ليأتي اخيراً دور الحلقة الايرانية، بعد استكمال عزلها اقليمياً.
في ضوء هذه النكسات وحالات الفشل التي تعاني منها السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، تزايدت الضغوط الدولية على ادارة بوش لبذل جهدٍ جدي لحل النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني المزمن، الذي اكدت عليه حتى لجنة بيكر – هاملتون، التي تشكلت من الحزبين الاميركيين: الجمهوري والديمقراطي ، في توصياتها العام الماضي، بالقول: "لن تكون الولايات المتحدة قادرة على تحقيق اهدافها في الشرق الأوسط ما لم تنغمس مباشرة في النزاع العربي – الاسرائيلي".
وعشية سفر اولمرت، رئيس الوزراء الاسرائيلي الى الولايات المتحدة ، باستدعاء من ادارة بوش، اواسط حزيران 2007، تحدثت الصحافة الاسرائيلية عن أن بوش سيطرح امام اولمرت بعض الخطوات لتحريك المسار الفلسطيني – الاسرائيلي ، كإحدى الخطوات لمساعدة السياسة الأميركية المأزومة في الشرق الأوسط. لكن انقلاب حماس، في قطاع غزة، والذي جاء في هذه الظروف بالذات، شكل موضوعياً نجدة حقيقية لأولمرت، وأعفاه من طرح أية مبادرة سياسية لحل النزاع على أساس رؤية بوش للدولتين، التي اطلقها عام 2002، لتخدير النظام العربي، عشية غزو العراق، ووعد، حينها، بتحقيقها خلال خمس سنوات، انقضت دون نتائج. وقد كشفت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية الصادرة في 27/6/2007، أي بعد قرابة الاسبوعين على انقلاب حماس، أن اولمرت رفض ، خلال زيارته تلك لواشنطن، اقتراحاً تقدمت به وزيرة الخارجية الأميركية، كونداليسا رايس، يقضي بالتوصل الى اتفاقية "اطار" للحل الدائم مع الفلسطينيين، دون أن توضع هذه الاتفاقية موضع التنفيذ. وكما اشارت الصحيفة، فقد بررت رايس مقترحها هذا بالقول، إن مجرد تحقيق اتفاق مبدئي كهذا سيراه ابو مازن ورجاله "أفقاً سياسياً" وأملاً، فيتشجعون لمكافحة حركات المقاومة. أما اولمرت، من جانبه، فقد تذرع – كما ذكرت الصحيفة اياها – بأنه يرفض هذا المقترح لأن "ابو مازن" ضعيف.
ويقرأ المرء في مقترح رايس السالف الذكر أمرين اساسيين، الأول: أن اتفاقية الاطار التي تقترحها رايس ليست بالضرورة للتنفيذ. وهذا يعني أن مصيرها لن يكون افضل من غيرها من المبادرات الأميركية، التي توالت في السنوات الأخيرة الواحدة بعد الأخرى، وأن الغرض الحقيقي من ورائها هو مساعدة السياسة الأميركية المأزومة في الشرق الأوسط وكسب الوقت لصالح اسرائيل. مأخوذ في الحسبان أن ادارة بوش ستذهب بعد عام او اكثر قليلاً، وتذهب معها وعودها العرقوبية، التي يعلق عليها البعض في الساحة الفلسطينية الآمال العريضة.
والأمر الثاني، هو – وكما تريد وتتمنى رايس – تشجيع عباس ورجاله على مكافحة حركات المقاومة الفلسطينية، أي الدفع نحو الاقتتال الفلسطيني – الفلسطيني ، وصولاً، إن امكن، الى الحرب الأهلية الفلسطينية. وحينها يغدو من نافلة القول الحديث عن تنفيذ هكذا "اطار".
اما اولمرت، فإنه يتحصن، الآن، بعد استيلاء حماس على قطاع غزة، ليس فقط وراء وصف عباس بالضعيف، بل وبأن سلطته انحصرت في الضفة اولاً ، وثانيا – أن الأرض الفلسطينية اصبحت مقسمة بأيد فلسطينية، بين ضفة وقطاع. علماً بأن هذا التقسيم فرضه الاحتلال الاسرائيلي، وبشكلٍ قاطع، منذ بدء الانتفاضة الثانية. وفي هذا السياق نقلت صحيفة "الحياة" الدولية، الصادرة في لندن، يوم 17/6/2007 أن اوساطاً قريبة من رئيس الحكومة الاسرائيلية، ايهود أولمرت، أكدت أنه سيحاول، خلال زيارته لواشنطن (التي تمّت في حينها) اقناع الادارة الأميركية بتبني فكرة "الفصل السياسي والجغرافي" بين قطاع غزة والضفة.
ويشير في هذا الصدد ، المعلق السياسي الاسرائيلي، عوزي بنزيمان، في صحيفة هآرتس يوم 30/7/2007، الى الاجراءات التي اتخذها الرئيس عباس، ورئيس حكومته فياض ضد حماس، بالقول: "للوهلة الأولى يبدو أن الحماسة الحكومية مسألة بديهية: ابو مازن وفياض غيّرا نهجهما، ولذلك تقوم اسرائيل باثابتهما كما يجب. قاما بإبعاد المسلحين عن الشوارع، وسحب الشرعية عن حكومة اسماعيل هنية، ويتحدثان عن السلام، ويتنازلان عن استخدام مصطلح "المقاومة" في وثائقهما الرسمية، وهما يبديان الاستعداد العملي لضمان قوتهما في الضفة الغربية، ويسعيان لإبعاد "حماس" عن غزة. بكلمة واحدة، الريش نبت للصيصان (اشارة الى وصف شارون لعباس عقب اول لقاء بينهما، بأنه صوص بلا ريش!)، ولذلك استحقت حبات قمح. الا أن هذا التغيير يرتكز على الافتراض الحتمي بأن الواقع القائم في قطاع غزة والضفة في تموز 2007 قد فُرض من قبل قوة عليا، وان اسرائيل لم تكن قادرة على التاثير في مجرياته .." . انتهى الاقتطاف. وهل يمكن أن تكون هذه القوة العليا الا الولايات المتحدة ؟!
وعقب انتخابه رئيساً لدولة اسرائيل ، في حزيران المنصرم، وعقب انقلاب حماس، صرح شمعون بيرس في مقابلة مع صحيفة "يديعوت احرونوت" قائلاً: "ليس واضحاً متى نخرج نهائياً من "المناطق" . حتى اذا كنا جاهزين للخروج، فليس لدينا عنوان فلسطيني نسلمه المناطق التي نتخلى عنها في هذه المرحلة ، بسبب عدم قدرة الفلسطينيين على بناء جيش واحد ودولة واحدة، تفرض سلطتها عليها. والى أن يتم ذلك فإن اسرائيل لا تستطيع تجاهل مسؤوليتها عن "المناطق" بغض النظر عما اذا كانت معنية أن تقوم بذلك بارادتها او تمارس احتلالها بشكل قسري"..
وهكذا يتطور منطق الاحتلال، في عملية تهربه من الحل : فعرفات كان "غير ذي صلة" (Irrelevant) وعباس من بعده ضعيف. والآن، بعد انقلاب حماس وفصلها القطاع عن الضفة، فالمشكلة غدت عدم وجود عنوان فلسطيني "نسلمه المناطق التي نتخلى عنها في هذه المرحلة"، أي ما لا يريده المحتلون من مواقع مأهولة، كما جرى في قطاع غزة، حيث جاء انقلاب حماس وفصلها القطاع عن الضفة كتكملة لمشروع شارون في الفصل الأحادي للقطاع عن الضفة.
وتبلغ الجرأة على الحق بشيخ سياسيي ودبلوماسيي اسرائيل، بيرس، حد تصوير ممارسة اسرائيل لاحتلال المناطق الفلسطينية، وعلى مدى اربعين عاماً، بأنه رغماً عنها ! "بشكل قسري"، وان عدم تمكن الفلسطينيين من بناء جيش ودولة يعود لقصور ذاتي فلسطيني، ليس للاحتلال وجرائمه، وبخاصة منذ الاجتياح العسكري للمناطق الفلسطينية العام 2002، أية يد أو مسؤولية عنه!
الخيار الأردني

أما الوجه الآخر، أو الثاني، من النشاط السياسي المتصل بالقضية الفلسطينية وجاء انقلاب حماس في القطاع ليتقاطع معه، فهو الخيار الأردني، الذي عاد للبروز من جديد. وقد لوحظ انه عقب تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، على أساس اتفاق مكة، تحركت دوائر اردنية معينة، ذات نفوذ، في اتجاه تحريك الخيار الاردني، والسعي لإلغاء قرار فك الارتباط الذي اتخذه الملك حسين عام 1988، في خضم الانتفاضة الأولى. وفي الحقيقة، كانت أول إثارة لهذا الموضوع جرت قبل بعض الوقت، حين بدأ الحديث، في الأردن، عن اعادة النظر في فك الارتباط، بدعوى انه تسبب في حدوث اخطاء أضرت بالبعض في الضفة الغربية. هذا ، بينما كان الدكتور عبد السلام المجالي قد تطرق لهذه القضية في محاضرة له، في ايلول 2005، أتى فيها على تفاصيل دولة الوحدة ومؤسساتها التنفيذية والتمثيلية وحتى على جوازات السفر التي ستصدر عنها للفلسطينيين وللأردنيين!(1) وقد تنوعت مظاهر تحرك هذه الدوائر عشية انقلاب حماس وعقبه. فمن الجانب الواحد، عقدت لقاءات متعددة، في اماكن مختلفة من الاردن، مع عناصر فلسطينية من الضفة حصراً، بمن فيهم رجال اعمال وذوو مكانة اجتماعية ، لا حزبيين.
من جانب آخر، كشفت الصحافة الاسرائيلية أن الدكتور عبد السلام المجالي، مهندس معاهدة السلام الاردنية – الاسرائيلية، زار اسرائيل، اكثر من مرة، والتقى بالمسؤولين فيها، وبحث معهم موضوع الخيار الأردني. هذا، وتشير الصحافة الى أن قضية الكونفدرالية الاردنية الفلسطينية، غدت مادة صراع بين مؤيد ومعارض في الحملة الانتخابية الاردنية .(2) ويلاحظ المراقبون التعارض بين موقف السلطة الفلسطينية وهذه الدوائر الأردنية في أمرين أساسيين، الأول: أن الطرف الأردني يريد الاعلان عن الكونفدرالية الأردنية – الفلسطينية من الآن، بينما الجانب الفلسطيني يرى أن يكون ذلك بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة . اما الأمر الثاني فينحصر في أن الطرف الأردني يريد لهذه الكونفدرالية أن تكون من الدولة الأردنية والضفة الغربية ، دون قطاع غزة، بينما الطرف الفلسطيني يرى أن تكون بين الدولة الأردنية والدولة الفلسطينية المتكاملة: الضفة والقطاع.
واذا كان انقلاب حماس قد أفاد ، موضوعياً، اولمرت وحكومته للإفلات من مطالبتهم بطرح مشروع سياسي لمعالجة النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني، فهل كان هذا الانقلاب، الذي فصل الضفة عن القطاع، موقوتاً مع التحرك لصالح الخيار الأردني؟ مأخوذ في الحسبان، في هذا الصدد، أن حركة الأخوان المسلمين، التي تنتمي اليها حركة حماس، اعترضت ، في حينه ، ولم توافق على قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية عام 1988. وقد جدّد المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن، سالم الفلاحات، هذا الموقف في نيسان 2006، بالقول: "المشاعر الوجدانية التاريخية تقول أن الأمة، أمة واعدة . نحن لانعترف بفك الارتباط بين العرب جميعاً، بل نزيد، بين المسلمين في الأرض جميعاً. وهذا الخيار ليس خيارنا. التفريق بين الاردن وفلسطين عملية شاقة جداً ويصعب حصولها، ولا يستطيع احد الوصول اليها، التمازج والتداخل كبيران، لا ينبغي القول أن هناك واقعاً على الأرض يتمثل في استقلال فلسطين او الضفة الغربية أو الاردن، وليس هناك ارتباط يذكر، ولكن بقي شيء وجداني اكيد".(1)
ولعل محنة معارضي الدولة الفلسطينية المستقلة، في المرحلة الجارية، والمطالبين بإلغاء قرار فك الارتباط، انهم ينظرون الى المعادلة من زاوية واحدة ومغلوطة، حين يرون في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة انفصالاً عن الشعب الأردني الشقيق، علماً بأن اكثر من نصف هذا الشعب هم من الفلسطينيين! ويتغاضون، بالمقابل، عن ادراك كون مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة هو في الأساس ضد الاحتلال الاسرائيلي، ولإلزامه بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، بما في ذلك القرار 194، الخاص بحقوق اللاجئين الفلسطينيين . ذلك انه في حال التخلي عن هدف الدولة المستقلة، ستتذرع اسرائيل بأن الأراضي الفلسطينية المتبقية تشكل جزءاً من دولة مترامية الأطراف كالأردن، فيها متسع لتوطين اللاجئين، وبالتالي: تحويل قضيتهم من قضية سياسية الى قضية انسانية، تتعلق باعادة توطينهم.
***
بعض اصداء انقلاب حماس
كتبت صحيفة "القدس العربي"، الصادرة في لندن ، يوم 16/6/2007، أي ثالث يوم وقوع الانقلاب، مقالاً تحت العنوان التالي :"الصحافة الأردنية: صفقة مشعل للأردن.. حماس فقط المؤهلة لدور استراتيجي للمملكة.. واستنكار دعاة الحقوق المنقوصة .."، فقد اشار المقال الى مقابلة الصحافي الأردني ناهض حتر، الذي تصفه الصحيفة بـ "اليساري النشط"، الذي يقول بأنه التقى مشعل بناء على دعوة الثاني له في دمشق .. فقد جاء في الخبر :".. والانطباع الذي نقله حتر عن مشعل وعلى لسانه هو عرض سياسي واضح من الأول للحكومة الأردنية، معتبراً أن حماس هي القاعدة المؤهلة الآن لنقل استراتيجية الأردن والدور الأردني في عمق المعادلة الفلسطينية، ملمحاً – أي مشعل – الى أن "الأردن يستطيع لعب دوره في فلسطين عبر حماس المتجذرة في الواقع الفلسطيني".
أما شمعون بيرس، فقد قال في مكالمة هاتفية مع بوش، الذي اتصل به مهنئاً على انتخابه رئيساً لدولة اسرائيل، كما نقلت صحيفة هآرتس في عددها يوم 15/6/2007، في اشارة الى ما جرى قبل يوم واحد في قطاع غزة .. قال:"في الوضع الحالي لا ينبغي رؤية مصاعب فقط، بل وكذلك امكانيات جديدة" ، وأضاف، في اشارة الى زيارة اولمرت لواشنطن آنذاك :"هناك فرص ينبغي عدم اضاعتها". وليس لهذا الكلام من معنى سوى أن انقلاب حماس في قطاع غزة قد اعطى لاسرائيل فرص التهرب من حل "الدولتين"، الذي تبنته الرباعية الدولية، ثم تبناه مجلس الأمن الدولي، ليغدو وثيقة دولية، واغتنام فرصة الانقسام في الساحة الفلسطينية، سياسياً وجغرافياً، لفرض التصور الاسرائيلي في تسوية النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني المزمن.
وتشير صحيفة هآرتس، في عددها الصادر في 3/7/2007، في مقال لمراسلها في واشنطن، شمويل روزنر، تحت العنوان التالي: "الخيار الأردني مرة أخرى على جدول الأعمال. دولتان لشعبين؟ في واشنطن بدأوا في التفكير على نحوٍ آخر". وبعد أن يأتي الكاتب على تصورات بعض المعاهد الأميركية، الموالية لاسرائيل، من هذه القضية، يتعرض للموقف الاسرائيلي بعامة، وموقف بيرس، بخاصة ، من الخيار الاردني بالقول: "غير أن الخيار الأردني، في اسرائيل ايضاً ليس من نصيب اليمين وحده. فالرئيس المنتخب، شمعون بيرس قال :"علينا أن نبحث عن مبنى جديد مع الفلسطينيين . أنا في قلبي عدت الى الاستنتاج الذي كان دوماً في حياتي: نحن ملزمون بأن نستقدم الأردنيين ، لا يمكننا أن نصنع السلام فقط مع الفلسطينيين.".
أما نتنياهو ، زعيم حزب الليكود، وزعيم المعارضة في الكنيست الاسرائيلي، فقد قال، في هذا الصدد، في مقابلة مع شبكة "سي.ان.ان" الأميركية، في ضوء انقلاب حماس في قطاع غزة. إنه في نهاية الأمر فإن حل القضية الفلسطينية سيشتمل على مركب اقليمي، وان اسرائيل ستحتاج تدخل مصر في قطاع غزة بعد تحطيم سلطة حماس، وتحتاج ايضاً الى مساعدة الأردن في الضفة الغربية (1)

وجدير بالتنويه أن موقف نتنياهو هذا ليس بجديد، لكن انقلاب حماس اعطاه فرصة للعودة اليه. ففي خطاب له، في ايلول 1996، حين كان رئيساً لوزراء اسرائيل، قال امام مركز حزب الليكود :"لا توجد ولن توجد دولة فلسطينية، كما انه لن يكون هناك كيان اجنبي بين البحر المتوسط ونهر الأردن"، واضاف أن حكومته ستتفاوض مع الجانب الفلسطيني على "حكم ذاتي" كحل دائم (2)
بينما كتبت صحيفة "انترناشيونال هيرالد تربيون" الدولية، يوم 15/6/2007، أي في اجواء الانقلاب الحمساوي، مقالاً تحت عنوان: "الخطة الصعبة التي جاء وقتها" ، ويبدأ المقال بالفقرة التالية :"بعد اربعين عاماً من انتقال السيطرة على الضفة الغربية من الاردن الى اسرائيل، يجري الآن، حديث حذر يعلو فوق الهمس، بالعودة الى وضعٍ قريب من حدود ما قبل الحرب. وقد بدأ نقاش في الصحف الفلسطينية والأردنية – وفي دوائر رسمية على جانبي نهر الأردن – حول خطة لضم فلسطينيي الضفة الغربية في كونفدرالية الى الاردن، لخلق نوع من دولة ثنائية – القومية بمجلسي حكم".
ويلفت الانتباه في هذه الفقرة من المقال المذكور، ملاحظتان، الاولى: أن الحديث يجري عن الضفة وحدها دون القطاع، الذي يأتي المقال، لاحقاً، على ذكره في اطار "التقاسم الوظيفي" ، بحيث يعود محمية مصرية. اما الملاحظة الثانية الواردة في الفقرة المذكورة أعلاه فهي الاشارة الى امكانية العودة الى حدود ما قبل حرب حزيران 1967 تقريباً، وهو مجرد خداع لتسويق الفكرة، تنقضه جملة في نفس الفقرة تقول :".. وقد بدأ نقاش في الصحف الفلسطينية والأردنية – وفي دوائر رسمية على جانبي نهر الأردن – حول خطة لضم فلسطينيي الضفة الغربية، في كونفدرالية الى الاردن .."، فالحديث هو عن فلسطينيي الضفة، وليس عن ارض الضفة والقدس العربية.
هذا ، وجاء في فقرة أخرى من المقال المار ذكره في "الهيرالد تربيون" ما يلي:"ليس سراً أن الفكرة (الكونفدرالية الاردنية – الفلسطينية ) ستثير اهتمام الكثير من الاسرائيليين. واذا ما تحققت ، سيحظى البلد (اسرائيل) بضمانات امنية من النظام الملكي الأردني الموالي للغرب، والذي صنع السلام مع اسرائيل عام 1994، بدلاً من رئيس فلسطيني هزيل سياسياً".
اما دينيس روس، الصهيوني الأميركي المعروف، فقد نشر في صحيفة "واشنطن بوست"، في مطلع حزيران 2007، مقالاً، أي قبل انقلاب حماس بأيام، تحت عنوان :"قبل أن يختطف الاسلاميون القضية الفلسطينية" ، وذلك كحصيلة زيارة ميدانية قام بها، آنذاك، للأراضي الفلسطينية.
ومع أن روح المقال مكرسة لتحريض الفلسطينيين ضد بعضهم بعضاً، فإنه يتنبأ بما حدث بعد ذلك بأيام قليلة، الى حد كبير، حتى ليتصور من يقرأه انه مكتوب بعد الانقلاب وليس قبله. فهو يروي، في المقال، على لسان عناصر من فتح، فيقول :"سمعت من البعض اقتراحاً آخر يدعو للاهتمام. هذا الاقتراح يقول : "دعونا نجعل من الضفة الغربية تنجح، وبعد أن تنجح دعونا نعرض نموذج نجاحها في مقابل فشل غزة (حيث تبلغ البطالة الوظيفية 70%).. دعوا "فتح" تنجح في الضفة الغربية، ودعوا "حماس" تسيطر على دولة تعاني من الخلل الوظيفي والفوضى الأمنية. ودعونا نحن نبني دولتنا". أن هذا الاقتراح يعني انه اذا ما اصّرت "حماس" على التمسك بغزة، فإننا يمكن بذلك أن ننتهي ليس الى حل الدولتين، ولكن الى حل الثلاث دول".
ثم يضيف روس في مقاله :"اذاً ما العمل؟ اذا كان قيام "دولة فاشلة" في غزة امراً غير مقبول، فإن هناك حاجة الى المزيد من الجهود من اجل عدم تبلور هذه الدولة . يجب على مصر، مثلاً، أن تتحرك لمنع تدفق السلاح والأموال على "حماس". واذا ما كانت لدى "فتح" خطة لدعم وجودها في غزة، فإن تلك الخطة تستحق الدعم منا، على أن نقوم بتقديم ذلك الدعم بالتسنيق مع الاسرائيليين والمصريين".
ويواصل روس في نهاية مقاله :"أن ما قامت به "حماس" في غزة (الاشارة الى الاشتباكات المسلحة بين فتح وحماس قبيل الانقلاب) ، كان بمنزلة جرس انذار لـ"فتح" وللمستقلين الفلسطينيين .. فهم يعرفون الآن أنه يجب أن يتنافسوا معها اجتماعياً، واقتصادياً، وسياسياً حتى يتمكنوا من مواجهتها.ولكنهم كي يقوموا بذلك، فإنهم يحتاجون الى المساعدة، وهو ما يعني أن الدول المانحة يجب أن تتنبه الى حقيقة اننا اذا لم نساعد على اعادة صياغة "فتح"، فإننا قد نواجه مستقبلاً يسيطر فيه الاسلاميون على القضية الفلسطينية. وعندما يحدث ذلك فإنه لا "حل الدولتين" ، ولا حتى "حل الثلاث دول" سيكون احتمالاً وارداً".(1)
لا يكتفي روس ، في هذا المقال، بالتضليل المكشوف ، حين يصور أن قضايا التطور الاقتصادي الاجتماعي في الأراضي الفلسطينية هي شأن فلسطيني داخلي، لا دخل للاحتلال فيه، ولا يتحمل أية مسؤولية عن تخلفه وعرقلة تطوره، وحديثه عن مباراة اقتصادية – اجتماعية بين الضفة والقطاع، تتطلب سنين طويلة حتى تبدو نتائجها، وكل ذلك من وجهة نظر روس، يتم في ظل الاحتلال! .. انه لا يكتفي بكل ذلك ، بل انه يعبر، في الوقت ذاته، عن شهوته العارمة في تعميق الخلافات والصراع الفلسطيني – الفلسطيني ، بخاصة حين يشير الى "اعادة صياغة فتح" !
وعلى كل حال، حين يصبح حكام اسرائيل أمام اكثر من خيار: الكونفدرالية الأردنية – الفلسطينية التي تستثني القطاع، او الدولة الفلسطينية الممزقة بين ضفة تحت حكم السلطة الفلسطينية بزعامة عباس، وقطاع تحت سيطرة حماس، فمن المنطقي والطبيعي أن يتحرك هؤلاء الحكام بعقلية المناقصة. فمن يقدم لهم عرضاً اكثر سخاء واغراءً في تنازلاته ينحازون اليه. من جانب آخر، في حالة كهذه ، لا يستطيع أي من المتنافسين تقديم ضمانات باستعادة الأرض التي احتلتها اسرائيل في عدوان 1967، أي العودة الى حدود الرابع من حزيران 1967.
في ضوء كل ذلك، يعود السؤال مرة أخرى: هل كان تقاطع انقلاب حماس في القطاع مع هذه النشاطات التي تستهدف المشروع الوطني الفلسطيني من باب الصدف؟ واذا كان توقيت الانقلاب بالفعل صدفة، فهل تتراجع حماس عما اقدمت عليه؟ وهي ترى، كما يرى كل ذي عينين، أن الوضع الناشيء عن فصل القطاع قد اضعف القضية الفلسطينية اضعافاً خطيراً، وحرر الاسرائيليين والأميركيين من الضغوط الدولية المطالبة بتحقيق الحل على أساس دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل، في حدود الرابع من حزيران 1967، وبدل ذلك اعطاهما هامشاً رحباً للمناورة وخلق الاوهام الكاذبة، في وقت يواجهون فيه ازمات خانقة؟!
خلط الأوراق والتضليل في الاعلام
الإسرائيلي والأميركي

من استمع الى الاعلام الاسرائيلي، عقب انقلاب حماس الأسود في قطاع غزة، تصور أن هذا الانقلاب تسبب في انقلاب آخر في الفكر السياسي الاسرائيلي. فقد انتقل حكام اسرائيل من الصدود الكامل، على مدى سنوات، منذ اعتبروا عرفات "غير ذي صلة" ، وحاصروه في المقاطعة حتى وفاته مسموماً، ومن بعده عباس الذي اعتبروه ضعيفاً، ولم يقدموا له شيئاً على طريق الخلاص من الاحتلال، او حتى تخفيف وطأته، مما كان سبباً رئيساً في نجاح حماس في انتخابات 2006 .. هؤلاء الحكام، انتقلوا فجأة الى التباري في طرح مبادرات للسلام مع الفلسطينيين. فكانت مبادرات اولمرت، وبيرس، وحاييم رامون، وربما غيرهم. وكل ذلك عقب انقلاب حماس. فهل افزعهم انقلاب حماس ومشروعها، الى هذا الحد، علماً بأن حماس ملتزمة بالتهدئة مع اسرائيل من طرف واحد.
من جانب آخر، صور هذا الاعلام، وبخاصة في الايام الأولى بعد انقلاب حماس، أن حكام اسرائيل سيجعلون من المستحيل على حكم حماس في القطاع أن يستمر، حتى أن الاعلام الاسرائيلي تحدث، في حينه، عن أن براك، وزير الدفاع الاسرائيلي، الذي تسلم مهامه آنذاك، قد اعد الخطة والقوات اللازمة لاجتياح القطاع وتصفية سلطة حماس!

***
لكن ما هي حقيقة هذا التضليل الاعلامي؟ وبالتالي: ما هي آفاق السلام الحقيقي، اليوم؟ وفيما اذا كان انقلاب حماس قد عزز احتمالاته، أم انه اضاف عقبات نوعية جديدة؟ او بمعنى آخر، فيما اذا كان هذا الانقلاب قد شكل قوة ضاغطة على اسرائيل ام العكس؟ تاركين دوافع واشنطن من وراء حث حكام اسرائيل للوصول الى اتفاقية "اطار" مع السلطة الفلسطينية، الى معالجة خاصة.
للاجابة على هذا السؤال نعيد، في البدء، ما قاله شمعون بيرس، في مكالمته الهاتفية مع بوش عقب انتخابه رئيساً لدولة اسرائيل، حيث قال: "في الوضع الحالي ينبغي رؤية ليس فقط مصاعب، بل وكذلك امكانيات جديدة"، و ".. فرص ينبغي عدم اضاعتها"! وقد جاء هذا الكلام في ضوء انقلاب حماس.
أما ما قاله بيرس فقد بدا جلياً على تصرفات حكام اسرائيل الذين تفاقمت عنجهيتهم بشكل صارخ. فحين انعقدت قمة شرم الشيخ، بعد ايام من انقلاب حماس، بدت الغطرسة الاسرائيلية والاستخفاف بالرؤساء الذين التقوا مع اولمرت من جهة، ومن الجهة الأخرى بدا الضعف الشديد في الموقف الفلسطيني، والهوان الذي بلغه وضع النظام العربي، حيث لم يتجاوز كل ما عرضه اولمرت على ثلاثة رؤساء عرب، الوعد باطلاق سراح 250 سجيناً فلسطينياً، ما تزال سلطات الاحتلال حتى اليوم تعتقل كل اسبوع مثل عددهم، وذلك من اصل اكثر من عشرة الاف سجين فلسطيني، وبشرط أن لا تكون على اياديهم دماء يهودية! وكان غالبية من اطلق سراحهم من هذا العدد، قد امضى معظم محكوميته.
من جانب آخر ، فالوعود الوردية "بدعم" سلطة عباس، وتخفيف القيود عن سكان الضفة الغربية، لم تختلف عما درج حكام اسرائيل على ترداده من تصريحات ليس لها رصيد. ذلك أن شيئاً لم يتغير في نهج المحتلين، فالقتل والاعتقال، والاجتياح، والحواجز، وتوسيع الاستيطان، وبناء الجدار تتواصل كما كانت. و "دعم سلطة عباس" ليست الا لمجرد تعميق الخلافات في الساحة الفلسطينية، وحرق عباس سياسياً.
وعلى كل حال، يكفي للدلالة على الوضع المريح الذي تجد اسرائيل نفسها فيه، عقب انقلاب حماس وتمزيق الساحة الفلسطينية، أن يستمع المرء الى بعض اقوال اولمرت ووزرائه في جلسة الحكومة الاسرائيلية عقب انقلاب حماس، وقبل قمة شرم الشيخ بين اولمرت وثلاثة رؤساء عرب، والتصعيد الخطير في شروط حكام اسرائيل للتعامل مع الطرف الفلسطيني. فقد حدد اولمرت ، خلال حديثه، امام وزرائه ، هدفين استراتيجيين لإسرائيل يتوجب عليها السعي لتحقيقهما بكل قوة واصرار، وهما: قيام "ابي مازن" واجهزته الأمنية بلعب دور مركزي في مواجهة حركات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، بشكل يقلص الحاجة الى تدخل الجيش الاسرائيلي، الى جانب الحرص على نزع الشرعية عن حكومة حركة حماس في قطاع غزة بشكلٍ حاسم. بينما قال وزير الاستيعاب والهجرة زئيف بويم، انه يتوجب على "أبي مازن" من اجل أن يحصل على عوائد الضرائب (الفلسطينية) أن يعلن حرباً لا هوادة فيها ضد جميع حركات المقاومة الفلسطينية، معتبراً انه يتوجب ربط المساعدات التي تقدم له بمدى قدرته على الوفاء بهذا الشرط. من ناحيته، دعا وزير الصناعة والتجارة الحاخام ايلي يشاي الى تحويل عوائد الضرائب لأبي مازن على دفعات، بحيث لا يتم تحويل أية دفعة الا بعد أن يتم التأكد من أن قواته الأمنية قامت بانجازات على صعيد مواجهة حركات المقاومة الفلسطينية.من جانبه، طمأن ايهود اولمرت وزراءه قائلاً بأنه سيعرض خلال قمة شرم الشيخ موقفاً صارماً يقوم على أن حكومته ستكون مستعدة للتعاون مع "ابو مازن" الى ابعد حد،بشرط اثبات قدرته على محاربة حركات المقاومة الفلسطينية،الى جانب عدم عودته للحوار مع حركة حماس. (1)
من هذه المداخلات يتضح امران اساسيان: الأول – أن اولمرت ووزراءه يريدون من محمود عباس أن يتحول الى سعد حداد فلسطين! والثاني، الوقوف في وجه أية محاولة لاستعادة وحدة الساحة الفلسطينية، تحت طائلة العقاب، معتبرين، في هذا المجال، اموال الضرائب الفلسطينية سلاحاً بأيديهم للإبتزاز السياسي والعقاب!
أما نظرة حكام اسرائيل الحقيقية لظاهرة حماس، والفائدة التي تجنيها اسرائيل من طروحات حماس المتطرفة وممارساتها، فيمكن أن نجد لها ترجمة صادقة في تصريحات الوزير الاسرائيلي السابق، رحبعام زئيفي، في مقابلة له مع التلفزيون الاسرائيلي (2)، قبل اسابيع من اغتياله ، حيث طالب حكومة اسرائيل "باعلان الحرب على السلطة الفلسطينية واسقاطها وتدميرها والقضاء نهائياً على سلطة ياسر عرفات"، وحجته في ذلك أن عرفات لا يصلح شريكاً للحل". وحين تجرأت المذيعة التي حاورته على السؤال : ما هو البديل الذي سيحل محل عرفات لو جرى القضاء على سلطته؟ اجاب زئيفي بغضب واحتداد : "كفاكم تخويفاً لشعب اسرائيل في مسالة البديل الذي سيحل مكان عرفات. أن وصول حركتي حماس والجهاد الاسلامي الى موقع القيادة الفلسطينية يشكل مصلحة وطنية عليا لاسرائيل. عندها يفهمنا العالم، حين نرفض المشاريع السياسية الضارة بنا، وحين نتمسك بالحسم العسكري وبفرصة القضاء على الارهاب".
وجدير بالملاحظة أن هذه التصريحات، وبخاصة ما يتعلق بالحسم العسكري، قد جاءت وعملية "الجدار الواقي" في أوجها. وكان شارون قد شنها كمحاولة يائسة لإركاع الشعب الفلسطيني بعد فشل جميع الخيارات الأخرى في تحقيق ذلك.
ومؤخراً، كتب مناحيم بن، في صحيفة معاريف الاسرائيلية، في الأول من تشرين أول 2007 (1) ، مقالا تحت عنوان: دولة "حماس" في غزة مصلحة اسرائيلية عليا، جاء فيه: "إذا كان هدف اسرائيل الأعلى تسليم القطاع من جديد الى أبو مازن وارسال أفضل شبابنا من أجل ذلك ليجرحوا أو يقتلوا من أجله أو من أجل السلطة الفلسطينية الموحدة التي قد تصبح بعد قليل دولة، فان هذه فكرة قبيحة لا مثيل لها. لا لأن ابو مازن أشد خطرا من هنية بسبب اعتداله المتلون فقط، بل لأنه لا يوجد أي سبب يجعل اسرائيل تفضّل وحدة السلطة الفلسطينية على تقسيمها اثنتين، على العكس ، ان الفصل بين دولة "حماس" في غزة ودولة "فتح" في الضفة الغربية مصلحة اسرائيلية عليا، يحسن دائما التفريق بين الاعداء، واضعافهم بذلك".
ويضيف الكاتب: "لهذا فان دولة "حماس" مستقلة في هذه المرحلة مصلحة اسرائيلية عليا".
ويختتم الكاتب بالقول: "مع "حماس"، وبسبب صورتها الفظيعة، لا يطلب أحد منا أي شي. لهذا أبو مازن أشد خطراً من هنية. أفنجني على أنفسنا بأيدينا، مع طائفة من ضحايانا، كارثة الوحدة الفلسطينية من جديد؟ نعوذ بالله من ذلك".
أما كيف اسهمت ممارسات حماس المتطرفة في ضرب السلطة الفلسطينية ومؤسساتها، فهذا ما يشير اليه السفير الاميركي في تل ابيب، ريتشارد جونز، من أن اسرائيل لعبت دوراً واضحاً وهاماً في تعزيز قوة حركة حماس داخل الساحة الفلسطينية، واشار الى أن حماس كانت تهاجم اسرائيل التي ترد بمهاجمة حركة فتح ومؤسساتها، ونتيجة لهذه السياسة استطاعت حماس أن تقوي من وضعها في نظر الفلسطينيين كفصيل مقاوم للاحتلال، دون أن تقع فيها اية خسائر. ورأى، في تصريح لصحيفة "جيروسالم بوست" الاسرائيلية"، ان هذا ساعد في تعزيز حماس وتقويتها على حساب حركة فتح ، التي اخذت تضعف بسبب ذلك، "معتبراً أن الاقتتال الداخلي الدائر، حينها، في قطاع غزة، يصب في المصلحة الاسرائيلية بالدرجة الاولى ..." (1)

أما ما لم يوضحه هذا السفير، حين اشار الى أن حماس كانت تهاجم اسرائيل ، فهو انها لم تكن، في الاساس، تهاجم قوات الاحتلال والمستوطنين، وانما تركز على المدنيين الاسرائيليين داخل الخط الأخضر، وهو ما يرفضه ويستنكره الراي العام العالمي، ويقدم، في الوقت ذاته، الغطاء لجرائم الاحتلال، ليس فقط ضد تنظيم فتح وانما ضد مجموع الشعب الفلسطيني، باطفاله ونسائه وشيوخه وشبابه، هذا اولاً، وثانياً: أن اسرائيل كانت تتعمد، عن وعي وتصميم، رد ضربات حماس الى السلطة
ومؤسساتها التي تشرف عليها فتح. ذلك أن ما يحرج حكام اسرائيل ويثيرهم، ليس من يرفع الشعارات المتطرفة، ويقوم بالاعمال المغامرة، بل من يطالبهم بتطبيق قرارات الشرعية الدولية، ويحدد اهدافه ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه، وهو ما يتفهمه الرأي العام العالمي.
ان تاريخ النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني الطويل والحافل يبرهن بأن هدف تسوية هذا النزاع، ، على اساس قرارات الشرعية الدولية، لم يكن يوماً على جدول أعمال حكام اسرائيل، ليبقى المجال مفتوحاً امام تحقيق المزيد من طموحاتهم التوسعية. ولا أدل على ذلك من اقحامهم، ومنذ وقت مبكر، هذا النزاع في أتون الحرب الباردة، ليغدو هذا النزاع جزءاً من صراع المعسكرين الدوليين، مما ضاعف من تعقيدات ومصاعب معالجته وحله. وقد كانوا يجهضون، عن عمد وتصميم، اية مبادرة لمعالجته، ولعل آخر البراهين على ذلك اغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي، رابين، حين أبدى ميلاً للسير في طريق معالجته، علماً بأن احداً لا يستطيع التكهن الى أي مدى كان سيصل في طريق التسوية الفعلية.
وطالما كانت هذه هي التوجهات الحقيقية لهؤلاء الحكام، فقد كان حليفهم الطبيعي والرئيس في الجانب الفلسطيني هو التطرف، الذي اتاح لهم، وعلى مدى عقود، ادارة هذا النزاع - بدل حله – على نحوٍ تبدو فيه اسرائيل في صورة الضحية، بينما الضحية الحقيقية في صورة المعتدي، امام المجتمع الدولي.
ويمكن القول، في هذا السياق، أن اكبر هزيمة سياسية لنهج حكام اسرائيل هذا، كان يوم تبنت منظمة التحرير الفلسطينية قرارات الشرعية الدولية وتسلحت بها ضد الاحتلال، وراحت تطالب حكام اسرائيل بتطبيقها. حينها، تعرّت اسرائيل بفقدانها لهذا التطرف الحليف.
لكن من المفارقات ، أن حركة الاخوان المسلمين (التي انبثقت عنها حماس) انتقلت من مرحلة "الاسلام التقليدي" الى مرحلة "الاسلام الجهادي" ، بالضبط في الوقت الذي تخلت فيه الحركة القومية الفلسطينية عن التطرف، وذلك خلال الانتفاضة الاولى، لتتبنى خطاً سياسياً واقعياً، بينما يواصل التطرف وجوده في الساحة الفلسطينية هذه المرة على رافعة جديدة، دينية اصولية هي حماس.
والسؤال هو: هل أن اسرائيل معنية حقا بتصفية سلطة حماس في القطاع؟ ام انها تتصرف على نحوٍ مختلف، بما يخدم اهدافها في تكريس الانقسام السياسي والجغرافي للساحة الفلسطينية؟ واضعاف الطرفين ومجموع الشعب الفلسطيني ، وتصعيد الصراع الفلسطيني – الفلسطيني واطالة أمده؟ وفي الوقت ذاته اضافة حجج جديدة للتهرب من أية خطوة تقرب نهاية الاحتلال؟ في هذا الصدد، يقول تومي لبيد، نائب رئيس الوزراء ووزير العدل الاسرائيلي السابق: اسرائيل لا تستطيع أن تتنازل للفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث انه من الممكن أن تسيطر حماس في كل لحظة على الضفة كما استولت على غزة.
اما حقيقة الموقف الاسرائيلي من سلطة حماس، بعد الانقلاب، في القطاع، فلعل ما اذاعته القناة الاسرائيلية العاشرة ليلة الثاني من ايلول 2007، له دلالته ومغزاه في هذا الصدد. فقد نسبت هذه القناة الى مصادر امنية اسرائيلية أن حركة حماس تتعمد عدم اصابة الأهداف الاسرائيلية، وتوجه صواريخها باتجاه مناطق مفتوحة تفادياً لاصابة الاسرائيليين، ولكي تظهر للفلسطينيين في غزة انها ما زالت تعتمد المقاومة كخيار لها .ونقل تقرير للقناة عن مصدر امني اسرائيلي قوله ان الأمن الاسرائيلي لاحظ مؤخراً أن "حماس" تتعمد اسقاط صواريخها في مناطق مفتوحة حول سديروت، حتى لا تصيب الأهداف الاسرائيلية، رغم أن الذين يشرفون على اطلاق الصواريخ من طرف "حماس" محترفون.كما نقل التقرير عن ضباط في الجيش الاسرائيلي قولهم انه "لا يوجد شك أن الصواريخ التي تطلقها حماس ولا تصيب أي شيء، ليس محض صدفة وانما لأن "حماس"معنية بعدم اصابة الاهداف، لأنها لا تريد تصعيد الأوضاع ، وفي المقابل تريد أن تثبت للسكان الفلسطينيين انها تواصل المقاومة .(1)
وعلى كل حال، اذا كان خبر القناة العاشرة في التلفزيون الاسرائيلي صحيحاً، فهو غني عن التعليق، وان كان كاذباً من صناعة اسرائيلية، فهو لتبرير الموقف الفعلي للسلطات الاسرائيلية المستفيد من استمرار سلطة حماس في القطاع. مع ابقاء الحصار على القطاع، كنوع من العقاب الذي يتعرض له كل الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة على رفضه الاملاءات الاسرائيلية . من جانب آخر ، هل يمكن الاعتقاد بأن قادة حماس قد اقدموا على انقلابهم، دون أن يضمنوا قنوات دعم لسلطتهم ، سرية او علنية، لا فرق؟

***

الدوافع الحقيقية وراء مقترح
اتفاقية "الاطار"

جرت الاشارة ، سابقاً، الى ما نشرته صحيفة هآرتس يوم 27/6/2007، من أن كونداليسا رايس كانت قد اقترحت على رئيس الوزراء الاسرائيلي، اولمرت، خلال زيارته لواشنطن في حزيران، عقب انقلاب حماس في القطاع، التوصل الى اتفاقية "اطار" للحل الدائم مع السلطة الفلسطينية، دون أن توضع هذه الاتفاقية موضع التنفيذ، وأن اولمرت رفضها، في حينه. لكن يبدو أن الاسرائيليين عادوا واخذوا بمقترح كونداليسا رايس ، بعد أن اتضحت لهم الأهداف الحقيقية من ورائه، وهي تحديداً: بناء تحالف عريض ضد ايران، بالقيادة الأميركية، يضم اسرائيل وما تسمى بالدول العربية المعتدلة. ودور اتفاقية "الاطار" هو أن تمثل الغطاء لإتمام هذا التحالف.
وكما اشير سابقاً ، فالخطة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، تستهدف ضرب المحور الايراني – السوري – المقاومة اللبنانية. وكانت هذه الخطة في صورتها السابقة، تقضي البدء بضرب أضعف حلقات هذا المحور: حركة المقاومة اللبنانية، لتكون الخطوة التالية توجيه الضغوط المختلفة، بما فيها احتمالات ضربة عسكرية اسرائيلية ضد الحلقة الثانية في هذا المحور، سورية، لتبقى بعدئذٍ الحلقة الثالثة والأخيرة: ايران، بعد عزلها عن حلفائها في المنطقة، بحيث يغدو اخضاعها ، بمختلف الوسائل ، أسهل منالاً. لكن، كما هو معلوم، فقد فشل الجيش الاسرائيلي الذي اوكلت اليه مهمة ضرب الحلقة الأولى في هذا التحالف، في تحقيق الهدف، في عدوانه على لبنان الصيف الماضي.
ومن الواضح أن هذا الفشل، الذي لم تتوقعه واشنطن، فرض عليها إدخال تغييرات على الخطة كلها، بحيث يجري البدء بضرب الحلقة الأقوى، بدل الأضعف، هذه المرة، أي البدء بضرب ايران، مما يجعل تصفية الحساب مع الحلقتين المتبقيتين: سوريا والمقاومة اللبنانية، اسهل منالاً. لكن ضرب الحلقة الأقوى في المحور الثلاثي الآنف الذكر، ليس بسهولة الحلقة الأضعف التي اخذها الجيش الاسرائيلي، منفرداً، على عاتقه العام الماضي. انها تتطلب حشداً ضخماً من القوى يضم في عداده الدول العربية "المعتدلة" واسرائيل، بالقيادة الأميركية. ولإرساء قواعد هذا التحالف المشبوه، دعا بوش الى ما سماه "المؤتمر الدولي"، في واشنطن، في تشرين الثاني 2007، الذي ستقوده كونداليسا رايس، بدعوى معالجة الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني. وحرصاً على تأمين ورقة توت للدول العربية المعنية، والتي ستحضر الاجتماع المعني، ومنها السعودية ، لأول مرة الى جانب اسرائيل، كانت الحاجة لاتفاق "الاطار" الذي لا علاقة له بالتنفيذ. تماماً، كما كان مؤتمر مدريد 1991 ، الذي دعا اليه بوش الأب غطاءً لمشاركة عدد من الدول العربية في حلف "حفر الباطن" لدى شن العدوان الاميركي على العراق 1991. وهذا التقييم ليس وليد التكهن والاستنتاج، فقد سبق للمتحدث باسم الخارجية الأميركية شون ماركورماك أن صرح بما يلي: ".. وتسعى الولايات المتحدة لإيجاد سبل لإنعاش جهود السلام، ويهدف (المسعى) جزئياً الى طمأنة حلفائها العرب، بأنها ترغب في تحسين وضع الفلسطينيين، وحشد هؤلاء الحلفاء ضد ايران". (1)
وبهذا المعنى، فإن هذا "الاطار" سيخدم عدة اهداف في وقتٍ واحد: اولاً- سيخدم كغطاء لتبرير اللقاء المخطط في تشرين ثاني في واشنطن، لإنجاز بناء التحالف العربي – الاسرائيلي – الاميركي، ضد ايران بشكل مباشر الآن.
ثانياً: يمثل الاطار خطوة نوعية في عملية التطبيع العربي مع اسرائيل، دون أن تلتزم الأخيرة حتى باعلان قبولها للمبادرة العربية، التي كانت في اصلها سعودية.
ثالثاً: اتفاقية "اطار" غير مرتبطة بمرجعية جدية، بمستوى قرارات الأمم المتحدة، او حتى المبادرة العربية، ولا بجدول زمني للتنفيذ، ولا ضمانات دولية تتجاوز الولايات المتحدة المتحيزة، تمثل تكراراً لتجربة اوسلو التي اجهضها الجانب الاسرائيلي، وكانت نقطة ضعفها الأساسية انها كانت بدورها اتفاقية "اطار" ، دون الاتفاق على قضايا مفصلية كالحدود والمستوطنات والقدس وما شابه.
رابعاً: اتفاقية اطار كهذه، ستخدم الطرف الآخر، في تضليل الرأي العام والمجتمع الدولي، الذي راح يشدد مطالبته بحل النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني، على اساس اقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967 ، الى جانب دولة اسرائيل.. ستخدم في خلق الأوهام، كما جرى عقب توقيع اتفاقات اوسلو، بأن النزاع جرى حله، وما تبقى هو مراحل التنفيذ.
خامساً: إن اتفاقية "الاطار" هذه تشكل اسهاماً اضافياً في تكريس الانشقاق في الساحة الفلسطينية، في ضوء انقلاب حماس في قطاع غزة، الذي اضعف نوعياً الجبهة الفلسطينية، وجعلها اسهل اختراقاً على المناورات الأميركية – الاسرائيلية، وضاعف من حجم الأوهام في دوائر السلطة الفلسطينية.
وحول هذا "الاطار" الخادع كتبت صحيفة "الغارديان" اللندنية مقالاً هاماً يوم 7/8/2007، تحت عنوان :"دولة بلا حدود ليست حلاً". وقد جاء في هذا المقال :"قال السيد اولمرت أن اسرائيل والفلسطينيين سوف يوسعون المفاوضات بصياغة "اطار"، يسمح بتحرك الطرفين قدماً لتاسيس دولة فلسطينية. وستمهد هذه الاجتماعات، الأرضية لقمة اقليمية في واشنطن في تشرين ثاني تضم السعودية، وقطعت السيدة رايس على نفسها انها (أي القمة) ستكون اكثر من مناسبة لالتقاط الصور. ويبدو أن معالجة طموحات ايران النووية ذات ملحاحية أعلى، في واشنطن، من انهاء الاحتلال الاسرائيلي للمناطق الفلسطينية. لكن الأمرين مترابطان على نحوٍ لا انفصام له . وما يزال دعم السعودية وبقية الدول العربية ضد ايران، يتطلب تحركاً بخصوص فلسطين. لكن السؤال هو الى أي مدى وفي أي اتجاه"؟
ثم يضيف المقال: "السيد اولمرت يرفض البحث في "قضايا مفصلية" بدعوى أن الفشل في التوصل الى اتفاق حولها، قد يفشل التقدم على قضايا أصغر. وهذا يبقي الحديث عن مرحلة انتقالية. وسيكون هذا حول دولة فلسطينية بحدود مؤقتة، أي مرحلة المفاوضات التي كانت مقدرة في الأصل للبند الثاني من خارطة الطريق. وبمحاولة القفز مباشرة الى هذه المرحلة، قبل التفاوض اولاً على انهاء الاحتلال، ستقود فيه اسرائيل السيد محمود عباس نحو مياه خطرة. وبدون الزام اسرائيل في قضايا محددة، ستكون الدولة المقدرة كابوساً فلسطينياً، تاركين وراءهم قضايا حيوية بدون جواب، وبدون جدول زمني للاجابة عليها. لقد انقسم الشعب الفلسطيني الى اثنين، حين فرضت حماس سيطرتها العسكرية على غزة، ولسوف تنقسم دولة فلسطين الى قطع عديدة، اذا قبلت وضع كيان بلا حدود، ولا سيادة، ولا اقتصاد قابل للحياة".
أما البروفيسور دان شيفطان، رئيس "مركز ابحاث الأمن القومي" في جامعة حيفا، فيقول في مقال له في صحيفة هآرتس، 23/10/2007 انه يتوجب النظر الى لقاء "انا بوليس" كقضية اميركية اسرائيلية بحتة لا دخل للفلسطينيين فيها، مشيراً الى ان هدف اسرائيل من خلال المشاركة في هذا اللقاء هو مساعدة بوش قبيل الوصول الى نقطة الحسم في مواجهة ايران.
ويضيف شيفطان الى ان بوش يعي انه يحتاج الى وقوف الدول العربية المعتدلة الى جانبه عند تحركه ضد ايران، ومن اجل اقناعها بذلك فقد قرر عقد اللقاء في "انابوليس" لكي يدلل لها على التزامه بالتوصل لحل، مع ان كلاً من بوش واولمرت يعيان ان التوصل لمثل هذا الحل مستحيل.
هذا، بينما كرر اولمرت اكثر من مرة ان اجتماع "انا بوليس" لن يفضِ الى اتفاقية سلام مع الفلسطينيين.
أكثر من ذلك ، اعلن المتحدث بلسان الخارجية الاسرائيلية مارك زيجيف انه بدون أي اتفاق مسبق من حيث المبدأ بشأن اللاجئين سيبقى مبعث قلق دائم بأن لا ينهي تأسيس دولة فلسطينية الصراع، وان يكون هناك مزيد من المطالب من اسرائيل .(1)
وهكذا، تريد اسرائيل ودون أن تلتزم بشيء لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، أن يسقط الفلسطينيون ، سلفاً، حقوق اللاجئين الفلسطينيين، التي ضمنتها قرارات الأمم المتحدة.
اما وزير الدفاع الاسرائيلي، ايهود براك، فقد أعلن أن اسرائيل لن تبدأ بأي انسحاب من الضفة الغربية قبل العثور على التكنولوجيا اللازمة لتحييد الصواريخ الفلسطينية الصنع. وهذا يحتاج – على حد رأيه – الى فترة ما بين ثلاث الى خمس سنوات ! وهكذا لا تعوز حكام اسرائيل الحجة للتهرب من أي تقدم على طريق حل النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني وانهاء احتلالهم للأراضي الفلسطينية.
***
جوانب وتداعيات أخرى لمخطط
ضرب محور ايران – سوريا – المقاومة اللبنانية

فيما يتعلق بمسعى واشنطن لضرب المحور الايراني – السوري – المقاومة اللبنانية طرحت واشنطن "حزمة" ثلاثية لخدمة هذا الهدف:
اولاً – تحضير اتفاقية "اطار" فلسطينية – اسرائيلية ، تشكل غطاءً للدول العربية التي ستشارك في هذه الخطة الأميركية.
ثانياً – عقد اجتماع واشنطن، في تشرين ثاني 2007، الذي سيدشن قيام تحالف علني يضم اسرائيل والدول العربية "المعتدلة".
ثالثاً – الاعلان عن صفقة اسلحة اميركية للمنطقة بحجم ثلاثة وستين مليار دولار، ثلاثون مليار منها مساعدة مجانية لمزيد من تسليح اسرائيل، خلال عشر سنوات.. مما يعني رفع حجم المساعدة العسكرية الأميركية السنوية لإسرائيل من مليارين وأربعماية مليون الى ثلاثة مليارات. وذلك نابع من الاعتقاد بأن فشل الجيش الاسرائيلي في أداء المهمة التي اوكلت له، الصيف الماضي، في جنوب لبنان، يعود لاعتبارات فنية وتكنيكية! وفي هذا السياق، قال نائب وزيرة الخارجية الأميركية، نيقولاس بيرنس، الذي وقع مذكرة التفاهم الخاصة بهذه المساعدة لإسرائيل .. قال في القدس، أن المساعدة لإسرائيل تعني التصدي لمحور التعاون بين ايران وسوريا وحزب الله والجهاد الاسلامي وحماس، المسؤولين عن العنف في المنطقة .(1) هذا، علاوة على أن اغراق المنطقة، بهذا الكم الهائل من التسلح، سيفرض على بلد مستهدف ، مثل ايران، سباقاً للتسلح يرهق اقتصادها.
وجنباً الى جنب تضاعفت جلسات التنسيق الاستراتيجي بين الولايات المتحدة واسرائيل، في اعقاب فشل الجيش الاسرائيلي في لبنان الصيف الماضي.
لكن جمع اتفاقية "اطار"فلسطينية – اسرائيلية، وعقد اجتماع في واشنطن ، في تشرين ثاني 2007، والاعلان عن صفقة سلاح اسطورية لبعض دول المنطقة وعلى رأسها اسرائيل، جمع هذه العناصر الثلاثة في "صفقة" واحدة يكشف أن ما تتحدث عنه واشنطن من نوايا نشر السلام والاستقرار في المنطقة، ليس إلا ذراً للرماد في العيون، لاخفاء هدفها الحقيقي، والذي لم يعد ممكناً اخفاؤه، وهو المزيد من العدوان وممارسة العنف الاميركي – والاسرائيلي ضد شعوب المنطقة، لإحكام هيمنتها عليها بالقوة. بمعنى آخر، فالمنطقة مرشحة لمزيد من العنف والاضطراب.
وعلى كل حال، ينبغي الافتراض بأن مخطط ضرب محور ايران – سورية – المقاومة اللبنانية، بالوسائل العسكرية، ليس السيناريو الوحيد الذي تعمل واشنطن عليه، في تطلعها لإحتواء المنطقة والسيطرة على مصادر الطاقة الهائلة فيها، في اطار ما اطلقت عليه "الشرق الأوسط الجديد"، الذي تتعثر خطوات تطبيقه حتى الآن برغم عناوينه المتغيرة من "الكبير" الى "الجديد" ! لذلك تتابع واشنطن الفوارق والتمايزات بين اطراف محور ايران – سورية – المقاومة اللبنانية، وأجندة كل من هذه الاطراف. في هذا السياق، قال ساترفيلد، وكيل وزارة الخارجية الأميركية، بخصوص ايران وسوريا، أن واشنطن "تتعامل معهما ككيانين مختلفين"، ولاحظ أن ايران طالبت بانسحاب فوري للقوات الأميركية من العراق، في حين "بعثت سوريا برسائل ايجابية"، ولم تطالب بذلك. من جانبها، كانت كونداليسا رايس قد طالبت، في وقتٍ سابق، بتغيير سلوك النظام السوري، وليس تغيير النظام"(2) اما في العراق ، فقد اشعل الاميركيون احتراباً طائفياً خطيراً، يمكن أن يخدم كقاعدة لتقسيم العراق، اذا تطلبت مصالحهم ذلك.
من جانب آخر، لم تقتصر تداعيات فشل الجيش الاسرائيلي في انجاز المهمة التي اوكلت اليه، الصيف الماضي، في جنوب لبنان، على تغييرات في الخطة الأميركية "لمعالجة" المحور الايراني – السوري – المقاومة اللبنانية، بل ترتب على ذلك متغيرات اخرى وتداعيات بعيدة المدى، طالت جوانب ذات شأن في السياسة الأميركية في المنطقة.
فحتى وقوع العدوان الاسرائيلي على لبنان صيف 2006، كانت الادارة الأميركية تتبنى، تحت التأثير الفعال للمحافظين الجدد، استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، في مركزها المزيد من الاعتماد على اسرائيل، الى حد "وضع كل البيض" في سلتها تقريباً. باعتبارها نظاماً موالياً متماسكاً له جيش قوي، يؤمن بارتباط مصيره الوجودي بالتحالف مع الولايات المتحدة، وذلك بخلاف الأنظمة العربية "المعتدلة" بالمفهوم الاميركي، الضعيفة والمعزولة – شأن بقية الأنظمة العربية – عن شعوبها، وتفتقر الى قواعد اجتماعية متماسكة يمكن الاعتماد عليها اذا ما هبت عواصف التغيير، مما قد يخرج الأمور عن السيطرة. في ضوء هذا الفهم العام، الذي صاغه المحافظون الجدد، خرجت ادارة بوش حينها، تنادي بنشر الديمقراطية في بلدان الشرق الأوسط. بالطبع، الديمقراطية الانتقائية وفق المعايير الأميركية. وذلك بأمل أن تسفر ممارسة هذه الديمقراطية عن توسيع القاعدة الاجتماعية لحلفاء واشنطن في هذه البلدان. وفي هذا المنحى، جندت واشنطن نشاط المنظمات غير الحكومية في المنطقة التي تنفق عليها الخارجية الأميركية بسخاء. حينها، قالت كونداليسا رايس، في محاضرة لها في الجامعة الأميركية في القاهرة، بأن الولايات المتحدة اخطأت عندما "سعت على مدى ستين عاماً الى تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط على حساب الديمقراطية ولم تنجز أياً منهما". وشددت على أن بلادها "تتبنى نهجاً مختلفاً. اننا ندعم التطلعات الديمقراطية لكل الشعوب". لكنها اكدت "استمرار معارضة الولايات المتحدة لمشاركة حركات اسلامية مسلحة مثل حزب الله وحماس"(1).
من كلام رايس هذا تتضح ليس فقط ، عقلية الوصاية الأميركية على مقدرات شعوب المنطقة وحسب، بل والطابع الانتقائي للديمقراطية التي تريدها واشنطن لبلدان الشرق الأوسط، بحيث تكون على غرار "الديمقراطية" التي فرضتها بالحراب في افغانستان والعراق. ومع ذلك، فقد أثارت هذه المناداة الأميركية بنشر الديمقراطية في بلدان الشرق الأوسط حساسية الأنظمة العربية الموالية لواشنطن وقلقها، تلك الانظمة التي تستند في استمرار حكمها الى العنف والقمع البوليسي وحده.
لكن ملف الديمقراطية هذا جرى طيه، كأحد تداعيات فشل العدوان الأخير على لبنان. لتعود واشنطن الى تنشيط علاقاتها بأصدقائها التقليديين في المنطقة العربية، بعد أن ثبت قصور الجيش الاسرائيلي عن تحقيق المهمة المطلوبة، وأنه ليس كلي القدرة، وان لقدراته حدوداً. وبالتالي: لا غنى عن خدمات هؤلاء الحلفاء التقليديين. ويلاحظ، في هذا السياق، عملية ابراز خاصة لحكام السعودية، بما في ذلك على حساب مصر وحكامها، مما اثار بعض الحساسية لدى حكام الاخيرة. وذلك طالما كان الهدف المباشر لواشنطن، في المرحلة الحالية، هو التعبئة ضد ايران. فالسعودية ، بحكم مكانتها الدينية، في المجتمع الاسلامي، وبخاصة السنّي ، هي الأقدر على لعب الدور المطلوب في هذا المضمار. في هذا السياق، جاء اتفاق مكة بين فتح وحماس، والذي لم يكن اكثر من صفقة هشة بين التنظيمين، وليس اتفاقاً وطنياً شاملاً، يستند الى برنامج وطني موحد، ومتفق عليه، يغطي مرحلة التحرر الوطني. وكل ما تحقق فيه هو تغطية الفوارق الجوهرية بين برنامجين مختلفين، بكلمات عامة يترجمها كل طرف على هواه. لكن كما ثبت لاحقاً، فقد حقق اتفاق مكة لحركة حماس هدنة مريحة لاستكمال التحضير لانقلابها المبيّت، علاوة على تخفيف عزلتها حيث كسرت هذه العزلة على النطاق الاقليمي بدءاً ببلد مثل السعودية . بينما كان الرابح الأكبر من هذا الاتفاق هم حكام السعودية ، لرفع هيبتهم في العالمين العربي والاسلامي، بعد أن اصيبت هذه الهيبة بشرخ عميق، حين تسرع هؤلاء الحكام، لدى بدء العدوان الاسرائيلي على لبنان، وخرجوا علناً لإدانة المقاومة اللبنانية، وتبرير العدوان الاسرائيلي، كما فعل غيرهم في بعض الدول العربية الموالية لواشنطن، انطلاقاً من القناعة بحتمية انجاز الجيش الاسرائيلي المعتدي اهدافه في سحق المقاومة اللبنانية. من جانب آخر، لم يخل اتفاق مكة من طموح سعودي لاحتضان حماس في المعسكر السني، الذي أوكلت واشنطن مهمة تشكيله لحكام السعودية، ضد ايران الشيعية.
عدا كل هذا، كان من تداعيات فشل الجيش الاسرائيلي في عدوانه الأخير على لبنان سقوط عدد من رؤوس المحافظين الجدد، بالتتابع، وكان في رأسهم وزير الدفاع الأميركي السابق، دونالد رامسفيلد.
***

هل شهد فكر حماس تحولات ايديولوجية؟

اواسط آذار 2007، نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، التي تصدر في لندن، نص حديث أجرته مع الدكتور احمد يوسف، المستشار السياسي لإسماعيل هنية، اعادت صحيفة "القدس" نشره يوم 15/3/2007.
وفي هذا الحديث اعلن د.يوسف أن "فكر حماس قد يشهد تحولات ايديولوجية خلال الفترة المقبلة"، وقال: "قراءة المشهد السياسي قد تؤدي لتغيير بعض من فكر الحركة، خاصة أن السياسة قد تأتي بما نطالب به عن طريق المقاومة المسلحة . اذن، لا داعي لزخم العمل المسلح. فلنحاول بالسياسة، فإن لم يتحقق ما نريده فلنعد الى المقاومة مرة أخرى، فكوادرنا موجودة"، وقال :"نقبل إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967، مقابل الافراج عن الأسرى وإقرار حق العودة للاجئين والقبول بهدنة لمدة 10 سنوات قابلة للتجديد". من جانب آخر، اشار د.يوسف في هذه المقابلة الى "أن حماس حركة لها مرجعية اسلامية قوية ولها دائرة تشاور سياسية واسعة، ولا تقدم على أية خطوة دون دراسة وتشاور على المستويين السياسي والديني"، وأوضح "لا نتحرك في أي اتجاه إلا بعد دراسته مع مرجعياتنا الدينية. ولذلك فإن حماس لن تكون فريسة لأي قوى اقليمية او دولية وسنحافظ على ثوابت قضيتنا".
وجدير بالذكر أن هذا الحديث جاء وسط شائعات تقول أن حماس ارسلت للإسرائيليين، عبر وسطاء ، مقترحات سياسية، صاغها الدكتور احمد يوسف نفسه، كما جاء هذا الحديث مواكباً، من الناحية الزمنية، لاتفاق مكة.
إن هذه المقتطفات القصيرة من حديث الدكتور احمد يوسف تتضمن عدداً من القضايا الهامة والخطيرة، التي تستحق المناقشة، ولكن دون أن يكون فيها مؤشرات حقيقية على تحولات ايديولوجية أياً كانت، الا اذا كانت المناورات والتلاعب بالألفاظ تعتبر تحولات ايديولوجية . على العكس، تؤكد هذه المقتطفات على الفهم الأصولي لطبيعة الصراع مع اسرائيل وادارته:
أولاً – في هذه التصريحات ، وفي أكثر من موقع، تأكيد على مرجعيات حماس الدينية في كل خطوة تخطوها. وينبغي الافتراض بأن تكون في مقدمة هذه المرجعيات حركة الاخوان المسلمين الدولية، التي تؤكد حماس في ميثاقها الصادر 1988 انتسابها اليها. وهذا يؤكد، بدوره، أن حماس، وكما جاء في ميثاقها السالف الذكر، تتناول الصراع مع اسرائيل من منطلقات دينية وليس من منطلقات قومية. وهذا التناول يحول دون تحقيق الوحدة الوطنية، الشرط الضروري لدحر الاحتلال، ويحرم القضية الفلسطينية العادلة من التضامن الدولي الهام والضروري في حالتنا الفلسطينية. بل يبدو أن هناك حتى في حركة الاخوان المسلمين، من هو اكثر انفتاحاً في تفكيره السياسي من قادة حماس. فقد نشرت صحيفة الشرق الأوسط، الصادرة في لندن، يوم 16 نيسان 2007، أن عضو مكتب الارشاد لجماعة الاخوان المسلمين، عبد المنعم ابو الفتوح صرح، أن الجماعة تؤيد تأسيس دولة علمانية ثنائية القومية في فلسطين، كحل نهائي للصراع العربي – الاسرائيلي. وقد أثار التصريح قيادة حماس، مما اضطر المرشد العام للإخوان محمد عاكف لإصدار بيان يوم 15/4/2007، في القاهرة قال فيه أن موقف الجماعة من القضية الفلسطينية يقوم اساساً على "أن فلسطين اسلامية بما تحتضنه من مقدسات المسلمين"، وذلك على ضوء الأزمة التي نشأت مع حماس، كما يقول خبر الصحيفة المذكورة. أما بيان المرشد العام المذكور اعلاه فينسجم مع ما جاء في ميثاق حماس. فالمادة الحادية عشرة تقول :"تعتقد حركة المقاومة الاسلامية أن ارض فلسطين وقف اسلامي على اجيال المسلمين الى يوم القيامة ...". والسؤال هو: أين هو التحول الايديولوجي؟
وفيما يتعلق بالمرجعيات السياسية التي يشير اليها الدكتور يوسف، فلا بد أن قطر – حيث لقادة حماس مكاتب دائمة – تحتل مكاناً مرموقاً بين هذه المرجعيات ، وتحديداً وزير خارجيتها (الذي اصبح رئيس وزرائها كذلك) الشيخ حمد بن جاسم، الغني عن التعريف. فهو لا يفخر فقط بعلاقاته الحميمة بالولايات المتحدة، بل وسبق له أن نصح العرب بأن يسيروا في ركابها دون مساءلة، باعتبارها قدراً!
وإنطلاقاً من هذه القناعة تستضيف بلاده مقر قيادة القوات البرية الأميركية في الشرق الأوسط، وعدداً من القواعد العسكرية الأميركية . اما علاقاته الحميمة بإسرائيل وحكامها، فلم تعد من الأسرار منذ زمن. وتكفي الاشارة الى انه انطلق لحضور اجتماع وزراء الخارجية العرب، الذي انعقد في بيروت، خلال العدوان الاسرائيلي على لبنان صيف 2006، من مطار تل ابيب!
اما حول مشاورات حماس معه، فتشير صحيفة "الشرق الأوسط"، يوم 21/1/2007 الى مثل هذه المشاورات، عشية لقاء محمود عباس وخالد مشعل في دمشق، بالقول:".. وقبل وصول عباس الى دمشق، أجرى مشعل اتصالاً هاتفياً بوزير خارجية قطر، الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، أطلعه فيه على آخر تطورات المحادثات بين حركتي التحرر الوطني (فتح) وحماس للتوصل الى حل للأزمة بين الفلسطينيين...".
وعقب انقلاب حماس في قطاع غزة، كانت قطر الدولة العربية الوحيدة التي دافعت، علناً ، عن الانقلابيين، بما في ذلك في اجتماع وزراء الخارجية العرب، وفي الأمم المتحدة، وغيرها من المحافل. كما تناغمت، وبتوسع، مع هذا الموقف من الانقلابيين فضائية الجزيرة القطرية، التي حملت منذ انطلاقتها عام 1996 لواء التطرف من جهة والتطبيع مع اسرائيل من الجهة الأخرى. وهما وجهان يبدوان متناقضان في الشكل لكنهما يلتقيان في الهدف. وجدير بالاشارة أن عناصر من الاخوان المسلمين تحتل مواقع حساسة في هذه الفضائية.
عدا ذلك، تضامن ايمن الظواهري، نائب بن لادن، مع الانقلابيين، بعد أن هاجمهم بشدة، في آذار 2007 ، بسبب توقيعهم اتفاق مكة مع فتح(1).
وتعبيراً عن العرفان بالجميل لمواقف النظام القطري هذه ، قال اسماعيل هنية في غزة: "أن قطر من الدول العربية التي نعتز بمواقفها والتي عبرت عن أصالة عربية واسلامية، من خلال الوقوف مع الشعب الفلسطيني، خلال شهور الحصار الظالم، الذي فرضته الولايات المتحدة الأميركية والتي تواطأت مع اطراف محلية واقليمية كذلك .."(2) والحقيقة، أن اعتزاز هنية بقطر جاء عقب الانقلاب في القطاع وتقديراً على دعم قطر للانقلابيين، والا لماذا تأخر التعبير عن هذا الاعتزاز حتى الآن، علماً بأن الحصار بدأ منذ شكلت حماس حكومتها الأولى، اوائل العام 2006.
وهنا يبرز السؤال: كيف يفسر قادة حماس قيام قطر التي لها مثل هذه الارتباطات بالولايات المتحدة، وتنصح العرب بالتسليم لارادتها، بدعم حماس خلافاً لإرادة الأولى؟! هذا، بالطبع عدا علاقات قطر الخاصة باسرائيل وحكامها.
ثانياً – في تصريحات الدكتور يوسف السالفة الذكر، تبرير واضح لسياسة التهدئة التي تبنتها حماس منذ ايلول 2005 من طرف واحد، أي قبل انتخابات المجلس التشريعي، التي فازت فيها حماس، بحوالي خمسة أشهر، هذه التهدئة التي اعتبرتها، في حينه، كل من منظمتي الجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية "تنازلات مجانية لإسرائيل"(3)، وهذا التبرير من الدكتور يوسف بدعوى "... أن السياسة قد تأتي بما نطالب الاتيان به عن طريق المقاومة المسلحة.. فإن لم يتحقق ما نريده فلنعد الى المقاومة مرة أخرى، فكوادرنا موجودة". ولكن، إذا كان هذا الطرح سليماً وصحيحاً في العمل الوطني، باعتبار أشكال النضال وسائل وليست غايات، فإن السؤال الذي على قادة حماس أن يجيبوا عليه: لماذا باشروا، وعلى الفور، عقب اتفاقات اوسلو، وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية، بالتفجيرات ضد المدنيين الاسرائيليين داخل الخط الأخضر؟ ألم يكن ذلك بقصد تخريب ونسف تلك التجربة السياسية قبل أن تتضح نتائجها، مع انها كانت تبدو واعدة، أكثر بما لا يقاس من الوضع الحالي؟ علماً بأن التهدئة كانت، في تلك الحالة، متبادلة وضمن خطة متفق عليها من الطرفين، لحل النزاع بالطرق السلمية ، بينما تهدئة حماس هي من طرف واحد، ودون استجابة من الطرف الاسرائيلي لشروط حماس في هذا الشأن. واذا كانوا في حماس يعدون بالعودة الى العمل المسلح ضد اسرائيل، اذا فشل الطريق السياسي – وهو وعد لا برهان عليه بعد، اذا استثنينا العودة الى اطلاق بعض الصواريخ العبثية – فإن عرفات قد مارسه بالفعل حين يئس من طريق التفاوض مع الاسرائيليين، على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في اوسلو. اللهم الا اذا كان ما يجوز لحماس لا يجوز لغيرها، وأن قادتها وحدهم الأمناء على القضية الفلسطينية.
ولعله يستحق التذكير هنا، ما جاء في المذكرة التي رفعتها حركة حماس الى الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني، التي انعقدت في الجزائر، في تشرين ثاني 1988 ، فقد جاء في البند الثالث من هذه المذكرة :"اعتماد الجهاد طريقاً وحيداً للتحرير واعادة البندقية الفلسطينية المقاتلة لاستئناف العمل الفدائي، واحياء العمليات الاستشهادية المنتخبة داخل فلسطين المحتلة"(1) وحينها، أثار مطلب حماس ب "اعادة البندقية الفلسطينية المقاتلة لاستئناف العمل الفدائي .." الدهشة، لا سيما ولما يمض على انتقالها من موقع المتفرج السلبي على الاحتلال، على مدى اكثر من عشرين عاماً، الى المشارك في الانتفاضة الاولى، الا بضعة أشهر فقط !
لكن بعد أن أصبحت حماس في السلطة، بل وقبل ذلك، في مجال التحضير لسلطتها، لم يعد "الجهاد طريقاً وحيداً للتحرير" ! ولربما اعتبر البعض هذا ، تحولاً في ايديولوجية حماس !
ثالثاً – وهو الأخطر من كل شيء في سياسة حماس تجاه الاحتلال الاسرئيلي، والمتمثل في عرض الهدنة لمدة عشر سنوات قابلة للتجديد. وأقل ما يقال في هذا الاقتراح انه يتجاهل بالمطلق التجربة المأساوية لاتفاقات الهدنة التي وقعتها الدول العربية المحيطة بفلسطين مع اسرائيل، في رودوس، 1949، والتي قامت على اساس سيطرة اسرائيل على نصف المساحة التي قررتها الأمم المتحدة للدولة العربية الفلسطينية، علاوة على ما تقرر لها بموجب قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في 29/11/1947، وتساوي تلك المساحة التي استولت عليها اسرائيل بالقوة، تجاوزاً على القرار المذكور، مساحة الضفة والقطاع مجتمعين. واليوم، اصبحت خطوط الهدنة هذه مطلباً صعب المنال للحركة الوطنية الفلسطينية والنظام العربي برمته. ومن السذاجة المفرطة الاعتقاد بأن اسرائيل ستقف مكتوفة اليدين خلال الهدنة الطويلة التي تقترحها حماس، حتى تستكمل الأخيرة مشروعها في اعادة بناء الخلافة الاسلامية ، لاستئناف الجهاد في سبيل تحرير فلسطين، كل فلسطين، كما صرح الدكتور الزهار، في القاهرة لصحيفة "الشرق الأوسط" اللبنانية، 12/11/2006 ،"ليس بيننا وبين اسرائيل تسوية، كما اننا لا نقبل بشيء فيه اعتراف بإسرائيل.. حتى في حال قيام دولة فلسطينية في حدود 4 حزيران، نعطي هدنة ولن نعترف. القرآن يتحدث عن زوال دولة اسرائيل". علماً بأن اسرائيل كانت وما تزال المستفيد الوحيد من طرح شعار التحرير الكامل، الذي ليس له رصيد على الأرض. اما شروط حماس للهدنة ، وهي الانسحاب الاسرائيلي الى حدود الرابع من حزيران 1967 واطلاق سراح المعتقلين والسماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين، فقادة حماس يدركون، بالتأكيد انه لو كانت اسرائيل تقبل بهذه الشروط ليس مقابل هدنة بل مقابل تسوية دائمة، بل وحتى تطبيع رسمي مع العالم العربي كله لانتهى الأمر منذ زمن. ولا نظن الا أن قادة حماس يدركون أن سقف شروط الهدنة أدنى من سقف شروط التسوية. فهل غرض هؤلاء القادة طرح الأعلى للقبول بما هو دون ذلك في المفاوضات، كما فعل السادات حين خطب في الكنيست الاسرائيلي، في بدء زيارته لإسرائيل خريف 1977، أم أن غرضهم، في آخر تحليل، تجميد الوضع الحالي، الذي يرونه مريحاً لهم، الى عشرات السنين، وراء شعارات المزاودة. وعلى كل حال، يلفت الانتباه توقيت طرح هذا المقترح، بعد أن اصبحت حماس في السلطة، والسؤال: لماذا لم تتقدم به قبل ذلك؟ من جانب آخر، ألا يرى قادة حماس المفارقة بين استعدادهم لهدنة طويلة الأمد وبين توكيدهم على تصفية دولة اسرائيل؟! اذ كيف يتوقعون موافقة حكام اسرائيل على هدنة تمثل مجرد معبر لتدمير دولتهم؟! واخيراً، ألا يلاحظ قادة حماس خطوط التقاطع بين هذا المقترح وبين مشروع شارون للدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة، لفترة طويلة؟!
لقد استعمل قادة حماس تعابير مرنة وحمالة أوجه لتمويه تمسكهم بمشروعهم المعروض في ميثاق حماس الصادر 1988. فمثلاً، جاء في البيان الوزاري لحكومة الوحدة الوطنية، على لسان اسماعيل هنية، أن "حكومته تحترم قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية" ، والعمل على "اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على جميع الأراضي التي احتلت عام 1967 وعاصمتها القدس، حتى تتمكن من بناء أرضية قوية ومتماسكة للسلام والأمن والازدهار في ربوع المنطقة وأجيالنا المتعاقبة ".(1)
وجاء في كلمة اسماعيل هنية أمام المجلس التشريعي ، لنيل الثقة على حكومة الوحدة الوطنية، قوله :"تلتزم الحكومة بترسيخ الوحدة الوطنية، وحماية السلم الأهلي وترسيخ قيم الاحترام المتبادل، واعتماد لغة الحوار، وإنهاء جميع اشكال التوتر والاحتقان، وترسيخ ثقافة التسامح وحماية الدم الفلسطيني وتحريم الاقتتال الداخلي".(2)
بينما جاء، قبلئذٍ، في برنامج حماس الانتخابي، 2006، في الباب الثاني – السياسة الداخلية - ، بند 6، ما يلي:" الدم الفلسطيني من المحرمات في المجتمع الفلسطيني، والحوار فقط هو المنهج المقبول لحل الخلافات الفلسطينية الداخلية" .
كما جاء في البند السابع من نفس البرنامج الانتخابي :"تحريم الاعتقال السياسي ورفض مصادرة الرأي".
أما في الممارسة، فقد سقطت، مع الانقلاب العسكري، مصداقية حماس، ومعها كل ما اعلنته من احترام والتزام وتحريم .. وغدا واضحاً انها تحرم وتحلل كما تشاء وأنى تشاء.
لقد غدا معروفاً، كما كشفت وسائل الاعلام، أن حماس دست، في اطار التحضير للانقلاب ، عشرات الضباط وآلاف المقاتلين، داخل قوى الأمن الفلسطينية ، بخاصة خلال وجود نصر يوسف وزيراً للداخلية ، بحجة تشغيل عاطلين عن العمل. ولم تتكشف حقيقتهم الا ساعة الانقلاب. ويبدو أن عملية تزييف الولاء أمر مألوف في حماس. فقد أصبح معروفاً كذلك انه عقب الخلاف بين السلطة وحماس، بخاصة منذ 1995، تشكل تنظيم مصطنع باسم "حزب الخلاص الاسلامي" ، بدا وكأنه انشقاق عن حماس. وفي انتخابات المجلس التشريعي الاولى، 1996، خاض اسماعيل هنية هذه الانتخابات مرشحاً عن هذا الحزب، ليتضح لاحقاً أنها مجرد خدعة من حماس للسلطة الوطنية الفلسطينية.
عدا ذلك، هناك من يعتقد بوجود تمايزات حقيقية وجدية داخل حماس، بخاصة منذ فوزها في الانتخابات، وان هذه التمايزات تعبر عن نفسها من خلال الاختلاف، بل والتعارض احياناً بين تصريحات مسؤولين فيها، مما يترك الانطباع بأن هناك عملية فرز بين تيارات تقترب من الواقعية السياسية وأخرى متزمتة. لكن ما برهنت عليه ممارسات حماس يؤكد أن الأمر لا يعدو حتى الآن أن يكون توزيع ادوار، وتباينا في الاسلوب، وليس في الجوهر، في احسن الحالات. وينسحب هذا ايضاً على الشائعات بأن هناك صراعا بين هنية ود.الزهار، فمثلاً يقول الدكتور موسى ابو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس: "أن الحوار هو الاسلوب الوحيد الذي لم نسقطه في أي مرحلة من مراحل العمل الوطني"، وينتقد د.ابو مرزوق ، في الوقت ذاته، استمرار بعض خصوم حركة حماس في الترويج لسيناريو الامارة الاسلامية التي تريد حماس اقامتها في غزة، معتبراً ذلك جزءاً من ادوات الحرب الممنهجة لإقصاء الحركة .. و"معتبراً أن اطلاق دعاوى الامارة الاسلامية في غزة فكرة اسرائيلية لتشجيع الفرقة".(1)
الغريب في الأمر، أن هذه التصريحات الوديعة للمسؤول الحمساوي تأتي بعد شهر تماماً على انقلاب حماس واستيلائها بالقوة على القطاع، فهل مفهوم "الحوار هو الأسلوب الوحيد" معناه، في قاموس حماس، الانقلاب الدموي؟! ومع ذلك، فلنقارن هذا الكلام الناعم مع ما صرح به اسماعيل هنية لتبرير الانقلاب ، قال: "كنا مضطرين للدخول في معركة حسم حتى تسير السفينة "(2). كما نعيد، في هذا الصدد، ما ردّ به الدكتور محمود الزهار على سؤال مراسل "شبيغل" الالكترونية الألمانية، الذي يقول:"في الاسبوع الماضي كانت هناك معارك شوارع في الضفة الغربية بين ميليشيات فتح وحماس.. كيف سيدافع انصار حماس عن انفسهم، في حال أي قتال جديد؟"، أجاب الزهار:"دعني أسألك: كيف دافعنا عن انفسنا حتى الآن ضد الاحتلال الاسرائيلي؟"، مراسل شبيغل الالكترونية :"بالقنابل والهجمات؟"، الزهار:"بالضبط، ولكنك انت الذي قلت ذلك، ولست انا"(3).
لكن هناك ما بين د. ابو مرزوق صاحب التعابير الناعمة والدكتور الزهار الحربجي والصريح، نمط آخر في توزيع الأدوار، يلاحظ في تصريحات الدكتور ناصر الدين الشاعر، وزير التربية والتعليم في حكومة حماس الأولى، لصحيفة "الشرق الأوسط" الصادرة في لندن ، 4/8/2007، حيث يقول لمراسل الصحيفة :"لا اخفي عليك ، بناء على الاتصالات المكثفة التي جرت، هناك جسر للهوة، حتى عندما تقول حماس انها لن تعود الى ما قبل يونيو (حزيران)، فهذا غير مسلم به وأنا غير موافق".
اما كيف يترجم الدكتور الشاعر عدم موافقته على حدث خطير بحجم الانقلاب الدموي في قطاع غزة وتقسيم الكيان الفلسطيني سياسياً وجغرافياً، فهذا ما لم يفصح عنه. والحقيقة، أن عدم خروجه على الانقلاب، وادانته، يعني أن كلامه هذا ليس الا بغرض التخدير وكسب الوقت، حتى يتثبت الانقلاب وسلطة الانقلابيين.
اما انتقاد د. ابو مرزوق لبعض "خصوم حركة حماس في الترويج لسيناريو الامارة الاسلامية التي تريد حماس اقامتها في غزة .." فيبدو أن د.ابو مرزوق لا يطالع تصريحات زملائه المسؤولين في حماس، وبخاصة د.الزهار القائد الفعلي لحماس في الداخل، بما في ذلك تصريحاته لمراسل شبيغل الالكترونية الألمانية الذي يرد فيه على سؤال المراسل، فيما اذا كانت حماس تريد تأسيس دولة اسلامية في غزة، حيث أجاب: "في هذه الآونة لا يمكننا تأسيس دولة اسلامية، لأنه لا توجد دولة للفلسطينيين، وطالما لا نملك دولة سنحاول تأسيس مجتمع اسلامي"(1). أي بمعنى انه لو كانت للفلسطينيين دولة لباشرت حماس اقامة الدولة الاسلامية، والى حين ذلك يجري التحضير بتأسيس مجتمع اسلامي! هذا، ويبدو انه لم يسمع كذلك تصريح إسلام شهوان، الناطق بلسان القوة التنفيذية الحمساوية، بعد انجاز الانقلاب مباشرة، حيث قال :"جاءت مرحلة الحق وسلطة الاسلام"، ولعله كذلك، لا يسمع بما تقوم به حماس في قطاع غزة من خطوات ونشاطات على طريق الامارة الحمساوية.
كذلك قول الدكتور ابو مرزوق من أن "دعاوى الامارة الاسلامية في غزة فكرة اسرائيلية لتشجيع الفرقة" تثير السؤال: هل تصرفت حماس وتتصرف، منذ تشكيل حكومتها الأولى، وسيطرتها على بعض المجالس البلدية والمحلية، على نحوٍ يفند هذه الدعاوى أم العكس؟
كانت باكورة أعمال المجلس البلدي الحمساوي في قلقيلية منع حفل فني وطني. وفي مطلع شباط 2007 اتخذ الدكتور ناصر الدين الشاعر، وزير التربية والتعليم، آنذاك، والذي يبدو في العلن من حمائم حماس واكثرهم انفتاحاً، وربما اكثرهم ثقافة، قراراً بإعدام كتاب "خبرني يا طير"(2) ، وهو من التراث الفلسطيني الشعبي، للكاتبين الفلسطينيين الدكتور شريف كناعنه والدكتور ابراهيم مهوي، مما استفز الرأي العام الفلسطيني، الذي رأى في هذه الخطوة شبهاً بممارسات محاكم التفتيش وسلطة طالبان، ولم يتراجع الدكتور الشاعر عن هذه الخطوة الا أمام حملة شعبية واسعة. وقبل الانقلاب في القطاع بأيام، أي يوم 2/6/2007(3)، تظاهرت المذيعات في وسائل الاعلام الفلسطينية في القطاع، احتجاجاً على الضغوط التي راحت تمارسها ضدهن القوة التنفيذية الحمساوية وميليشيات تابعة لها، لارغامهن على ارتداء الحجاب وتهديدهن بقطع الاعناق! وعقب الانقلاب وتفرد حماس في السيطرة على القطاع، قررت حماس اعفاء أي سجين في القطاع من مدة عام كامل من عقوبته، اذا حفظ القرآن داخل السجن. واللجوء الى هكذا رشوة بدل الاقناع، انما هو اجراء اداري واضح، فحفظ القرآن للمؤمن لا يحتاج الى مكافأة، تضطر البعض الى الرياء والتدجيل. لقد اجاب احد المساجين الذي انخرط في هذه الصفقة قائلاً: اريد الخروج بأسرع ما يمكن من السجن لعائلتي واطفالي الخمسة ! كما قامت القوة التنفيذية الحمساوية بتشكيل لجنة قانونية وشرعية للبت في القضايا التي تدخل في اختصاصات النيابة العامة والقضاء النظامي.(1) وعلى طريق اقامة "الامارة" الحمساوية، راح الانقلابيون يغيرون ايضاً اسماء الأماكن العامة. فمنتجع "زهرة المدائن" ، على شاطيء غزة ، اصبح منتجع "الاقصى"(2) ويبدو أن عبارة "زهرة المدائن" فيها ما يخدش الحياء ويجرح الحشمة! لقد قام المحتلون الاسرائيليون من قبلهم بتغيير اسماء المدن والقرى والأماكن الفلسطينية ، ليمحوا من الذاكرة أصولها وما ترمز اليه من احداث او مناسبات او معانٍ خاصة. وفي اتجاه منع الرأي الآخر، قامت حماس منذ استيلائها على السلطة، اواسط حزيران 2007، بسلسلة متتابعة من الاعتداءات على مكاتب وسائل الاعلام المختلفة في القطاع. وقد جاء في بيان الاستنكار على هذه الأعمال المتكررة، من نقابة الصحافيين ما يلي: أن "عدد وسائل الاعلام المختلفة التي تعرضت للسطو والمصادرة والنهب والاغلاق (منذ سيطرة حماس على غزة) ، وصل الى اكثر من 18 مؤسسة"(3) .
وجدير بالتنويه ، أن آخر اعمال الشقاوة الارهابية لحرية الرأي هذه، كانت ضد صحيفة الاستقلال المقربة من حركة الجهاد الاسلامي. وهذا النهج يذكر بنهج الأنظمة الفاشية لدى صعودها الى السلطة في العشرينات والثلاثينات في ايطاليا والمانيا واسبانيا.واخيراً ، وليس آخراً، سخرت حماس المساجد ودور العبادة للدعاية لها بل ولتخزين السلاح!(4) ومهاجمة خصومها في الساحة الفلسطينية ، وفي الوقت ذاته، منعت بالقوة من لا يرضى عن هذا الاجراء التعسفي من اقامة صلاة الجمعة خارج المساجد! هذا، عدا تشكيل المنظمات الأصولية التي تحدد للناس سلوكهم العام، كلجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!
اما حول تسخير المساجد للدعاية السياسية الفئوية لحماس، فقد جاء في خطبة اسماعيل هنية يوم السبت 20/1/2007، بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية قوله :"أن الحكومة حريصة في الوقت الراهن على بناء رسالة المسجد .. لا كيان سياسي ولا دولة يكتب لها الديمومة والبقاء اذا تخلت عن رسالة المسجد كأحد معالم الحضارة للأمة .. نحن كحكومة وكمشروع اسلامي في فلسطين .. نحترم رسالة المسجد، ولا يمكن أن نتخلى عن رسالة المسجد، او نخرج عن المنابر والمحاريب .. انه لشرف عظيم أن خطابنا السياسي من المسجد.. أن المسجد كل شيء، تصنع فيه السياسة والثقافة، ويخرج منه المجاهدون لميادين المقاومة "(5).
وكأني بأقوال هنية هذه، رجع الصدى لما كان يردده مؤسس حركة الأخوان المسلمين الاستاذ حسن البنا قائلاً" .. "وهؤلاء الذين يظنون أن تعاليم الاسلام انما تتناول الناحية العبادية أو الروحية، دون غيرها من النواحي، مخطئون في الظن، فالاسلام عبادة وقيادة ودين ودولة وروحانية وعمل، وصلاة وجهاد، ومصحف وسيف، لا ينفك واحد من هذين عن الآخر"(1).
هذه مجرد نماذج من الاجراءات على طريق تشكيل المجتمع الاسلامي، بالمفهوم الحمساوي، توطئة لإقامة الامارة الاسلامية. اما الاجراءات المعادية للديمقراطية والارهابية التي راحت تمارسها حماس، وبشكل متصاعد، منذ انقلابها العسكري في قطاع غزة، على طريق فرض النظام الشمولي – الذي لا يمكن تصور سلطة الاسلام السياسي خارجه - كإغلاق النوادي ومقار النقابات ، ومنع توزيع الصحف احياناً، والاعتقالات الادارية، وتفريق المظاهرات بالقوة، واطلاق النار على المتظاهرين احياناً، وغيرها من الممارسات المعادية للقانون، فقد غدت ممارسات يومية متصاعدة في القطاع.
فهل الدكتور ابو مرزوق لم يسمع ولا يسمع بهذه الممارسات الارهابية على طريق تدشين "الامارة الاسلامية" الحمساوية، ام انه يتجاهل كل ذلك تجاهل العارف ، في اطار توزيع الأدوار؟! وطبعاً، فمعارضة هذه الاجراءات، غير القانونية التي تمارسها حماس وشجبها، لا يعني تبرير لجوء الطرف الآخر اليها او الى مثلها.
هذا ، واذا قُدّر لسلطة حماس أن تستمر وتترسخ ، في قطاع غزة، فإنها كسلطة اصولية شمولية تنكر الرأي الآخر، حتى ولو في اطار الاسلام السياسي نفسه، كحركة الجهاد الاسلامي. وتعتبر تفسيرها للاسلام هو التفسير الوحيد الصحيح، سترى بالمنطق والضرورة في أي رأي آخر خروجاً على الاسلام، يستوجب اقامة الحد عليه، بما في ذلك التصفية الجسدية، كما رأينا وما نزال نرى في جرائم الاسلام السياسي في الجزائر والعراق وافغانستان وأماكن أخرى، حيث لا يتورعون احياناً عن قطع اعناق الاطفال والنساء. أما ظاهرة الحزبية والأحزاب الأخرى ، فيكفي أن نذكر بموقف حركة الاخوان المسلمين – التي تنتمي اليها حماس – من هذه القضية المحورية.
في هذا الصدد، ينقل الدكتور رفعت السعيد، في مقال له في صحيفة الاهرام المصرية، 27/1/2007 ، تحت عنوان :"الاخوان .. والحزب الذي يريدون"، ينقل عن مجلة "النذير" لسان حال جماعة الاخوان المسلمين، في الثامن عشر من ربيع اول 1357 هجري، ما يلي:"تقدم وفد من الأخوان المسلمين بخطاب الى جلالة مولانا الملك، يلتمس فيه العمل على اصلاح الاحزاب المصرية في هيئة واحدة ذات برنامج اصلاحي انشائي يرتكز على قواعد الاسلام وتعاليمه وحسبنا ما لقينا من بلاء الحزبية وعناء الانقسام السياسي.." ويضيف د.السعيد قائلاً : وتمضي هذه الرسائلة قائلة :"أن الحزبية السياسية التي تفشت بين الناس فرقت الكلمة، ومزقت الوحدة، وأفسدت الأعمال، وعطلت كل النواحي .."وتقول الرسالة كذلك :"أن الضرورات التي اوجدت التعددية الحزبية قد انتهت، ولم يبق منها شيء .. فلا معنى اذن لبقاء الأحزاب".
ويواصل د.السعيد: وفي رسالة المؤتمر الخامس (لجماعة الاخوان) ، يقول الاستاذ البنا "يعتقد الاخوان أن الحزبية قد افسدت على الناس كل مرافق حياتهم، وعطلت مصالحهم، وأتلفت اخلاقهم، ومزقت روابطهم، وكان لها في الناس أسوأ الأثر". ثم يطالب الاستاذ البنا بتغيير النظام البرلماني من أساسه بنظام برلماني يرفض التعددية "فالحائل دون النهضة، والمانع من تقدم الأمة، والمعول الذي يهدم كل خير فيها، ويحطم كل عنصر سليم هو شيء واحد فقط: الحزبية" ويواصل الاستاذ البنا حملته على الحزبية والتعددية قائلاً :"لا ندري ما الذي يفرض على هذا الشعب الطيب المجاهد هذه الشيع والطوائف التي تسمي نفسها احزاباً .. ولا مناص بعد الآن من أن تحل هذه الأحزاب جميعاً" (حسن البنا – رسالة التعاليم).
ثم يقول د.السعيد :وقد يحاول الاخوان التملص من هذه المواقف بادعائهم انها كانت تنصب على الحياة الحزبية في فترة ما قبل ثورة يوليو :"اما الآن فربما يكون الوضع قد تغير. لكننا نكشف عن أن الاستاذ عمر التلمساني (مرشد الجماعة خلال عهد الرئيس السادات وما بعده..) يتخذ الموقف ذاته فيقول في مذكراته أن الاحزاب ما هي الا لعبة استعمارية، كما أن الدستور فكرة استعمارية .. ويقول في صراحة غريبة :"استقر رأيي اخيراً على أن فكرة قيام دستور وانشاء احزاب اصلاً كانت فكرة استعمارية، قصد منها الوقيعة بين ابناء الوطن الواحد". (عمر التلمساني – شاهداً على العصر – تحرير ابراهيم قاعود – ص26).
وهنا نذكر بأن حماس سجلت في المادة الثانية من ميثاقها :"حركة المقاومة الاسلامية جناح من اجنحة الاخوان المسلمين بفلسطين ..".
برغم الجهود لتمويه أهدافهم الحقيقية، فان برنامج الحزب الذي أعلنته جماعة الأخوان المسلمين في مصر مؤخرا نص على تشكيل هيئة من كبار العلماء المسلمين، يجب على السلطة التشريعية استشارتها فيما تصدره من قوانين، الأمر الذي يكرّس فكرة الدولة الدينية. عدا ذلك، جاء في هذا البرنامج موقف تمييزي من الاقباط، ومن المرأة.
أما الفتاوي السياسية، فقد صدر منها، أخيرا، فتوى عن السعودية، وأخرى عن مصر. الأولى، صدرت عن مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، في الأول من تشرين أول 2007، يحرّم بموجبها توجه الشباب السعودي للجهاد ضد الاحتلال الاميركي في العراق، قائلا: "ان الشباب السعودي بات اداة في أيدي أجهزة خارجية تعبث باسم الجهاد ويحققون بها أهدافهم المشينة". (1)
وكان الشيخ نفسه، ممن افتوا بالجهاد في افغانستان ضد القوات السوفياتية. كما كان في طليعة المتحمسين في الدعوة لتطوع الشباب وارسالهم الى افغانستان آنذاك.
أما الفتوى الأخرى، فكانت من شيخ الأزهر، وتدعو لمعاقبة الصحافيين بالجلد ثمانين جلدة ! اذا خرجوا عن الحدود التي تقررها السلطة لهم من هامش الرأي والنقد بدعوة "اثارة الشائعات"! (2)

(1) صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، 2/10/2007.
(2) انظر صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، 3/10/2007.
وبهذا ، فإن كل ما قالته حماس عن التزامها بالديمقراطية، وحرية الرأي، والتعددية الحزبية والانتخابات، ليست الا "تذكرة" سفر في اتجاه واحد، حتى تمسك بالسلطة، شأنها في ذلك شأن الاجنحة الأخرى من حركة الاخوان المسلمين المنتشرة في العديد من الدول العربية والاسلامية. وجدير بالذكر أنه صدر عن اكثر من مسؤول في حماس التصريح بأن الشرعية والولاية من الله، وليست من الناخب، والقصد من ذلك واضح، وهو انهم سيتشبثون بالحكم، شاء الناخب أم أبى!
ومع هذا فإن احداً لا يملك الحق بأن ينكر على حماس أو غيرها من التنظيمات او الاحزاب السياسية، مشروعية الدعاية والتبشير لبرامجها، بشقيها السياسي والاجتماعي، ولكن ، اولاً: دون اللجوء الى الاكراه والاجراءات البوليسية، وثانيا: في ظروف ما بعد الاحتلال. اما في ظروف الاحتلال – وهي حالة طارئة مهما امتدت – فإن مختلف البرامج الخاصة يجب تجميدها لصالح برنامج واحد وحيد، هو العمل المشترك ضد الاحتلال حتى كنسه. ذلك انه اذا اصرّ كل من له برنامج متميز، مباشرة السعي لتطبيقه، مستبقاً تصفية الاحتلال، فإن هذا كفيل بتفتيت وحدة الشعب لصالح الاحتلال. ماذا، مثلاً، لو طالب الشيوعيون، اليوم، البدء في التطبيقات الاشتراكية التي يؤمنون انها الحل الأمثل لمستقبل المجتمع الفلسطيني، ألا ينطبق على عملهم هذا ما توصل اليه الدكتور ابو مرزوق من انه فكرة "لتشجيع الفرقة"؟!
يعلّم تاريخ حركات التحرر الوطني انه حين يقع شعب تحت احتلال اجنبي، فإن طبقاته الاجتماعية المختلفة تضع خلافاتها جانباً، او تتعامل مع هذه الخلافات باعتبارها تناقضات ثانوية، بالقياس الى التناقض الاساسي مع الاحتلال الاجنبي حتى زواله، وليس العكس. وحتى لو كانت في أوج الصراع فيما بينها، على قاعدة الخلافات الاجتماعية والسياسية والايديولوجية، فإن وقوع الاحتلال الاجنبي يفترض بالضرورة تجميد هذه الخلافات لصالح توحيد الصفوف في وجه العدو المشترك – الخارجي . هذا، على سبيل المثال، ما حدث عام 1937 في الصين، حين غزت القوات
اليابانية منشوريه الصينية. وقد جاء هذا الغزو في وقتٍ كانت المعارك العسكرية على اشدها بين جيش تشان كاي تشيك، رئيس حكومة الكومنتانغ الصينية، وبين الجيش الاحمر بقيادة الشيوعيين الصينيين. حينها، توجه الشيوعيون، على الفور، الى تشان كاي تشيك وجيشه بنداء لتجميد الصراع بينهم والتوحد في مواجهة القوات اليابانية الغازية. وحين حاول تشان كاي تشيك التهرب من الاستجابة لهذا العرض، الوطني المسؤول، أجبره جنرالاته على ذلك.
لكن من الواضح أن حماس تفهم الأمر على نحوٍ معكوس تماماً. فمنذ لحظة مولدها، من رحم حركة الاخوان المسلمين، هذه الحركة التي لم تحرك ساكناً ضد الاحتلال، طيلة اكثر من عشرين عاماً، طرحت – أي حماس – نفسها ليس مكملاً للحركة الوطنية الفلسطينية واطارها المعترف به منظمة التحرير الفلسطينية، بل بديلاً لها . وكان شرط حماس، الذي جاء في ميثاقها الذي اعلنته عام 1988، للالتقاء بالحركة الوطنية أن تقبل الأخيرة وتتبنى برنامج حماس الأصولي، وذلك بالقول: "ويوم تتبنى منظمة التحرير الفلسطينية الاسلام كمنهج حياة، فنحن جنودها ...". وطبعاً، "الاسلام كمنهج حياة" حسب التفسير والمشروع الحمساوي!
واذا كانت حماس ومن ورائها حركة الاخوان المسلمين عصية، حتى الآن، على أية تحولات جدية وتطور ايجابي في فكرها الأصولي، فهل هذا ينفي امكانية وقوع مثل هذه التحولات والتطور الايجابي لدى فصائل أخرى في عالم الاسلام السياسي؟
أن من ينكر امكانية وقوع مثل هذه التحولات ، وهذا التطور، انما ينكر قوانين الحياة ذاتها. نشير هنا، كمثال وليس حصراً، الى المؤتمر الذي انعقد في عمان ما بين 27 الى 29 نيسان 2007، تحت اشراف مركز القدس، بالتعاون مع مؤسسة كونراد اديناور الألمانية . واذا كان يمكن تقسيم فصائل الاسلام السياسي المتنوعة الى مجموعتين أساسيتين: الأولى، المتشددون او الراديكاليون المحافظون، والمجموعة الأخرى: المنفتحون او المرنون، فإن هذا المؤتمر، كما تشير اوراق المشاركين فيه، اقتصر على المجموعة الثانية. ومع هذا ، يستطيع المرء أن يلحظ، ضمن هذا اللون الواحد – أن صح التعبير – مجموعة تلاوين متمايزة. لقد تطرق المؤتمرون في الاوراق التي قدموها الى مجموعة قضايا آنية وحساسة، كالموقف من الديمقراطية، والتعددية وتداول السلطة، وحقوق المرأة، وحقوق الانسان، وحقوق الأقليات، وقضايا فقهية مرتبطة بالقوامة والميراث والعلاقة بين الرجل والمرأة، وقضايا فكرية وسياسية حول العلاقة مع الغرب، واشكالية التفريق بين مفهوم الجهاد والارهاب والمقاومة.
ويلاحظ من تلخيصات المداخلات في هذا المؤتمر أن بعضهم بلغ تخوم الموقف العلماني، أي فصل الدين عن الدولة، بينما بقي بعضهم أسير الفهم الديني الأصولي العام للسلطة، رغم اتساع دائرة حركته في اطار هذا الفهم.
ولعل أبرز نموذجين في مداخلات المشاركين في هذا المؤتمر، ربما يرمزان الى هذين الموقفين ، النموذج الايراني، حيث الاسلام السياسي في السلطة، يقابله النموذج الاندونيسي المتطور. النموذج الايراني ومثله سيد محمد رضا خاتمي، شقيق محمد خاتمي، الرئيس السابق للجمهورية الايرانية، وامين عام جبهة المشاركة، ميّز في مداخلته بين تيارين اسلاميين في ايران، اطلق على الأول "الاسلام التقليدي"، واطلق على الثاني "الاسلام المعاصر" . وكأنه يعكس في رصده وتحليله للخلاف بينهما اوجه الصراع القائم اليوم بين المحافظين والاصلاحيين في ايران. فالتيار التقليدي يرى – بموجب خاتمي – أن "المراسم الدينية" – التي تعرف على انها الاحكام الشرعية – هي ثابتة وليست متغيرة ، وأن حرية تغيير الدين غير مقبولة ، وللحكومة طبيعة دينية. اما التيار المعاصر فتعامله مع النصوص الشرعية يكون وفقاً لإدراك شروط الزمان والمكان ، يؤمن بالمساواة القانونية بين المواطنين، وبعدم تدخل الحكومة في حياتهم الخاصة، فضلاً عن أن شرعية الحكومة مرتبطة بدرجة رئيسة بتأييد الناس لها سواء في مرحلة التاسيس او العمل .(1)
لكن هذا الموقف الذي يطرحه السيد خاتمي قابل للنقاش. فقد كان تياره في السلطة برئاسة شقيقه محمد خاتمي،ولم يسمع احد منهم مجرد اقتراح بـ "المساواة القانونية بين المواطنين". فمن المعروف ، مثلاً، أن حق الترشح لعضوية البرلمان ورئاسة الجمهورية محصورة فيمن تقبل بهم المؤسسة الدينية الشيعية الحاكمة. مما يعني، بالبداهة، سد الطريق على تداول السلطة، وبقاءها حصراً في يد الاسلام السياسي الحاكم في ايران، وهذه هي الشمولية في الحكم. ومع ذلك ، فهذا لا يعني انه لا توجد فوارق بين ما يسميه خاتمي "الاسلام المعاصر" و"الاسلام التقليدي"، لكنها، في المحصلة ، فوارق ضمن اطار الاسلام السياسي، المؤمن بتداخل الدين والدولة ، وليس فصلهما عن بعضهما البعض، وما دام الدين والدولة متداخلان، فهذا لن يكون الا في نظام شمولي لا يعترف بتداول السلطة.
اما النموذج الاندونيسي، فالاسلام "الراديكالي المحافظ" لا يكترث بالتجديد والاجتهاد، ويركز على الجوانب السياسية، ولديه موقف متحفظ في مسائل التعددية والمساواة بين الجنسين والحرية الدينية .. بينما على الطرف المقابل تأسست حركة من "الاسلاميين التحرريين" عام 2001، تقدم خطاباً فكرياً وسياسياً مناقضاً في كثير من الجوانب للاسلام الراديكالي المحافظ ، بل يصل الى مرحلة الاستفزاز. فرداً على مطالبة المحافظين بتطبيق الشريعة الاسلامية ، يطالب الاسلاميون التحرريون بعدم تطبيقها !
ويذهب احد كتابهم، وهو زهيري ميسواوي (خريج جامعة الأزهر) الى أن الشريعة هي منتج ثقافي، أنشئت وفق شروط تاريخية، ولا يمكن نزعها عن خلفيتها الاجتماعية والثقافية.
بينما يرى ادليل ابشار عبد الله، منسق شبكة الاسلام التحرري، أن الدعوة الى تطبيق الشريعة، هي دعوة الى الكسل الذهني، وعدم القدرة على التجديد، وعلى استنطاق النصوص القرآنية لايجاد حلول واقعية ومعاصرة للأزمات والمشكلات الحالية .
وعلى أي حال، فإن هذا كله يدور ، حتى الآن، في الاطار النظري. اما في التطبيق العملي، فليس هناك، بعد، تجربة واحدة، سلم فيها الاسلام السياسي السلطة نزولاً عند نتائج بطاقة الانتخاب. بل لعل انقلاب حماس في قطاع غزة، هي شهادة جديدة في الاتجاه الآخر.
لقد عرف تاريخنا المعاصر، بخاصة منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر وحتى الربع الأول من القرن العشرين، حركة نهضة اصلاحية في الفكر الديني الاسلامي، كان من روادها الطهطاوي ومحمد عبده وجمال الدين الأفغاني وعلي عبد الرازق وغيرهم. وقد قطعت هذه الحركة مرحلة في عملية الاصلاح الديني. وقد كان شعار ثورة 1919 المصرية "الدين لله والوطن للجميع"، من ثمار هذه العملية الاصلاحية. لكن هذه العملية الواعدة اجهضت مع اجهاض عملية التقدم الاقتصادي – الاجتماعي في مصر وبقية بلدان المشرق العربي، حين بسطت الامبرياليتان الانكليزية والفرنسية هيمنتهما على هذه البلدان .
وفيما يتعلق بالمؤتمر السالف الذكر، الذي جرى تحت اشراف مركز القدس، وتمويل مؤسسة كونراد اديناور – وكان المؤتمر الثاني في هذا الخصوص – فان هناك من يعتقد أن اهتمام الغرب بمثل هذه الفعاليات وتمويلها دافعه الرغبة للتفتيش عن فرص صفقات مع اجنحة او فصائل من تيار الاسلام السياسي "المعتدل" الذي يعيش مرحلة مد وازدهار في العالمين العربي والاسلامي. مأخوذ في الحسبان أن التيار الآخر في الاسلام السياسي، الذي يدعى بالمتطرف، ورمزه الصارخ أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، يقوم بمهمة غاية في الأهمية للغرب الامبريالي عموماً والامبريالية الأميركية خصوصاً. فمن الجانب الواحد، يقوم هذا التيار "المتطرف" بمحاولة تحويل الجماهير الفقيرة، في العالمين العربي والاسلامي، الناقمة على اوضاعها البائسة ، عن طريق النضال المثمر والسوي لتغيير تلك الاوضاع، الى اتجاهات الرهان على الأعمال المغامرة والمتطرفة. ومن الجانب الآخر، فإن هذه الاعمال بالذات هي ما يحتاجه الغرب الامبريالي بالزعامة الأميركية، لتبرير أمرين غاية في الأهمية:
الأول – اعمال الغزو والعدوان، التي تفاقمت بشكل صارخ بعد انهيار المعسكر الشرقي، كما رأينا في افغانستان والعراق، بدعوى محاربة الارهاب، للتمويه على الهدف الحقيقي، وهو بسط الهيمنة المطلقة على هذه المنطقة التي تضم اغنى مكامن النفط والغاز في العالم.
والثاني – تبرير الانفاق العسكري المتصاعد امام دافع الضرائب. وفيما يتعلق بالانفاق العسكري يمكن القول بأن صناعة السلاح الأميركية تحديداً، عرفت، ربما في كل تاريخها، حالتي تحدٍّ مصيري، خرجت منهما منتصرة. الحالة الأولى، مع نهاية الحرب العالمية الثانية 1945. خلال تلك الحرب عرف المجمع العسكري الاميركي ازدهاراً فاق الخيال، حيث لم يكن يزودّ الجيوش الأميركية وحسب، بل والعديد من جيوش الحلفاء، في وقت لم تتعرض فيه الولايات المتحدة نفسها لرصاصة واحدة، بينما شمل الدمار الاتحاد السوفياتي والدول الاوروبية الأخرى المصنعة للسلاح. ولما انتهت الحرب وكانت الولايات المتحدة في معسكر المنتصرين، واجهت صناعة الاسلحة فيها تحدياً مصيرياً: التحول الى الانتاج السلمي او افتعال مناخ توتر دولي، يتيح استمرار الانتاج الحربي. وهكذا كانت الحرب الباردة وما رافقها من سباق مجنون للتسلح. وتقدر اوساط اميركية أن تلك الحرب كلفت الولايات المتحدة وحدها 13 تريليون دولار، بقيمة الدولار في حينه. ومن المفارقات أن الجنرال دوايت ايزنهاور، الذي رفعه المجمع العسكري الاميركي الى سدة الرئاسة، حذر الامة الأميركية في كلمة الوداع لدى انتهاء فترة رئاسته، من مخاطر سيطرة المجمع العسكري على مقدرات الأمة الأميركية!
ثم كان التحدي المصيري الثاني، الذي واجهه المجمع العسكري الاميركي مع نهاية الحرب الباردة، والتوجه لخفض الانفاق العسكري. وكان على هذا المجمع واللوبي الاسطوري الذي تشكل له على مر العقود، بالتعاون مع المحافظين الجدد الطامحين للسيطرة على العالم كله، ومع دوائر التجسس والمخابرات، بما فيها الاسرائيلية ، أن تخلق عدواً جديداً. وهكذا، كان الارهاب الدولي، وتفجيرات الحادي عشر من ايلول 2001، التي تتزايد الابحاث والدراسات، التي تدفع نحو الاعتقاد بأن الجهات السالفة الذكر هي القوة الحقيقية وراء تلك التفجيرات ، لتبرير كل ما تلاها من اعمال الغزو والعدوان، وكذلك التصعيد في الانفاق العسكري. وبموجب الكتاب السنوي الأخير الصادر عن معهد ابحاث السلام الدولي SIPRI في ستوكهولم ، وهو معهد عريق في هذا المجال من أيام الحرب الباردة، فقد بلغ الانفاق العسكري العالمي، عام 2006، تريليون و 200 مليار دولار، نصيب الولايات المتحدة وحدها منه مبلغ 529 مليار دولار، أي قرابة نصف ما أنفقه العالم كله على التسلح ذلك العام، وذلك بزيادة 5ر3% عن السنة السابقة.
وهكذا، يقوم هذا التيار من الاسلام السياسي بمثل هذه المهمة البالغة الخطورة، سواء اقتنع المرء بأن قادة هذا التيار تفعل ذلك عن وعي وتواطؤ أو بغباء.
وحتى اليوم، حدث أكثر من مرة، حين يواجه بوش مأزقاً، نتيجة غزواته العسكرية، تحت ستار محاربة الارهاب ! أن تأتيه النجدة على شكل خطاب ناري من ابن لادن أو مساعده الظواهري. "وتتبرع" فضائية الجزيرة القطرية بتعميمه.
من جانب آخر ، هناك نوع من المنافسة على نطاق المنطقة على الأقل، بين تشكيلات الاسلام السياسي الرئيسية. فعدا تنظيم القاعدة، هناك تنظيم الاخوان المسلمين الأوسع انتشاراً، والذي يقال أن له فروعاً في 86 بلداً في العالم. وهناك تنظيم حزب التحرير الذي ثبت وجوده، عدا المنطقة العربية، في اندونيسيا وبعض الجمهوريات الشرقية للاتحاد السوفياتي السابق، أن لم يكن في اماكن اخرى كذلك .
واذا كانت نواة تنظيم القاعدة، ممثلة بابن لادن وبعض اتباعه، قد ولدت في الحرب ضد السوفيات في افغانستان، بتعاون وتحالف وثيق مع وكالة المخابرات المركزية الأميركية وانظمة الحكم في كل من السعودية وباكستان، فإن تنظيم الاخوان المسلمين ، اقدم تنظيم للاسلام السياسي المعاصر، والذي ولد عام 1928، نشأ بتشجيع من البريطانيين الذين كان لهم النفوذ في مصر. وقد اتسمت العلاقة بينهما بالتعايش والتفاهم الضمني بشكل عام، رغم أن هذه العلاقة لم تخل في فترات محددة وقصيرة من التوتر وحتى المواجهة. وطيلة وجود الاتحاد السوفياتي والمعسكر الشرقي، كانت حركة الاخوان المسلمين تناصبه العداء الشديد. بينما اختلف موقفها من المعسكر الرأسمالي الغربي. هذا ، بينما اتخذ حزب التحرير الذي نشأ في النصف الأول من خمسينات القرن الماضي، بعد فترة من ظهوره، موقفاً متساويا في البُعد عن النظامين العالميين. اما حزب الله الشيعي، فهو قوة محلية الى حد كبير، في الاطار اللبناني. ورغم طابعه الطائفي والطريقة التي بسط فيها هيمنته على الجنوب اللبناني، فقد اثبت، حتى الآن، انه قوة صلبة في معاداة الاحتلال الاسرائيلي، والنفوذ الغربي، وبخاصة الاميركي، في المنطقة.
***
وفيما يتعلق بحركة الاخوان المسلمين (التي تنتمي اليها حماس) والتي تبدو اكثر "اعتدالاً وبراغماتية" من سواها من فصائل الاسلام السياسي ، فإن بعضاً من فصائلها لا تجد غضاضة من التعايش، بل والتناغم مع بعض المخططات الأميركية في بلد عربي او آخر. مثلاً ، اياد السامرائي ، احد زعماء حركة الاخوان المسلمين في العراق يعتقد أن المقاومة العراقية تخوض معركة يائسة، وان مسألة توقفها مسألة وقت.. ونفى أي علاقة بين الحزب الاسلامي (احد اجنحة حركة الاخوان المسلمين) والمقاومة، وقال: أن محاولة الربط بينهما ليست صحيحة. وقال زميله الدكتور محسن عبد الحميد : أن المقاومة تضر بالقضية العراقية، وتطيل امد الاحتلال. ويبدو أن نقطة الخلاف الرئيسي بين هذا الحزب والمحتلين الأميركان، كانت، لدى الادلاء بهذه التصريحات اوائل العام 2004 حول توزيع المقاعد في "مجلس الحكم الانتقالي" الذي جرى حله بعد اجراء الانتخابات. اذ يقول الدكتور محسن عبد الحميد في هذا الصدد : أن الاميركان اكثر تفهماً وادراكاً للواقع العراقي من قبل ، ويدركون الان انهم اخطأوا باختيار اغلبية شيعية في المجلس (13 عضواً شيعياً من بين 25) (1)، أي أن خلافه الاساسي مع الاميركيين ليس وجود احتلالهم نفسه.
اما تنظيم الاخوان المسلمين في سوريا، فإن قيادته في الخارج تنتظم في مجموعة معارضة للنظام السوري، التي انضم اليها عبد الحليم خدام، نائب الرئيس السوري السابق، وتحتضنها المخابرات الأميركية، (جبهة الخلاص الوطني). ويستحق التذكير، هنا بما قالته مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية في ادارة كلينتون، التي اوفدها في مهمة رسمية الى مصر، نائب الرئيس الأميركي، ديك تشيني، لدراسة "حالة الديمقراطية في مصر" اوائل العام 2005، فقد جاء في التقرير الذي سجلته عن زيارتها :واشارت اولبرايت في تقريرها الى انها "سئلت عن امكانية التعاون الاميركي مع تيار الاخوان المسلمين حالياً، "فكان ردي ايجابياً وقلت: أن الاخوان براغماتيون وعلى استعداد للتعاون مع الاميركان، اذا رأوا أن مصلحتهم الحقيقية تكمن في ذلك، وان الاخوان لديهم افكار سياسية منظمة، الا انهم لن يكونوا ديمقراطيين مستقبلاً، وانهم يرون أن الفرصة الحالية امامهم ضعيفة، لأن الحكومة الحالية تسيطر على الأوضاع بشدة ودقة متناهية"(2).
***
امارة حماس
هل قيام الامارة الاسلامية ينبغي أن يسبق تصفية الاحتلال ام العكس؟
تميز الاسلام السياسي ، في الساحة الفلسطينية، بتبني المقولة الأولى ، بشكل عام: "أن مواجهة اسرائيل لا تتم الا بعد اقامة الدولة الاسلامية .. ويقول اصحاب هذا الطرح انهم يسلكون بذلك درب الرسول الذي لم يؤذن له بالقتال والجهاد الا بعد اقامة الدولة الاسلامية في المدينة، بعد فترة من التربية والاعداد العقائدي استمرت ثلاثة عشر عاماً كاملة في مكة".(3)
كان هذا هو الفكر السائد في حركة الاخوان المسلمين لدى وقوع الاحتلال الاسرائيلي عام 1967، وكذلك حزب التحرير الذي انشق مؤسسه، الشيخ تقي الدين النبهاني، عن حركة الاخوان المسلمين في النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي. لكن في اواسط سبعينيات القرن الماضي، تمرد على هذا الفهم وانسلخ عن حركة الاخوان المسلمين الجناح الذي شكل لاحقاً حركة الجهاد الاسلامي، ودخل معترك الصراع ضد الاحتلال الاسرائيلي. "وحمّلت (حركة الجهاد الاسلامي) جماعة "الاخوان المسلمين" مسؤولية ما اصاب شباب الحركة الاسلامية من تقاعس في النضال من اجل تحرير فلسطين".(1)
وقد بقيت حركة الاخوان المسلمين ملتزمة بهذا الموقف الى ما بعد اندلاع الانتفاضة الاولى بحوالي ثلاثة أشهر، حين بدا لها جلياً انها أمام خطر وجودي: اما أن تغامر باضمحلالها او تنخرط في الانتفاضة . لكنها دخلت الانتفاضة باسم حماس، كحركة منفصلة ، ترفض الاتحاد او التعاون او مجرد التنسيق مع القوى الوطنية الأخرى، المنضوية في اطار منظمة التحرير، وتقود نشاطها في الداخل "القيادة الوطنية الموحدة"، الا وفق شروطها، مما تسبب في تمزيق الشارع الفلسطيني في أوج المعركة مع الاحتلال. بينما حافظ حزب التحرير، حتى اليوم، على تمسكه بتقديم العمل لقيام الخلافة الاسلامية على أي نشاط مهما كان ضد الاحتلال.
أما بعد انقلاب حماس في قطاع غزة ، اواسط حزيران 2007 ، فيبدو انه اصبح ممكناً تقسيم مسيرة حماس (وحركة الاخوان المسلمين في الأراضي الفلسطينية المحتلة) الى المراحل المتميزة التالية:
المرحلة الأولى: والتي امتدت من وقوع الاحتلال في حزيران 1967 وحتى شباط 1988 ، وطابعها المتميز عدم الاحتكاك بالاحتلال من جهة، ومن الجهة الأخرى التشهير بالقوى اليسارية والوطنية العلمانية المنهمكة في المعركة ضد الاحتلال، ومعاداتها، وفي الوقت ذاته اعتبار المرحلة "لا تزال مرحلة اعداد وتربية الجيل الاسلامي الذي سيقود عملية تحويل المجتمع الى مجتمع اسلامي كمقدمة لاعلان الجهاد على اسرائيل"(2) والتبشير بضرورة الامارة الاسلامية ، كرافعة الخلاص !
المرحلة الثانية: دخول المعركة من شباط 1988 ، كقوة تمزيق للصف الفلسطيني، وكبرنامج وممارسة متطرفين . "واستناداً الى الافكار التي طرحتها في "ميثاقها" وبياناتها الدورية ، والى الدور المتزايد الأهمية الذي صارت تلعبه في اطار الانتفاضة الشعبية ، برزت حركة حماس باعتبارها المعبر الأبرز عن تيار "الرفض" على الساحة الفلسطينية ومركزاً لاستقطاب التعبيرات الأخرى لهذا التيار.(2)
المرحلة الثالثة: القيام بالانقلاب العسكري في قطاع غزة، في ظل تهدئة، من جانب واحد مع الاحتلال، مما يشكل نوعاً من العودة الى المرحلة الاولى، التي امتدت منذ وقوع الاحتلال وحتى الانتفاضة الأولى، والتفرغ ، في الوقت ذاته، لبناء الامارة الاسلامية ، يزكي ذلك مطالبة حماس بهدنة طويلة الأجل مع الاحتلال الاسرائيلي ، وتوجهها، في القطاع، الى تثبيت التهدئة وتعزيزها مع اسرائيل.(2)
***
الإسلام هو الحل
من المعلوم أن عنوان برنامج حماس الانتخابي، عام 2006، كان "الاسلام هو الحل" . لكن هذا الشعار يستثير السؤال التالي: أي تفسير للاسلام هو الحل؟ ذلك أن هناك عشرات الفرق الاسلامية، أن لم يكن اكثر، لكل منها تفسيرها الخاص والمتميز للاسلام، والا لكانت موحدة وليست متفرقة، حتى في ساحتنا الفلسطينية ، هناك ثلاث تنظيمات رئيسة للاسلام السياسي. فعدا حماس هناك الجهاد الاسلامي، الذي اختلف مع حركة الاخوان المسلمين منذ اواسط السبعينيات على تفسير الاسلام وموقفه من الاحتلال. وهناك حزب التحرير، الذي اقام المهرجانات ، مؤخراً في اكثر من موقع، تحت شعار "حان الوقت لإقامة حكم الخلافة"(3)، علماً بأنه – أي حزب التحرير – لم يحرك ساكناً، على مدى سني الاحتلال التي جاوزت الاربعين، فأي تفسير للاسلام هو الصحيح، أم أن الصحيح هو الأقوى؟
ينبئنا التاريخ انه حين بدا، في معركة صفين، تفوق جيش علي ابن ابي طالب على جيش معاوية ابن ابي سفيان الذي كان يقوده الداهية عمرو بن العاص، أمر الأخير جنده برفع المصاحف على أسنة الرماح، أي طلباً لتحكيم القرآن. وقد أحدثت هذه الخديعة انشقاقاً في صفوف جيش علي. أما علي الذي أدرك الخديعة، فقد قال حينها كلمته المشهورة : "القرآن حمّال أوجه" أي يمكن لأي كان أن يفسر القرآن وفقاً لمصالحه. ومنذ تلك المعارك في الصراع على السلطة، وحتى انهيار الخلافة العثمانية 1924، كان كل منتصر في الصراع على السلطة يدّعي أن حكمه يمثل الاسلام الصحيح، هكذا فعل معاوية بعد أن تخلص من علي بالغدر والخديعة، وهكذا كان حين كرس الخلافة في ذريته لتغدو من بعده تقليداً، وهكذا كان حتى حين دكّ عامله، الحجاج ابن يوسف الثقفي، الكعبة بالمنجنيق، وهكذا كان حين انتصر العباس – السفاح – على الأمويين ودشن الخلافة العباسية باحتفال النصر في سرادق فُرش بساطه فوق جماجم بني أمية الذين قتلوا لتوهم أو الذين جرى نبش قبورهم. وقد بقي الحال على هذا المنوال حتى انتصر العثمانيون الطورانيون، واعتبروا بدورهم حكمهم التجسيد الصحيح للاسلام! وحكموا عالمنا العربي، باسم الدين، أكثر من اربعة قرون، اخرجوا خلالها هذا العالم العربي من التاريخ، ليواجه – هذا العالم العربي – بعد انهيار تلك الخلافة، الغزو الامبريالي الاوروبي، ضعيفاً لا يقوى على حماية نفسه.


والدرس الأساس من التاريخ الطويل والحافل للاسلام السياسي، هو انه كان يجري اتخاذ الدين غطاءً لتحقيق طموحات ومصالح اقتصادية واجتماعية لفئات اجتماعية بعينها في المجتمع، لا اكثر ولا اقل ، وليس الاسلام السياسي المعاصر الا امتداداً اميناً لهذا النهج.


كيف يمكن ادارة الصراع مع الانقلابيين؟
قبل كل شيء، ينبغي اسقاط نهج العنف من الحساب في ادارة هذا الصراع، ليس بسبب ما يمكن أن يجره على الشعب الفلسطيني من ويلات اضافية فقط، بل لأن اللجوء الى العنف في معالجة معضلة الانقلابيين سيفتح جرحا اضافيا داميا في جسم شعبنا المثخن ، من المستبعد حسمه بسرعة الانقلاب الذي نفذوه في قطاع غزة، وفي حال كهذا ينبغي توقع دخول المحتلين الاسرائيليين على الخط – كما يقال – بأشكال وأساليب مختلفة. مأخوذ في الحسبان أن طموح هؤلاء المحتلين الأول هو اشعال الاحتراب الفلسطيني – الفلسطيني، واطالة مداه، اذا اندلع أطول فترة ممكنة، حتى انهاك الاطراف المتنازعة، بحيث تتهيأ الأرضية لفرض شروطهم السياسية على الأطراف الفلسطينية الممزقة والمنهكة. بمعنى آخر: سيسلك المحتلون الاسرائيليون في مجال التدخل في مثل صراع كهذا نهج الاميركيين نفسه خلال الحرب العراقية – الايرانية، 1980- 1988، حيث سعوا للحفاظ على نوع من التوازن، في ميدان القتال، بين الطرفين ليواصلا استنزاف بعضهما بعضاً. ومعروفة في هذا الصدد صفقة الأسلحة لايران، والتي عرفت باسم "ايران غيت"، وزيارة رامسفيلد، الذي كان حينها مستشار الأمن القومي الاميركي لبغداد عام 1983، وتزويده نظام صدام حسين بالاسلحة الكيماوية.
بمعنى آخر ، هناك فقط العلاج السياسي لحل هذا الصراع. وهذا يتطلب ادارة هذا الصراع بمستوى رفيع من المسؤولية الوطنية، مأخوذ في الحسبان دقة المرحلة التي تمر بها القضية الوطنية الفلسطينية، والأهمية الفائقة لخلق الضمانات التي تحرم المحتل الاسرائيلي من تجيير نتائج الانقلاب الحمساوي، وفصل القطاع عن الضفة، لصالح مشاريعه المبيتة ضد القضية الفلسطينية.
بمعنى آخر: إن هذا يتطلب طرحاً متواصلاً لمقترحات حلول، تتسم بروح المسؤولية الوطنية، أولاً وأخيراً، وبمقدار ما تكون هذه المقترحات بعيدة عن الاعتبارات الفصائلية والذاتية، بمقدار ما تكسب مصداقية في الشارع الفلسطيني. مأخوذ في الحسبان أنه توجد في الجهة المواجهة لحماس قوى تدفع نحن التصعيد، وغير معنية بحل هذا الصراع بشكل متوازن مكرس قبل كل شيء لخدمة المشروع الوطني الفلسطيني، ولعل الصراع قبل الانقلاب في قطاع غزة وبعده، بلور بعض المقترحات التي تلقى دعما واسعاً في الشارع الفلسطيني ، مثل اعادة تشكيل قوى الأمن الفلسطينية على أسس مهنية، بعيدة عن الولاءات الحزبية والفئوية. كما يكتسب أهمية مماثلة السعي لانضاج قناعة واسعة مماثلة، للعودة الى الشعب، مصدر السلطات، لاستفتائه من جديد، في ضوء التطورات الخطيرة التي استجدت، عبر انتخابات للرئاسة والتشريعي، على أساس قانون جديد قائم على النسبية الكاملة، بعد مرحلة تحضير متفق عليها. ولا يقل أهمية عن ذلك، السعي الجدي، ومباشرة الخطوات العملية لاستنهاض وتجديد منظمة التحرير الفلسطينية ومختلف مؤسساتها، التي جرى دحرها الى الظل منذ تشكيل السلطة الفلسطينية 1994، تحت تأثير القناعة بتقديم العمل لتشكيل الدولة، على حساب استكمال مهام الثورة الوطنية الذي يتأكد كل يوم انه استباق للزمن مغلوط وخطر في الوقت ذاته.
إن بلورة مشروع متكامل يتضمن هذه المقترحات وسواها وطرحه، وبخاصة برنامج سياسي مسؤول وواقعي، يغطّي مرحلة التحرر من الاحتلال، وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود الرابع من حزيران 1967، كفيل باستقطاب رأي عام فلسطيني عريض، قادر على ممارسة ضغط متزايد على الانقلابيين، فإن استجابوا لمسعى الوحدة الوطنية على هذه الأسس، وهذا يبدو، حتى الآن نوعاً من المعجزة، فهو الحل المثالي، وإن واصلوا مشروعهم الخاص، يمكن عزلهم عن قاعدتهم الجماهيرية، والتي كانت بحجم 43% من المصوتين في انتخابات 2006، وهي قاعدة لا يمكن ولا يجوز تجاهلها، علما بأن استجابة قطاع غزة الواقع تحت سيطرة حماس لدعوة القوى المنضوية في أطار منظمة التحرير الى الاضراب العام في احد أيام ايلول 2007، هذه الاستجابة مثلت مؤشرا بالغ الدلالة على تاكل هذه القاعدة الجماهيرية لحماس في عقر دارها وضمورها. وفقط عبر مثل هذا البرنامج المسؤول، وعبر التعبئة الجماهيرية الواعية، يمكن خلق الشروط السياسية الملائمة لاسقاط الانقلابيين بالنضال الجماهيري، إن أصروا على مواصلة مشروعهم الأصولي الخاص. وفي اجواء الضغوط على سلطة حماس، من غير المستبعد حدوث تشققات وحتى تعارضات في داخلها، حيث يمكن أن تستجيب فئات، وعناصر منها لضغوط الجماهير، بشكل خاص، قبل سواها. من جانب آخر يمكن أن تقع مثل هذه التشققات والتعارضات داخل قيادة حماس، نتيجة صراعات على المراكز والنفوذ، بعد تفردهم بالسلطة.
وتبقى نقطة الضعف الاساسية، أمام التسوية السياسية لهذا النزاع تكمن في الاستقطاب الثنائي للساحة الفلسطينية، وغياب قوى منظمة أخرى ذات وزن بين تنظيمي فتح وحماس المأزومين، ولو بنسب متفاوتة. واذا كانت البرجوازية الفلسطينية قد باشرت تشكيل منبر سياسي لها، وهو أمر ايجابي وصحي، فإن النقص البارز يبقى في غياب اليسار الفاعل ، وبقاء مكوناته مشتتة وغير قادرة، لاعتبارات ذاتية وفئوية ضيقة، في الاساس، عاجزة حتى الآن أن تتقدم نحو شكل من وحدة العمل، ليأخذ اليسار الفلسطيني ذو التاريخ المشهود له، دورا مبادرا وطليعيا في المسيرة الوطنية الفلسطينية، ولاخراجها قبل كل شيء من عثراتها.



#نعيم_الأشهب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول شعار الدولة الديمقراطية أو الدولة ثنائية القومية
- الذكرى الخمسون لقيام الحزب الشيوعي الأردني


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - نعيم الأشهب - امارة حماس