أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زعيم النصار - تكتبني الكارثة














المزيد.....

تكتبني الكارثة


زعيم النصار

الحوار المتمدن-العدد: 2218 - 2008 / 3 / 12 - 09:50
المحور: الادب والفن
    



مرّت ستون سنة على اول قصيدة كتبها الرواد الأوائل محاولة منهم لكتابة قصيدة عربية جديدة، مرّت ستون سنة ونحن نتنابز بالاشكال الشعرية وجدلها العقيم، القصيدة العمودية، افضل من قصيدة التفعيلة، وقصيدة التفعيلة افضل من القصيدة الحرة، والقصيدة الحرة أفضل من قصيدة النثر، والنص المفتوح آخر الفتوحات.
انشغلنا كثيراً بهذه المجاري والضفاف، غافلين عن عمق مائها ونوعه، غافلين عن حياتنا التي اسدلنا عليها الظلام حتى التهمتنا واحداً واحداً، انشغلنا بكتابة القصائد الاخوانية والهجائية والمناسباتية، وبقينا نطبطب على ظهور بعضنا كذباً ومجاملات فارغة مقززة، اصبحنا شعراء اغراض تؤطرنا البلاغة القديمة، فلفـّنا ذيل وصاياها الطويل، وخوّمت اجنحتنا لثقل الغبار المتراكم عليها غبار الذاكرة بصورها الشعرية، وبيت شعرها الوحيد المقدس، والسلسلة الذهبية من توصيات النقاد الذين لم يحترفوا الطيران، توصياتهم بالرمز والاستعارة، والوضوح والغموض، والاسطورة والتأريخ، الايقاع والوزن والموسيقى والمضمون والمحسوس واللامرئي، والواضح والمجهول، سلسلة مرعبة تخطط لنا خرائط الرحلة وقوالب للنبع ومجرى للقوارب.
كتبنا المعميات والتجريدات والمفارقات ودوّنا الاوهام،غصنا في المجاهيل والابراج والطلاسم وركضنا لاهثين بين القواميس نلمـّع الصخور والوعول والايائل ومفردات غريبة ليس لها غرام أوانسجام مع حياتنا المهددة بالحروب والكوارث. مفردات لم نصغ لها طيلة وجودنا في منزل اللغة، جلونا البرق والرماد والمطر والغيوم والسرخس والدبور حتى اصبحت هذه الكلمات مقدسة، لا يمكن ان نفلت من سلطانها، وكتبت علينا ان نعبـّر بها عن لاشيء، نتكلم بها وكأننا نعيش في غابات الأمازون، ندوّن فراغاً مجملاً تجميلا ًبلا معنى، بدعوى ارتياد المجاهيل، واكتشاف الفرائد حتى اصبحنا كهاناً نرجسيين، ابطالاً، وفرسان، منفيين، ومطاردين، غرباء ومنقذين، كلّ واحد منا يدعي النبوة، لا مواضيع عندنا خارج ذواتنا المزنجرة بصدأ القمع والخوف والحقد والكراهية والنبذ والطرد، بقينا ندعي الملائكية تطوينا البروق والرموز والحدوس ولا ننطق الا بالأسرار الكبرى، ولا نتنبأ الا بالكليات، صنعنا قصائد عالية الاسوار ووضعناها في القناني لتطفو في بحر المجهول لا نعرف لمن تصل مدعين اننا نكتب الجمال على غير مثال.
نحن انبياء مزيفون، نخبيون، مناقبيون، غنوصيون كذابون، ادعاءتنا الرسولية انقلبت علينا وانكشف كل زائف بانهيار الثقافة العراقية التي انبنت على الانوار الوهمية والغيبية وطروحات الوحدة العربية، كأننا كنا نعيش في عزلة عن واقع يحكمنا موضوعياً، لقد كذب علينا الخمسينيون برؤياهم الملائكية الرومانسية للثورة والتحرر، وأوهمنا الستينيون بطبائعهم الايديولوجية والميتافيزيقية، وحدوسهم لصناعة الشعر الكياني والاشراقي، حتى وضعونا في عالم منعزل عن الكارثة والمجتمع والحياة، ثم جاء السبعينيون بملاحم بعثية انبعاثية تتبنى الرؤى القومية والاطلاقية في التصوير الشعري ودليل قولي هذا، مجلة الكلمة العدد الخامس 1974 حيث ينطلق الأغلبية منهم في كتابة قصائدهم من معطيات قومية شمولية مطلقة، اي بؤس ويأس وصلنا له، حتى انهار كل شيء فلا حياة جميلة نعيشها ولا قصيدة تشفي الغليل.
لم نجد شاعراً واحداً تنبأ بالذي صار وعرف المصير، ندفن رؤوسنا في الرمال خوفاً من النظر الى الكارثة، كلنا اندفعنا في طريق خرائطنا ورسالتها الكهنوتية التي انقضّت على حياتنا التي نسيناها تغتسل بالكارثة.
حياتنا الواقعية التي نعرفها عن قرب بتاريخها السياسي الذي سبب كل هذه المحن والكوارث، ودمر الانسان الصغير في اعماقنا، الانسان المتعب بسب العمل واللهاث وراء لقمة العيش، انساننا الذي سحقته الحروب والسجون والجوع، وباع كتبه وقمصانه، لكي يأكل رغيف خبزه بشرف، مات فينا انسان الحياة العادية، انسان الغرف الضيقة، وفوانيس العتمة، ودخان قناني النفط التي تضيء لنا زوايا بيتنا الصغير،، انسان الرصيف والمقهى، انسان الحياة بنشاطها الجاري كنهري دجلة والفرات، انسان اللغة البسيطة والأكثر حركة على افواه الناس.
ماذا فعلنا كل هذه السنوات، حتى اننا لم نعرف ان الكارثة ستحلّ، وحلـّت ولم نعرف، لم يبق عندي الآن سوى ان استنجد بقول مورس بلانشو: "سنقرأ ونكتب كما لوأننا نعيش تحت رقابة الكارثة، معرضين لسلبية خارج الشغف هي تمجيد النسيان، اترك الكارثة ان تتكلم فيك، ولو بالنسيان".
هكذا نسيت كل ما قرأته وتعلـّمته، وتركت امري للكارثة التي اغتسل بها كل يوم لتكتبني، محتضناً الكتابة، الكتابة خارج كل قوانين النبوءات الزائفة، خارج قوانين السرب والسراب، فأهلاً بها.



#زعيم_النصار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زعيم النصار - تكتبني الكارثة