أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - علي سيدو رشو - الأمن القومي الإيزيدي إلى أين؟ 1/2















المزيد.....


الأمن القومي الإيزيدي إلى أين؟ 1/2


علي سيدو رشو

الحوار المتمدن-العدد: 2220 - 2008 / 3 / 14 - 00:52
المحور: حقوق الانسان
    


مقدمة:

من وقائع التاريخ وتجارب الشعوب والمجتمعات الحية في العالم، ثبت بان البقاء على حيويتها مرتهن بالحفاظ على أمنها القومي. حيث أن لكل فرد ولكل عائلة وكذلك لكل مجتمع ومن ثم لكل شعب هنالك أمن قومي، وأن بقاؤه على حيويته، محكوم بالحفاظ عليه. ولكي يكون كلامي واضحاً ولا يفهمه البعض فيما أعني بالقومية من الناحية الفنية. فإنني أعني الأمن القومي وما هي ضروراته؟ وكيف يمكن المحافظة عليه من الانهيار؟ في الوقت الذي يهمني ما قد يقال في هذا الشأن مهما كان حكم المتحدث فيه. فالأمن القومي لأية مجموعة بشرية أو مجتمع أو شعب يحدده عاملان رئيسيان وهما؛ الموقع الجغرافي والعمق التاريخي (#) الذي يبنيه أبناؤه على تلك الرقعة الجغرافية عبر المراحل الزمنية المختلفة من حيث التنمية والبناء وما يجابههما من التحديات والحروب والأزمات، وما يرافقهما من المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والمصالح والصراع ضد خطر محقق.

وهنا، لا بأس من أن نعرج على الفكرة الاساسية التي تقودنا إلى ما نحن ذاهبون إليه. فالأمن القومي هو حصيلة تفاعل هذه العوامل والمداخلات وكيفية الحفاظ على توازنها بحيث تحقق المسار الذي يبقي عليها من التلاشي والذوبان في بعضها ومن ثم ذوبان هذا البعض في الآخر. فلا هو من صنع أشخاص، ولا هو مرتبط بوجود قيادة معينة في ظرف تاريخي معين، بقدر ما يصنعه المجتمع المؤمن ببقائه حياً على مر الزمن من خلال ما يضيف إلى تاريخه من بناء ومجد، على الرغم من أهمية دور الرواد فيه. ولا يمكن لأي شخص أن يناضل من أجل قضية لا يعلم عنها الشي الأساسي. فيمكن أن يدافع عنها بحكم الظروف التي تمليها عليه واقعه أو مصلحته الذاتية، ولكن لا يمكنه أن يناضل من أجلها، مالم يعلم بانه على يقين من أنه على حق. فهناك فرق كبير بين الدفاع عن حالة معينة مرتبطة بمصلحة مرحلية، وبين النضال من أجل قضية لحد الاستشهاد. ولكون الأمن القومي ملك مشاع لكل المعنيين ومن الواجب الدفاع عنه، بل والاستشهاد من أجله، فلا بد من أن تكون ملامحه وأهدافه واضحة للجميع لكي تترسخ فكرة النضال من أجله، ومن ثم الدفاع عن المكاسب التي تم تحقيقها وصون كرامة الذين ضحوا من أجل الحفاظ على تلك المكاسب.

لقد كتب الكثيرين على صفحات الجرائد والصحف الالكترونية وعبر الإعلام المرئي، وارسلوا رسائل مفتوحة إلى المرجعيات الاساسية، منها الدينية ومنها السياسية مستوضحين فيها خطورة التلاعب بمقدرات المجتمعات التي لها الحق مثل غيرها ليس على مبدأ الأقلية والأكثرية، وإنما على اساس الاستحقاق الوطني والانساني. كونها قد دافعت عن كرامة أوطانها كما فعلها الآخرين على طول الخط، وما أكثر تلك الرسائل في زمن النظام السابق من دون أن يعي بخطورة اللعب بمقدرات المجتمعات والشعوب. ولكن وبكل أسف نقول، راحت وتروح جميع تلك الجهود والمحاولات أدراج الرياح، ولم تأخذ أية جهة تلك الرسائل على محمل الجد ولحد الآن، وكأن الزمن يعيد نفسه ولكن بشخصيات تختلف في المكانة والوجوه فقط. بل لم يعد يجدي الحديث فيه نفعاً. وسيأتي اليوم الذي يعض فيه المسئولين الحاليين أصابعهم ندماً على ما فعلوه ويفعلون بحق هذه الشرائح المغبونة في إنسانيتها، كما حصل في زمن ليس ببعيد، ويكونوا قد جنوا على انفسهم قبل غيرهم.

كذلك كتب الكثيرين حول التشاؤم والتفاؤل، وعن الغبن والتهميش ومصادرة الرأي وهضم الحقوق في وضح النهار، ولكن في هذه المرة تحت غطاء الديمقراطية، وما أثقل من أن تضيع الحقوق تحت مسميات لا تستحق أن توصف بهكذا وصف. ولو كان قد تم تجميعها، لكانت كافية لعمل مجلدات من دون أي أكتراث بما جاء به كل ذلك الكم من الأفكار والمطاليب التي تستحق كل التقدير والإعجاب. وبمراجعة بسيطة لتلك النداءات وإجراء مسح متواضع لما جاء فيها من أفكار، وما عبرت عن الغبن الذي لحق بشرائح أساسية ساهمت قبل غيرها في الحفاظ على أمن البلد؛ لم نجد ولو استجابة واحدة من المسئولين تستحق الذكر لكي نفخر بها ونعتبرها مثابة نقتدي بها. فالحقوق الاساسية هي ليست مٍنة من أحد، وكأننا نعيش من جديد في غابة وتحت اسم الديمقراطية تغتصب الحقوق وتنتهك الحرمات ويسرق المستقبل يوما بعد آخر في ظل وضع سياسي واجتماعي محتقن حد (الخياس).

وهنا أريد القول بأن العويل على تعليق كل الاسقام على النظام السابق وتناسي ما تفعله القوى السياسية الحالية لما أوصلت إليه مصير الشعب العراقي ومنها ما يتعلق بمصير ومستقبل، وبالتالي الامن القومي للأقليات ومنها الإيزيدية، لم يجدِ نفعاً وسوف لن يمر الأمر بهذه السهولة، وسيأتي اليوم الذي يندم فيه العابثين بأمن المجتمعات على فعلتهم. فالنعامة تضع رأسها في التراب ضناً منها بأن الاخرين لا يرونها، ولكنها على وهم كبير. فهم على وهم كبير فعلاً، وقد لا يعرفون بأنهم هم أنفسهم يصنعون من المقابل مطالباً عنيداً لحقوقه المسلوبة، فلا يعقل أن يبقى أكثر من نصف مليون انسان له خصوصية معينة وساهم بما مطلوب منه أن يبقى بدون رأي أو عايش على هامش الحياة، أو لا يقبل به سرباً ليطير معه.

التداعي النفسي:

فمن اللافت، أن الوضع وصل بالمجتمع الإيزيدي وكأنه قد فقد الأمل في أن يكون له صوت أو أن يصنع لنفسه تاريخ يليق بما قدمه من تضحيات عبر التاريخ. حيث قدم ما يعجز عنه اللسان في الوصف، ولكن بكل بساطة يقول؛ بأننا ليس لنا حول ولا قوة. في الوقت الذي يمتلك من الامكانيات العظيمة التي قلما يرتقيها مجتمع فيما لو تم التعامل معها بما يجعله يشعر بأنه عليه أن يناضل من أجل قضيته وهو حماية أمنه القومي من التدهور والتلاشي. إذن ماذا حصل لكي يصل به الحال إلى هذا الوضع؟ ومن الذي يقف وراء كل هذا التداعي في الوضع الإيزيدي؟

أرى بأن التاريخ سيصب لعنته على الجميع بدون استثناء (مع الاعتذار لهذا اللفظ تجاه مقام رجال الدين)، بدءً بالأمير والمجلس الروحاني وشيوخ العشائر والمثقفين والمرأة ومنظمات المجتمع المدني والفلاحين والرعاة، لما أوصلوا الحال بالمجتمع إلى الوضع الذي بدءنا فيه نصف أنفسنا بالخضوع والخنوع والاستسلام للقدر. وهي المرحلة التي تصل بالمجتمعات إلى نقطة اللاعودة إلى الحياة عندما تفقد الأمل في قياداتها ومثقفيها وهم يعملون ليل نهار لمن هم في الخندق المخالف لنهضتها. في حين توفرت فرص عظيمة كان من الممكن استثمارها لبناء الشخصية الإيزيدية المستقلة ومن ثم التعامل مع الآخرين من خلال تلك الشخصية. ولكن القدر الأكبر من تلك اللعنة سيلاحق مثقفينا وسياسيينا في المهجر لأنه كان بامكانهم تأسيس قاعدة إنطلاق والانخراط فيما كانت تسمى بالمعارضة. بينما لم يكن بمقدور من هم موجودون على أرض الوطن من القيام باي عمل يمكنه أن يكون اساس لما يبني عليه، ولكن على راي المثل الامريكي Never say late to start.

جغرافية الإيزيديين وعلاقات الجيرة:

بما أننا نتكلم عن الأمن القومي، وأن الجغرافيا هي أحدى أهم أركان هذا الأمن، كما سبق. فإنه من الطبيعي أن يكون لنا كلام مع مَن هم مِن حولنا ولنا معهم مشتركات وعلاقات جيرة على مختلف الأصعدة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية وما تم بناؤه منذ فترة ليست بالقليلة. وهنا أعني القبائل العربية التي لنا معها شراكة في الارض والعلاقات الاجتماعية الممتدة عبر مئات السنين، رغم ما تضمنتها من خلافات ومناوشات على حدود الأراضي الزراعية أو بعض الغزوات البسيطة من هذا الطرف أو ذاك، وما خلقتها الدولة من شروخ فيما بيننا في فترة زمنية معينة. ولكن مع كل ذلك ظلت العلاقات الاجتماعية محافظة على الاحترام المتبادل والزيارات وتبادل الرأي فيما يخص الأمن الاجتماعي لكلا الطرفين، وتوجت كل تلك الجهود في الفترة الأخيرة بإعلان الاتفاق على طي صفحة الماضي والبدء من جديد، لكون الجميع بحاجة لبعضها البعض بسبب التخالط الذي فرضه الواقع بعد معاناة الحروب والازمات التي مروا بها جميعاً، وخاصة بعد انتهاء الحرب العراقية-الايرانية ومشاركة جميع فئات الشعب بما فيها الاقليات بتلك الحرب بدون تمييز في الدفاع عن أمن الوطن. ومن الممكن جدا أن يؤيد الإيزيديين السياسية الكردية في المنطقة، وفي نفس الوقت المحافظة على علاقات الجيرة مع العشائر العربية بحكم المواطنة والشراكة في الحدود الجغرافية. ولا يبرر تأييد الإيزيديين للسياسة الكردية بالمطلق أن يصل الأمر لحد العداوة والقطيعة مع الجيران بسبب ما حدث، لأن الذي حصل لا يعني بالضرورة بأن العشائر العربية موافقون عليه؛ بدليل الاستهجان والاستنكار من أعلى المرجعيات العشائرية والدينية والسياسية. أي أنه يجب الإبقاء على العلاقات الاستراتيجية التي يتأثر بها الامن القومي الإيزيدي على المدى البعيد مهما حصل من أطراف تريد لتلك العلاقات أن تتدهور. وحتى في حالة انضمام المناطق الإيزيدية إلى كردستان، بل حتى لو حصل انفصال كردستان عن العراق؛ من الضروري الحفاظ على علاقات الجيرة من ان تمر بشكل سلمي لأننا مقبلون على بناء دولة حضارية مؤسساتية، مستقرة وآمنة (على ذمة الاحزاب السياسية الغير متفقة على أي مستوى).

نبذة عن الماضي:

في سبعينات القرن الماضي وبالتحديد في فترة بيان آذار للحكم الذاتي، هتف الإيزيديون بكل شجاعة، والتأييد ببراءة للحركة الكردية. وبناءً على ذلك جاء رد فعل الدولة سريعاً بتجميع الإيزيديين في مجمعات قسرية للسيطرة عليهم من هكذا حسابات، وأستباحت الاراضي الزراعية التي تعد من عماد الحياة والاستقرار الإيزيدي، في بعض المناطق وخاصة في قضاء الشيخان، إلى قبائل عربية. ودفع الإيزيديون ما هو معروف للجميع من مآسي في ظروف قاسية وكان الشتاء على الأبواب ولم تنفع كل النداءات بالتوقف عن ذلك. وفي مقابلتنا مع السيد جلال الطالباني في 20/نيسان/2004، ذكرّناه بما جرى وأثنى على تحمّلهم لتلك المأساة (ولكن ....مع الأسف لم يفِ بكلمة مما تعهد لنا به). وقد يقول قائل، ما هذا التناقض في الكلام يا سيد علي، فتارة تقول بأننا يجب أن نحافظ على علاقاتنا ومن ثم تعود وتقول بأنه تم الاستيلاء على الاراضي الزراعية للإيزيديين. نعم هذا صحيح، ولكن سياسية الدولة كانت وراء ذلك، وهي حصلت في كركوك والموصل وبغداد والرمادي والبصرة، ولكنها تحصل الآن أيضاً وتحت غطاء شرعي بحجة أن النظام السابق كان يفعلها. وبما أنها كانت مستهجنة آنذاك؛ فمن الأولى أن لا تحصل الآن، إلا بعد التأكد من صحة الأمر ومن السجلات المدنية فقط. وبالمناسبة فإن أراضي عشيرة القيران في سنجار التي منحت لعشيرة الصديد كانت في زمن عبد السلام عارف، أي أن سياسة الدولة كانت ضد استقرار الإيزيديين منذ زمن بعيد.

فعندما تقرأ تاريخ المجتمع الإيزيدي، تراه مجتمع منشغل في مهنة الزراعة منذ أن خلق، بالإضافة إلى كونه أمينا على طول الخط في الدفاع عن تربة وطنه بكل إخلاص واينما تطلب الامر ذلك. وهو بذلك يستحق من الدولة أن تبني له المشاريع الزراعية وبعض المنشآت التي توفر له الحياة الكريمة والاستقرار الاجتماعي لكي ينخرط في التعليم ودوائر الدولة ويبني حياته المدنية المستقرة بأمان. ولكن بدلاً من ذلك كانت برامج الدولة تصب في جعل هذه الشريحة الاجتماعية تغرق في مشاكل عدم الاستقرار بحيث يهاجر في السنة مرتين وهو بذلك لم يرَ ولم يذق طعم الاستقرار في حياته مما انعكس سلباً على التعليم بشكل أساسي، ناهيك عن التلويح بالتهديد باستبعاده عن المنطقة الاصلية التي بنى عليها بعض من تاريخه. فنجد بأنه ليس للإيزيدي تاريخاً مكتوباً بسبب ذلك الوضع الشاذ الذي خلقته الحكومات المتعاقبة بحيث يكون دوماً على الرحيل بناءً على نزوة موظف قد لا يمت إلى الضمير الانساني بصلة. ولقد حصل هذا الأمر في كافة مناطق الإيزيدية بدون استثناء (بما فيها الدول المجاورة للعراق ايضا)، ولم يكن هذا فقط في زمن النظام السابق، وإنما على مر التاريخ العراقي الحديث ولا زال لحد الآن ولكن بشكل (أكثر حضاري) وأدق خطورة وأكثر (شفافية)، على مستقبل المجتمع الإيزيدي.

ولكي نعود إلى اساس موضوعنا، وهو الأمن القومي الإيزيدي عبر التاريخ، وهو بالطبع ليس محدداً بفترة زمنية معينة، لابد من ذكر ما حصل من تصرف مشين بحقنا من الطرف الآخر وما حصل في فترة الحكم العثماني للعراق، والتي تعد من أسوأ الفترات في تاريخ المجتمع الإيزيدي وأكثرها إجحافاً. ولا ننسَ بأن غالبية حملات الإبادة التي جرت على الإيزيديين كانت في تلك الفترة، ولكن يجب أن لا ننسَ أيضاً بأن قيادات ورجال الدين من الاكراد كانت لها اليد الطولى في تلك الحملات لما كانت تصدر من فتاوى دينية تلهب الحماس لدى المتطرفين وتوفر لهم الأرضية الخصبة وتفتح شهيتهم لصب جام غضبهم على هذه الفئة المغلوبة على أمرها والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى ولا حاجة لذكرها، وهكذا الفرس أيضاً.

أما ماذا حصل بعد سقوط النظام؟ وماذا يحصل الآن من انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان تحت أسم الديمقراطية؟ فالذي يحصل الآن بحق الأقليات العرقية والدينية والإيزيديين منهم بالدرجة الاساس، يعد بالإبادة الجماعية بعينها لما يحصل من طمس الهوية والخصوصية التي يجب أن تتمتع بها تلك الأقليات على ضوء البند 27 والخاص بحقوق الأقليات من الإعلان العالمي للحقوق المدنية والسياسية. فالهيمنة السياسية وإبتلاع القوي للضعيف هو هو، ولم يتغير الأمر سوى في الوجوه، وأن جميع الادارات الحالية تدير الشئون السياسية والادارية من تلك المقرات التي كان يستخدمها النظام السابق وينتهك منها الحقوق الاساسية للإنسان، وتنتهك الأعراض في هذا اليوم من نفس المقرات الأمنية في وضح النهار، بل أن المتنفذين آنذاك، هم نفسهم الآن في المقدمة. فأين الغلط من الصح؟ ولكن في كل مرحلة يأتي الظرف الدولي لصالح مجموعة من الاشخاص أو الاحزاب لتنفذ ما مطلوب بأسلوب أكثر تطوراً وتتفنن في ابتزاز الآخرين بطريقة أكثر فنية، وتستخدم مصطلح الديمقراطية كشعار للتغطية على ما تقوم به من جرائم بحق غيرها. ثم لنأتِ ونقول، مَن مِن تلك القوى أفلحت في الأخير من دون أن تدفع ثمن أخطائها غالياً؟ والجواب أن جميعهم دفعوا الثمن غالياً، وبدلا من أن يعملوا على ربط خيوط المجتمع ببعضها وتنمية شعوبهم، بدْأوا يفككونها وبالتالي يدفعون الثمن غالياً من جيوبهم. والنتيجة هي كما حصل في 9/4/2003. ويقيناً فإن الاحزاب الحالية ستدفع نفس الثمن إذا لم تعمل على تقوية أمنها القومي بالحفاظ على تماسك شعوبها بدلا من التلاعب بخصوصيتها.

فالإيزيديين اليوم منتشرون في ارجاء المعمورة، وبالرغم من ذلك فإن مشاكلهم وهمومهم ومعاناتهم واحدة ومتشابهة ولها مشتركات رغم البون الشاسع في الجغرافيا وثقافة المجتمعات والشعوب التي تعيش الإيزيدية في كنفها، كالعرب والأكراد والترك والفرس والمجتمعات الغربية على اختلاف مشاربها. تراهم يعملون في المهن التي هجرها الآخرون لما تتسم بالجهد والعنف كالزراعة والمناجم والاعمال البلدية، وليس في هذا عيباً ولا خجلاً، ولكن عليهم أن يغيرو من مستوى تفكيرهم والبحث عن اسباب الاستقرار لكي ينهلوا من الحياة نصيبهم واستحقاقاتهم. فبناء الشخصية الإيزيدية والحفاظ على خصوصيتها وحماية أمنها الاجتماعي بالتعاون مع شركاء المصير ومنعها من الاستمرار في التداعي بهذا السلوك السلبي وتأمين الامن الغذائي والصحي والتعليمي وما يتعلق بالمصالح العليا التي تحافظ على كيانه من التلاشي وخاصة هجرة الكفاءات بعد كارثة القحطانية والجزيرة في 14/8/2007، وحماية التراث الأصيل، هي من الأمور الاساسية التي يجب التأكيد عليها ولا مساومة فيها ولا عليها.

فلنرَ ماذا يحصل في سوريا مثلا: هناك أكثر من نصف عدد الإيزيديين وخاصة في منطقة عفرين مسجلين في سجلات الاحوال المدنية تحت حقل الدين بأنهم مسلمين، ولم نرَ لحد الآن جهد من القيادة الإيزيدية في المطالبة بهذا الحق المنتهك دستوريا. فهل يجب السكوت عن مثل هذه الفجوات العميقة والتي من صلب الامن القومي الإيزيدي؟ أليس حرياً بالقيادة الإيزيدية أن تحصي الخارجين عن الدين وتدرس الأسباب التي تشجع من تلك الظاهرة والتي تهز الكيان الإيزيدي في أساسه كما حصل في سنجار عام 2002؟ ألا يعني هذا التدهور في التعليم وهجرة الكفاءات بهذا الكم، كارثة على مستقبل الأمن القومي الإيزيدي؟ أما الحديث عن النواحي التكتيكية التي من شأنها المحافظة على استمرارية العلاقات مع الآخرين، فيجب ان تمتاز بالمرونه والقابلية على التغيير على ضوء ما يتطلبه الأمن القومي للحفاظ على المكتسبات الاساسية على أرض الواقع، مع ترك هامش للمراجعة والمناورة في حال حصول أمر معين يتطلب تغيير تكتيكي لموقف طاريء.

الواقع الإيزيدي:

المجتمع الإيزيدي محدد ببعض القيود الدينية والأعراف الاجتماعية، وهو ليس الوحيد في هذا الشأن. فلو نأتِ إلى حقيقة الأمر، ليس الإيزيديون هم الوحيدين المقيدين بتلك المحددات، ولكن يصبح الأمر أكثر وضوحاً في مجتمعات صغيرة مثلهم ويتم التركيز عليهم من قبل الآخرين سواء من ناحية استمالتها لتحقيق بعض المكاسب السياسية أو لتحقيق بعض الأغراض (الدينية). فمثلاً رأينا محاولات جميع الأحزاب السياسية للإستفادة من عدد أصوات الإيزيديين في الانتخابات التي جرت في العراق ليكونوا عوناً لهم، لعلمهم بأن الإيزيديين لا يشكلون ثقلا عليهم في المطالب والمكاسب السياسية، ويشكلون في الوقت نفسه عمقاً جغرافيا وسياسياً وبشريا كبيرا كما هو الحال في سرقة 110000 صوت لقائمة التحالف الكردستاني بدون مقابل. أي ان تلك الأحزاب ستستفيد منهم على ضوء ما ذكر، ولكن من غير أن يكون لهم فيه ما يجب أن يحصلوا عليه، وتكمن الخطورة في عدم فهم هذه النقطة بالذات. فلقد رأينا تهافت مختلف فئات الشعب العراقي في فترة ما بعد السقوط لإثبات ذاتها من خلال الواقع السياسي سواء بتشكيل أحزاب سياسية أو بالتعاون مع أحزاب لها شأن كبير، ولكن بشروط محددة وهو توفير الدعم والمكاسب حسب اتفاق مسبق يتناسب مع حجم مشاركتهم في برامج تلك الاحزاب. فعدم إدراك هذه الأمور الحساسة سوف تعمل على إذابتنا في المجتمعات الأكبر والانصهار في بوتقتها، كما يحصل الآن في سوريا والعراق وأوربا، وعندها ستحل الكارثة على الأمن القومي الإيزيدي.

إنني هنا لا اعني ما هو ضد الفكر الانساني الذي يختاره اي انسان كان بمحض إرادته وحريته بما فيه تغيير عقيدته. ولكن عدم وعي الانسان الإيزيدي بما يمتلك من التراث الديني ويجعله يفتش عنه وكأنه شيء مفقود ليشبع به غريزته، والجري وراء الآخرين من غير هدف، هي ذاتها المشكلة الحقيقية. رغم ان هذا لا يعني بأنه ليس للإيزيديين من تراث وموروث اجتماعي وديني بحيث يهجره بهذه السهولة، لانه لا توجد عقيدة لا يحصل فيها موت أو مرض أو إعتداء أو غبن للحقوق لكي يقول الانسان بأن العقيدة الفلانية أفضل من غيرها. فالأسماء التراثية الآن في تلاشي والأغاني الفلوكلورية التي تحمل جزء اساسي من تاريخ الإيزيدية هي الأخرى في طريقها إلى الزوال، والزي الذي كان يشير إلى خصوصيتهم أصبح شي من الماضي وما بالك من تغيير صوت ولفظ الكلمات التي بدت تقلد ما موجود منها في المناطق الكردية الأخرى بهدف المجاراة وهكذا الأمر في القضايا الأخرى التي تحافظ على كيان الشعوب كجزء من أمنها القومي والحفاظ عليها من الضياع والذوبان في الآخر.

ومن الجدير ذكره، أن هذه القضايا والتهافت عليها من قبل فئات المجتمع الأساسية كالشباب تعد من الخطورة ما يجب الانتباه إليها. أي أن عدم قناعتهم بأن ما لهم هو مثل ما للآخرين من بنوك المعلومات التي تخص التراث والعادات والتقاليد، ومن أعياد ومناسبات وعلاقات الزواج والتراثيات التي لها شأن كبير كما في المجتمعات الاخرى، تجعلهم يخلقون أعذاراً ومبررات لتحقيق غايات في انفسهم. بالإضافة إلى ذلك عدم وجود قنوات إعلامية تسلط الضوء على تلك النشاطات وإعادتها إلى الاذهان بالنسبة للأجيال القادمة التي بتقادم الزمن ستنسى ما كان عليه الاجداد من تراث ديني واجتماعي وسياسي وما يتعلق بها من تضحيات وموروث قديم. اي ربط حلقات المجتمع الحديثة بما هو قديم وتراثي، وبالتالي ستتواصل الاجيال في التعرف على ماضيها وتأخذ من نقاطه المضيئة منطلقاً لمستقبل أكثر أمناً وأكثر تواصلاً. عليه، وفي فترة ليست ببعيدة سيفقد الإيزيديون توازنهم، إذا ما استمروا على هذا النهج، وكل ما يتعلق بخصوصيتهم ويبقى لهم فقط تقليد الآخرين وإدخال ما هو جاهز على حساب الاصيل. وسنصبح،لا سامح الله، في زمن غير بعيد كسلعة تراثية يتم التعامل معها من قبل الآخرين كما تباع السلع التراثية في المزادات العلنية.

إذن، فإن فهم الأمن القومي للفرد كما هو للعائلة أو المجتمع بأكمله هو سلسلة مكونة من مجموعة حلقات مترابطة لا يمكن فصلها عن البعض، ويجب أن ندرس الظواهر المخيفة ونبحثها ونعقد لها مؤتمرات ونقترح الحلول ونخرج بنتائج. وكذلك علينا أن لا نخجل من إيزيديتنا مهما قيل بحقنا، ولا يجوز أن نكون سذج لهذا الحد بحيث نتصرف سلبيا تجاه ما قدمه الأجداد من تضحيات دفاعاً عن هذه العقيدة والحفاظ على أمنها القومي من التلاشي. فيمكن أن يكون لأي منا رأيه في موضوع معين أو تجاه شخصية معينة أو فترة زمنية بذاتها، ولكن هذا لا يعطينا الحق بأن نكون سببا في طمس حقوق الذين دفعوا حياتهم ومستقبل أطفالهم ثمناً لما حصل في وقتها. لذلك يمكن القول بأن الأمن القومي الإيزيدي الآن وإن كان مرتبطاً بجهة معينة وخاصة القوى السياسية الكردية، فلا يعني ذلك الذوبان فيه والجري وراء كل كبيرة وصغيرة من دون حسابات مستقبلية. صحيح لنا مشتركات معهم، ولكن لا يخلو الأمر من خطورة في التعامل معهم وكشف كل الاوراق مرة واحدة من دون ضمانات مستقبلية.

فمن يضمن بأنه لا تأتي حكومة تحت أسم الديمقراطية لتتبوء قيادة المجتمع وتعيد نظام الفتاوى إلى الوجود والشهود ليست ببعيدة من أعمال الشيخان في 15/2/2007، والدعوة من على جامع عمر بن الخطاب في الشيخان عام 2004 ، وهي من الحجج القوية بيد المفاوض الإيزيدي اثناء المناقشات في هذه الشئون. بل ومن يضمن بأن القيادات الكردية نفسها لا تعيد الاقتتال الداخلي بعد تصفية الأجواء لها؟ أي إنه علينا التحسب للمستقبل السياسي غير المستقر في كردستان، وما يحصل من تهور سياسي في الوقت الراهن. وهذا الأمر ليس ضد المصلحة القومية والأمن القومي الكردي بقدر ما تقويه وتحافظ عليه من التشتت، بل على الساسة الأكراد أن يحسبوا لمستقبل التعامل مع الإيزيديين وأن لا يهملوا ما قد يحصل في المستقبل، لا بل أن لا يستبعدوا اللعب بورقة الإيزيديين على ضوء ما تفرزه الاحداث. وفي نفس الوقت من الواجبات الحتمية على القيادات الإيزيدية الانتباه إلي ما يدور وقياس خطورته المستقبلية. فيتراءى لنا بأن الساسة الأكراد غير واعين لطريقة التعامل مع الواقع على الارض، أو إنهم قد حصلوا على الضوء الاخضر بأن الكون سيدور في فلك حسب ما مطلوب بالقياسات الكردية، وكان هذا عين ما يتصرف على ضوئه صدام حسين، ولكنه وقع فيما وقع فيه. قد يختلف التكتيك، ولكن على شعوب الارض وقياداتها ان تعلم بأنه ليس لامريكا صديق، كما ليس لها من عدو، وإنما يحددهما معاً المصلحة العليا التي فيها ضمان أمنها القومي.

(#): مقابلة مع محمد حسنين هيكل مع قناة الجزيرة الفضائية في 10/1/2008.

رئيس رابطة المثقفين الإيزيديين

ناشط في مجال حقوق الانسان والمجتمع المدني



#علي_سيدو_رشو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس
- خفر السواحل التونسي ينتشل 19 جثة تعود لمهاجرين حاولوا العبور ...
- العراق.. إعدام 11 مدانا بالإرهاب في -سجن الحوت-
- السعودية ترحب بالتقرير الأممي حول الاتهامات الإسرائيلية بحق ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - علي سيدو رشو - الأمن القومي الإيزيدي إلى أين؟ 1/2