أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم عزمي - إيساف .. قصة قصيرة















المزيد.....


إيساف .. قصة قصيرة


كريم عزمي

الحوار المتمدن-العدد: 2219 - 2008 / 3 / 13 - 06:42
المحور: الادب والفن
    


** 1 **

اليوم هو عيد ميلاد كريم ، لم يحتفل كريم بهذه المناسبة منذ فترة طويلة ، فدوما كان وحيداً حزيناً يحيى صراعاته النفسية بعيداً عن الأخرين . و لكن هذا العام هناك شىء مختلف في حياته حيث لم يصبح وحيداً كما كان و يشعر بالإستقرار النفسي ، حيث يغمره الإحساس بالسعادة ، حقاً بدأ يشعر انه يحيى ، أنه إنسان

قرر كريم دعوة مجموعة من الأصدقاء المقربين له و كان عددهم قليل للاحتفال بعيد ميلاده في تلك الكافتريا التى اعتاد كريم الجلوس بها وحيداً لفترات كثيرة من حياته . ربما اراد ان يجعلها شاهداً على انه لم يصبح وحيداً بعد الآن و أنه اصبح سعيداً بعدما اعتاد الجلوس بها حزيناً يفكر في حياته و صراعاته و اختلافه عن باقي البشر ، و بالفعل حضر الأصدقاء داليا و نهى و علي و مصطفى . و بدأت الصديقتان في تجهيز كعكة عيد الميلاد . اخبرهم كريم ان يضعوا شمعة واحدة فقط في الكعكة ، و رغم تسأول الأصدقاء عن سبب ذلك إلا ان كريم تهرب من السؤال و لم يعطهم تبرير واضح عن سر تلك الشمعة الوحيدة

كان كريم من النوع المتحفظ في حياته ، لم يكن يتدخل في حياة الأخرين الشخصية و لا يحب ان يتدخل احد في حياته الشخصية ، و على الرغم من ان هؤلاء الأربعة يعتبروا من الأصدقاء المقربين لكريم إلا أن احداً منهم لم يكن يعرف تفاصيل حياة كريم العاطفية . لكنهم يشعرون بتغير ملموس في حياة صديقهم كريم مؤخراً ، حيث أصبح أكثر سعادة و إقبالاً على الحياة

بعدما جهزت الصديقتان كعكة عيد الميلاد و اشعال تلك الشمعة الوحيدة بها ، بدأ الأصدقاء في غناء بعض أغاني عيد الميلاد ، و ساد جو من المرح بينهم ، و طلبوا من صديقتهم داليا ان تغني ، حيث تتمتع داليا بصوت عذب ، دائما ما كان يطرب له الأصدقاء ، بالفعل بدأت داليا في غناء تلك الأغنية التى يعشقها كريم

... وحياتي عندك .. لو كان ليا عندك خاطر
لتراجع قلبك قبل ما يجي اليوم و تسافر ...

داليا فتاة جميلة تتمتع بجمال مقبول و صوت عذب و أخلاق حميدة ، تعتبر داليا من أقرب الصديقات لكريم ، منذ تعارفها بكريم و هى تنجذب له عاطفياً و قد حاولت بالفعل أن تلمح له بذلك ، و لكن كريم لمح لها أنه يحبها كصديقة غالية عليه أو كأخت له و ليس حب عاطفي ، و على الرغم من ذلك فهي لم تستطيع ان تتخلص من تلك المشاعر التي بداخلها نحوه ، مع علمها الأكيد أن كريم لن يحبها الا كصديقة

و على الرغم من احساس داليا بأن هناك شخص أخر يحبها و يحاول دوماً ان يظهر حبه له بشتى الطرق ، الا انها لم تشعر أبدا بأي انجذاب تجاهه إنه علي __ كل كلمه يقولها تعبر عن حبه لها ، كل تصرفاته تقول انه يحبها . في البداية كان رقيق جداً معها ، دائم التفكير و الأنشغال بها و بما تحب و بما تكره و لكن دوما كانت داليا تصده و تعنفه على اهتمامه بها . لاحظ علي اهتمام داليا بكريم ، فبدأ حبه يظهر بشكل أخر . فبدلاً من الاعجاب الزائد بدأ يسخر منها و من تصرفاتها ، و يحاول ان يجعلها محور قفشاته و ضحكاته . بدأ حبه لها يخرج للناس بشكل معكوس انتقاماً منها . حتى علاقته بكريم بدأ يشعر انه يغير من كريم و بدأ يتكون داخله الاحساس بالكرهية تجاه كريم ، على الرغم من تأكده ان كريم لا يحب داليا و كثيراً عاتب نفسه على هذا و لكنه سريعاً كان يرجع سبب عدم حب داليا له هو وجود كريم في حياتهم

صفق الأصدقاء لداليا بعدما انتهت من الغناء ، و تسأل ابراهيم و هو ينظر الى الكعكة :

- ياله بقى يا جماعة مش هنطفي الشمع قصدي الشمعة ، انا جعت خلاص

ضحك الأصدقاء و طلب منه كريم الإنتظار قليلا ، حتي يصل صديقه إيساف ، فقال ابراهيم :

- طبعا يا سيدي ، لازم نستنى إيساف ما هو الأنتيم بتاعك و مش بتعمل حاجه من غيره

اضطرب كريم لهذه الكلمات ، فهو حريص ان لا يعرف أحداً من الناس طبيعة العلاقة التى تجمعه هو و إيساف ، حتى هؤلاء الأصدقاء المقربين لا يجب أن يكتشفوا تلك العلاقة التى تربط بين كريم و إيساف ، احداً منهم لن يقبله في حياته ، حينما يكتشفوا انه مثلي الجنس ، و هذا كان السبب الذي يجعله كتوماً لا يفضي للأصدقاء بأسراره العاطفية و يرفض ان يتدخل احداً في حياته ، كانت و ما زالت حياته سراً خاصاً به هو فقط

و حتى يخفي كريم تلك الأفكار التى اجتاحته و قلقه من تلك الكلمات التي ربما قيلت بدون قصد و لا تحمل أي معاني اخرى ، اخرج كريم الموبيل من جيبه كي يتصل بإيساف و يخفي ذلك الارتباك و يبعد عن مواجهة نظرات الأصدقاء في تلك اللحظة

كانت المكالمة قصيرة جدا خالية من أي كلمات حميمة ، فقط عرف كريم كم من الوقت باقي على وصول إيساف إلى الكافتريا ، خمس دقائق . و بعدما انهى تلك المكالمة نظر الي ابراهيم و قال له خمس دقائق فقط و يصل إيساف ، و انه يجب انتظاره لانه من العيب ألا ننتظره ، و مرة اخرى يطلب الأصدقاء من داليا الغناء و يبدأ صوتها الجميل في إنشاد أحلى أغنيات الحب


** 2 **

يظهر إيساف عند باب الكافتريا ، يحمل في يده لفافة صغيرة و بالطبع فهي هديته لكريم ، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يلتقي بها إيساف بأصدقاء كريم ، فقد قابلهم مرات كثيرة قبل هذا ، لم يصيروا اصدقاء مقربين و لكنهم احبوه جدا و كانت علاقته بهم طيبة.. يصل إيساف الى مكان جلوس الأصدقاء ، يسلم عليهم و يعتذر عن تأخره ثم يجلس بجوار كريم و يعطيه الهدية قائلا :

- كل سنة و انت طيب يا كيمو

يشكره كريم و يأخذ الهدية و يفتحها بفضول ، و تظهر علامات الفرحة على وجه كريم قائلا :

- شيكاغو ؟!!! و كمان نيران صديقة !!! الله بجد متشكر انا فعلا كان نفسي اقراهم جداُ ، متشكر يا إيساف

ثم يتلفت إلى إيساف و يسأله عن سبب تأخره فيجيب إيساف انه تأخر لأن امه كانت مريضة و لم يكن هناك سواه في البيت لهذا انتظر حتى وصلت اخته و تركها مع امه المريضة ، اعتذر له كريم و تمنى الشفاء العاجل لها و كذلك فعل الأصدقاء

و هنا تدخل علي و طلب من كريم ان يطفىء تلك الشمعة التى قد قاربت على الإنتهاء ، بدأ الاصدقاء في غناء اغنية عيد الميلاد ( هابي بيرث داي تو يو ) و سريعا أطفاء كريم تلك الشمعة الوحيدة في كعكة عيد ميلاده


** 3 **

انتقل كريم و إيساف الى مكان اخر في الكافتريا بعيداً عن الأصدقاء بحجة انهم سيتناولون موضوع خاص بإيساف ، بعدما اخذ قطعتين من الكعكة له و لإيساف ، و بدأ الاثنان في تناول الكعكة ، ينظر كل منهم الى الأخر ثم ضحكا سوياً ثم بدأ ايساف بالكلام :

- بتضحك ليه ؟
- مبسوط قوي و سعيد جداً
- يا رب ديماً ، بس أيه السبب ؟
- قاعد مع أحلى إنسان في العالم كله
- في العالم كله مرة واحدة ؟
- عندك شك في ذوقي و لا ايه ؟

يضحك ايساف ثم يكمل الحديث :

- على فكرة أنا فهمت ليه التورتة فيها شمعة واحدة بس
- بجد ؟ طيب ليه ؟
- لان دي أول سنة نكون فيها مع بعض
- عندك حق ، أنا حاسس إن حياتي ابتدت من يوم ما عرفتك
- طيب يا سيدي عقبال ما يبقى عندك 100 سنة و احنا سوا
- 100 سنة بس
- كفاية قوي ، دا انت طماع بشكل

يضحك الاثنان ، و يلتفت ايساف حوله و يكمل حديثه :

- كفاية بقى ، احنا قاعدين في مكان عام
- اه نسيت .. قولي انت هتيجي تبات عندي الليلادي ؟
- يا ريت ، بس مش هقدر لان ماما تعبانه و مش هقدر ابات بره البيت الليلادي
- ( بحزن ) طيب اوكي و لا يهمك
- كريم انا متهيالي لازم امشي دلوقتي
- بسرعة كده ؟
- معلش حبيبي انت عارف الظروف
- طيب ، خلي بالك من نفسك و من ماما
- انت كمان

يسلم ايساف على كريم و الأصدقاء و يغادر الكافتريا


** 4 **

يخرج إيساف من الكافتريا تاركاً كريم ، ينتابه ذلك الشعور الذي يجتاحه بعد كل لقاء مع كريم ، احساس بسعادة و فرحه و اشتياق و حزن لتركه و انه ترك جزء منه خلفه ، كم يشعر بحب كريم داخله ، يشعر انه اصبح جزء منه

لم تكن حياة إيساف تختلف كثيراً عن حياة كريم قبل لقائهما سويا ، كان إيساف وحيداً حزيناً ، يشعر بالخوف و عدم وجود أمل في الحياة . و يشعر بالظلم لانه خلق مثلي الجنس في مجتمع لا يعترف بإنسانية المثليين ، كانت تجتاحه مظاهر الغضب تجاه الدين و الناس و أوقاتاً تجاه الله الذي خلقه هكذا ، الله الذي شرع كل الأديان التي تحرم تلك المشاعر التى لم يختارها

كان عقل إيساف مشغول بحياته و كيف تغيرت بعد حبه لكريم ، نعم كم غير كريم من حياته ، اصبح اكتر استقراراً ، بدأ يحب نفسه لأن كريم يحبه ، بدأ يحب الناس جميعاً ، بدأ يري الدنيا من منظور مختلف ، بدأ يكون له هدف في الحياة . كم يتمني ان يستقل بحياته في شقة صغيرة يشاركه كريم العيش بها ، انتفض قلبه عندما تخيل انه يحيى هو و كريم في مكان واحد

كم يتمنى ان يعترف هذا المجتمع بحبه و علاقته بكريم ، و ان يصبح الزواج بينهم مشروعاً ، و لكن سريعاً يطرد تلك الأفكار عن عقله و يصيح لماذا أهتم بالناس ، الأهم انني وجدت كريم ، ينظر إيساف إلى السماء ليشكره الله و يتكلم بصوت مسموع قائلا
- الحمد لله

تذكر إيساف كيف كانت علاقته مع الله ، و كيف كان بعيداً عنه قبل كريم ، نعم تقرب منه في الماضي طالباً منه أن يغيره ، أن يصلح ذلك العيب الذي خلق به ، ان يجعله يهيم عشقاً بالنساء و ليس بالرجال ، و لكن لم يستجب الله له ، لم يحدث هذا التغير . لهذا بدأ يعاتب الله و يلومه على ما يشعر به من ألم و احساس بالغربة و الخوف و الوحدة و الأحساس بالدونية حتى امام اقذر البشر مرتكبي اقذر الجرائم ، و لكن الحال الآن تغير فهو عاد إلى الله يعبده و يتقرب له و يشكره لانه هو الخالق و لأن عبادته واجب علينا ، مرة ثانية ينطق إيساف بصوت مسموع
- الحمد لله

و يعبر إيساف الطريق و ما زال عقله مشغول بالتفكير ، ، و اذ بسيارة مسرعة تأتي من بعيد ، لم يراها ﺇيسـاف عندما قرر عبور الشارع ، و قبل ان يلحظها ﺇيسـاف ، جاءت السيارة مثل البرق صدمت ﺇيسـاف الذي ارتفع في الهواء ، و سقط على الأرض فاقدا الوعي


** 5 **

يسمع كريم و الأصدقاء صوت فرملة السيارة المرتفع خارج الكافتريا ، يجري معظم رواد الكافتريا الى شرفة الكافتريا المطلة على الشارع ، ينظر كريم فيجد إيساف ملقي على الأرض ، تظهر علامات الرعب عليه و ينقبض قلب كريم ، و تمر عليه ثواني يشعر كريم انه غير قادر على الحركة ، الا انه سريعاً يجري ناحية باب الخروج و يقفز درجات السلم و يتبعه الأصدقاء للخروج الى الشارع

يصل كريم الى ﺇيسـاف الملقى على الأرض ، كان ﺇيسـاف فاقداً الوعي و ينزف من اماكن متفرقه من جسده ، لا يعرف كريم ماذا يفعل ، يجلس بجواره على الأرض في حالة ذهول ، يمسك يد ايساف ، اراد ان يرفعه من الأرض ليضمه إلى صدره لكنه خاف الناس و تذكر كلمات ايساف له بأنه يجب ان يراعي تصرفاته امام الناس ، يشعر بالعجز التام ، لا يعرف ماذا يفعل ، فالانسان الذي احبه ملقى الآن امامه على الأرض ، يلتف الأصدقاء و الكثير من الناس حول ﺇيسـاف ، حيث يصرخ البعض و يتصل البعض بالنجدة و الاسعاف ، ، حتى يقطع هذا الزحام صوت سيارة الاسعاف

** 6 **

يقف كريم و الأصدقاء أمام حجرة العمليات حيث يوجد إيساف ، لم ينطق كريم بكلمة منذ وقوع الحادثة ، يبدو على وجعه الفزع و الخوف ، و عقله لم يتوقف عن العمل منذ وقوع الحادثة ، لا يستطيع ان يتخيل أن يحيى بدون إيساف ، كيف و لماذا هو ، إن حياته لم تبدأ إلا عندما قابل إيساف و دخل حياته ، إنه اليوم يبلغ عامأً واحداٌ كإنسان ، سوف تتوقف حياته اذا حدث مكروه لإيساف ، يحاول ان يبعد أي افكار مأثوية من عقله و يقنع نفسه أن إيساف سوف يعود مرة أخرى ، كثيرون يصدمون و تحدث لهم حوادث مشابهة ، و يعودون كما كانوا . سيعود ، سيعوده الله من أجلي و من أجل أمه المريضة

و يبدأ كريم في مناجأة الله و الدعاء سراً بأن ينجي إيساف من تلك الحادثة و أن يعود سليماً منها ، حتى يخرج طبيب من الحجرة المجاورة و خلفه شاب يبدوا عليه الخوف و الفزع محاولاً ايقاف الطبيب قائلاً :

- و النبي يا دكتور ، ابوس ايديك ( يحاول حقا ان يقبل يد الدكتور الذي يسحب يده ) اعمل اي حاجة ، خد الكلية بتاعتي المهم انها تعيش
- يا ابني مينفعش ، خلاص الحالة دي هوبلس كيس ، الكلية توقفت عن العمل و الجسم خلاص اتسمم
- حرام عليك ، حرام عليكم ، اعيش ازاي من غيرها
- يا ابنى الاعمار دي بايد ربنا ، احنا مش ف ايدينا حاجة ، روح انت اقعد جنبها و شوفها عاوزة ايه اعملهولها ، اكلها و شربها اللى نفسها فيه

ينصرف الطبيب تاركاً فارس خلفه يبكي حيث لا وجود أمل في شفاء حبيبته ، يمسح فارس دموعه قبل أن يدخل باب الحجرة التي تنام بها حبيبته
ينظر الأصدقاء لبعضهم البعض بعد هذا المشهد ، و يبدأ ابراهيم بالكلام :

- لا اله الا الله ، واحد حبيبته بتموت قدام عنيه ، ده اصعب موقف في الدنيا

ترد نهى على ابراهيم بتأثر قائلة :

- أه فعلاً ربنا يكون في عونه ، حاجة صعبة جداُ

ينظر كريم إليهم فقط ، لا يستطيع لسانه بنطق أي كلمة ، فهو الآن في نفس موقف هذا الشاب ، الفرق بينهم ان ذلك الشاب قادر ان يعبر عن حزنه و خوفه و لهفته تجاه من يحبها ، اما كريم لا يستطيع ان يظهر هذا الخوف و الحزن على من يحب ، ينظر كريم الى الأرض و يخفي حزنه داخله و يعود لمناجاة الله لينقذ إيساف


** 7 **

يدخل فارس الى الحجرة حيث ترقد شيماء فوق السرير ، يبدو عليها اﻹعياء الشديد ، يقترب منها فارس و يحاول ان يبدو طبيعيا راسماً على وجهة الابتسامة و يقول :

- على فكرة الدكتور طمني جدا عليكي و قالي ان التحاليل بتقول ان الكلية دلوقتي بقت تمام و انك هتبقى كويسة قريب قوي و انك لازم تكلي اللى نفسك فيه علشان جسمك يقوي و تخفي بسرعه ، نفسك ف ايه بقى ؟

ترد عليه شيماء و هي تتألم و يظهر الضعف في صوتها :

- انا عارفة انك بتكدب عليه ، و ان الدكتور قالك انى خلاص هموت
- انتى ليه بتقولي كده ؟ بعد الشر عليكي ، ربنا يخليكي ليه ، انتى متعرفيش انا ممكن يجرالي ايه لو حصلك حاجة ، انا مقدرش اعيش من غيرك ، احنا ما صدقنا ان اهلنا وافقوا على ارتباطنا ، ياله بقى شد حيلك علشان نتجوز
- يظهر انى ماليش نصيب انى اكون ليك ، في الأول كانوا رافضين عشان انت مكنتش لاقي شغل و لما لقيت شغل ، اديني اهو بموت
- ( بحزن شديد و يحاول فارس ان يخفي دموعه ) متقوليش كده يا شيماء ، انا مقدرش اعيش من غيرك ، يا ريت كنت أنا
- بعد الشر عليك ( يظهر عليها الأعياء اكثر ) هي ماما فين ؟
- وصلت لحد البيت بتجيب حاجة من هناك و راجعه على طول ، أنا موجود معكي أهو قولي بس انتي عاوزة أيه و أنا هعملهولك

ثم يقوم فارس بإحضار طبق به بعض التفاح و يقوم يتقطيعه إلى شرائح و يحول ان يطعم شيماء و لكن شيماء ترفض أن تتناول أي شىء


** 8 **

ما زال كريم و الأصدقاء واقفون امام باب الحجرة التي بها إيساف حيث يحاول الأطباء انقاذه ، تمر الدقائق على كريم كأنها ساعات من القلق و الخوف في انتظار اخبار عن حالة إيســاف ، يخرج طبيب من داخل الغرفة ، يسرع الأصدقاء و في مقدمتهم كريم ناحية الطبيب قائلاً :

- انتوا اللي مع الشاب بتاع الحادثة

يجب كريم سريعاً :

- ايوة يا دكتور ، هو عامل ايه دلوقتي ؟
- للأسف يا جماعة حالته سيئة جدا ، تقدروا تدخلوا تشوفوه

ينقبض قلب كريم و يظهر الرعب على وجهه و يحاول ان يداري خوفه ويلتفت الى الأصدقاء متسائلاً :

- هو فين الحمام ؟


** 9 **

ينهار كريم تماما بمجرد ان يغلق باب الحمام خلفه ، و تسيل دموعه التى حبسها امام الناس و يلتصق بجدار الحمام و يضرب بيديه و يعلو صوت بكائه الشديد ، و تبدأ صور إيســاف تظهر أمام عينيه متقطعة و سريعة ، يتذكر إيساف في أول لقاء لهم و عندما أخبره بحبه له ، يتذكر ابتسامته و ضحكته و حتى بكاءه ، يتذكر عندما كان يأخده في حضنه و ذلك الحنان الذي كان يشعر به معه ، و بدأ يسمع صوت إيساف و هو يغني له بصوته الدافىء الجميل تلك الأغنية التي عشقها بصوته :

... لو تعرفوا بنحبكم و نعزكم كده اد ايه ... لتقدروا حتى التراب اللي بنمشي لكم عليه .... الحب له احوال كتير ... و حبنا اكبر بكتير ... لانه الحب الكبير اللى ما فهش ازاي و ليه .. لو تعرفوا ....
و يزداد بكاء كريم و يستمر صوت إيســاف في اذن كريم و تستمر صورة إيســاف بالظهور امام عيني كريم ، الى ان يسمع كريم صوت طرقات على باب الحمام ، انه ابراهيم :

- كريم ياله بسرعه إيســاف عاوز يشوفك
- حاضر ثواني

يغسل كريم وجهه بالماء ليداري اثر بكائه و يخرج من الحمام .


** 10 **

يسير كريم و ابراهيم في الطرقة متجهين الى حجرة إيســاف ، و لكنهم ما ان يخطوا بجوار حجرة شيماء حتى يصدر صوت صرخة عالية لفارس ، فقد ماتت حبيبته .

- لااااااااااااااااء ، مش ممكن تموتي ، انا هعيش ازاي من غيرك ، ااااااااااااااااااااااااه

يتدخل بعض الناس لتهدئة فارس و اخراجه من الحجرة و لكنه يستمر في الصراخ و البكاء على حبيبته التي ماتت أمام عينيه

يتوقف كريم مكانه لثواني ، فقد انهارت كل قواه لا يلتفت لما يحدث خلفه حيث صراخ فارس و الناس التي تسانده ثم يكمل مسيرته الى حجرة إيســاف ، يقف امام باب الغرفة ثواني يستجمع فيها كل ما تبقى داخله من قوة و شجاعة لمواجهة الموقف


** 11 **

يدخل كريم إلى الحجرة و تفتش عيناه الحجرة سريعاً بحثاً عن أغلى الناس في حياته ، حبيبه الذي على مشارف الموت . يرقد إيساف فوق السرير محاطاً بمجموعة من الاجهزة و المحاليل و مناطق كثيرة من جسده ملفوفة بالشاش الملون باللون الأحمر . و يلتف باقي الأصدقاء حول السرير يدارون حزنهم . ينقبض كريم لهذا المنظر الذي به حبيبه ، كادت أن تفر الدموع من عيناه و لكنه تماسك و حاول أن يرسم ابتسامه باهته على شفتيه و قال :

- ايه يا عم إيســاف ، ديما كده قلقنا عليك ، ما انت زي الفل اهو .. شوية جروح خفيفة و خلاص ، و هتقوم بكرة زي الحصان ، شوف البنات كلها زعلانة علشانك ازاي ، ابسط يا عم ، معجباتك كتير

قال كريم كل تلك الكلمات بدون ان ينظر لعين ايساف ، فقد كان يتهرب من أن تلتقي عيناهم سوياً فهو يعرف انه لن يستطيع الصمود أو التمثيل أكثر من ذلك ، لكن إيســاف مد يده على شفتيي كريم . فصمت كريم عن الكلام و نزلت يد إيساف فوق يد كريم . في تلك اللحظة إنهارت تلك الشجاعة التى دخل بها كريم ، و نظر كل منهم في عين الأخر دون أي كلام و كأنهم يتكلمون بعيونهم بدلأ من ألسنتهم . لم يفهم أي من الموجودين ما الذي يدور و لكن كان هناك حوار صامت بين كريم و إيساف ، لا يسمعه سواهما . حيث قال إيساف :

- انت كويس ؟؟

بحزن شديد يجيب كريم :

- انا كويس ، المهم انت ؟
- انا بحبك

تنهال الدموع من عين كريم و يكمل الحوار الصامت بصوت باكي :

- انا بحبك اكتر
- هتوحشني يا كريم .. خلي بالك من نفسك

لا يتكلم كريم ، فقط يعلو صوت بكاءة الشديد

ينزل كريم الي يد إيســاف ليقبلها ، في تلك اللحظة يموت إيســاف ، يرفع كريم رأسه عندما يربت احد الأصدقاء على كتفيه ، ينظر كريم الى إيساف فيجده قد فارق الحياة و يعلو صوت بكاء الأصدقاء ، فينهض كريم تاركاً الحجرة ، يخلو وجهه من أي تعبير و لكن الدموع تسيل من عينيه ، يسير كريم خطوتين ثم يسقط على الأرض .



#كريم_عزمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثلية الجنسية و التدين
- التفاح الأخضر و التفاح الأحمر و المثلية الجنسية


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم عزمي - إيساف .. قصة قصيرة