أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فريد باسيل الشاني - الحداثة و ما بعد الحداثة















المزيد.....

الحداثة و ما بعد الحداثة


فريد باسيل الشاني

الحوار المتمدن-العدد: 2190 - 2008 / 2 / 13 - 10:43
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يرجع مصطلح الحداثة في اللغة العربية الى الجذر "حدث" ويقابله في اللغات الغربية الجذر Mode” " ولهذا فأن الحداثة تكون مقابل لـ “Modernity” و الحداثية لـ “ Modernism” و الحديث مقابل لـ “ Modern” أ و “Modernistic” و التحديث مقابل لـ “Modernization”

يمكن أن نضيف الى مصطلح الحداثة مرادفات او مصطلحات اخرى التي اصبح من المعتاد استعمالها في الخطاب السياسي ، والفلكلوري، و الاقتصادي ، يمكن الذكر منها على سبيل المثال:
عصر الكومبيتر، ثورة الالكترونيات، انفجار المعلومات، ثورة المعلومات، ثورة العلم والتكنولوجيا، ثورة الاتصالات، و عصر اقتصاد المعرفة. وهناك محاولات عديدة من قبل الفلاسفة و مؤرخي التكنولوجيا و علماء الاجتماع لابراز السمة الرئيسية لمجتمع الغد من خلال ايجاد مصطلحات ملا ئمة لتطور المجتمع في تلك المرحلة ، ومن اكثر هذه المصطلحات شيوعا هي: مجتمع ما بعد الصناعة Post industry ، و مجتمع ما بعد الحداثة Post modernism ، و مجتمع المعلومات Information society .


الحداثة

نشأت الحداثة في اوروبا منذ اللحظة التي تفككت فيها الثقافة الدينية و ظهرت الثقافة العلماني القائمة على الاسس العقلانية(Rationalization)، مناهضة جميع مبادىء الميثولوجيا التي قام عليها الدين، اي مع ولادة النظام الرأسمالي في اوروبا اي المجتمع الصناعي ” Industry society . و هكذا خرجت الحداثة من رحم الاقطاع وكان عنوانها الاساسي في الفكر هو ”التنوير ” و في الحكم او السلطة هو ”العلمانية” ( اي فصل الدين عن الدولة). وأذا نظرنا الى الحداثة من الناحية التأريخية، استنادا الى اطار واسع انطلاقا من التجربة الاوروبية مذ نهاية القرن الخامس عشر وحتى قرن العشرين، نجد انها تمثل كيانا عاما متكاملا ذا خصائص متميزة بوضوح. وتبرز من هذه الزاوية ثلاث خصائص:

1- الحداثة بوصفها بنية كلية.
2- الحداثة بوصفها سياقا شاملا.
3- الحداثة بوصفها وعيا نوعيا.

ويمكن القول هنا ان مفهوم الحداثة Modernity يقابل الخاصية الاولى المتعلقة بالبنية، وان مفهوم التحديث Modernization يقابل الخاصية الثانية المتعلقة بالسياق، وان المفهوم الاخير اي النزعة الحداثية Modernism يقابل الخاصية الثالثة المتعلقة بالوعي.

وهكذا فان الحداثة و النزعة الحداثية، اي بنية المجتمع الحديث و وعيه لذاته، ترتكزان على عملية التحديث، اي على جدلية التغير و التحول. فالحداثة كالتحديث اي تمرد دائم على كل ما يحجر أدوات انتاج المجتمع و علاقاته في قيود التي تعني التخلف، والتحديث كالحداثة تطلع دائم الى المستقبل الذي يعد التقدم اللانهائي. لذا من الممكن القول بانه لا حداثة بدون تحديث، فان العلاقة بينهما علاقة تلازم بالضرورة، بمعنى ان التحديث المادي لايمكن ان يتم دون ان يفضي الى حداثة فكرية.

اذن الحداثة هي الوجه الذي ينصرف الى الانشاء والابتداء على المستوى الفكر والابداع، بينما التحديث هو الوجه الذي ينصرف الى تغير أدوات الانتاج المادية في المجتمع الذي هو سياق التحول الاقتصادي والتكنولوجي كما جرى تأريخيا لاول مرة في أوروبا، اذن التحديث يمثل ظاهرة أوروبية. لذلك فقد اصبح التحديث مرادفا للانماء الاقتصادي والتطور الصناعي وانتشار نموذج التصنيع الغربي. أن فكرة التحديث الحضاري ترتبط في نظر اغلب علماء الغرب بفكرة الصياغة الغربية Westernization للمجتمعات التقليدية.

ان سيادة علاقات دولية جديدة بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة مع حصول بلدان أسيا وأفريقيا على اسقلالها السياسي، كانت دافع قوي لتداول مفهوم "التحديث" و توظيفه في العلوم الاجتماعية والعلوم الساسية .

حيث لم يكن ظهور مفهوم "التحديث" وتداوله في عقدي الخمسينيات والستينيات الا تجاوزا لمفهوم "التغريب" الذي لقي معارضة شديدة. لكن مفهوم "التحديث" و بعد بروز و وضوح مضمونه الايديولوجي، اصبح دالا على سيرورة تصنيعية احادية البعد، تتمثل في "نقل التكنولوجية" .

وقد ادى هذا النقل الى فشل البلدان التي حاولت تحقيق "التحديث" ولم يؤد الى تطويرها، و تجربة رومانيا خير دليل على ذلك عندما حاول تشاوشيسكو انشاء المصانع و القيام بطفرة نحو الدخول في مرحلة متقدمة من التطور الاقتصادي و الصناعي دون المرور في المراحل الطبيعية للتطور الاجتماعي والثقافي للمجتمع و بدون اعطاء الاهمية للحداثة والابداع على المستوى الفكري.

حيث ان عملية التحديث عملية تركب بين كل العناصر الاقتصادية و السياسية والثقافية وتتجاوز البعد "التصنيعي" كبعد وحيد في عملية التنمية. ان الاساس الفلسفي لعملية التنمية مستمد من نظرية التطور المعتمدة على التحليلات الماكرو- سوسيولوجية الكبرى لكل من اميل دوركايم و ماكس فيبر، التي تميز بين مجتمعات حديثة واخرى تقليدية. لذا فان نقل نموذج التحديث الى بلدان غير غربية ، سواء على المستوى التحليل او على مستوى التطبيق ، ارتبط بالتفكير في مسالة التنمية التي تمت مقاربتها انطلاقا من مدخل استاتيكي. يعبر سمير ايوب عن هذا المدخل الاستاتيكي في دراسة التنمية في علاقتها بالتحديث " هذا المدخل الالي الاستاتيكي لدراسة التنمية من منظور التخلف، قد عبر عن المزاج المحافظ لفترة الستينات، وهو الذي يعتبر التخلف بمنزلة موقف اجتماعي اقتصادي يفتقد العناصر و الخصائص الضرورية للموقف المتقدم، او لموقف الجتمعات المتقدمة ، تلك الخصائص التي تتمثل في التصنيع و تكوين راس المال والتكنولوجيا المتقدمة والمهارات الفنية وما الى ذلك. وقد كان طبيعيا ان ينبثق الحل المقترح لمشكلة التخلف من طريقة النظر الى المشكلة ذاتها".

ما بعد الحداثة

ان مفهوم ما بعد – الحداثة ظهر لاول مرة عند المؤرخ البريطاني توين بي (1959)، الذي جعل المفهوم ليدل على ثلاث امارات ميزت الفكر والمجتمع الغربيين بعد منتصف هذا القرن، وهي اللاعقلانية والفوضوية والتشوش. ان هذا المفهوم نقل ايظا الى مجالات عديدة اخرى منها المجال الادبي في الستينات على يد الناقد الاديب ليسلي فيلدر Leslie Fielder والناقد المصري الامريكي ايهاب حسن – وهو من ابرز المختصين في ابحاث ما بعد الحداثة و صاحب الفكرة التي تقول باستحالة التحديد ، فاكتسب المصطلح تداولا خلال السبعينات وشمل العمارة اولا، ثم اكتسح بالتدريج مجالات الرقص والمسرح والتصوير والسينما والموسيقى. لكن ذلك كله ترك السؤال حول عصر ظهور ما بعد- الحداثة واماراتها متعلقا، حيث هناك من عارض القول بمجيء عصر ما بعد- الحداثة منهم الفيلسوف والناقد الاجتماعي هابرماس حيث يعد التنظير لعصر ما بعد- الحداثة ردة فعل محافظة ويائسة ضد التنوير، و هناك من قال بتحققه على مسرح التاريخ المعاصر منهم جون فرنسوا ليوتار الذي اعتبر هذا العصر نهاية لـ "الحكايات الكبرى" ، اي موت المذاهب الكبرى التي حاولت تفسير الواقع تفسيرا شموليا. فهذا عالم الاقتصاد هيرمان كاهن Herman Kahn الذي يصف عصر ما بعد- الحداثة بانه عصر " مجتمع ما بعد- الاقتصاد"، وهذا عالم الاجتماع الامريكي دانييل بل Daniel Bell يصفه بانه العصر " ما بعد- الصناعي"، وهذا الناقد الفني أميتاي اتزيوني Amitai Etzioni يصفه بعصر "ما بعد- الحديث" و هناك من اوصفه بعصر " ما بعد عهد- التكنولوجيا والالكترونيك" و تعددت الاوصاف.

فحقبة "الراسمالية المتاخرة"، أو ما بعد الحداثة، تاتي متوافقة مع المجتمع المعلوماتي والتي يمكن ان نطلق عليها الحقبة المدفوعية بالمعلوماتية Informationalization اي المدفوعة بالتقانة العليا و بالبنى الثقافية الهجينة (المتحركة) والعمل اللامادي Lobor Immaterial الذي ينتج خدمات والذي يتعامل مع الرموز (الاوامر بواسطة اللغة كما في استعمال الحاسبات) و الترقيم Digitization الذي يولد اوهاما واقعية Virtualities .

ومع ان حقبة المعلوماتية شملت العالم كله من دون تمييز، فان هناك اعادة للنظر في النماذج التنموية المعتادة تحت ضغوط العولمة: فهناك المعلوماتية المتطرفة كما في حالة الولايات التحدة، وهناك المعلوماتية التي تعمل بالتنسيق مع قطاع الصناعة كما في حالة اليابان والمانيا. وهناك ايضا المعلوماتية التي تختلط بالاقتصاد الصناعي وقطاع واسع في الزراعة غير المصنعة في دول العالم الثالث. فالمعلوماتية تخترق تدريجيا جميع قطاعات العمل والعملية الانتاجية، لتصبح القطاع المهيمن في الاقتصاد وفي الحياة الاجتماعية اليومية.

اذا كانت الحداثة تعرف بصفتها تطبيقا عقلانيا للعلم على الطبيعة ، فان ما- بعد الحداثة تعتبر نتيجة من النتائج الثقافية للتكنولوجيا الثقافية الجديدة و دانيال بل هو ابرز من يذهب في هذا الاتجاه. ولهذا فان الحداثة و ما- بعد الحداثة يمثلان فترتيين زمنيتيين او ظرفين اجتماعيين و سياسيين و ثقافيين ومن علائمهما الاساسية هو الايمان بالعلم وبالتخطيط وبالتقدم وبالعلمانية.

Sweden – Gothenburg 2003-01-12



#فريد_باسيل_الشاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صدام الحضارات
- المجتمع المدني


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فريد باسيل الشاني - الحداثة و ما بعد الحداثة