أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيوليت داغر - غربان تنعق في سماء لبنان















المزيد.....

غربان تنعق في سماء لبنان


فيوليت داغر

الحوار المتمدن-العدد: 2190 - 2008 / 2 / 13 - 10:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما زالت ارتال الغربان تتجه إلى لبنان وما زال هذا البلد ينزف دماءه، حيث ما أن تبدأ جراحه بالالتئام حتى يكتوي بأخرى. الأزمة الأخيرة التي أطلت عليه منذ 14 شهراً، ضمن وضع امتد على مدى سنوات، تعلقت هذه المرة باختيار رئيس جديد للجمهورية. وكانت آخر فصولها في الأيام الأخيرة حلقة جديدة من مسلسل الاغتيالات والأزمات. ذلك مع مقتل النقيب في الأمن الداخلي وسام عيد وخمسة مواطنين لبنانيين. أتت في أعقاب مصرع مدير العمليات في قيادة الجيش العميد فرنسوا الحاج وسائقه في تفجير يعد الثامن في قائمة الاغتيالات التي عصفت بلبنان منذ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في 14 /2/ 2005 وطالت قبلاً القوى السياسية. تبع ذلك اطلاق نار قبل يومين على شبان وقتل 8 منهم وجرح 50، بعدما نزلوا للشوارع للاحتجاج على قطع التيار الكهربائي المتكرر في ضاحية بيروت الجنوبية وبعض الأحياء.
حالة الاحتقان والتوتر والخوف من الفراغ والمجهول التي تنسحب على عموم الشارع اللبناني، ازداد منسوبها مع عملية التأجيل والتسويف في الانتخابات الموعودة لرئيس الجمهورية العتيد. المستهدفون باتوا كثر والرسائل عديدة، رغم التنديدات وتصريحات الإدانة التي تخرج من الطرفين. فالمؤسسات العسكرية والأمنية التي كانت الركن الذي يستند اليه الشعب اللبناني للاطمئنان للخروج من المأزق المرحلي باتت بدورها المستهدف الأساسي اليوم في عملية "تأبيد" الفراغ في منصب الرئاسة منذ رحيل إميل لحود في شهر تشرين الثاني المنصرم. الأمر الذي يفقد تدريجياً بصيص الأمل الذي كان متبقياً في عتمة الواقع المظلم.
كالعادة، هذه التفجيرات والاغتيالات والانقسامات يتبعها اتهامات متبادلة في تحميل المسؤوليات تستند لفرضيات وانتماءات وولاءات عند كلا الطرفين ممن باتوا يسمون بقوى 8 و11 آذار. وحيث كان اللبنانيون يطالبون في كل مرة بكشف الجناة، خاصة وأنه في بعض هذه الاغتيالات وجهت اتهامات وصدرت تصريحات تؤشر لمعرفة الفاعلين، لم يسمعوا جواباً شافياً لما يؤرقهم. ليس فحسب لم توضع اليد على القتلة ولم يقدم للمحاكمة أي شخص، بل لم يعلن عن اسم أحد منهم. لكن كما في كل مرة تصدح الأصوات النشاز لتتهم أطرافاً بعينها دون تجرد أو موضوعية أو دليل ملموس. يقودها في ذلك تحليلات ومواقف مسبقة بمعزل عن الحدث والهدف والمستهدف والملابسات.
من المؤكد أن الوضع الاقليمي والدولي هو اللاعب الأساسي، وليس الفرقاء في الداخل الذين يتوافقون او يختلفون. المؤسف في الأمر أن الاصطفاف السياسي أصاب المواقف والسلوكات بتصلب حاد أعمى الأبصار وأفقد الكثير من التوازن لمن ائتمنوا على مصير البلد. وكأنه بات لزاماً على كل امرء أن يكون ضد طرف بعينه وعلى طول الخط وإلا فهو معه. هذه الآفة ليست حكراً على لبنان، بل تنسحب على بلدان مجاورة التي عصفت بها الأزمات وأصيبت بحالات تشنج وانشقاق واحتراب.
في لبنان تحولت الخلافات لأزمات، والأزمات تفجرت صدامات، والبلد على شفير الهاوية بين قراءات متصارعة واتهامات متبادلة. ففي حين تتهم المعارضة الموالاة بأنها أداة تنفيذ المشروع الأمريكي بالمنطقة، تتهم قوى 14 آذار الآخرين بأنهم يعملون لصالح المحور السوري-الإيراني. وفي حين تمنح أطراف لبنانية أطرافا خارجية الحق بحمايتها تنكرها على أخرى. ذلك استناداً لقراءتها الايديولوجية ومواقفها السياسية أو حتى المصلحية، بما يجانب أحياناً كثيرة المنطق ويجافي الحقيقة. فقد تبعثرت الصفوف في مواجهة المصير الوطني بعدما حلّت العصبيات البدائية والانتماءات الفئوية، بدلاً من ممارسة المواطنة المسؤولة والاخلاص للوطن.
فريق الموالاة والأطراف الرسمية في لبنان، وبالتناغم مع الادارة الأمريكية وجهات دولية واقليمية أخرى، تتهم سوريا بوقوفها وراء افتعال الأحداث ومسلسل الاغتيالات، وبخاصة منذ مقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. ذلك اعتقاداً منها بأن لها يد الطولى في لبنان، رغم خروج جيشها من أراضيه. مع ذلك كان لافتاً أن المتحدثة باسم البيت الأبيض تجيب مؤخراً، بعد تلاوة تصريحها المعهود بتحميل سوريا المسؤولية، على سؤال طرح عليها بأنها لا تستطيع تأكيد جوابها. علماً أن سوريا أدانت الاغتيال معتبرة أنه يستهدف أمن لبنان واستقراره. كذلك فعل حزب الله المتهم من نفس هذه الأطراف بزعزعة الاستقرار لفرض تصوراته. فقد أدان الاعتداء قائلاً أنه "يأتي في سياق زعزعة الاستقرار الداخلي وضرب المؤسسات الأمنية والعسكرية التي تشكل ضماناً للأمن والسلم الاهلي في لبنان".
بالتأكيد لسنا ممن يدافع عن نظام سوري له تاريخ حافل في ارتكاب أبشع الانتهاكات بحق ابناء شعبه. والأنكى من ذلك بحق اللبنانيين عندما دخل بجيشه إلى لبنان ومكث فيه 29 سنة يفعل ما يحلو له ويستأثر بالكلمة الفصل في كل شاردة وواردة. لقد منعنا أكثر من مرة من دخول سوريا لكتابات لنا في أوضاع الديمقراطية وحقوق الإنسان. وحيث نادينا مراراً بخروج الجيش السوري من لبنان، هللنا فرحاً عند خروجه من أراضيه. لكن هذا لم يفقدنا موضوعيتنا في مناقشة ما يتراءى لنا كمسلمات بخصوص ارتباط قضايا التحرر في لبنان بالمنطقة وبالعالم. كما لا يحيدنا عن مبادئنا وثوابتنا في نهج المقاومة كخيار وثقافة لا نستظل بغيرها. خاصة بعدما عايشنا على الأرض، ومداورة بين فلسطين ولبنان والعراق وبلدان عربية أخرى، ما تنصبه لبلداننا الادارة الأمريكية وخاصة الأخيرة، كما الساسة في إسرائيل، كي لا نقل أغلبية شعب هذا الكيان، من عداء، وما يرسموه لشعوب المنطقة من مخططات تستهدف وجودها برمته. وإن كان الأمر بات بين محورين يتصارعان اليوم في لبنان، فمكاننا هو ليس بأي شكل من الأشكال المحور الأمريكي-الإسرائيلي، ولن يكون يوماً كذلك. وسيكون لنا في شهر شباط المقبل مساهمة في اقامة محكمة مدنية لمحاكمة اسرائيل على ما ارتكبته من جرائم بحق لبنان وشعبه صيف 2006.
لنسلم جدلاً أن سوريا ما زالت تفعل ما تشاء دون ان يتمكن أحد من كشف أصابعها في تحريك "الدمى اللبنانية". ولا بد هنا أن نذكّر أن سماء لبنان مكشوفة لأجهزة ترصد كل حركة فيه، وأرضه تعج بألوان مختلفة من خفافيش الظل ومن اللاعبين حتى في وضح النهار لبلدان تملك أهم بكثير مما تقتنيه سوريا من امكانيات وتقنيات. لكن نتساءل إن كان يعقل أن تترك سوريا الساحة اللبنانية للآخرين وحدودها تغلق على لبنان المعابر البرية المشتركة معه والمنفذ الوحيد حالياً له؟ أين مصالحهما المشتركة ضمن سياسة تفاهم وحسن جوار كأولوية ضمن الضرورات التي تفرضها الجغرافيا والتاريخ والتحالفات الاستراتيجية والمصالح الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية؟ هل يمكن أن تترك الأمور على غاربها ولبنان بطنها الرخو، وتقبل بحكومة معادية في أراضي محاذية او توليفة لا تحترم مصالحها الحيوية؟
ثم من الناحية المقابلة، أليس من مصلحة لبنان أن لا يصبح لقمة سائغة في حلق اسرائيل وحليفتها أمريكا؟ مَن غير المقاومة اللبنانية تصدى لاسرائيل ووقف في وجه غطرستها وعربدتها ودحر مرتين متتاليتين جنودها من على أرض هذا البلد الصغير؟ وهل هي جريمة أن تنسج هذه المقاومة تحالفات مع سوريا أو إيران وأن تستند لهما في حرب استنزاف متعددة الأساليب والتكتيكات؟
بالتاكيد لسنا هنا في معرض تحليل سياسي لكل أوجه الوضع اللبناني المعقد حيث لا يتسع المجال لذلك. كما ولا نرمي الدفاع عن هذا الحلف، متناسين الانتهاكات الفاضحة لكلا النظامين السوري والإيراني. أو متغاضين عن الأهداف السياسية التي يرميان لها من خلال دعم المقاومة اللبنانية ونهج المعارضة. فكلاهما ما زالا يعتمدان على عامل الخوف المتبادل مع شعوبهما. وعلى نظرية الحفاظ على الأمن الذي يتربص به الأعداء، لاستباحة قوى المعارضة في الداخل والخارج واسكات الرأي الآخر ووضع اليد على كل ما يضج حياة. ولو كانا أكثر حكمة وأقل فساداً واستبداداً لفهما أن هذا الأسلوب يرتد عليهما. على الأقل في عملية مواجهة المخططات التي تستهدف بلديهما.
بالتالي، الأمر المهم هو أنه في خضم الانقسامات في لبنان هناك بالضرورة خيارات ومواقع. والخطر الذي يتهدد الجميع هو تصاعد لهجة التطرف لدرجة أضاعت البوصلة بشكل عجيب. لقد استبدلت اسرائيل كعدو بإيران. كما باتت ميليشيا حزب الله تتعدى على حدود هذا الكيان "المسالم". تماماً كما باتت حماس والتنظيمات التي ترفض الاحتلال الاسرائيلي هي من يحتل فلسطين وليس الصهاينة. لكن إن كان المتجبّر يفعل ما يشاء بفعل تحكمه بموازين القوة، فمن يلام بالدرجة الأولى هو أبناء هذه البلدان التي باتت كحجارة الشطرنج ترسم تحركها سياسات خارجية وولاءات أجنبية. وحيث أن سياسة فرّق تسد هي الأساس، فالعامل الطائفي لم يعد الوحيد، بل كل الأشكال متاحة لتفتيت النسيج المجتمعي. بما فيها التدخل المباشر لهذه الأطراف الخارجية والأصابع الخفية في كل مرة يعود الهدوء للساحة ويتم التوافق بين الأطراف المتنازعة.
لقد خبرت القطبية الأحادية المهيمنة كيفية العمل على الآليات النفسية عند البشر لتطويعها في خدمة مصالحها وتحقيق اهدافها. ثم كيف يمكن أن نصدق أن أمريكا أو اسرائيل أو فرنسا حريصة على مصالح لبنان أكثر من حرصها على مصالحها الاستراتيجية ومطامعها السياسية والاقتصادية؟ أو أن هؤلاء الساسة الذين يتوالون بالدور لزيارة هذا البلد، والذين لا يمكن أن نكن لهم الاحترام ونوليهم الثقة بالنظر لتاريخهم وولاءاتهم وروءاهم، مهمومون بمشاكل شعبه أكثر من غيره؟ لكن الآلة الدعائية تحشد ما تستطيع في خدمة أغراضها وتذهب لقلب الصورة وتخوين وشيطنة من لا يشاطرها الرأي. وقد تمكنت من قطع مسافات هامة في مخططاتها الجهنمية بالاعتماد على قصر النظر ومحدودية الأفق عند بعض من يتولون ادارة الشأن العام. بحيث يصح المثل القائل بأن "دود الجبن منه وفيه". والسؤال الملحّ المطروح على كل لسان اليوم هو إلى متى سينتظر الشعب اللبناني الخروج من دوامة الفراغ الخطير الذي وصل له بالاتفاق على رئيس لبلده وقيام حكومة وحدة وطنية لا تترك تركيبتها المجال أمام أي طرف لتعطيل القرار او الاستئثار به ؟ نرجو أن لا يكون الانتظار طويلاً ولو أننا نشعر بالخوف من أن يكون الآتي أصعب.



#فيوليت_داغر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أخلاقنا وأخلاقهم
- يجب فرض تعريف دولي لا يعتبر المقاومة ارهابا


المزيد.....




- مقتل عشرات الفلسطينيين بنيران الجيش الإسرائيلي في غزة رغم ال ...
- مسؤول إيراني لـCNN: سنرد -بضربات قاتلة- إذا هاجمتنا إسرائيل ...
- فيديو - حاملتا طائرات صينيتان تختتمان تدريبات قتالية في بحر ...
- بسبب زهران ممداني.. ترامب يهدد بقطع التمويل عن مدينة نيويورك ...
- موجات الحرّ تهدّد العالم.. من هم الأكثر عرضةً للخطر وما هي س ...
- بينما يناقش البرلمان قانون الإيجار.. -أمن الدولة- تمدد حبس أ ...
- كيف يمكنك البقاء بأمان خلال موجات الحر؟
- صيف لاهب يضرب جنوب أوروبا والملاحة عبر الراين في أزمة
- فرنسا: مناقشة إصلاح نظام السمعي البصري العمومي من قبل نواب ا ...
- صورة سيلفي لوزير مغربي مع أردوغان تثير انتقادات وردود فعل في ...


المزيد.....

- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيوليت داغر - غربان تنعق في سماء لبنان