أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل سوداني - التعازي ……… طقس درامي شعبي















المزيد.....



التعازي ……… طقس درامي شعبي


فاضل سوداني

الحوار المتمدن-العدد: 114 - 2002 / 4 / 27 - 13:37
المحور: الادب والفن
    



للطقوس الدينية المعروفة بالتعزية Tazie`h ، " والتي مازلت تقام حتى اليوم من قبل الشيعة المسلمين في إيران والعراق ولبنان ، أهمية خاصة لأنها تقترب من مسرح الفرجة والعرض الشعبي، و بالرغم من طابعها الديني إلا أن طبيعة العلاقة بين الجمهور والمؤدي تعتمد دائما على تغريب الحدث والشخصية ، مع إمكانية تميزنا لملحمية الأحداث أيضا .
وتعتبر التعزية أحد اقدم المراثي الدرامية في العالم الإسلامي التي يمكن استخدام بعض تكنيكها الفني في المسرح المعاصر . وقد نشأت التعزية منذ ما يقرب من ثلاثة قرون تقريبا وتعرضت دائما للمنع من قبل السلطات لأسباب دينية وأخرى سياسية .(( وقد نجد للتعزية معادلا في المسرح الأوربي وخاصة في المسرحيات الدينية المسماة ـ الرغبات الربانية ـ . وتقارن التعزية أحيانا بالتراجيديا اليونانية ، أما البعض الآخر فيؤكد على تشابه نصوص التعزية مع بعض النصوص الدينية البابلية .)) ويمكن مقارنتها بمسرحيات الأسرار الدينية Mysteries أو المسرحيات الأخلاقية Morality Plays التي كانت تعرف في أوربا في القرون الوسطى .
وكانت التعزية " وتعني الرثاء أو المواساة " هي أول نموذج عرفها الشرق إذا كان في الإمكان أن نستثني عروض الأسرار عند قدماء المصريين كما يؤكد Prof. Jacob M . Landau .ومن المحتمل أن تكون " التعزية "أثرا باقيا ، لتلك الطقوس الدينية عند المجوس الفارسيين والتي اندحرت بانتصار
الإسلام 
ويمكن دراستها في الوقت الحاضر على اعتبارها طقسا دراميا سواء من ناحية الطاقة التصويرية الكامنة في لغة الطقس، أو من ناحية الحركة التعبيرية التي يفجرها قطاع كبير من الجمهور المشارك في هذه الطقوس والذي يتعدى دوره من المشاهدة إلى المشاركة الفعلية في هذه الشعائر وذلك للوصول إلى حالة التطهير من الذنب التاريخي لخذلانهم لإمامهم الشيعي أبان انتفاضته .
والتعزية في بداية نشوئها كانت تقليدا حيا لمأساة الأمام الحسين وما تبعها من مآسي وحتى قتله هو وعائلته** . ولكن بمرور الزمن فان التعزية امتزجت بالحياة السياسية والاجتماعية حتى أن بطلها الحسين "ع" اصبح رمزا قوميا، فمن خلال إعادة عرض هذه المأ ساة كل عام كطقوس تقام في الأول من شهر محرم ولمدة عشرة أيام ، تتحول ساحات المدينة إلى تجمع سكاني هائل لأجل المساهمة في هذه الشعائر الدينية ـ الدرامية ، إذ تتضمن المسيرات والتظاهرات فصولا من المأساة تروى في كل يوم من الأيام العشرة أو تُمثل كطقوس مسرحية لمذبحة هذا البطل التراجيدي وأنصاره.
وتعقد التعزية عادة في المساجد أو الساحات العامة ( ويسبقها طواف في شوارع المدينة يزداد عدد المشتركين فيه يوم بعد يوم . ينشدون أناشيد النواح والحداد ، و يضربون صدورهم، وقد يجلد بعضهم بسلاسل الحديد. ومن بعد يؤمون المسجد للاستماع إلى التعزية . وفي اليوم العاشر يمثلون المعركة .)
ويؤكد المسرحي الجزائري محي الدين بشترزي بان المستشرقين والرحالة والسفراء الأوربيين الذين عاشوا في إيران في القرن السابع عشر كتبوا عن التعزية كما شاهدوها كالألماني أولياريوس 1671 والفرنسي تفارنييه وغيرهم . وقد تناولوا عرض التعزية ودرسوا كل جوانبها التكنيكية والفكرية وشكلها ومضمونها . ومن الأوائل الذين شاهدوا عرض التعزية وأطلق عليه (عرضا مسرحيا دراميا ) هو الإنكليزي فراكلين عام 1788 . إضافة الى مشاهدات الكثير من الرحالة ، منهم جيمس موريه وغوبينوه Gobineau الذي كتب عن التعزية في إيران بشكل مستفيض في مذكراته لأنه (وجد في التعزية تفسيرا لسر نشأة المأساة اليونانية …………وان هذه الاحتفالات هي قبل أي اعتبار، احتفالات دينية مثل ما كانت عليه المأساة اليونانية في أول نشأتها كاحتفالات أهل مدينة سكونيا بآلام البطل ادراست .وتعد احتفالات التعزية صورة عن ذلك الاحتفال .)
وخلال عام 1916 كتب الدبلوماسي سميرنوف بحزن كبير عن عدم استمرارالتعزية في إيران واصفا إياها
( بالمسرح الدرامي العظيم ) . وكانت تقدم عادة في صالات كبيرة أعدت خصيصا لهذا العرض التراجيدي وتدعى ( التكية ) .
ويؤكد M.Bachetarzi بان التكيات الصغيرة تضم 300 مشاهد . إضافة الى وجود تكيات مثل " سيبخ سالار " و "فلي خان " تضم 3000 شخص . وقد أقيمت تعزية في مدينة اصفهان شارك فيها مابين
20 ألف ـ 30 ألف مشاهد .
ومن خلال المشاهدات العيانية لجيمس موريه نستطيع أن نستنتج بان التعزية في إيران تقام في خيمة حيث يبنى مكان العرض من الطابوق المفخور في وسطها ، ويدعى" ساكو"مع وجود مدرج على الجانبين ، يحيطه الجمهور من جميع الجوانب ،وحول الساكو نصبت أعمدة سوداء تتصل في أعلاها بواسطة عمود آخر مغطى بالأقمشة والرايات بحيث تأخذ شكل الخيمة . وتوضع على الأعمدة المشاعل والمصابيح الكهربائية التي تضئ المكان ليلا ، وتقام هذه العروض عادة في النهار.وفي المساء تؤدى الرقصات الصوفية وحفلات الزار الدينية والأغاني والصلوات .
وتقدم عروض التعزية أحيانا في ساحات المساجد ولا تحتوي على ديكور سوى بعض الأشياء المهمة تستخدم كوسائل تعبيرية ذات طابع شرطي يفرضه العرض كما هو الحال في المسرح المعاصر .أما الممثلون فانهم يغيرون ملابسهم ويستعدون للتمثيل في غرف جانبية تدعى "تاج ـ نوما ". ويدوم العرض ساعات طويلة ومتتالية ، ومنذ الصباح الباكر يتجمع الجمهور حول الساكو .

وبالرغم من أن التعزية في إيران منعت بشكل نهائي في أواخر القرن الثامن عشر ،إلا أن علاقة الشيعة الروحي بمأساة إمامهم الحسين يجعل أمر منعها مستحيلا ، فكانت تقام من جديد بشكل اكبر حماسا . ويعتمد الممثلون في التعزية وهم عادة من رجال الدين ، على الشعر والغناء ، ويلتزمون الصدق في أدائهم فيخلقون جوا تراجيديا من اجل إثارة الجمهور وأيقاظ مشاعره ودفعه للمشاركة الوجدانية من خلال البكاء و اللطم على الصدور بحرقة وعنف.

ويكتب جيمس موريه أيضا عن إحدى مشاهداته (وفي اليوم التالي مساء مثلوا قتل الحسين ، وبدءوا المشهد بالغناء الحزين والدعوات الصادقة التي استمرت ساعة كاملة ، ويعتبر هذا تكملة للمشهد الذي مثلوه في اليوم السابق ، ثم شاهدنا جواد الإمام الحسين وعلى ظهره عمامته فقط ، وبعد ذلك شاهدنا الخليفة وبعض ندمائه وهم يستعرضون الأسرى من عائلة الإمام والذين بقوا أحياء بعد المذبحة ، وكان بينهم ابن الإمام وهو يتقدم
النساء والأطفال مقيدا وحول رقبته طوق من الخشب ، وكان أحد ممثلي جنود الخليفة يعاملهم بقسوة كبيرة . وقد ترك هذا المشهد تأثيرا كبيرا لدى الجمهور. وفي مكان من العرض جلب بعضهم الماء في ِقربٍ كبيرة محمولة على ظهورهم وتم توزيعه على الجمهور ) .

و يعتبر كل هذا طقسا حقيقيا يُمثل أمام جمهور متعاطف ويؤديه ممثلون بدائيون ليس هدفهم التمثيل بل المشاركة الوجدانية ، ولكن بالرغم من هذا فانهم يستخدمون بعض الوسائل الدرامية للوصول إلى هدفهم الديني. ولم يتبقى من التعزية إلا بعض النصوص المهمة التي تعكس طبيعة المسرحية الدينية " التعزية " في إيران .•
أما في العراق فتقام التعزية في جميع القرى والمدن وخاصة مدينة كر بلاء التي كانت ارض المأساة
الحقيقية . ومن خلال مشاركتي ومشاهداتي العيانية سأقوم بوصف دقيق لما يحدث في هذه الأيام
العشرة ، محاولا التركيز على التكنيك المسرحي المستخدم في التعزية وعلى تقنية الطقس الدرامي الذي يسمى في العراق بالتشابيه  .
فقبل أن يبدأ اليوم الأول تتهيأ المدينة بكاملها لإعداد المسيرات والمواكب ويهيئ سكان المدينة الرايات والملابس السوداء التي سيرتدونها طوال شهر محرم ، وكذلك الإكسسوارات والأدوات الأخرى التي ستستخدم في الاحتفالات ، ويلف الحزن جميع مرافق المدينة الموشاة بالأسود والذي سيخلق جوا خاصا . وعادة تقام المسيرات والتظاهرات والمواكب أثناء الليل ماعدا اليوم الأخير والذي يقدم فيه عرض التعزية منذ الصباح الباكر .
إن الاحتفالات في هذه الأيام تنقسم إلى :
1ـ المجالس الدينية.
2 ـ المواكب والمسيرات .
3 ـ الطقس الدرامي .( التشابيه )
1 ـ المجالس الدينية .
وتقام في قاعات كبيرة خاصة أعدت لهذا الغرض وتدعى الحسينيات (نسبة الى بطل المأساة الحسين) أو في الجوامع أو الساحات العامة ، حيث يجلس الجمهور على الأرض للاستماع إلى الراوي الذي يدعى "الروزخون " او " الحكواتي ". ويكون رجل دين عادة ، مهمته سرد أحداث المعركة ومقتل بطلها ومناصريه وعائلته .ويبدأ روايته بغناء كتمهيد للحدث الرئيسي الذي سيشمل رواية بعض الأحداث التي لها علاقة بالحسين وعائلته ، ويكون هذا الغناء حزينا وانفراديا .ومن ثم يروي فضائل ومميزات هذا البطل أو ذاك .

ويكون أداء الراوي مقسما بين الغناء والحديث المباشر حيث يحاول ربط الأحداث والرواية التاريخية بالأحداث المعاصرة . فهذه المجالس هي دينية وتعليمية في ذات الوقت وهؤلاء الرواة يمتلكون ثقافة دينية واطلاع على المشاكل المعاصرة ولهم اساليبهم الخاصة في توصيل اهدافهم الدينية والتربوية .وكذلك الأساليب الأخرى التي تثير الجمهور المهيأ أساسا للاندماج في الحدث المروي ومشاركة الراوي باللطم على الصدور والبكاء والأنين الذي سيعبر عن التطهير الذاتي بالنسبة له .
وفي الختام يدعوا الراوي الجمهور لمشاركته ،فيتحول الجمهور إلى كورس لترديد الفقرات المهمة التي يحاول الراوي " الذي يتحول الى رئيس الكورس " التركيز عليها والتي تدعوا إلى فعل الخير في الحياة والدعوات إلى الله في إنزال القصاص بالظالمين .
2ـ المواكب والمسيرات .
تكون هذه المواكب كثيرة ومتعددة وتسمى بأسماء مناطق ومحلات المدينة ،وتنطلق في وقت محدد من الليل وتجول في طرقات المدينة ، متجهة صوب المسجد الرئيسي لتلتقي جميعها هناك . وينقسم المشاركون إلى كورس اللطم ، وكورس آخر لضرب الجسد بسلاسل من حديد ، تصاحبهم الموسيقى العنيفة التي تعتمد على الطبل والصنج والآلات الهوائية ، و تعتبر هذه الإيقاعات موسيقى خاصة تميز جو هذه المواكب .
وعادة فان الراوي هو الذي يقود الموكب و يوّقع روايته بغناء حزين . يختلف إيقاعه حسب القصيدة التي يلقيها ومضمونها وأحداثها .
ويكون الأداء على الشكل التالي :
يردد الراوي مقطعا شعريا له علاقة بالمأساة بغنائية فائقة ، ويتم تدريب الجمهور على حفظ الأغاني في ذات الوقت ، فيتحول المشاركون إلى كورس للراوي ، يغنون ويشاركون باللطم على صدورهم العارية بإيقاع خاص يتناسب مع اللحن .
إن الراوي يحفز المشاركين ويثيرهم عاطفيا وحماسة من اجل الاندماج في الحدث ، ولا يكون أداء هؤلاء على وتيرة واحدة وانما يختلف باختلاف المقطع الشعري ، ويركز الراوي في أداءه على المقطع الحواري أو الغنائي الذي يريد أن يوصله ، وكثيرا ما يتغير الإيقاع واللحن . وتستعرض هذه الأغاني والقصائد حياة وبطولة ومقتل بعض شخصيات المأساة .
وتصاحب المواكب، الرايات الملونة الكبيرة والهوادج المضاءة بالمشاعل أو المصابيح، مما يؤدي لخلق جو طقوسي مثير. وتسير هذه المواكب وسط الجموع الغفيرة من النساء والرجال الذين يشاركون بالغناء والترديد الجماعي أيضا كخلفية للراوي والكورس المشارك . وكل هذا يذكرنا بوظيفة الكورس في الشعائر اليونانية قبل نشوء التراجيديا .
إن الذكرى الخاصة بالشاب " القاسم " ابن أخ الامام الذي كان خطيبا لابنته و قتل بشكل بشع في ليلة عرسه ، مكانة خاصة وتأثيرا كبير على عواطف الجمهور ، ولهذا فانهم يعمدون إلى تمثيل ما يدعى " بعرس القاسم " حيث يسير كورس الرجال حفاة بملابسهم البيضاء يتوسطهم شاب بملابس العرس ، والجميع يمسك الشموع وأغصان الآس ، ويلطم الصدور على إيقاع الردات الدينية الحزينة المناسبة مما يضفي على مشهد الزواج المأساوي رهبة وجلالا . وفي شارع اخر من المدينة هنالك موكب الضرب بالزنجيل الذي يتغير ايقاعه في هذه الليلة للمساهمة بجلال المصاب . وفي احد البيوت يمارس كورس من النساء طقوس هذه المناسبة . الطقس يبدا من الشارع المضاء بالشموع، وورائحة البخور ، فالكورس النسائي يلتف حول جمل او مهرة مزينة بالألوان ، تحمل هودجا في داخله العروس بملابس العرس البيضاء ليزففنها بالدفوف والأغاني ويدخلنها إلى بيت (العرس ) المهيأ مسبقا ويجلسنها في مكان مرتفع ويبدأن بالطقوس الخاصة التي تتميز بالرقص والأغاني واستخدام أدوات الأفراح الخاصة بمثل هذه المناسبات ، ولابد أن توجد صينية كبير ة مملوءة بالشموع المضاءة والحناء والحلويات والتمر والآس (رمزا للخصب وهي شعيرة قديمة تمتد بالتاكيد الى نواحات عشتار البابلية ) وتدعى صينية عروس القاسم ، والجميع ينتظرون وصول العريس .
لكن بدل من هذا فان مجموعة من الشباب تجلب جثة العريس مخضبا بالدماء ، فينقلب العرس الى مأتم مما يدفع فيغطي كورس النساء العروس برداء اسود ( دلالة الحزن ) . ويبدأن بالندب على ايقاع الدفوف ، ويردحن بايقاع الحزن ، رقصة الوداع ، وهن يقفزن في الهواء منثورات الشعور، فيمتزج الرقص بالندب ونواح الجسد وتوهجه الصوفي ، فيتحول كل شئ فيهن الى ذاكرة جسدية تساعدهن على استحضار ماوراء الطاقة الجسدية التعبيرية والايحائية . ومما يضفي على التوهج الجسدي غرابة هو ان النادبات لطخن رؤوسهن ووجوههن بالطين الذي يشكل قناعا غريبا على ضوء الشموع ، فتشيع في الجو رائحة غريبة ممزوجة برائحة الاجساد المنهكة المنفعلة المباركة والسابحة بعرق الوجد الذي يجعلهن وكأنهن حوريات جئن ليباركن العريس الميت ـ الحي ،المقتول الشهيد ، فتمتلك الاجساد المنفلتة حريتها الديناميكية خارج فضاء القهر والانزواء البيتي ، وفي الفجر يجرجرن اجسادهن المشتعلة بالتوهج وهن مرعوبات و مذهولات من فيض الوجد المبارك ومن تنفيس الضيم الذي حملنه طوال عام ،ومن هذه اللحظة حتى العام القادم عليهن ان يتحملن كل انواع القهر لأنهن كنساء يعد البيت بالنسبة لهن سجنا ابديا ، لذلك عليهن ان ينتظرن ليلة الاشتعال والتوهج هذه مرة اخرى ، لكن مفروض عليهن الان بصوتهن المبحوح ان يباركن العريس المقتول والنهار الجديد الذي يجعل اجسادهن شفيفة وهن يهمسن:
اوه ياقاسم يابني
ديوان عرسك مبني
مبني بجص ونوره ،
أجت العروس تزوره
اوه ياقاسم يابني.
صعدنا جبال وجبال
وجبنا دم الاطفال
صعدنا طعوس وطعوس
وجبنا دمه بالطوس ،
اوه ياقاسم يابني.
ثوب العرس أصبح كَفَن
ثوب العرس أصبح كَفَن .
ديوان عرسك مبني
ديوان عرسك مبني
ديوان عرسك مبني

إن الشيء المهم في هذه الطقوس هي المشاركة الجماعية لجميع السكان بالرغم من هدفها الديني ، حيث تتحول المدينة إلى احتفالات ومواكب ومجالس وغيرها من الفعاليات التي تتسم بدراميتها ، فيعم الحزن والندب الجماعي .
وبالرغم من طابعها التاريخي والديني إلا إن أهدافها ا لمعاصرة مرتبطة بالواقع ، وان بطلها اصبح رمزا ثوريا ينعكس رفضه للظلم التاريخي على الحاضر ، فالكثير من هذه الطقوس والأغاني لها أبعادا وأهدافا سياسية تدعوا الإنسان للثورة على واقع الاستغلال الذي يعاني منه . ومن الناحية الفنية فان للجو الدرامي المصاحب بالموسيقى العنيفة والإيقاع المتميز ،أهمية خاصة لإثارة مشاعر الإنسان المشارك أو المشاهد .

وفي الليلة الأخيرة التي تسبق موت بطل المأساة في اليوم العاشر ، تكون الاحتفالات اكثر حدة وعنفا سواء في الأغاني والقصائد أو الموسيقى وإيقاع الحركة والمشاركة الوجدانية من قبل الجمهور ، وفي هذه الليلة بالذات يضاف إلى الاحتفالات موكب كبير من الرجال والشباب يدعى "بموكب التطبير " وقد ارتدى الرجال الملابس البيضاء التي ترمز للكفن لإ ستعدادهم للموت ، لان أجدادهم تاريخيا خذلوا بطلهم (رمزهم الديني ) في محنته أو أن حياتهم بعده لا تعني شيئا .
ولهذا فانهم يحملون بأيديهم سيوفا حقيقية سيضربون بها على رؤوسهم المحلوقة في اليوم التالي ، وبعد أن تنتهي ا لتعزية في منتصف هذه الليلة فانهم سيذهبون ليستحموا في حمام المدينة العام استعدادا لممارسة هذا الطقس .
يبقى سكان المدينة مستيقظين حتى الصباح وتصبح البيوت أماكن لتجمعات النساء حيث تقوم "المرأة الراوية "برواية أجزاء من المأساة ومن ثم يبدأن بالرقص الإيقاعي الحزين والأغنيات والتراتيل الدينية وهن مسدلات الشعور يلطمن صدورهن العارية و يمثلن مشهد موت الامام الحسن "ع" (الأخ الأكبر للحسين )الذي دس له السم ، و غيرها من الأحداث التراجيدية الحقيقية . وهدف هذه التجمعات النسائية هو المشاركة الوجدانية للسيدة زينب أخت الحسين .
وفي اليوم التالي ( اليوم العاشر ) صباحا يتجمع سكان المدينة في الساحة العامة وهم بملابسهم
السوداء والطين على وجوههم ورؤوسهم ( دلالة الحزن والمشاركة الوجدانية ) لمشاهدة الطقس
الدرامي ـ التراجيدي والمشاركة فيه .
الطقس الدرامي : التشابيه
يبدأ الطقس بقافلة الحسين وعائلته ومعها الجمهور الذي سيشاهد تعزية "التشابيه " وهم يتجهون الى المكان الذي سيقام فيه الطقس " للتعبير عن مسيرة الحسين من المدينة الى كربلاء " .عندها يقف الجمهور على جانبي مكان التمثيل على شكل مستطيل او دائرة وفي الوسط يقام الطقس الدرامي بدون الاعتماد على خشبة مسرح كما في التعزية الفارسية . وينقسم الممثلون الى مجموعتين ، جيش الحسين قرب خيامهم التي تميزها الرايات الخضراء وفي الجانب الاخر جيش الخليفة الاموي براياتهم الحمراء .
وتبدأ المبارزات الفردية على الخيول الحقيقية و الخطب الحماسية بين الممثلين فيؤكد كل واحد منهم على عدالة القضية التي يدافع عنها والتي سيموت من أجلها ويبدا ديالوك حواري بين احد الممثلين وممثل من الفريق الاخر ، وكل منهم يذكر صفات الشخصية التي يمثلها ويعدد فضائلها التاريخية ، .وكثيرا ماتنقطع هذه الحوارات بمقاطع غنائية من الممثل الذي يمثل دور السيدة زينب ( اخت الحسين ) والتي تؤدي دور رئيسة كورس النساء ( عائلة الحسين ) ودائما ُيكمل الحدث اواداء الممثل الرئيسي غنائيا . وهذا الممثل يدور على الجمهور بصوته الشجي من اجل تحفيزه ودفعه للمشاركة الوجدانية .
ان كورس النساء المتلفعات بثياب سوداء و اللواتي يقفن امام الخيمة ويحملن مناديل بيضاء او سوداء يشكلن كورس النائحات في الطقس، (وعندما يبرز جنود الحسين يستقبلنهم باغنية تعدد صفات كل واحد منهم ، اما جنود الخليفة الاموي فيستقبلنهم بالصمت .ويندبن وهن يقرعن الصدور بالايدي او يجلسن ويلطمن الركب في حركات موقعة، وحين ينتهين من الغناء يشرعن بالعويل ، ملوحات بالمناديل "للتحية والوداع في ذات الوقت ، وهذا استباق للتنبؤ بموت البطل المأساوي "إذ قد حان موعد خروج الحسين للحرب ثم يخيم الصمت .ويبدأ مايصح ان نسميه العنصر التمثيلي الدرامي فهناك ممثل لدور الحسين وممثلون للآدوار الرئيسة الاخرى وهنالك حوار يتبادله الممثلون وهنالك مراحل لتدرج
الحدث )
ويمكن أن نلاحظ وجود تطورا في داخل الشخصيات ذاتها كتحول أحد قواد الجيش الأموي بعد قلق وتردد، إلى جانب الحسين ليحارب معه ويموت .وهنالك بعض المشاهد المؤثرة كأن يمسك ممثل دور الحسين طفلا ويخبرهم بأنه يموت عطشا ،ويطلب منهم الماء (لان الجيش الأموي قطع الطريق إلى النهر أمام أنصار الحسين) ، وبدلا من هذا فانهم يصوبون سهامهم ورماحهم لقتل الطفل ، فتصبغ رقبته باللون الأحمر دلالة على قتله . وبالتأكيد فان هذا يدعونا إلى التفكير بالبعد الشرطي للحدث والأدوات والإكسسوارات المستخدمة في الطقس .
وعند موت جميع جنود الحسين فانه يحارب وحيدا حتى يقتل ، ومن ثم يبدأ الجيش بحرق خيمة الحسين . وتعلق رأسه ورؤوس جنوده على الرماح ويأخذون عائلته للأسر ، فتسيطر الهستيريا على الجمهور الذي يبدأ مسيرة كبيرة مع الممثلين تتجه نحو المسجد الرئيسي .
وخلال هذا يظهر "موكب رجال التطبير" باكفانهم البيضاء ، وعلى ايقاع هتافاتهم وإ يقاع الطبول والموسيقى العنيفة يضربون رؤوسهم بالسيوف بشكل خفيف في بادئ الامر ، الا ان الموقف يتسارع فيصبح الايقاع اكثر حدة ( وتتسارع حركاتهم ويعلوا صراخهم ويمسكون السيف باليدين وتشتد ضرباتهم به وحين يدنوا الموكب من المسجد تكون الاكفان والوجوه قد تلطخت بالدم .) وينتهي الطقس الدرامي بالدعوات الهستيرية الغاضبة ضد الطغيان والشر في الحياة .
التغريب (Vrefremdung) والبعد الشرطي في طقس التعزية :
يمكن القول بان التعزية تشترك مع المسرح الملحمي بالكثير من المميزات والوسائل والخواص حتى وان كانت بمفهومها البدائي ،لان الممثلين في طقس التعزية الدرامي ( التشابيه ) يقومون بتغريب بدائي للحدث والشخصية ، فنري الممثل S يتعامل مع الشخصية R بمفهوم الشخص الثالث أي " هو " .

S R
"هو" الشخصية " أنا" الممثل

وهم يعرفون تفاصيل الحادثة التاريخية ولهذا فانهم يعون مهمة إعادة خلق الطقس من جديد ولايندمجون في الحدث والشخصية وانما يرونه ويكملونه اثناء اعادة تمثيل الطقس ، وبالرغم من وجود مشاهد تفترض الاندماج في الشخصية كنتيجة طبيعية للمسرحيات الدينية ، إلا انهم يعرضونها وخاصة الممثلين الذين يؤدون شخصية من الاعداء ، ولهذا فانهم يؤكدون في حوارهم على قال فلان ..وعمل فلان
" أي الشخصية" . او ان الممثلS يذكر الشخصية R ومن ثم يلعنها (اذا كانت من الاعداء ) ويبدأ تمثيل دوره . وبهذا فان الممثل يضع مسافة بينه وبين الشخصية لانه لايريد ان يتطابق او يندمج بشخصية غير مقدسة ومرفوضة اجتماعيا وتاريخيا.
S R

الشخصية الممثل

و بالرغم من ان الممثلين هواة الا اننا يمكن ان نكتشف حالة من "التغريب البدائي "في أداءهم، فالممثل (وخاصة رئيسة الكورس) يعلق على الحدث او يدعوا الجمهور الى المشاركة الوجدانية عندما يموت احد الابطال " إيمائيا" ، او ينبههم حوارا او غناءا الى بشاعة الجريمة او الحدث ، وبالرغم من ان تمثيل دور السيدة زينب من قبل ممثل رجل، تفرضه ظروف اجتماعية الا انه يؤكد ميزة مؤثر التغريب
" Vrefremdung Effekt" البدائي ايضا في الطقس.
اما الجمهور فانه يعرف الحدث والرموز والقصة ونهايتها المأساوية ويحفظ الخطب والحوارات والشعر والاغاني ، ويعي جيدا بان الذي يراه هو اعادة تمثيل وتشبيه الحدث التاريخي .وان التركيز على العنف والقساوة وبشاعة الاحداث والتركيز على دمويتها والتي يندهش لها ويرفضها متفرج الطقس المعاصر ، فأنها تؤدي الى حالة من التطهير من بشاعة الجريمة التاريخية ، لكنه يربطها بظروف واقعه المعاصر. ولهذا فا ن المسيرة التي يقوم بها المتفرجون بعد انتهاء الطقس الدرامي "التشابيه " تتحول الى تظاهرة سياسية ضد الواقع الذي يعيشونه.
وبالرغم من دوافعها الدينية الا انها تحفز الانسان على التفكير بواقعه وهذا مايؤكد ه برخت Bertolt Brecht عندما يتحدث عن التغريب بمفهوم التأرخة (أي تصوير الحوادث والاشخاص كحالة تاريخية تخص الماضي . والشئ ذاته يمكن ان يحصل مع الناس المعاصرين ، اذ يمكن تصوير مواقفهم على، اساس من ارتباطها بالزمان ، وكونها تاريخية وتخص الماضي . وان المتفرج لن يعود يرى الناس
ثابتين ، انما يرى : هذا الانسان على هذه الشاكلة لان هذه الظروف على هذه الشاكلة . وان هذه الظروف على هذه الشاكلة لان الانسان على هذه الشاكلة ، وان الانسان ليس فقط قابلا للتصور ، كما هو ، انما بشكل آخر ايضا ، مثلما يمكنه ان يصير ، كذلك يمكن للظروف ان تكون قابلة للتصور بشكل مختلف عما هي
عليه .)
ان المتفرج في التعزية يندهش للحدث التاريخي الذي يراه امامه ان يكون قد حدث على هذه
الشاكلة ،وكذلك فانه يرفض الشخصية والممثل في آن واحد لاسباب في ضاهرها دينية. انه يندهش ويرفض هذا الممثل الذي يمثل ويتشبه بشخصية عدو غير مقد س ، ويرفض الشخصية التاريخية أيضا في انها وقفت ومارست موقفها التارخي ضد بطله المقدس . ومن جانب اخر فانه يندهش و لا يصدق بان هذا الممثل يمكن ان يتشبه ويمثل الشخصية المقدسة .لانه يؤمن بعدم وجود انسان يشبه بطله المقدس بالرغم ان تمثيل شخصية الحسين تحتم احيانا ان يؤديها رجل دين تقي مشهود بنزاهته .
اذن فجمهور التعزية P يتغرب واقعيا عن الممثل S وكذلك عن الشخصية "R" .

R S



P
الجمهور
يغّرب الشخصية والممثل في ذات الوقت

ويتحاشى الممثلون تمثيل قتل الحسين في التعزية لمكانته المقدسة ولانه حي في وجدانهم ، ولهذا فان الاغاني في مختلف مراحل الطقس تستبدل كلمة "موت " بكلمة" نوم " كما هو الحال في احدى الاغاني التي تروي الحادثة . ومن الاغنية نفهم بانها لاتدعوه بالمقتول وانما بالعريس الذي سيبنى له "بيت العرس" .
ضمن هذا المفهوم فانهم يرمزون لقتل البطل بخروج جواد ابيض مزين بألوان مختلفة وفوق ظهره ما يرمز لعمامة الحسين وسيفه ويدورون به أمام جمهور الندب ويحدث نوع من الشعائر البدائية تؤكد ايمان الجمهورP المطلق بالرمز الذي يستبدل البطل المقدس "بشئ" T مرموز له ، يفترضه الممثل
والجمهور ، فالكثير من النساء خاصة، يبدأن المرور من تحت الجواد ( الرمز ) وهن يطلبن من الله ان يحقق امنياتهن ( ونذورهن )، فالايمان المطلق يخلق قدسية للرمز ـ البطل .
إن استخدام هذا الرمز( الشئ ) T يحول الممثل S من " أنا الشخصية " R S ، الى "هو الشخصية " TR ، اضافة الى ان هذا الرمز ( الحصان والعمامة ) يمنح بعدا تعبيريا خاصا ، يفرض لغة شرطية ذات دلالة سيمولوجية تساعد على تطور عمل الممثل التعبيري والعرض المسرحي المعاصر.
S S R TR
هو الشخصية أنا الشخصية الممثل

من كل هذا نستنتج بان التكنيك المسرحي لعرض" التشابيه " يعتبر طقسا دراميا و تراجيديا ، يعتمد الخطب والشعر. وفي هذا الطقس يتم التمييز بشكل واضح ومبالغ فيه احيانا بين انصار الحسين واعدائه من خلال المكياج والملابس والادوات المستخدمة الاخرى .ان التمثيل يعتمد على الحركة الواقعية العامة والتراتيل والاغاني ،مما يخلق ميزانتسينا خاصا يميز طقس التعزية بالذات . ويتم التركيز عادة على بطولة أنصار الحسين وجبن وخوف اعدائه .
في طقس التعزية لايستخدم ديكورا او ادوات متكاملة وانما يعمدون الى الديكور الشرطي بالمفهوم ذاته في العرض المعاصر ، ويشمل الاسلوب الشرطي ايضا الاداء والحركة وتنظيم وسائل الطقس
الاخرى ،أي انهم يعرضون جوهر الحدث والديكور ودلالته الرمزية ، ( والديكورات هنا جذابة ، وهي نصف واقعية ونصف رمزيه غالبا ، فالدماء التي تراق مثلا ، حقيقية ، بينما الرمال يرمز لها بالقش المنثور . واكثر من ذلك فاننا نجد بان المؤثرات المسرحية منفذة بعناية فائقة ، فمثلا ، رأس الحسين الملطخة بالدماء ، تنبعث منها الاشعار المقدسة ، كما اننا نرى احد الفرسان يقتل خصمه بسيف يقبض عليه باسنانه ، ويؤدي الرجال ، أدوار النساء والحيوانات البرية )
ويرمزون الى نهر الفرات الذي يسيطر عليه جيش الخليفة ، باناء مملوء بالماء او انهم يستخدمون نهرا حقيقيا ان وجد قرب مكان تمثيل الطقس .. ويحملون " قِـرب " خالية من الماء للدلالة على العطش ، وكذلك يستخدمون نخلة واحدة للدلالة على غابة من النخيل ، وعدد قليل من الممثلين المدججين بالسيوف والرماح للتعبير عن جيش كامل .
وهذا الايحاء يعتمد بالدرجة الاولى على قدرة المؤدي على استيعاب واستخدام الرمز ، وعلى الجمهور الذي يتلقى الايحاء بشكل منطقي ويكمله ذهنيا ويربط الاحداث والرموز ، فالجمهور مرتبط بالحدث روحيا وتاريخيا . وهذا مايجب ان تكون عليه العلاقة بين الجمهور المتفاعل والممثل .
ان مهمة الكورس ( النادبات ) في التعزية تذكرنا بمهمة الكورس الاغريقي الذي يناصر شخصية البطل او يقف ضده او يحّذر منه ، او يكمل حوار الممثل بأغنية حزينة تشرح الوضعية التي وصل لها هذا البطل او ذاك سواء كان رمزا للخير او الشر. وهذا الرمز الذي يضفى على انصار الحسين او جيش الخليفة اصبح واضحا ومعروفا بالنسبة الى المؤدين ( الممثلين ) والجمهور .

ويفرض الجوهر الديني والتراجيدي والدرامي للتشابيه ، جوا خاصا بحيث يكون متميزا عن أي طقس اخر من خلال استخدام السيوف والرايات والالوان المميزة للطقس والموسيقى العنيفة والمشاهد الوحشية والحوار المكثف والديالوجات و الايقاع الصاخب والاغاني والادوات التي تعبر عن الطابع المميز لذلك العصر ، فيكون الجو مشحونا بالقيم التعبيرية الدرامية والوسائل التي يمكن ان تنقل الطقس من جوه الديني الى جو الطقوس الدرامية .
وفي الختام يمكن أن نعتبر التعزية طقسا دراميا جماهيريا للمشاركة الوجدانية الجماعية ،حيث يمتلك الجمهور الرغبة في المشاركة العفوية في الطقس .وان علاقة الممثل بالجمهور هي علاقة إيحائية شرطية تعتمد على الرمز، فيحتم على الجمهور المشاركة الذهنية .وهنالك نظرة احادية الجانب سواء بالنسبة الى الحدث او الشخصية فهي اما ان تكون شريرة او خيرة ، وهذا متأت من تكامل الشخصية تاريخيا والتعامل معها بقد سية.
وتنحصر مهمة الممثلين وسائر العاملين في الطقس على رواية الحدث التاريخي وابراز ملحميته . وان مساحة العرض الدائرية تحتم على الجمهور ان يحيط بمكان الاداء من جميع الجوانب .
وقد ارتبط طقس التعزية بالطموحات والافكار السياسية المعاصرة بحيث عكست الاغاني والشعر المستخدم مشاكل الواقع الاجتماعي والسياسي للمجتمع ومن خلالها يقوم الانسان بعملية تنفيس سياسية ضد الاستغلال وقد اتخذت طابعا تحريضا في العراق مثلا وخاصة في الظروف السياسية الصعبة :
حيث نسمع صوتا جوهريا يصرخ ومعه كورس التعزية :
ودّور الاقدار
ويصبح الجزار
جزارك المجرم
سكينته إلي بيده
تصبح على وريده
من علي وماضيه
ودّور الاقدار
يستوجب الغناء والطبول والموسيقى الصاخبة ايقاعا عنيفا وكذلك الرقص والملابس والادوات
والالوان ماهي إلا وسائل خاصة بهذا الطقس تميزه عن أي طقس آخر .
يمكن ان تمنح هذه المميزات العرض المسرحي المعاصر الكثير من الامكانيات والوسائل والاساليب التي تجعل منه عرضا شعبيا يعالج اعقد الاحداث والظاهرات التي تؤرق انساننا المعاصر . فيمكن استخدام الجو( الذي يميز هذا الطقس ) بكل إيحاءاته الفنيةـ الرمزية ووسائله التعبيرية الاخرى لتجعل من العرض المعاصر اكثر درامية وشعبية وكذلك فان المشاركة الجماعية بين الجمهور والممثلين ، والتي تمنح العرض المسرحي حيوية متميزة ، يمكن ان نجدها بشكلها الفعال في طقس التعزية .
ويمكن الوصول الى هذه المشاركة الفعالة من خلال طرح ومعالجة تلك الموضوعة التي تهم انساننا المعاصر، وكل هذا سيساعد على خلق العرض الدرامي الشعبي في المسرح المعاصر . واذا كانت التعزية طقسا دراميا شعبيا باهداف دينية فانها تمتلك العوامل التي تمهد للعرض الشعبي بعد معاينتها برؤية معاصرة . ويمكن للمسرح المعاصر استغلال الكثير من إمكانياتها وجوهرها ووسائلها وقدراتها التعبيرية وجّوها المتفرد .
ولكن بالضرورة يجب ان نفرق بين طبيعة الجمهور الذي يتفاعل مع الطقس الديني وبين جمهور الطقس الدرامي المسرحي ، وهذا الاختلاف يكمن في اساس موضوعة العرض وهدفه وتأثيره ، فالتعزية ستضل طقسا دينيا اذا لم تتحرر من أهدافها الدينية والروحانية والتي هي في الاساس هدف مهم في الطقس .
فاذا كان هدف المسرح الديني هو كل اتصال عاطفي وروحي يربط الناس بعضهم ببعض ليشتركوا ضمنيا في فكرة تنتمي الى المطلق كما يؤكد د. لطفي فام ، فان المسرح المعاصر يخلق أيضا ذلك الاتصال العاطفي والروحي الواعي ويجمع الناس ليشتركوا في فكرة واحدة لاتنتمي بالضرورة الى المطلق والضبابي بل تدعوهم الى فهم روح العصر وأهم مشاكله التي يعاني منها عالمنا وطرحها بشكل يؤدي الى ابراز تناقضات الضاهرة الاجتماعية ، وابراز ديالكتيك الصراع لقوى الطبيعة والمجتمع ليكتشف الجمهور تناقضات عالمه ومجتمعه والظواهر الخفية في حياته ، فالمسرح الطليعي المعاصر ايضا هو الذي يساهم في ان يجعل عالمنا اكثر احتمالا واقل عنفا وقساوة .
وبالتأكيد فان هذا يدفع الجمهور إلى إغناء وعيه بالفهم الصائب لتحليل الواقع الاجتماعي وربطه بالتطور التاريخي ويؤدي بالإنسان إلى التمسك بحريته واستقلاليته الفكرية .


كوبنهاغن





#فاضل_سوداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...
- الممثلة الإباحية ستورمي دانييلز تتحدث عن حصولها عن الأموال ف ...
- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...
- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل سوداني - التعازي ……… طقس درامي شعبي