أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الماجد - يا طفلتي















المزيد.....

يا طفلتي


أحمد الماجد

الحوار المتمدن-العدد: 2175 - 2008 / 1 / 29 - 08:55
المحور: الادب والفن
    


إلى عائشة طفلة فلسطين، إلى المصائب المتجددة في حاضر أمتنا، إلى البنت التي وُلـِدت، إلى الأم التي وَلـَدت، في زنازين السجون، إلى القصة الأليمة، إلى القضية القديمة، لله وإلى فلسطين أبعث عبر أثير القلب هذه الأبيات...


يــا طفلـتـي فُـطِـمَ الـزمـانُ غريـبـا يـــؤي الـذئــاب ويستـبـيـحُ حبـيـبـا
يـــا طفـلـتـي إنَّ الـزمــانَ مـشــوّهٌ مــا كــان يـومـاً للـزهـورِ مجـيـبـا
ولدتكِ أمكِ في السجون ولـم تجـدْ إلا الــوحــوشَ مــداويــاً وطـبـيـبـا
ولـدتـكِ أمــكِ والـغـرابُ مـزغــردٌ والطلـقُ يعـزُفُ فـي الحيـاة نحيـبـا
أمٌ ومــا أقـسـى الـزمــانَ يَـرُجُّـهـا حتـى جـرى منـهـا الـعـذابُ حليـبـا
وتنـزَّلَ الإرضــاعُ مــن أوجاعـهـا فـرَضَـعْـتِ ثـديــاً مُـوجَـعـاً وتـريـبـا
ولُقِـمـتِ أنـسـامَ الـوجـود مكـشِّـرا والـدهـرُ يـطـلـقُ بـارقــاً وحـروبــا
وتوالـتْ الأيــامُ تصـعـقُ شمسُـهـا ومشـتْ تُجـددُ فـي الربيـع غـروبـا
إلاكِ يــا بـنـت العـروبـة لــم نـجــد طــفــلا يـقـمِّـطُـهُ الـحـديــدُ ربـيـبــا
إلاكِ يـا بنـت المصـائـب لــم نــرى زهـراً تفـتَّـحَ فــي الـوجـود سليـبـا
إلاكِ فـي حجـم الحمائـم مــا ربــى طـفـلٌ يـهـمُّ عــن الأمــان ِهـروبــا
يتلـقَّـفُ الـسـجـانُ غُـــرَّة صُـبـحـهِ سِقْـطـاً، ليُصـبِـحَ بالعـنـاءِ طَـروبـا
يرجـو الوحـوشَ بـأنْ يعـودَ لأمِّــهِ فالسجنُ كان مع الوصـال ِ رحيبـا
كَبُـرَ الصِّغـارُ ليُفطَمُـوا فـي رغــدةٍ وفُطِمْـتِ مـن حلـو الــدلال كـروبـا
وحُرِمتِ من غَمْرِ الوصـال بطلعـةٍ ترَكَتْ حِماها فـي السجـون غريبـا
فـأثـار لـوعـتـكِ الحـنـيـنُ مـجــرداً حسـراتِ يوسـفَ أن يـرى يعقـوبـا
ورحلتِ من حضن الحنـان مثيـرة ً فــي قـلـبِ أمِّـــكِ جـمــرة ًولهـيـبـا
وكأنـمـا خطفـتـكِ أحـضـانُ الشـقـا فتـفـتَّـحَ الـعــودُ الـطــريُ قـضـيـبـا
يا ذي السعادة ُ تصطلي في خوفها تكـسـو الطـفـولـة أنَّـــة ً ومَشـيـبـا
يا ذي البراءةُ فـي الدجـى ملويـة ٌ والـحُـبُّ يلـعـبُ بالـدمـى معصـوبـا
يَلِـجُ السـؤالُ الدِّهـنَ حيـن تولَّـدتْ أفـهـل تلمَّـسَـتِ الـضـيـاء قـريـبـا؟
أفـهـل تـــأذّنَ والـــدٌ فـــي أذْنِـهــا؟ أو قَــرَّ فيـهـا مــن لـدنـه نصـيـبـا؟
قــدْ كـنـتُ أزعُــمُ أنـهـا أسـطــورةٌ مـا خلـتُ أنَّ الدهـرَ صـارَ عصيبـا
أو أنـهـا سقـطـت لتُصـبـحَ قـصــة ً حُبـكـت، وكــان أديـبـهـا مـوهـوبـا
لكـنـهـا وقــعــت بــكــل شـجـونـهـا فـتـلـبَّـذ الــفــنُّ الـجـمـيــلُ كـئـيـبــا
وتبـلَّـد الإحـسـاسُ عـنـد شـعـورنـا مـذ صــار رأيُ الخانعـيـنَ مُصيـبـا
أوَّاهُ أوَّلَ قـبــلــة حـــتـــى مـــتـــى يمـضـي زمـانـكِ مُعْنَـفـاً مغصـوبـا
أوَّاهُ يـا وطـن الجـراح أمـا اكتفـت منـكَ الرُعـود صواعقـا ً وخُطُـوبـا
أوَّاهُ يـــا فـرخــاً تــولَّــدَ بــالأســى ونـمــى شـهـيـداً يـألــفُ التـعـذيـبـا
صمتـاً، ولا تبكـي الظـلامَ فسمْعُنـا أطـفـى عـلـيـه الـواهـمـون دبـيـبـا
صـمـتـاً فـإنــا والـسـكـوتُ تـوائــمٌ مــا مــن بـكـاء يُنْـطِـقُ المصلـوبـا
أمْسَـتْ شجاعتُنـا المجيـدةُ حقـبـة ً كانـتْ، فـقـد صــار الجـبـانُ نجيـبـا
ماذا عسى سيفَ العروبة وهْـوَ ذا لـم يخـلُ فـي صــدأ الهـنـا مكبـوبـا
صُلِبَتْ حكايتُنا القديمة فـي المـدى ومضـى الأمـانُ وخـلَّـفَ الترهيـبـا
أمسى الزمانُ على المكان مغرَّبا إلا الــحــروفُ تــقــاوم التـغـريـبـا
وتساقطـت جثـث القصـائـد عنـدمـا كــنــا ســويــا نــدفـــعُ الـتـخـريـبـا
لا لـمْ يـعُـدْ قـتْـلُ الطفـولـةِ مُوْجِـعـاً لا لــم تـعــد كـــلُّ الـقـلـوبِ قـلـوبـا
كـانـتْ قـلــوبُ العالَـمـيـن طـريــة ً عـنــبٌ وأصـبــح بـعــد ذاك زبـيـبـا
وتكـدس الريـنُ المتـيـن بـنـا، فــلا زيــتٌ لَيَـصْـلُـحُ أن يـكــون مـذيـبـا
يـــا طفـلـتـي إنَّ الـســلاح مـكـبــلٌ لا تلمـسـي بـعــد الـغـيـاث مجـيـبـا
لا ترقبـي غــوث الشـعـوب فإنـهـا لم تغـدُ فـي وزن الشعـوبِ شعوبـا
دارت علـيـهـا الـدائــرات فحيـثـمـا انتفضـتْ أتـاهـا السلـطـويُّ رقيـبـا
مــاذا نـقـول وقـــد وُجـــدْتِ بـأمــةٍ لــم يـغْـدُ فيـهـا العـنـفـوانُ رطـيـبـا
إنْ كبَّـرتْ فـجـرَ البسـالـة لحـظـة ً قـامَ الجبـانُ إلـى الجمـوع خطيـبـا
يهجـو الشجاعـة والبسـالـة إنـمـا بـاسـم الـســلام يـبـالـغ الترغـيـبـا
لا تـسـأل ِ الدنـيـا ربـيـعـا مـؤنـسـا وُلِـــدَ الـربـيـعُ بعـمـرنـا منـصـوبـا
لا تطـلـبِ السـعـدَ المُعَـسَّـلَ مـــرة ً فـالـزهـرُ يـنـمـو عـنـدنـا مـثـقـوبـا
غـرِّدْ بـأذْن ِ صغارنـا وانـدُبْ لـهـمْ بـنـتــاً تـفـتَّــح عُـمْـرُهــا مـقـلـوبــا

خبر "عائشة" كما نشرته الصحف:
عائشة أصغر سجينة فلسطينية تغادر المعتقل

يقال أن الحياة مجموعة من القصص والحكايا لم تجد بعد من يرويها، بهذه الفكرة صرفت ملل الانتظار على بوابة معتقل تلموند الإسرائيلي اترقب ظهور عائشة، أصغر سجينة تطلق السلطات الإسرائيلية سراحها.

الطفلة عائشة خارج السجنففي هذا المعتقل الذي أقف أمامه ولدت الصغيرة قبل ثلاث سنوات، وفي عالم حدوده قضبان المعتقل وملامحه تكشيرة السجان، قضت سنوات عمرها الثلاث محرومة من لون السماء.

وذنب عائشة الوحيد أنها الابنة الوحيدة لامرأة فلسطينية اسمها عطاف عليان، تتهمها إسرائيل بالانتماء لفصيل سياسي معاد لها.

كانت الجدة أم وليد تجلس أمام السجن على صخرة وضعها الحرس لمنع اقتراب المركبات من البوابة. والجدة، التي جاوزت السبعين، هي ما تبقى للصغيرة عائشة من عائلتها بعد أن اعتقل الجنود الإسرائيليون والدها قبل الإفراج عنها بيومين فقط.

كان التوتر والقلق باديان على ملامح العجوز: " لو أنهم أجلوا اعتقاله يومين أو ثلاثة، سيعيش ولدي بحسرة لأنه لم يضم ابنته إلى صدره"، قالت أم وليد فيما تحجب أشعة الشمس عن وجهها بيديها.

واستطردت تروي تفاصيل اعتقاله التي بدت مشابهة لمئات قصص الاعتقال التي اسمعها، قبل أن تطلب مني أن أسأل الجنود الثلاثة على بوابة المعتقل متى يطلق سراح الطفلة.


عائشة خارجة من السجن مع المحامي ظهور عائشة

وقبل أن أقنعها باستحالة الاقتراب، فتحت البوابة الإلكترونية ببطء مصدرة صريراً مزعجاً، لتظهر عائشة... كانت تمسك بيد رجل تبين فيما بعد أنه محامي الوالدة عطاف وقد كلفته إدارة المعتقل باستلام عائشة وتسليمها لذويها بالخارج.

وفي تلك اللحظة صاحت الجدة وقد انتفضت واقفة على قدميها "يا حبيبتي يا ستي.. يا حبيبتي يا ستي" فيما اندفعت باتجاه الصغيرة تحتضنها وتقبلها.

لم تتقبل عائشة جدتها التي كانت تراها للمرة الأولى، واختبأت باكية خلف الرجل الذي اصطحبها فيما تصرخ بصوت حاد "ماما". وبدأت تسحب يد مرافقها للخلف فيما تتركز عيناها الدامعتان على البوابة التي أغلقت خلفها فحجبت عنها والدتها المنتحبة على فراق صغيرتها.

وبخطوات مترددة، خطت الصغيرة أولى خطواتها خارج العالم الوحيد الذي عرفته تحتضن بين ذراعيها دمية من قماش وما اتسعت له ذاكرتها الغضة من سنواتها الثلاث التي قضتها في السجن.


عائشة تشعر بالغربة حتى بالنسبة لجدتهاعائشة جاوزت سنتها الثالثة بشهرين، ويقول المحامي: "كان يجب أن تغادر قبل اليوم بستة أشهر على الأقل، وحسب قانون مصلحة السجون، لا يجوز للأطفال فوق سن الثانية مرافقة الوالدة المعتقلة".

ومثل عائشة، ولد خمسة أطفال داخل المعتقلات الإسرائيلية لأمهات سجينات، وفق إحصائيات "مؤسسة الضمير" التي ترعى شؤون الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية، خرج ثلاثة منهم مباشرة بعد الولادة لأسباب صحية تتعلق بظروف الولادة الصعبة، فيما توفي طفل واحد خلال عملية الولادة، وكانت عائشة الخامسة التي أصرت والدتها على إرضاعها.

عودة الى البيت

بسرعة، انشغلت عائشة بهاتفي الخلوي الذي لفت انتباهها برنينه المستمر، وهكذا أفلتت يد المحامي لترافقني وجدتها إلى المنزل.

هناك، انطلقت الصغيرة مستكشفة كل زاوية من زوايا المكان، فيما جلست أحادث الجدة بعد أن فشلت كل محاولاتي مع الصغيرة أحثها على الكلام، كان قلق الجدة يتمحور حول قدرتها على العناية بحفيدتها "لو أنهم تركوا أحد أبويها طليقا على الأقل، أنا لن أقوى على ملاحقتها في كل مكان، فمرض السكري أتلف قدمي".


التأقلم مع المحيط دون أمها خارج السجن ليس سهلااشتكت الجدة فيما تتنقل نظراتها مع قفزات الصغيرة التي بدت وكأنها تكتشف عالمها الجديد باحثة لنفسها عن مكان فيه.

غابت عائشة بإحدى غرف المنزل لتعود راكضة وقد حملت بين يديها صورة والديها يوم زفافهما، وبما أنها لم تعرف والدها إلا من خلف القضبان ولخمس وأربعين دقيقة فقط هي مدة الزيارة الواحدة، لكنها بالطبع ميزت والدتها ..."من هذه؟" سألتها محاولة جرها للحديث.

نظرت إلي الصغيرة وكأنها تعاتبني على جهلي "ماما...وين ماما؟..أروح ماما؟" تمتمت الصغيرة بمفرداتها الخاصة بها فيما تسمرت عيناها على الإطار الذي تحمله فتتحسس الصورة تارة وتقبلها تارة أخرى. "وين ماما راحت".

كنت أستعد للمغادرة عندما استوقفتني الصغيرة وهي تشد حقيبتي وتتمتم بكلمات لم أفهمها، انحنيت مقتربة من عائشة أحاول فهم ما تقول، بدت وكأنها تستجمع ما في قاموسها الصغير من كلمات علها تحصل على ما تريد ثم نطقت "أروح معك؟... أجيب ماما؟".

وقفت عائشة بتحد تبوح بشوقها لحضن أمها وإن احتجزته القضبان. فسنواتها الثلاث كن بالنسبة لها عمراً كافياً لتدرك الكثير..



#أحمد_الماجد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الماجد - يا طفلتي