خائن من يسعى الى سلام!! عميل من يكره سفك الدماء! وكافر من يفاوض عدوًا! اما البطل، فهو ذاك الذي يكره الآخر، ويجعل للحرب إلهًا من صنع كراهيته..
نكتشف مرة اخرى، بان الشعوب مسكينة، تائهة مضلّلة، خاصة حين تصغي الى صنفين من التطرف.. أحدها قومي والآخر ديني، هذان حاجزان بين الانسان والانسانية، بين الشعب وبقية الشعوب.. ومن حسن حظ بعض الشعوب ان يصطدم هذان الصنفان فيُضعف أحدهما الآخر ويتنفس الناس الصعداء.. وأحيانًا يجتمعان ويتفقان.. وعندها، يا ويل الشعب!!
والشعب اليهودي، شعب الله المختار، شعب الكتاب، يتعاطى الافيون من يد رجال دينه ويعبّ من خمرة الاستعلاء القومي.. القوميون يحذّرونه من السلام: "لا تصالح! نحن الاقوى، وما العرب الا بضع رعاة وخيمات بالية.. الارض لنا والسماء والبحر، وليبحث الفلسطينيون والعرب جميعًا عن ارض وسماء، وبحر في مكان آخر خارج هذا الكوكب.
ودار الإفتاء اليهودية، ما شاء الله! وصيّة على وصايا الله، راعية للعدل الإلهي على الارض.. وحريصة على عدم سفك الدماء!! وتبكي كل مطلع شمس مقتل "هابيل"!! دار الافتاء هذه تظل هادئة خاشعة في صلاتها ما دامت المدافع تقصف، وما دامت صرخات الجرحى وعويل الثكلى "يعبق" في الجو.. لكنها تفقد العقل وتهشّ بعضها عن الصلاة ان توقف دويّ القنابل او نادى المنادي "هيا الى السلم" وكأن هذه الفئة تعمل عند عزرائيل على حصة!
جريمة لا غفران عليها، تلك التي ارتكبها اسرائيليون وفلسطينيون في جنيف.. تصوروا.. بانهم اتفقوا على صيغة حلّ سلمي!! فبأي وجه يقابل هؤلاء الكفرة الخونة اله الحرب القاعد في رأس كل متدين متطرف حاقد على كل الاديان الاخرى؟!
ماذا يقول يوسي بيلين لاله اسرائيل؟!! أيقول له، "دعوت الناس للكف عن تقديم الضحايا البشرية من اجل قبري اسحاق ويعقوب وزوجتيهما ايضًا؟!! فما قيمة هذه القبور ان لم ينقرض اليهود والعرب من اجلها؟!
والشعب التائه في سيناء، ما زال تائهًا.. ولكن في مكان آخر وزمن آخر.. والرب الذي أعطاه المن والسلوى وحمل سيفه وقاتل عنه وله في اريحا ونابلس ومرج ابن عامر.. نفس الاله، كان يبحث عن عمل آخر في مكان آخر حين ضرب الهيكل الاول فالثاني وعندما راح القوميون النازيون يحصدون الشعب اليهودي تلبية لواجب فرضه الاله القومي عليهم.. هذا الشعب التائه والذي يرعاه اليوم رب آخر، ليس "يهودي"، بل امريكيًا، هذا الرب الجديد يمطر على اسرائيل بدولارات واسلحة.. ويقاتل لها وعنها في العراق وافغانستان وفي كل مكان.. هذا الاله.. هو ايضًا، سيبحث يومًا عن عمل في مكان آخر، وماذا سيقول وكلاء عزرائيل للناس يومئذ؟! سيقولون: "لقد تخلى الرب عنا ولقد ظلمنا قومنا".
أعرف ان حماقات العرب اصبحت روتينًا اعتاد عليه العالم، لكن، من الظلم ان نلوم الفلسطيني اللاجئ الذي يعارض "تفاهمات جنيف" فقد بقي "تقريبًا"، خارج الحلّ..
لكني الوم المظاهرات الفلسطينية في الضفة والقطاع والتي جعلت من الوفد الفلسطيني جماعة خائنة، ولا تمثل الا نفسها.. ورغم ذلك، يمكننا القول، بأن هؤلاء الذين خرجوا في مظاهرات، يقاومون الاحتلال، يعانون، ويرغبون لأنفسهم مزيدًا من المعاناة على أمل ان يحققوا مكاسب أكثر.. لكن، ما بالكم بفئة عربية من مواطني اسرائيل، تعارض "تفاهمات جنيف" وتصرّ على أن ترى الشعب الفلسطيني يقاتل حتى آخر طفل وبيت امام عينها اليسرى لأن عينها اليمنى تطلّ على منظر بديع يشرف عليه فندق، تمرح وتسرح فيه!!!
ورغم ذلك، تبقى حماقات الشارع الاسرائيلي صاحبة الحظ الاكبر في نيل جائزة الشعب الاكثر ضلالاً في التعامل مع تفاهمات جنيف واغراقًا في وحل الحماقة، جاء الرد الاسرائيلي على اعلان بشار الاسد عن استعداده للدخول في مفاوضات مع اسرائيل، دون شروط مسبقة، وكان الرد الاسرائيلي خليطًا من الحماقة والعُنجهية، مع اهانات للجانب العربي تصب الزيت على نار الاحقاد.. فوضع وزير خارجية اسرائيل شرطًا للتفاوض، "ان تكفّ سوريا عن مساندة "الارهاب".. والسؤال البسيط، من الذي سيقرر ان سوريا كفّت عن مساندة "الارهاب"؟ اسرائيل بالطبع! ومصدر اسرائيلي آخر، فسّر تصريح بشار الاسد، على انه يشير الى مأزق سوري امام التحرّشات الامريكية، يعني ان اسرائيل لا تبحث عن سلام مع سوريا، ولا مع الفلسطينيين.. فقد ضمنت حياد مصر، وضمنت حدودها الشرقية والتي هي اطول حدود.. وأمن حدودها مع لبنان مريح الى حد ما.. ولم يبق الا الصمود في معركة كسر الفلسطينيين!
اوهام وضلال وحماقات يغذيها شياطين القومية والدين في المجتمع الاسرائيلي.. هؤلاء الذين يضلّلون الشعب الغارق في سبات أفيونه. هذا الشعب تعلّم الحماقة واتقنها.. هذا الشعب، يرى ويدرك أن ربه الجديد "امريكا" يبحث عن اقرب مسار للهرب من احتلاله للعراق، فهل هو اقوى من ربّه الجديد؟! واذا كان احتلال امريكا للعراق، هو ثاني محاولة امريكية لاحتلال دولة عربية - وقد سبقتها محاولة احتلال لبنان - قد حكم عليها التاريخ بالفشل خلال نصف سنة.. فهل حماقة القيادة الاسرائيلية تحتاج الى اكثر من ست وثلاثين سنة حتى تدرك ان الاحتلال فاشل؟! مجموعة يوسي بيلين يهودية وطنية انسانية، وهي لم تذهب الى جنيف بسبب عشق مفاجئ للعرب، ولا اظن ان قائد اركان الجيش الاسرائيلي سابقًا، امنون ليفكين شاحك، قد خان اسرائيل وباع اسرارها لجبريل الرجوب، ان مجموعة بيلين، لا تعمل من اجل انقاذ فلسطين، بل لانقاذ اسرائيل من ضلالها، من مقت العالم لها، من انتمائها المطلق لامريكا وعدائها السافر للمنطقة التي تحيط بها، من انهيار اقتصادها وانهيار اخلاق اجيالها.. من عنف الاحتلال الذي يرتد اليها في شوارعها وبين شبابها.. من دجل وكلاء عزرائيل، من تحالف الدين المعبأ بالكراهية للآخر مع دجالي القومجية الصهيونية.
انا لا ادافع عن بيلين ومجموعته.. ولا ادافع عن تفاهمات جنيف.. ولا اكتب بالعربية حتى يقرأ الناطقون بالعبرية.. بل اتمنى ان نتعلم من اخطاء الآخرين،، من تجارب الآخرين، ونجعل صوت العقل والضمير فوق اي اعتبار.
ويحق لنا نحن في الجبهة الدمقراطية والحزب الشيوعي ان نكشف للشعبين في هذه البلاد، بأن موقفنا ثابت عقلاني.. لقد طرحنا الحل العادل منذ نصف قرن.. واليوم، نبارك ايّ حل يتوصل اليه الطرف الفلسطيني والاسرائيلي عبر الممثلين الشرعيين، وحتى مع اعتقادنا بان تفاهمات جنيف تحتاج الى بعض التعديلات من اجل ضمان سلام راسخ، فإننا لا نقف على الجدار بانتظار النتائج حتى نقرر موقفنا.. كما يفعل الانتهازيون والدجالون في القومية والدين عندنا أيضًا.
ومع ان مجتمعنا العربي، تتقاسمه احزاب عدة في انتخابات الكنيست، لكني اعتقد ان حضور الحزب الشيوعي الاسرائيلي والجبهة الدمقراطية في جنيف يجسدان موقف الغالبية الساحقة للجماهير العربية في اسرائيل وموقف الجماهير اليهودية المحبة للسلام العادل.
شعبان يعيشان بين النهر والبحر، ولم يثمر الخطاب القومي المتشنّج، والخطاب الديني المتطرف الا عن المأساة تلو المأساة للشعبين، لأن صوت العقل والضمير كان عدوًا وما زال لقوى التطرف القومي والديني في الطرفين. ومن اجل ان نشنّ معركة سلام عقلانية في الشارع اليهودي لا بدّ ان نسير نحن اولا مع العقل، وننبذ التطرف القومي والديني.
ان مجموعة بيلين تستحق الدعم، ليس من اجل الشخص، بل من اجل الفكرة والهدف والمستقبل.. والحزب الشيوعي والجبهة يستحقان كل الشكر على وجودهما في جنيف.. لان هذا الحضور وان كان غير شريك، وليس هذا هو المطلوب منه، يؤكد موقفًا مسؤولاً يجيز له شرعية القيادة في الزمن "الضبابي".. ايضًا.. واعتقد بان الجبهة الدمقراطية قد عادت الى موقعها الصحيح، ولم تذهب بعيدًا في منافسة دعاة القومجية والدين وهي الآن في مسارها الصحيح نحو هدف واضح، العمل من اجل السلام والمساواة.
نقلا عن موقع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
http://www.aljabha.org/