أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمار السواد - بدائل الخرافة.. عقلنة اللامعقول















المزيد.....

بدائل الخرافة.. عقلنة اللامعقول


عمار السواد

الحوار المتمدن-العدد: 2170 - 2008 / 1 / 24 - 01:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الحلقة الثانية: الغيب والتقديس والعقل اوعقلنة اللامعقول
الكثير من التجارب البشرية، بما في ذلك تجربة الحضارة الحديثة والانسان المعاصر، اثببت صعوبة تحرر الانسان بالمطلق من التمسك بشيء من الخرافة، او ما يوصف بانه "خرافة" فضلا عن الغيب.وصعوبة تحرر الانسان من الغيب الخرافي والغيب اللاهوتي لا تنبع فقط من حاجته الى ملجأ ومهرب ومفاهيم يلوذ بها عندما يعجز المحسوس عن حمايته او اشباع غريزة المعرفة لديه، بل تنبع ايضا من رغبة ازلية في تكوين صور وافكار وتخيلات غير محسوسة. ولا يعني عدم خضوع اللامحسوسات للقيمة العقلية انها غير حقيقية، الا انها تبقى في منطقة المخيال او الوجدان ما دامت تفتقر الى مقدمات حسية. وفي المقابل لاتعني هذه الحاجة ان للكثير من الغيبيات وجودا واقعيا يمكن التوصل الى صحتها.. ما يمكن ادراكه وتعقله واثباته هو ان الانسان بحاجة الى الغيب. غير ان هناك فرقا عميقا بين الحاجة للغيب والخرافات وتقديسها. وايضا يوجد فرق كبير بين عقلنتهما ووجدانيتهما. فالخرافات وعموم الغيب ذات سمة فردية يستحيل اثباتها، وتحولها الى سياق اجتماعي او وجود منتشر يأتي من خلال عاملي التقديس والعقلنة.. أي انه وبهذين العاملين انتقلت القضايا الغيبية بجميع اشكالها من الخصوصية الفردية الى اتفاق جماعي قسري.عامل العقلنة هنا يعني تحويل اللامعقول الى معقول واللامحسوس الى محسوس رغما عن العقل. وان اغلب محاولات الاصلاح الديني وعمليات اعادة قراءة الجانب غير المعقول من الاديان تحصل بإضفاء لغة عقلية عليها، ورغم ان العقلنة هنا تكون مقحمة وغريبة عن المجال الذي يتحرك فيه الغيب، الا انها يمكن وبسهولة كبيرة ان تنطوي على الغالبية البسيطة من الناس، خصوصا اذا ما استخدمت القداسة لممارسة التدليس عليهم.واذا ما حصل تقديس الخرافات بصورة جماعية فإن الانسان بذلك سيخضع لمفاهيم وتصورات وتفسيرات محددة رغما عنه، ما دامت مقدسة وممنوعة من النقاش والنقد، خصوصا وان منطقة الخرافات تختلف تماما عن المجالات الخاضعة للغة العقل المبنية على التفكير والجدل. وعندما توضع قداسة الخرافات موضع التقديس العام فان المؤمنين بها سيضطرون اولا الى منع الاخرين من أي مساس بها، ومن بعد ذلك سيجدون انفسهم اوصياء يمارسون الاكراه لتحقيق الايمان المطلق حتى وان كان هذا الغيب خرافة. واضافة الى ذلك يبدو ايضا ان اخضاع الغيب بمظاهره غير المحسوسة للإثبات والنفي العقليين محاولة بائسة.. لانه اقحام للعقل فيما لا يستطيع اثباته او نفيه.. ولهذا فان من الضروري جدا ان لا يورط العقل نفسه في اطار لا يمكن له ان يتحرك فيه نفيا او اثباتا.. لان هذا الاطار خاص بالوجدان الذي هو حالة خاصة بالفرد.. وكما ان عقلنة الوجدان او اخضاعه للجدل العقلي المجرد فعل خاطئ فإن من الخطأ ايضا "وجدنة" العقل وتقييده بالاحكام الصادرة من الوجدان. لهذا حصل خلل كبير عندما اعطيت آلية الادراك القلبي او الوجداني الحق بأن تمارس وصاية على العقل وتتدخل في وظائفه. وهنا اختل التوازن لصالح الغيب بصورة عامة والخرافات بشكل خاص، لتتقيد فاعلية العقل في نهاية الامر لصالح القناعات النابعة من الايمان بالغيب حصريا. في حين ان وظائف الوجدان هي البحث عن طرق اشباع "الروح" او القلب من خلال الغيب، ووظائف العقل هي اكتشاف مكامن الخلل المحسوسة والسعي لوضع او استكشاف العلاجات اللازمة. فالعبادات والروحانية والتصوف والايمان بالحياة ما بعد الموت ونهاية العالم السعيدة... هي من مظاهر الفعل الوجداني، والثقافة والعلم والفكر والقوانين والصناعة والزراعة... هي من مظاهر الفعل العقلي.. واخضاع أي من وظائف الفعلين للآخر يؤدي الى تشويه العقل والمحسوس، وتشويه الوجدان والغيب.ورغم ان اثبات او نفي اكثر نماذج الغيب اللاهوتي او الخرافي غير خاضعة لإثبات العقل ونفيه، الا ان من الممكن اخضاع بعض الغيبيات للغة العقل وعلومه. واقصد هنا تحديدا موضوع الخلق، او وجود الخالق. باعتبار ان هذا الموضوع خاضع لقوانين السببية. فقانون "وجود سبب لكل حدث او فعل او وجود" قانون عقلي. الايمان بالله الصانع للأشياء وخالق البشر ايمان وجداني وعقلي في الوقت ذاته.. الا ان التصور الواحد والحاسم وغير الخاضع للجدل عن الله هو الذي تسبب بايجاد خلل في البنية العقلية للمجتمع والفرد، وهذا التصور ادى الى شيوع مفهوم مرعب عن خالق الرحمة والعدل والجمال والعواطف والعقل والرغبة. فبدلا من التأكيد على ان الصورة الموجودة في القلوب عن الله تختلف من شخص لآخر وخاضعة لقناعات وافكار ومزاج وظروف حاملها، تحولت بفعل قسري الى صورة دينية موحدة يشترك فيها ابناء الدين الواحد.. وفي هذه الحالة يحرم الفرد من ممارسة حريته في التواصل مع إلهه. وفي الوقت ذاته اضحت الصورة الموجودة عن الله خاضعة لرغبات حراس التفسير والتأويل.واما عملية اثبات ونفي الموضوعات الغيبية الاخرى ما عدا موضوع الخالق فهي خاضعة للوجدان فقط، وليس للعقل. ولكن عدم قدرة العقل على اثبات ونفي الغيب لا تعني انه لا يمارس تقييمه عليه.. على العكس ان بعض الامور ذات السمة الغيبية قد تكون سيئة التأثير على تفكير ووعي الانسان، وهنا يكون من دور العقل البحث عن هذه الامور والعمل على تفكيكها او تحجيم تأثيرها.من هنا ليس مهما تحديد مصطلح الخرافة ومعرفة ما اذا كان مختلفا عن الغيب ام هو جزء منه.. خصوصا وان من الصعب وضع ميزان لتحديد معنى الخرافة في ظل التداخل الشديد بين الغيبيات البشرية والدينية والفلسفية... ومن الصعب، ايضا، اطلاق حكم شامل على عقائد الناس، مهما كانت، على انها خرافات ما دامت القضية تابعة لقناعة الانسان، وما دام هناك احتمال لصحتها. المهم معرفة الآليات والطرق التي يمكن من خلالها منع الغيب والخرافات وكل ما هو غير محسوس من ممارسة دور الوصاية على الانسان بطريقة تسلبه ارادته وتمنعه من التفكير بحرية. فليست الخرافات فقط تحجم قدرة العقل من ممارسة وظائفه، بل نماذج كثيرة من الغيب.هذه الآليات والطرق غير متوفرة في ثقافتنا الاسلامية، لوجود مشكلة حقيقية في الواقع المعرفي الديني هي انه لا يؤمن بالعقل الا اذا كان متوافقا مع احكام وعقائد الدين، أي الغيب. وبهذا فإن الدين الذي تهيمن عليه الغيبيات لا يمكن ان يقوم بعملية الفصل الضرورية بين مجالي الوجدان والعقل. وعلى الجهة الاخرى ليس ممكنا ايضا اللجوء الى رؤى معرفية لا تحترم الغيب ما دمنا جميعا بحاجة اليه، وما دام العقل غير قادر على نفيه. لذلك هناك حاجة ماسة لبدائل تعيد تشكيل المنهج المعرفي، هذه هي الخطوة الاهم لمعالجة كل هذا التخلف والانهيار الاجتماعي والسياسي والثقافي المهيمن على مشهدنا الاسلامي. ولكن ما هو البديل؟.. لا اعتقد ان مجرد اصلاح الوضع واعادة تأهيل المقولات نفسها وفق خطاب وصياغة جديدة امر نافع، بل ان النتائج كانت عكسية. فالاصلاح هو محاولة عقلنة لغير المعقول، وتكريس للقداسات وفق رؤية حديثة. بل واكثر من ذلك ان بقاء هيمنة رجال الدين التقليديين خير من ظهور المصلحين الدينيين، لان الاصلاح بعد قرنين اثبت ان البدائل اطالت عمر المرض واعادت صياغة مكامن الخلل ما صعّب المهمة. وهذا طبيعي لأن الاصلاح و"التجديد" عجز عن الايمان بأن الانسان هو الهدف الاول للافكار والمفاهيم والتصورات والقوانين. بدائل سيد قطب وحسن البنا كانت اشد خطورة على الانسان من اتساع رقعة المعتقدات الشعبية الساذجة.. وما طرحه علي شريعتي من افكار حولت المجتمع من الخرافة الى الايدلوجيا. وزيارة القبور هي خير الف مرة من سلفية محمد بن عبد الوهاب التي اصدرت حكم اعدام على اكثر المسلمين فضلا عن سواهم... ان سلبية الخرافة التقليدية خير من قاعلية تؤدي الى سفك الدماء الناس على عتبة القداسة. وقد تكون محاولة محمد باقر الصدر في السنن التاريخية، حصريا، محاولة جيدة كان يمكن ان تساعد في ايجاد ثغرة حقيقية في المنهج السائد، عندما اصر على ان هدف الاديان هو رفع الظلم عن الانسان وليس مكافحة مجردة للكفر.. الا انها ضاعت ضمن مشروعه المكرس لأعادة تأهيل ما انتهت فاعليته. من هنا فإن البديل عن مناهج التفكير السائدة يجب ان يستند الى رؤية معرفية عميقة هدفها هو الانسان.. وفي الوقت ذاته تحترم فيه قناعات الانسان الوجدانية. وهذا لن يتحقق من دون وجود مشروع واضح المعالم والاهداف.
عمار السواد (الكعبي)




#عمار_السواد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بدائل الخرافة.. علاجات اضحت مأزقا
- الصحوة في العراق..نجاح وخطر
- فصل الديك !
- حوار متمدن.. وليس مؤدلجا
- فتاة القطيف.. دعوة للوقوف بوجه القضاء السعودي
- تشيّؤ الوعي
- الخوف من التحلج
- غربتنا في العراق
- لمن هي مفاتيح جهنم؟ الحلقة الثالثة: عندما تكون الطاعة استعبا ...
- لمن هي مفاتيح جهنم؟ الحلقة الثانية: دفن الذات.. عندما يكون ا ...
- لمن هي مفاتيح جهنم؟ ح1
- اخشى ان نكون متطرفين على كل حال
- كي لا تصبح برودة الصراع الاقليمي ساخنة!
- كي لا تصبح برودة الصراع الاقليمي ساخنة!!
- -التمرغل بدم المجاتيل-
- اين ذهبت حكمة السعودية؟
- هو الهنا كما هو الهكم...
- قلبي معك يا مدينة الفقراء
- انه الشعر.. استبد بنا فجلعنا كلمات فاغرة!!
- الشهيد صدام حسين


المزيد.....




- مسؤول إسرائيلي لـCNN: إسرائيل لم تقبل مقترح مصر بشأن صفقة ال ...
- رغد صدام حسين تبدأ نشر مذكرات والدها الخاصة في -المعتقل الأم ...
- وزير الخارجية الأردني: لو كان إلغاء اتفاقية السلام مع إسرائي ...
- بلينكن يزور السعودية وحماس تبث فيديو لرهينتين
- بعد بن غفير.. تحطم سيارة وزير إسرائيلي في حادث سير بالقدس (ف ...
- روبرت كينيدي يدعو ترامب للمناظرة
- لماذا يخشى الغرب تمدد احتجاجات الجامعات الأمريكية لأوروبا؟
- كمبوديا تعلن مقتل 20 جنديا وجرح آخرين في انفجار بقاعدة عسكري ...
- إلقاء القبض على شخصين كانا يخططان لشن هجمات إرهابية في مدينة ...
- شرطي تركي يطلق النار على رئيس مركز الشرطة ورئيس مديرية الأمن ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمار السواد - بدائل الخرافة.. عقلنة اللامعقول