أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - ابراهيم قراده - الإيدز: كارثة مزدوجة تنتفخ في رحم المعاناة الليبية















المزيد.....


الإيدز: كارثة مزدوجة تنتفخ في رحم المعاناة الليبية


ابراهيم قراده

الحوار المتمدن-العدد: 669 - 2003 / 12 / 1 - 03:17
المحور: الطب , والعلوم
    


الأول من ديسمبر، اليوم العالمي للإيدز
أقرت الأمم المتحدة الأول من ديسمبر كيوم عالمي لتذكر المصابين بالإيدز، وللتذكير بخطورة هذا الوباء القاتل الداهم.

حول الإيدز وفيروس HIV
"إيدز": هي اختصار من الحروف الأولى للمصطلح الإنجليزي: "مترافقة نقص المناعة المكتسبة"، أما HIV (أتش أي في) فهي اختصار لـ: "فيروس نقص المناعة الإنساني". يصيب الفيروس خلايا جهاز المناعة في الإنسان، بإخلاله وإعاقته لوظيفتها. الإصابة بالفيروس تؤدي إلى إضعاف متزايد في الجهاز المناعي مسببة قصور في مناعة الجسم، مما يعني إخفاق جهاز المناعة عن القيام بدوره في محاربة العدوى والسرطان، جاعلا من جهاز المناعة عرضة للعطب السريع.

تقود العدوى بفيروس HIV إلى الإصابة بالإيدز والذي قد يكمن أو يخمل لتظهر أعراضه خلال 8-10 سنوات، إذا لم يعالج. ينتقل فيروس HIV: عبر الممارسة الجنسية ( الشرجية أو المهبلية)، نقل الدم، الاشتراك في استخدام إبر ملوثة أثناء حقن المخدرات، أو بين الأم والجنيين أثناء الحمل، وولادة الطفل، ورضاعة الثدي. يظل نقل الدم الملوث أو الاشتراك في استخدام إبر المخدرات الملوثة أكثر وسائل العدوى بـ HIV خطورة، في حين انه لا ينتقل من خلال الهواء أو الماء أو الاتصالات العابرة.

تزيد السلوكيات الخاطرة من احتمالات الإصابة بالفيروس. ومن هذه السلوكيات: ممارسة الجنس بدون عازل (condom) (ذكري أو أنثوي)، ممارسة الجنس الشرجي، ممارسة الجنس مع أكثر من شريك، ممارسة الجنس مع عمال (المعتاشين) الجنس، الحقن باستخدام أدوات غير نظيفة، وفي حالة الحمل والولادة والإرضاع الثديي عند وجود HIV موجب ودون التطوع بأخذ استشارة أو اختبار أو باقي التدخلات الطبية.

الهشاشة والضعف أمام عدوى الفيروس تأتي من الظروف التي تكون خارج السيطرة المباشرة للناس المتأثرين به، ومن هذه الظروف: الفقر، الوضع الاجتماعي المنخفض، عدم المساواة، التفريق بسبب الجنس (gender)، التمييز، التهميش، والتجريم. ومن الظروف أيضا: إنقاص أو منع تزود الأشخاص بمعلومات عن الفيروس، وبالخدمات ووسائل الوقاية والدعم، وكذلك عدم المساواة بسبب الجنس تزيد من الضعف أمام فيروس HIV عند كلا الجنسيين (رجال ونساء).

توطئة لابد منها
من تقارير صادرة عن برنامج الأمم المتحدة المشترك للإيدز ( UNAIDS)،
• بنهاية عام 2002، قدر عدد المصابين بالإيدز والحاملين لفيروس HIV بحوالي 42 مليون نسمة، منهم 5 مليون حملوا الفيروس في سنة 2002، توفى منهم حوالي 3.1 مليون شخص بسبب الوباء.
• تبقى افريقيا تحت الصحراء أكثر المناطق تأثرا بوجود حوالي 29.4 مليون شخص يعيشون مع الإيدز أو فيروسه، منهم 2.4 مليون شخص تقريبا أصيبوا سنة 2002، في حين يقدر الذين فقدوا حياتهم بسبب الإيدز بـ 2.4 مليون نسمة. كما قدر وجود 10 مليون يانع بين عمر 15- 24 سنة، وعدد 3 مليون طفل( اصغر من 15 سنة)، يحملون فيروسHIV. وفي بعض الدول الافريقية حدد أن ما يزيد عن 20% من البالغين ( بين عمر 15- 49 سنة) مصابون، وفي هذا البلدان سيكون الإيدز مسئولا عن إنهاء حياة ثلث عدد البالغين من العمر 15 سنة اليوم، إذا لم تتخذ إجراءات لإبطاء ذلك.
• سبب الإيدز في تيتيم (فقد الأم أو الأب) أكثر من 11 مليون طفل افريقي، نصفهم في العمر بين 10- 14 سنة.
• التقديرات الحالية تتوقع 45 مليون إصابة إضافية بين سكان الدول المنخفضة والمتوسطة الداخل- وليبيا من ضمنها بحكم انتمائها للدول المتوسطة الدخل- وذلك خلال الفترة 2002- 2010، إذا لم ينجح العالم في تمديد جهوده الوقائية.
• وحسب ورقة الحقائق الصادرة عن نفس الجهة: أنه بنهاية عام 2001، قدر عدد حاملي فيروس HIV أو المصابين بالإيدز في ليبيا بـ 7000 شخص، منهم 1100 من النساء. تشير نفس الورقة إلى حدوث تفشي مدوي باكتشاف أكثر من 370 حالة في 1998، ليحدث انتشار مدوي أخر في سنة 2000 بتسجيل 571 حالة بين الوطنيين (الليبيين)، وكان منهم 564 من متعاطي المخدرات ممن كانوا مسجلين عند "البرنامج الوطني للإيدز". وهذا ما تصفه الورقة بأنه رقم كبير مقارنة بالحالات المتراكمة والمسجلة في نهاية 1999، والتي بلغت 611 حالة.
• وهذا ما عاد وأكده تقرير متابعة صدر مؤخرا جدا، ديسمبر 2003، (The annual AIDS epidemic update reports) صادر عن برنامج الأمم المتحدة المشترك للإيدز، والذي سجل إصابة حوالي 55 ألف شخص بفيروس HIV في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما رفع عدد الذين يعيشون مع الإيدز أو فيروسه (HIV) إلى 600 ألف شخص، مسببا في مقتل ما يقارب 45 ألف حياة، وخصوصا بين الأشخاص المثليين ومستخدمي المخدرات بالحقن(Injecting Drug use). ويبدي ذات التقرير قلقه من ارتفاع عدد الإصابات في ليبيا، حيث أن 90% من الإصابات تعود إلى استخدام حقن المخدرات. ويستدل التقرير، بأنه في أحد المصحات الليبية لمعالجة الاعتماد (الإدمان) على المخدرات، كان 49% من المرضى ( المدمنين) الجدد من الحاملين لفيروس HIV خلال السنوات الثلاثة الأخيرة!

1. من تقرير صادر عن البنك الدولي، عن الإيدز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا صدر في نوفمبر 2003:
• وباء فيروس HIV/ الإيدز سيكلف منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ثلث الناتج المحلي الحالي بحلول عام 2025، إذا ما ترك دون اتخاذ أية إجراءات ضده.
• غياب الدراسات المسحية المنتظمة في كل دول المنطقة على المجموعات المهددة بالإصابة أكثر من غيرها، كمتعاطي المخدرات بالحقن في الوريد، وعاملات الجنس، والمهاجرين.
• الثقة المبالغة في النمط الثقافي والاجتماعي المحافظ، أدت إلى استمرار الاعتقاد بانخفاض معدل الخطورة ودرجة الاهتمام ضمن برامج التنمية، مما انعكس في وجود مستويات حماية غير كافية ضد فيروسHIV /الإيدز.
• يوجه التقرير إلى أهمية ممارسة أقصى درجة من الالتزام السياسي بالاستثمار في برامج الوقاية، حين استطاعت المجتمعات التي تميزت حكوماتها بالصراحة، وتقديم المعلومات والخدمات اللازمة، والتعاون مع المجتمع المدني، أن تتصرف على نحو أنجع.
• عدد قليل من بلدان المنطقة بدأ في إعداد خطط للتعامل مع فيروسHIV /الإيدز.

2. من تقرير مكتب الأمم المتحدة الخاص بالتعامل مع المخدرات والجريمة:
• يشير التقرير إلى وجود معلومات قليلة عن تعاطي المخدرات في ليبيا، كما يذكر التقرير أن المرافق العلاجية محدودة وفقيرة جدا بسبب نقص التمويل- انتشار الإيدز مرتبط بتعاطي المخدرات على المستويين الدولي والليبي.

من واقع الإيدز في ليبيا
حجم الأرقام المتعلقة بالإيدز في ليبيا وتطورها المتسارع صادم بكل المقاييس والاعتبارات، إلا أن دور تعاطي المخدرات في الكارثة صادم أخر! والتمهيد السابق يوطئ المجال لتنزيل حقائق"ايدزية" مفجعة حدثت وتتحدث في جماهيرية الخوف العظيم والفساد الأعظم.

لا يمكن تناول قضية الإيدز على المستوى الليبي إلا وتبرز قضية/ فضيحة "إيدز أطفال بنغازي 1998” حين ما يزيد عن 393 طفل بحقن ملوثة بفيروسHIV،  حقنوا بها في مستشفى "الفاتح" للأطفال ببنغازي ليصابوا بفاتك الإيدز - نعم حدث ذلك في مستشفى، ولكنه مستشفى "الفاتح"!. فضيحة كارثية مستمرة لم تنتهي بالحادث، بل بالتمادي في إخفاء الحقيقة المفجعة عن أولياء الأطفال لتصاب بالعدوى أمهاتهم وآبائهم ليرتفع لذلك عدد المنكوبين قبل أن تفوح رائحة الفضيحة، ويُعلم الأهالي بالحقيقة المرة.

كارثة بهذه المستوي المريع كانت كفيلة بدحرجة اعتى الحكومات وجر أكبر مسئوليها للمحاكمة، ولكنها ديكتاتورية مرعبة. حكومة مرعبة وغبية جبانة، جبُنت عن مواجهة جناية إهمالها وجرم تسيبها فاتهمت طاقم طبي بلغاري (خمسة ممرضات وطبيب) وكادر فلسطيني، دون أن تتهم قصورها وتحاكم فشلها. حكومة غبية وصفيقة كاذبة، بعدم تورع أمين ( وزير) الصحة "سليمان الغماري" في بداية تسرب أخبار الجريمة عن حصر الإصابات في 62 حالة فقط، والإشارة إلى أن – عفائف- الأمهات قد يكنن مصدر العدوى. حكومة صفيقة ووقحة مستهترة باستخفافها بالمصاب وأهله بمحاولة إسكاتهم بتقديم مبلغ 30 إلف دينار وسيارة (قيمتها 4 ألاف دينار) لكل أسرة منكوبة. حكومة وقحة محتالة بمساواتها لمصاب (تعويض) 411 أسرة ليبية بمصاب (تعويض) أسرة واحدة من ضحايا لوكربي.   ولكنها حكومة ديكتاتورية خائنة وميتة الضمير أيضا.

"وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت"!
 
بإطفاء نظرة حية، من المسكين هي أم الوطن؟ 
طفولة مهدورة وأبوة مغدورة وحكومة غير معذورة!
وإذا الوطن سأل، فالعين بصيرة وبعض اليد قصيرة! ( الصور من ليبيا وطننا، عن مجلة لا- عدد 78،1998)

تلبيس أو إلصاق التهمة للبلغار كان المطب وسيكون الفجوة بل كوة الضوء التي ستوفر الدليل لإدانة النظام، فالبلغار ورائهم دولة، ولعل ذلك هو السبب وراء التأجيل المتواصل للمحكمة منذ أكثر أربع سنوات، ومع هذا يبقى من الحق الملح إجراء محاكمة عادلة، فالتسويف عسف وظلم بحق الأهالي تماما كما هو بحق البلغار المتهمين. أما الخوف فهو من خائنة النفس الخائبة بتدخل مهندس "صفقة لوكربي" القذافي الابن، المدعو سيف الإسلام، في القضية بإقحامه نفسه على القضاء بفرض مؤسسته المعروفة بـ" مؤسسة القذافي للجمعيات الخيرية" كمراقب في القضية والمحاكمة المنتظرة،  بعد ضغطه لتحويل القضية إلى جناية عادية لا تمس بأمن الدولة، ونقل المتهمين البلغار من الحجز إلى إقامة جبرية جزئية متراخية- بل أنه، وبصفته "الفنية" جدا، زر بلغاريا للالتقاء بقادتها وطبعا لعرض رسوماته، دون مراعاة للظرف أو مشاعر الأسر المنكوبة- ولم يقتصر التدخل القذافي على ذلك بل لتتدخل القذافي الابنة، "عائشة"، في مزاحمة مع أخيها على إبداء القلق على أوضاع البلغار المتهمين، أما الفلسطيني فهو مسكين كالليبيين تماما.

فاجعة الإيدز لم تنتهي مع تلك المأساة، لتشهد تصاعدات خطيرة في معدلات الإصابة، كما بينت ورقة حقائق الأمم المتحدة السالفة. شخصيا اعتقد أن الرقم الحقيقي مضاعف لأرقام الأمم المتحدة، لاستشراء عادتي الكذب والإخفاء لدى الحكومة المرتعبة من الصدق والشفافية، ولشلل أجهزتها الإحصائية والصحية والمتابعية، في ظل نكوصها عن القيام بدورها الوظيفي والتوعوي مما ساهم في التفاعل المجتمعي السلبي أمام انتشار الوباء ومع المصابين به.  ليبياً، وكما سلف، فاغلب إصابات الإيدز مصدرها تعاطي المخدرات بالحقن. هذا يحلينا إلى كارثة خطيرة أخرى، وهي انتشار وباء "تعاطي المخدرات" وممارسة "الجنس الغير الآمن"، والتي تحلينا بدورها إلى أسبابها – إنجازات قذافية- المتمثلة في: تدهور مستويات المعيشة، ارتفاع معدلات الفاقد التعليمي، وصعود مستويات البطالة (أكثر من 30% من القوى العاملة حسب التقديرات الدولية)، وتفاقم ظاهرة "العنوسة" بين الشباب (فتية وفتيات). وكلها في زيادة كنتيجة لبرامج الخصخصة المتهافت لبيع البلاد وتسريح العمالة. تعامي الحكومة فاضح أمام حجم الكارثة المهلك والمدمر للأجيال والموارد

يزيد من تفاقم الأوضاع سلبا وسوءا وجود أعداد ضخمة من المهاجرين الأفارقة، ونسبة كبيرة منهم من حاملي الفيروس/ الإيدز، بحكم قدومهم من مناطق موبوءة حسب التصنيف العالمي، وأن بعضهم منغمس في تعاطي وتجارة المخدرات والبغاء، لان الظروف المعيشية القاسية دفعتهم للقدوم إلى ليبيا لكسب العيش أو كمعبر "ترنزايت" نحو الحلم الأوربي!. ففي سنة 2002، تواردت أخبار عن حملة حكومية ضد المخدرات قادها "الساعدي القذافي"- وهو المتهم مؤخرا بتعاطي منشطات محظورة!- بعد وفاة قريب له بسبب إدمان المخدرات، وتكلم الحملة كان رد فعل أهوج قصير- كأي فعل صحراوي- إضافة لاصطدامها بالحصانة القذافية الممنوحة للتواجد الافريقي في ليبيا. "أحداث مدينة الزاوية صيف 2001" والتي انتشرت لمناطق أخرى، رغم تطرف أحداثها وتضخم ضحاياها من ليبيين وأفارقة، كانت تعبير شعبي عنيف متبرم من أثار الهجرة المنفلتة المتواكبة مع إهمال امني، ولكن تلك الأحداث لم تفلح ولم تتلقي الاستجابة الكافية والكفؤة من الحكومة، مما يظلل التساؤلات عن نية وغرضية الحكومة بمزيد من الشكوك والارتياب.

وفي السياق، وبعد تقصي، فأخر الأخبار من طرابلس، تقول أن حقنة “هيروين" تكلف دينار ونصف ليبي فقط (دولار واحد)، وهوادة السعر تفصح عن أشياء: أولها، توفر المخدر في السوق (السعر يتحدد بالعرض والطلب)، وثانيها، سهولة تهريبه وإدخاله للبلاد، وثالثها تصديق لما يروج من غش المخدر بخلطه بمواد أخرى- أشهرها غبار أنابيب الإضاءة (لمبات) النيون الأبيض، مما يزيد من أخطاره الصحية. ومن الأمثلة، انه بطريق سوق الثلاثاء الجديد (المعروف بالكمرة)، وبكامب (مخيم) الأفارقة بطريق المطار توجد أكواخ يديرها أفارقة ويقصدها المدمنون الليبيون( فتية وفتيات)، حيث يمد المدمن يده عبر شباك الكوخ وفي قبضته دينار ونصف، ليستلم الموزع الافريقي المبلغ ويحقن الزبون الليبي في الوريد بـ"هيروين" مغشوش، وبإبرة حقنة معاد استخدامها. هذا هو مدخل وباء الإيدز الواسع، كما أن ندرة وغلاء الحقن المعقمة هو المشترك بين انتشار الإيدز بين شباب ليبيا المسكين، وبين قضية/ فضيحة "إيدز أطفال بنغازي".

لغة الشارع الليبي تسمي مدمن المخدرات بالحقن أو الشم بـ"المخروم". ومعلوم أن المخدرات المتعاطاة عبر الحقن هي "الهيروين" (أو "Brown" حسب لغة الشارع)، وهو أرخص واخطر إدمانيا من "الكوكايين" ( أو "Powder")، الأغلى والآمن صحة وإدمانا لأنه يشم وخطورة إدمانه أقل جدا، وبذلك فهو مخدر الطبقة الحاكمة والأغنى في حين يكون "الهيروين" المخدر الذي في متناول الطبقات الأفقر. وربما في هذا مبرر أو تفسير!

كيفية تعامل الحكومة مع مدمني المخدرات تنبي بنوعية تفكيرها الجماهيري والمنحصر في المعالجة البوليسية دائما، فمدمني المخدرات في المنطقة الغربية يحتجزون في مركز جماعي في تاجوراء، يقع بجوار مستشفى القلب- وهو نفس المعتقل الذي استخدمته لجان التطهير في حملة اعتقالات 96/1997. هذا الأسلوب من الغلق الجماعي، والممتد لستة أشهر، سيزيد بالضرورة من احتمالية انتقال عدوى الفيروس/ المرض بين المحتجزين بسبب الاحتكاك، وخصوصا أن المعلومات المتسربة تفيد إلى استشراء المعاملة الشرسة والغير إنسانية ضد المحتجزين، وإلى فرض رسوم تبلغ 500 دينار على المدمن في حال العودة- راجع المعلومة السالفة القائلة بأن 49% من متعاطي مخدرات الإبر حاملين أو مصابين بالإيدز.

سبب أخر وراء تفاقم كارثة الإيدز الليبية هو انتشار تجارة الجنس أو الدعارة. ففي نفس طرابلس تمتد أوكار الدعارة على عدد كبيرة من المقاهي والمطاعم وبيوت يديرها قوادون وقوادات. وحسب نفس التقسيم الطبقي، فدعارة الطبقة العليا الحاكمة آمن وأغلى فهي تكلف في حدودها الدنيا 150 دينار لليلة الواحدة، ومركزها الفنادق السلطانية ومقاهي برج "الفاتح العظيم" والاستراحات الأميرية في المصايف والمزارع. أما الدعارة الأوسع انتشارا والأكثر خطورة فهي دعارة بائعات الهوى في "ميدان السويحلي" و" شارع الرشيد" و"طريق الشط" حيث تنخفض الأسعار إلى 10 دنانير للقاء القصير (المعروف بـ Short Time)، وطبعا نسبة كبيرة من أولئك الفتيات (مهاجرات وليبيات) الضحايا هن من حاملات الفيروس أو مصابات بالإيدز أو متعاطيات للمخدرات الحقن.

محاربة الإيدز الليبي
انتشار ومواجهة وباء الإيدز أضحى قضية دولية مقلقة للمجتمع الدولي الرسمي والمدني، فمعدلات ومضاعفات انتشاره تهدد الأمن والاستقرار العالميين لدرجة عقد قمم دولية خاصة وانعقاد مجلس الأمن لمناقشة أموره. ومؤخرا وصف "كوفي عنان" الأمين العام للأمم المتحدة الإيدز بـ" سلاح حقيقي للدمار الشامل"، كما انتقد عنان الزعماء السياسيين في الدول لعدم قيامهم بما يكفي من الجهد لمواجهة المرض القاتل.

وفي المقابل، وفي ليبيا، كيف يمكن توقع إرادة رسمية صادقة وتصور برامج عملية كفؤة لمكافحة الإيدز في دولة يقودها زعيم مخبول مستخف يصف الإيدز وفيروسه، وأمام قمة رؤساء دول القارة الافريقية، القارة الأكثر ابتلاء بالداء، في يوليو 2003: "أما الإيدز هذا مرض مسالم هذا فيروس مسالم جدا غير عدواني ابدا لا تخافوا"، و "كله إيدز إيدز إيدز رعب رعب... يريدون حياتنا جحيم تزوجوا وحبوا وهيصوا وما فيه خوف وهذه كلها دعاية".

كما كيف يمكن المراهنة على ذرة أمل من شخص "سيف الإسلام القذافي"، مؤسس "الجمعية الوطنية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية"، احد جمعيات مؤسسته القذافية، وهو يعتبر- وبدون تخويل رسمي:" أن هذه القضية[ أطفال بنغازي المصابين بالإيدز] لم تعد تمس أمن ليبيا وإنما أصبحت قضية جنائية عادية"، وهو الذي بتدخلاته أوحى للصحافة لتكتب: "أن النظام الليبي ينوي تمييع القضية بهذا التأجيل، وقد تدخل سيف معمر القذافي في القضية وأبدى استعداده للمساعدة في إطلاق سراح المتهمين البلغار، بعد الضغوط الدولية التي تعرض لها والده".

مصائب الشعب الليبي الصابر الصامت كثيرة، وهي متساوية عددا ومتناسبة طرديا مع مقترفات وجرائم القذافي ونظامه. السكوت أو عدم المواجهة المباشرة للشر القذافي المستطير أو محاولات السعي لتخفيف هول الشر هو ضرب من المعالجة الشبيهة في أثرها بفعل المخدرات والهلوسيات في إنساء والتخفيف من ألم المرض، مع تواصل استفحاله كما يستفحل الإيدز.

وهكذا وبالمؤشرات المتوفرة والوقائع الثابتة ففاتك وباء الإيدز في تفاقم مرعب، ولكن الاتفاق على خطورته وتصنيف إهمال معالجته على أنه قتل جماعي متعمد لا يعفي الشرائح المجتمعية من جهد تضامني متكاثف لإنقاذ الوطن من مهدد زاحف، فمواجهة الإيدز لا تعني المصابين به ولا تخص أسرهم فقط، وليست موضوعا سياسيا يهم المعارضين فقط، بل جهد إنساني ووطني يحتاج الجميع، وبالأخص منظمات حقوق الإنسان الليبية- المركزة على مجالات حقوقية دون غيرها. وبنفس أهمية وأولوية القدر يتوجه النظر فالنداء للشريحة الغائبة الأبرز، فئة الأطباء الليبيين- في المهجر على الأخص- وهم الفئة الأقدر، وظيفيا وماديا، بان يبادروا بجهد لإنقاذ الوطن من فاتك الإيدز.

الالتزام الإنساني يدفع للمشاركة إحياء "يوم الإيدز العالمي" بالمساهمة المقتدرة في الجهد العالمي لمحاربة الإيدز، ولكن هذا الالتزام يكون واجبا وطنيا ومسئولية أخلاقية اجتماعية عندما يكون بيتنا الليبي هو المعني. فالوطن المنكوب يقتله صمتنا على الداء اللعين، وهم يظلون أخوة لنا منكوبين يميتهم صمتنا قبل أن يقتلهم الداء اللعين. واللعنة على الإيدز والمخدرات ولكن الأنين أبدا لا يشفي!



#ابراهيم_قراده (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمرد الامازيغية المضطهدة
- اين هم؟ اليوم الدولي للمختفين- 30 اغسطس


المزيد.....




- أهمية فحوصات الأسنان المنتظمة فى اكتشاف المشاكل مبكرًا
- ارتفاع ضغط الدم..ما أسبابه وأعراضه وكيفية علاجه؟
- محكمة العدل الدولية تأمر إسرائيل بسماح دخول المساعدات الغذائ ...
- نصائح لتعزيز إنتاج هرمون السعادة السيروتونين بطرق طبيعية
- -بلومبيرغ-: مصر تخطط لاستيراد الغاز الطبيعي المسال لتجنب الن ...
- السباق على المعادن المهمة يغذي نزاع الهيمنة على أعماق البحار ...
- حافظ على عينيك من العمى بهذه الأطعمة
- موسكو: اتفاق منع استخدام تكنولوجيا المعلومات لأغراض إجرامية ...
- دراستان: النوم الجيد والكافي قد يكون مفتاح الشباب الدائم
- 5 علامات تشير لمشكلة في الرئتين تلزم الذهاب إلى الطبيب


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - ابراهيم قراده - الإيدز: كارثة مزدوجة تنتفخ في رحم المعاناة الليبية