تعمد رئيس الوزراء الاسرائيلي ارئيل شارون تسريب خبر استعداده للقاء احمد قريع حالما انتهى من تشكيل حكومته، وسبق حديث "اسرائيلي" مشابه عن اتصالات على مستويات رفيعة مع الفلسطينيين، بين شاؤول موفاز وزير الحرب الاسرائيلي ووزير المالية الفلسطيني سلام فياض. فالسؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي دفع شارون وأركان ائتلافه اليمين الحاكم لإبداء استعدادهم هذا بدون تذكير ممل بشروطهم المسبقة وهي وقف الانتفاضة وتفكيك البنية التحتية لقوى المقاومة.
لقد أملت على شارون وقيادته هذا التحول التكتيكي في خطابه السياسي مجموعة من العناصر السياسية المحلية والإقليمية التي فرضت نفسها عليه أهمها: صمود الشعب الفلسطيني الباسل باستمراره في مقاومته للاحتلال وتمسكه بحقه بالحرية والاستقلال رغم صعوبة الوضع والمعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال الكولونيالي العنصري مستند للقوة العسكرية المتفوقة لفرد احتلاله، والجميع يتذكر أن شارون وعد "الاسرائيليين" قبل ما يقرب من ثلاثة أعوام انه سينهي انتفاضة الشعب الفلسطيني ويكسر صموده وارادته السياسية خلال مئة يوم، تفاقم المأزق الداخلي الاسرائيلي هو استمرار هيمنة اليمين الصهيوني "التوراتي" الذي يقود ائتلافه شارون.
فلأول مرة في تاريخ "اسرائيل" يقوم ضباط من الطيران وعلى رأسهم العميد شبيكتور بالاحتجاج العلني ويكشفون للرأي العام المحلي والدولي انهم ينفذون عمليات قتل جماعي ضد المدنيين الفلسطينيين، اضافة لحركة ضباط وجنود الاحتياط الذين رفضوا الخدمة في المناطق الفلسطينية المحتلة بما فيهم قائد البحرية في قطاع غزة.
الأمر الذي دفع رئيس الأركان "الاسرائيلي" موشيه يعلون الموصوف بيمينيته المتطرفة لانتقاد المستوى السياسي ان يفرض على الجيش توجيهات مغالية في تطرفه ضد الشعب الفلسطيني وقيادته مما اثر سلبيا على بنية الجيش، وترافق مع هذا الوضع الاقتصادي المتفاقم والتي تتجلى في سلسلة الإضرابات العمالية والعاملة التي طالت جميع المستويات في "اسرائيل" وتراجع نسبة النمو الاقتصادي إلى ما دون الصفر لأول مرة في تاريخ "اسرائيل" رغم الدعم الاقتصادي الأميركي الاستثنائي الذي وصل إلى تسعة مليارات دولار على شكل ضمانات قروض ومليار دولار مساعدة.
وبداية التحرك الشعبي احتجاجا على سياسة الحكومة كما ظهرت في مناسبات عدة، ما تعرضت له سياسة "اسرائيل" من اخفاقات سياسية مؤلمة في الأمم المتحدة عند التصويت خلال شهر واحد على قرارين الأول لمنعها من المساس بالرئيس الفلسطيني عرفات والثاني مطالبة "اسرائيل" بوقف العمل وتفكيك جدار الفصل العنصري الذي التهم وسيلتهم في حال استكماله ثلث أراضي الضفة الغربية ومعظم مياهه الجوفية.
استطلاع الرأي العام لشعوب الاتحاد الأوروبي الذي وضع "اسرائيل" في مقدمة الدول التي تهدد الأمن والسلم العالمي، الأمر الذي اقلق القيادة "الاسرائيلية" كثيرا ولم يخفف من قلقها هذا محاولات التهدئة التي قام بها ممثل المجموعة الأوروبية وقوله ان هذا الاستطلاع لن يؤثر على سياسة المجموعة الأوروبية، والجميع يعرف مغزى مثل هذا الاستطلاع وانعكاسه على سياسة الأحزاب والحكومات والنخب السياسية في دول ديمقراطية وإمكانات توظيفه فلسطينيا وعربيا.
حاول شارون اقناع الرئيس بوتين والحكومة الروسية بعدم المضي بقرارهم لأخذ قرار من مجلس الأمن باعتماد "خارطة الطريق" وتحويلها لقرار للأمم المتحدة، خاصة أنها لم تضمن اعتراضات وتحفظات "اسرائيل" على "خارطة الطريق"، عند عرضها على مجلس الأمن وستبقى "خارطة الطريق" كما أقرتها اللجنة الرباعية، برغم ما تحمله من انتقاص واجحاف في الحقوق الفلسطينية إلا أن شارون يرغب بالتحرر من أية التزامات تفرضها الأمم المتحدة مهما كانت واهية، ويريد المحافظة على أن تبقى أميركا هي المتحكمة في سياسة المنطقة وبخاصة فيما يتعلق بعملية الأمن والسلام فيها.
هذه العوامل وغيرها دفعت شارون لإبداء استعداده للقاء احمد قريع بدون الحديث عن الطريقة "الاسرائيلية" المسبقة المعروفة، مع انه سبق لحكومة باراك العمالية وحتى حكومة شارون أثناء ائتلافه مع بيريز، اجروا اتصالات مع الطرف الفلسطيني بدون شروط مسبقة بوقف الانتفاضة وتفكيك البنى التحتية للمقاومة.
إن علينا أن لا نقع في خطأ الحساب وسوء التقدير السياسي، فالمفاوضات واللقاءات التي لا تستند لإنهاء الاحتلال بكل أشكال وجوده العسكري والاستيطاني لا تخدم سلطات الاحتلال، وأن يدرك أهداف شارون التكتيكية المحضة من الدعوة لهذه اللقاءات وإلا نعطيها أوراقا مجانية.
وشارون يريد الالتفاف على الوقائع ولا يعرض على الفلسطينيين اكثر من معادلة وقف الانتفاضة والمقاومة مقابل تحسين شروط حياة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال مع استمراره في سياسة الاحتلال والاعتقال والاغتيال والاستيطان وبناء جدار الفصل العنصري ومصادرة الأرض وتقطيع أوصالها وتحويلها إلى كانتونات صغيرة ومحصورة، وإعطاء انطباع سياسي خارجي لإنجاح حملة العلاقات العامة الذي يقوم بها شارون.
ويقول للمجتمع الدولي و"الاسرائيلي" بأنه يفاوض الفلسطينيين في حين أن الأمر لا يعدو كونه حملة علاقات فقط، ولهذا من غير المسموح الوقوع في شرك الخداع الشاروني مجددا، فما زالت "اسرائيل" تعتبر أن مقاومة الاحتلال "الاسرائيلي" عمل إرهابي وليست حقا مشروعا للشعب الفلسطيني، ولا تعتبر نفسها قوة احتلال، وترى ان المتغيرات السياسية الدولية والإقليمية وتحالفها الاستراتيجي والأيديولوجي مع أميركا بزعامة بوش الذي يوفر الظرف الملائم لـ"اسرائيل" لفرض مشروعها الكولونيالي الاستعماري على الشعب الفلسطيني وهيمنتها المتزايدة على المنطقة.
/ نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين