أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي ياسين - الابتسامة الأخيرة















المزيد.....

الابتسامة الأخيرة


محمد علي ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 2149 - 2008 / 1 / 3 - 10:55
المحور: الادب والفن
    


ترجمها من الكردية: د.علي حسين المزوري/ كتبها: محمد علي ياسين

كانت الليلة الأخيرة لي هناك، شيئا فشيئا بدأت أحب طهران ، هذه المدينة التي أرعبتني بمبانيها الشاهقة وازدحامها في أول يوم من مجيئي إليها ، بدأت أعتاد على التجول ليلا في شوارعها ومراقبة حركة السيارات والناس. حتى منتصف الليل وبثقة عالية بالنقس كانت الفتيات الجميلات تسير في أرجاء المدينة وكانت ظلالهن تضيع في الشوارع والأزقة الضيقة , مرات ومرات كنت أعشق إحداهن في مخيلتي. حينما كنا أبتعد عن قلب المدينة و أدخل الأماكن الهادئة كنت أشعر بالضيق , الضيقُ ذاته كنت أراه في أعين أهل المدينة. الضحكات التي كانت تنبع من أعماق أولئك الشباب أعطتني اليقين بأني سائر في بلدة ملئة بالسعادة، أحيانا كانت الأبتسامة تشق مجراها عبر شفاهي وكأنها تريد مني أن أشاركهم فرحتهم.
فجأة وجدت نفسيي غارقا في هذه المخيلة والافكار، لم أعد أدري أين أنا، أيقنت أني الآن ضائع ،لم أستطع أن اجد الطريق الذي أتيت منه ، أخذتني الأفكار يمنة ويسرة وهي تبحث عن حل، وأخيرا هُديتُ إلى أن أستقل سيارة أجرة وهي ستتكفل بإيصالي إلى الفندق حيث أنزل.
وصلت إلى حافة الشارع وقطرات المطر التي كانت تنهمر برفق أعطت التربة عبقا ملئ رأسي، هذا العبق الذي ما هو الا إمتداد لأنفاس الذين عاشوا منذ الاف السنين قبلي ومع أولى قطرات المطر عادت أنفاسهم ليتشبع بها صدري .
مرت عدة سيارات كنت أؤشر لها و لكن .....هيهات ما من مجيب!.
بسرعة مبطئة كانمت تتقدم نحوي سيارة من نهاية الطريق تقودها إمرأة، بعين كلها تساؤلات كانت تحدق بي ، رجيت الله في صمت ان تقف لي هذه السيارة ، أشرت بيدي لها ولكن يا للخيبة أدارت وجهها عني وزادت من سرعة المحرك وابتعدت.
لا بأس.. اذهبي.. لا تتوقفي.. ومنذ متى كان يستجاب لرجاء لي ؟! مددت يدي لأخرج علبة السكائر من جيبي لكن أضواء سيارة كانت ترجع للخلف جعلتني أتريث ، نعم إنها ذات السيارة و الامرأة ذاتها، يبدو أنها عطفت علي ، كلمتني من شباك الباب وبخفة دم أهل المدينة المعهودة قالت لي:
-اركب وإلا أصبحت كقطعة أسفنج تحت هذا المطر.
ركبت، كانت امرأة في الثلاثينيات من العمر ، وجة جميل ، عينان سوداويتان وحواجب كأنها مرسومة بالقلم، لكن التجاعيد التي قد بدأت تمد خطاها عبر وجهها كانت تشير إلى مرارة عيش وقسوة أيام.
- إلى أين تريد أن تذهب ؟
- فندق رازي.
- لكن هذا الفندق قريب ،كنت تستطيع أن تذهبا مشيا بدلا من الأنتظار تحت المطر.
- لا أعرف أين هو لقد أضعت الطريق.
- من اين أتيت ؟ أين تسكن؟
- أنا كوردي، وأسكن في كردستان.
- آآها.. إذا أنت من مهاباد أو سنه.
- لا أنا من كردستان العراق.
- وماذا تفعل هنا؟
- لدي عمل هنا.
- حاول أن تنهي عملك بسرعة وأذهب من هنا.
- ولماذا؟
بابتسامة باردة نظرت إلي من طرف عينها وبقلب ممتلئ قالت :
- أنت لست من سكان طهران وأنت لا تعرف الكثير من الأشياء التي تحدث هنا لأنك لا تراها، إن لم تغادر بسرعة سيلحقك الأذى، مثل الكثير من الشباب هنا ستُـقتادُ نحو الهلاك، سوف تُـكسر، سوف تُـحرق, سوف يقتلونك ثم يحيونك آلاف المرات، سوف يغيرونك، سوف تصبح كذابا، لصا، بلا ضمير، سوف يجعلونك تخسر إنسانيتك.
بعد هذه الكلمات بدأت الدموع تنهمر من عينيها، يبدو أنها تذكرت شيئا محزنا، التزمت الصمت إحتراما لمشاعرها.
وصلنا إلى تقاطع الطريق، وحيث كانت إشارة المرور حمراء توقفت السيارة ، امرأة عجوز كانت تنتقل من شباك سيارة إلى أخرى وفي يدها علب سكائر أثارت انتباهي ، كنت أريد أن أقول شيئا لكنها لم تعطني الفرصة وسبقتني قائلة:
- يبدو أنك حزين لحال هذه العجوز ، أليس كذلك ؟
أدرت وجهي عن العجوز ناظرا إلى المرأة السائقة وقلت:
- يشعر بالحزن أي إنسان حين يرى مثل هذه المشاهد الله وحده يعلم كم تتحمل هذه العجوز من المشاق لأجل لقمة العيش، انظري تحت هذه المطر تنتقل من نافذة سيارة إلى أخرى ربما فقط لتأمن عشاء اللليلة.
أصبحت إشارة المرور حمراء وتحركت السيارة، ذات االأبتسامة الباردة مرة أخرى رسمت على شفاهها.
- قلت لك هناك الكثيبر من الأشياء التي لا تراها ولا تستطيع أن تراها بسهولة هنا.
- مثل ماذا ؟
- مثل هذه العجوز ، لأأن تتظن أنها تبيع السكائر ، لقد أثارت أستعطافك أليس كذلك ؟
- فماذا إذا ؟
- هذه العجوز تبيع الهيرووين وفي كل يوم تؤدي بمئات الأشخاص الذين الذين مثلك إلى الهلاك، كن حزينا على نفسك لا عليها.
ساد الصمت بيننا لبعض الوقت ثم استردت سائلا:
- لماذا تعملين كسائقة سيارة أجرة ؟
- ماذا هل أثرت شجيتك أنا ايضا؟
- لا أدري، ربما
- إنني أعمل لكي اوفر لقمة العيش لأولادي.
- ماذا ، أنت أيضا تبيعين الهيرووين؟
بصوت ضاحك قالت:
جيد، بدأت تفكر بالطريقة الصحيحة التي يجب أن تفكر بها هنا ، حسنا ليكن ظنك فيَّ كما تشاء.
- وماذا يعمل زوجك ؟
- ليس لديَّ زوج .
- هل مات؟
- لا أدري لكنه بالنسبة لي مات منذ زمن طويل.
أحسست أن مزاجها تعكر وأحاطت بها هالة من الحزن.
- أمثال هذه العجوز جعلوني أخسر زوجي، ذلك الشخص الذي أحببتة أكثر من أي شئ في الدنيا، أتريد أن تعرف كيف؟ كان مثلك يعطف عليهم ويثق بهم فاستخلوه وجعلوه مدمن هيرووين، في البداية كا نفقط يعود متأخرا إلى المنزل. في ليلة ركعت أمام ركبتيه، ترجيته: أن يكف إن لم يكن من أجلك فلأجلي ولأاجل أولادنا. في تلك الليلة وعدني أن يترك الهيرووين وأولئك الأشخاص، في اليوم التالي طهيت له ما يحب من طعام، انتظرته، بقيت أنتظره الليل كله لكنه لم يأتي لا في تلك الليلة ولا في الليالي التي تلتها، لا أدري كم مضى من الوقت ربما شهر او أكثر بعدها في ليلة عاد إلى المنزل، كان قد تغير كثيرا، لم يبقى من جسده سوى عظام يكسوه جلد، عينان غائرتان يحيطهما السواد في وجه أصفر لم يكن وجه ذلك الشخص الذي عرفته وأحببته من كل قلبي.
لم يحدث سابقا بيننا أي شجار إلا في تلك الليلة، تشاجرنا وانهال عليَّ ضربا، من بعدها تفرقنا، رفعت في المجكمة قضية أطالب فيها حضانة أولادي، حكمت المحكمة لصالحي لأنه ما كان يستطيع أن يريبهم،ومنذ ذلك الوقت وأنا أسكن مع أولادي في بيت أختي وزوجها، جزاهم الله عنا كل خير، قد أغمروني بفضائلهم، في الصباح حين أكون في العمل أختي ترعى أولادي ، إنها هي أمهم الحقيقية.
- أتعملين عملا آخر؟
- هذه السيارة ليست لي، أنا فقط أعمل عليها في الليل، أنا موظفة في إحدى دوائر هذه الجمهورية الأسلامية ومدريها هو أحد أولئك الملتحين الذين لحاهم تسبق خطاهم، أتقاضى جزاه فقط 100000 تيمن ، ,إذا أعطي الفرصة لمديري وأستجيب لرغباته فيضاجعني في اليوم ثلاث مرات.
تعكر صفوي ، كلماتها أثرن شجيت، وصلنا إلى باب الفندق، نظرت إلى عداد الأجرة، لكنها بسرعة وضعت يدها فوقه ومنعتني من مشاهدة ثمن الأجرة:
- لن آخذ منك نقودا, لقد أعطيتني ما هو أثمن من النقود، أعطيتني أذنا ضاغية، وفوق هذا أنت ضيف وأنا لا اخذ الأجرة من الضيوف.
نغمة صوتها المليئة بالحنان والصدق والتقدير للصحبة جعلتني لا أجد مفرا من أن أنزل من عير أن أدفع الاجرة، فقط تشكرتها.
ابتسمت في وجهي ابتسانة كلها أحاديث ومعاني، بقيت واقفا حتى تلاشى طيف السيارة لكن ابتسامتها الأخير بقيت أمام ناظري, لم تكن ابتسامة عابرة، كان يقشعر لها جسدي، قلب كان يدق بسرعة، صوتها بقي يرن في أذنيّ.
دخلت الغرفة التي كنت أستقل في الفندق، لكن عيناها ووجها وابيتسامتها اشياء لم يقارقنني الليل كله حتى في منامي.
في الصباح حين أستيقظت من النوم لا ادري لماذا أحسست برغية في فتح جهاز التلفاز مع أنه لم يكن بشكل جيد وصوته كان منخفضا، أدرت المحطة على ربنامج الصباح، كان يعرض حادث مرور، نعم إنها ذات السيارة التي اوصلتني البارحة، في أسفل الشاشة كان قد كتب: في الساعة 3:30 صباحا حصل حادث لهذه السيارة على الطريق الرئيسي طهران كرج على أثرع توفيت سائقة هذه السيارة.



#محمد_علي_ياسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي ياسين - الابتسامة الأخيرة