أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دهلكي - الصباح الواحد بعد الخمسون














المزيد.....

الصباح الواحد بعد الخمسون


علي دهلكي

الحوار المتمدن-العدد: 2137 - 2007 / 12 / 22 - 09:22
المحور: الادب والفن
    



بعض النقاط الساخنة على وجهي ايقظتني من نوم عميق كنت غاطاً به من ليلة امس .. آه ليلة أمس لقد اتعبتني ليلة امس كما الليالي الخمسون اللاتي مررن قبلها .. فلقد جعلتني الافتتاحية الموسيقة التي كلفتني كلية الفنون الجميلة بتأليفها لمناسبة احتفالية التخرج في كليتنا اسهر الليل بطوله ، فالجميع ينتظر من بتهوفن ان يقدم لهم اروع ما تجود به مخيلته .. لكن ( بتهوفن ) لم يكتب اي شيء ، قطعاً هذا ليس اسمي لكنه اللقب الذي اطلقوه زملائي عليّ في الكلية .. فأنا حين اتحدث عما أؤلفه استشهد دائما بوحي الموسيقى الذي كان ينزل على بتهوفن فهذا الوحي كان يلهم بتهوفن المقاطع الموسيقية التي تتألف منها سمفونياته حتى والصمم قد أطبق على سمعه .
لكن الوحي يأبى إلا الانقطاع هذه الايام ..
حرِّكت عيني نحو مصدر الحرارة التي كانت تسقط على وجهي فذا باشعة الشمس تتلالئ في عيني .. قفزت من على السرير ونهضت نحو الحمام مسرعاً ، انه آخر يوم من موعد تسليم اوراق الافتتاحية .. يجب ان اسرع الى الكلية على الاقل لاقدم اعتذاري على عدم كتابة أي شيء ، فغداً تبدأ البروفات ..
ارتديت ثيابي وخرجت مسرعاً نحو الشارع بإنتظار سيارة تقلني الى الكلية .. أنتظرت فترة قصيرة في الشارع لكن صبري نفد سريعاً والباص لم يأت .. ( الكيا ) إنها الحل الامثل للوصول السريع ، أومأت الى السائق بيدي فتوقف وركبت بجواره وانطلقنا نتسابق مع الريح .

التفكير بالقطعة الموسيقة وعدم كتابة شي منها شكلا في نفسي جواً من الحزن والتشاؤم بقيت ادور فيه وأنا متوجه الى الكلية لكن رغم ذلك الجو الحزين الذي كنت اعيشه وغمامة التشاؤم التي كانت تحوم حول أفكاري إلا أنني شعرت ان هناك بصيص فكرة كان يحاول الخروج من بين كل عتمة الافكار تلك .
وصلت ( الكيا ) الى التقاطع الذي يجب ان انزل عنده للذهاب الى كلية الفنون الجميلة ، ترجلت من السيارة وخطوت نحو باب الكلية لكنني شعرت بأن شيء ما يحمل قدمي للأبتعاد عن الكلية ، ومن غير شعور رأيت نفسي أسير متوجهاً نحو جسر الصرافية .
واصلت المسير حتى ضفاف نهر دجلة وذلك البصيص مازال يلازمني كأنه يحاول أن يرسم لي صورة ما .. لكنها ما تزال ضبابية المعالم .
جلست على ضفاف دجلة انظر الى الرافعات التي تصارع المياه محاولة إخراج الهياكل الحديدية لجسر الصرافية الذي هوى الى أعماق النهر ولم تبقى منه سوى أطلال .
هذا الجسر كم هو عظيم ، فما زال يمد يديه ليظم كرخ بغداد الى رصافتها رغم فقدانه لساعديه . شدني منظر احدى الهياكل الحديدية وهي تخرج من الماء محمولة من قبل رافعتين ، لقد اجهدت الرافعات العملاقة رغم صغر حجمها .
الصورة التي يشكلها انفراج بصيص الفكرة في مخيلتي ما زال يلّح عليّ ، تتجمع اطراف الصورة وتتمحور حول شيء لم تتضح معالمه الى الان .
الهيل الحديدي يرتفع الى الاعلى لكن نتوءاته وامتدادات الاوصال الحديدة ما زالت تغوص في الماء كأنها تتشبث بأمواج المياه وتخجل الخروج الى العراء .. قطعة الحديد هذه تجاهد الرافعات كأنهن يحاولن تجريدها من الثياب وأغتصاب عذريتها ..
بدأت ااحلّق مع الصورة التي تشكلت في ذهني فصفاء الجو ومنظر النهر وكومة الخردة هذه دفعتني نحو زيادة التركيز .
مازالت كومة الخردة هذه تأبى الخروج من مكانها كأنها تحاول إخفاء سر الايام التي توالت عليها والاحتفاظ بآثار الاقدام التي وطأتها ، كم هي أمينة قطعة الخردة هذه على ما تختزنه من تاريخ بغداد ..
في هذه اللحظة اضاءت الصورة التي تشكلت في مخيلتي ، ياإلهي وجدتها .. تتابعت الافكار في نسق عجيب وتوالت الحروف الموسيقية :
( دو ، ري ي ، فااا ، صووو .. )
ها هو السلم الموسيقي للمقطوعة يمتد أمامي فأضع قدمي على أول درجة فيه ، والثانية تأتي ، وارتقي ..
وفي هذه الاثناء ، صوت غير متناسق يدوي من بعيد ، ضربات هوائية تنشز من السلم الموسيقي .
أحاول ان استرسل في الصعود بالسلم الموسيقي وارتب نغمات المقطوعة لكن هذا الصوت الشاذ يشدني الى الوراء ويعود بي الى اول السلم .. الصوت يزداد قوة وازداد اصرارا على تسلق السلم ، ذبذبات الصوت تنقر في رأسي كأنني داخل ناقوس , لكنني ما ازال احاول الامساك بتوليفة المقطوعة ، الصوت يهزّ الارض تحت قدمي .. هنا بدأت قواي بالخوار فرفعت رأسي ونضرت الى أعلى فاذا بهيكل طائرة الهليكوبتر يحلق فوق رأسي مازلت اتوسل النوطات ان تبقى بالترتيب الذي صففتهن فيه ، ضغطت بيدي على رأسي بشدة محاولا ان امنع الافكار من الهرب والانفلات من السلسلة التي قيدتها بها لكن صوت الطائرة مازال يهوي بضرباته فوق رأسي كعصي طبل مجنونة .
الطائرة تتبعها ثانية .. الصورة تتلاشى خلف ضباب الاصوات المتنافرة ، نهضت واقفا كالمصدوم وعيناي معلقتان بالطائرتين وهما تبعدان .. اتوسل الى مخيلتي كي تعيد تركيب صورة السلم الموسيقي ، اطوف بين بقايا افكاري علّي استطيع جمع ما تناثر منها ، وبلا وعي مددت يدي نحو الطائرتين كأني استجديهما .
شدّ انتباهي صوت دوي سقوط شيء في الماء التفت نحو النهر واذا برذاذ الماء المتطاير من شدة الارتطام يبلل وجهي فأنتفظ من غفوتي وامعن النظر من جديد في النهر لأرى قطعة الحديد وهي تفلت نفسها من الرافعتين وتغوص في أعماق النهر محتضنة مياهه .
ما زال رذاذ الماء المتطاير يحتظن خداي ويرجهما كأنه يحاول افاقتي من غيبوبة وبنسمة هواء هبت من بين نخيل الرصافة اخذتني ارتعاشة برد احسست معها ببصيص شعاع يخرج من ركام افكاري ويعيد رسم صورة السلم الموسيقي للمقطوعة من جديد .
هذه المرة معالم السلم تتسارع في الوضوح حتى تصل الى آخر درجة من درجات السلم الموسيقي فصحت بأعلى صوتي ويداي ترتفع وتهبط في الهواء متمثلا دور( المايسترو) أمام فرقة موسيقية ماسكا بعصاي واربت على حامل الاوراق أمامي معلناً عن بدأ اللحن الذي ستقدمه الفرقة الموسيقية .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- قطر تعزز حماية الملكية الفكرية لجذب الاستثمارات النوعية
- فيلم -ساحر الكرملين-.. الممثل البريطاني جود تدرّب على رياضة ...
- إبراهيم زولي يقدّم -ما وراء الأغلفة-: ثلاثون عملاً خالداً يع ...
- النسخة الروسية من رواية -الشوك والقرنفل- تصف السنوار بـ-جنرا ...
- حين استمعت إلى همهمات الصخور
- تكريم انتشال التميمي بمنحه جائزة - لاهاي- للسينما
- سعد الدين شاهين شاعرا للأطفال
- -جوايا اكتشاف-.. إطلاق أغنية فيلم -ضي- بصوت -الكينج- محمد من ...
- رشيد بنزين والوجه الإنساني للضحايا: القراءة فعل مقاومة والمُ ...
- فيلم -ساحر الكرملين-...الممثل البريطاني جود لو لم يخشَ -عواق ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دهلكي - الصباح الواحد بعد الخمسون