أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحمن النجار - معبد سركون















المزيد.....

معبد سركون


رحمن النجار

الحوار المتمدن-العدد: 2126 - 2007 / 12 / 11 - 08:29
المحور: الادب والفن
    



...ما يخبزهُ المعبد طوال الليل
يتناوله العباد عند الصباح.

" أسطورة إلهة العشق أنانا"

... عيشي
إستقطاع من الموت.

أن تتلاشى
تلك فرصة الفرص.

" أوجين مونتالي"

... هو قدر الشاعر:
سهر /العابد/ و المعبد , و خبز اللغة يقدم حارا على طاولة صباح العالم.
هكذا قدر يليق بشعرية سركون بولص.
... هو عيشه، هذا الإستقطاع المرير و المديد من الموت.
كان اكثرنا دراية بالعيش عبر التلاشي و الإختفاء، بالقصيدة و بالموت.


... خلال عيشه، عند خرس عالمنا هذا و رضاه الخدر، يتطلعُ بين الحين و الآخر نحو مدخل محتمل لقصيده، يرى الى زاويا عيشنا، علّ حرب الأشباح أفضت الى كيانات بملامح، يواصلُ مجانبته لتلك التبويبات مثل أضابير دائرة نفوس لأجيال الشعر و الشعراء، لأن الشعر، و على ضوء ما تراه قصيدته، اقرب ما يكون عدّاء بريد عبر أزمنة. و اللغة ابتدأت مغامرتها الوحيدة شعراً، إشارات خام توازي روحا سريّة، حنين نحو كسل ٍ بدائي، سكون غامض بحدٍ خطره:

- ضع حرفا كشاهدة قبر
- ضع خطوة عيش آدمي مقابل كل شعور غامض في هذا الروح السري للعالم.
- ضع خطوة اخرى بعد افول المهرجان.
لأن الكلمات كواكب في حالة تعدين بيننا.
لأن العالم اسكافي/ اسكافي كركوك و مساميره المرّه/ يحلم بخطوة افضل.
الشاعر الآن و الشاعر الأقدم، على ضوء ما تراه قصيدة سركون، مازالا يعالجان كيفية الإمساك باللغة و هي في طريق عودتها نحو الينابيع كجرار عطشه.
احدهم يسلم صحافة روحه للاخر، قائلا:
- خذ الوثيقة، سارع، فالأمر متروك لك الآن، قد فعلت ما بوسعي/عبر طاقة الأنين/ لتدمير زهرة الفيزياء و الكيمياء في الجسد و لم ابق لك سوى طاقة الروح السري في تماه تام مع الوقت و الرب، خذ الوثيقة، خذ الروح. الوثيقة و الروح انما هما /الأول و التالي/ عبر الأزمنة، الأبقى لمن يبحث عنهما.
الشاعر الآن و الشاعر الأكثر قدما، على ضوء ما تراه قصيدة سركون، ما زالا يؤكدان:
_ ان تكتب
ان تهاجم و انت في حالة صحو لغة ثمله.
هي ذات الكينونه في حياة الغابة و الحيوان، من يهاجم الآخر، من اليقظ المهاجم و من هي الطريده الثملة من الهرب بين اهوال الدروب؟

الشعر لدى سركون بولص هو وصول، عبور، كشف بضوء الفانوس عن مغامرة عقل بدائي لصنع فأس لغويه، يقشط بها ما ترسب من تضغنات على أصلية التمثال الأول لوجودنا.
- ثمة ذاكرة مريره!
والكشف بضوء فانوس لهو أجدى و اشد سطوعا من غروب سماوي.

الشعر لدى سركون، هو العوده نحو مملكة الأشياء المفقودة المتروكة الضالة المحببه.

الشعر على ضوء ما تراه قصيدته، كشف و تحرر من السلطه بكل تجلياتها في اللحظة التاريخيه و التي هي ذاتها لحظة العيش ، لأنه ما من توارثات جينيه، مذهبيه، قبليه أو مهنيه في الشعر. ثمة توارثات في الإنتماء لهذا السعي في الوصول الى المعنى الأعمق، الى الإشاره، الى ماهية اللحظة التي توترت بين اليد المفكرة الخالقه و طين الخلق عبر الأزمنه.

- ذلك لأن في الأصل ما من ماضٍ لقصيدة محتمله!


اللحظة الشعرية تتفتح على الدوام مثل برعم بري في غابة قصيّة، بلا رعاية، بعيداً عن أية عين. لها هذا التماس الشديد مع الأبديه عبر الأزمنه.
تفتح البرعم أو اللحظة الشعرية إنما حادثة عشق بري، تمتص الطبيعة الخام نحو قلبها بلا علوم، بل بإشارات، لأن لها تلك السلالة القوية الهائمة من الماضي.
الشاعر يحسدُ قوة الأشياء الفطرية غير الواعية، لأنها تتحقق في الخارج في الطبيعة دونما تردد، دونما وعي:

- بإمكان السماء ان تثلج في آب!

لكن الماضي بالنسبة للشاعر أشياء قد تحققت لكنها ليست فطرية ذلك لأن للماضي البشري فحوى إنسانية. بهذا فإن عالم الشاعر غير مؤكد، متغير مثل خربشات ليليه.
اللحظة الشعرية هي حرية الشاعر التي من خلالها يرى العالم بحالة إنخطاف و تغير، عالم بحالة سحرية قابلة للتشكيل مثل طين الخلق.
عين الشاعر الفطريه، لحظته الشعريه توازي طبيعة تتحقق على الدوام. و هنا:
- بإمكان سماء الشاعر ان تثلج في آب.
سماء قصيدة سركون كانت حره في انفعالاتها عبر الفصول و عبر الأزمنه، عبر عيشه وانقطاعه، ذلك لأن لها سلالة قوية هائمه من الماضي و الوعي العميق به.
الم يكن هو الذي قال أن الشاعر كائن بدائي له معرفة عميقة بالأشياء؟


أن تُدعى الى الليلة الكبيرة و ترى الى رقص الدراويش لا ينجيك من العدوى
لأن في لحظة ما لا تدري كيف لحمى الرقص أن تأخذ بيدك،تطيح بك على ارضيتها.
شعرية سركون بولص إختلاط عذب، مرير مثل ليلة دراويش كبيرة، الرقص و الراقص، الموشح و الوشّاح، الإلهي و البشري في انسجام.
أدرك سركون و منذ البدايه ان الكتابه انما عيش و انقطاع و عزله و حالة المرء المتلقي هي الأخرى هوى وانقطاع و عزلة، لذلك عليهما معا ان يندمجا في لحظة مقتطعة من سربلة الوعي المعتاد، اندماج في الرثم و المعنى و الجو المشحون و ما اقرب لتلك الحالة سوى الرقص مع الدرويش... انما هارموني.


بإمكان المرء أن يهتدي الى عقله
مثلما تهتدي حين تعود الى غرفتك الى المفاتيح و زر المصباح
لكن كم من الجياد عليها أن تقود عربتكَ نحو الجنون؟

اختيار عدد الجياد و الطريق و الحوذي دليل على الحياة
مثل رغبة تعزفُ كاملة
مثل سهم مضيء منطلق
مثل عين شرسة.
كان سركون قد أختار جياده و الطريق وحوذياً كان في الأصل بوصلة قبطان أعمى.
و قد أدرك أن شكل و محتوى العيش يحدد شكل و محتوى القصيدة، لايمكن لأحدهما التعويل أو الاختفاء خلف الآخر مثلما لا يمكن التفريق بين الرقص و الراقص، البشري و الإلهي، تواز ضروري يقود في النهاية الى حالة تماهي مثلما الزوج و الزوجة بعد عيش طويل كالأبد، يشبهان بعضهما البعض كتوأم.
على الشاعر أن يضع كلمة مقابل كل شعور غامض و يحافظ على ما للكلمة من سرّية بهذا فالقصيدة في حديقة سركون لا تأتي من وهم أو تصعيدات رومانسية عالية بل هو هذا التناسق الضروري من أجل إغواء المعنى المستتر أن يكشف عن نفسه مثل مروض جياد حاذق أو معرض ضوء يتبدى فيه المشهد الإنساني برمته.


لا بد لحلمٍ باحث عن ضالته بين معابد غريقة، بين خواتم أرباب سومر و مسامير إسكافي كركوك المُرّة، لا بد لهُ أن يتبع كأساً طافية بين يديه نحو عواء مدينة كينسبرغ مروراً بحوانيت الليل المريضة، شوارع هرمة، أجناس بشرية و رقص ، ملصقات أعمدة مترو و هواء أرخبيلات ممزقة. أدراج تُخفي نساء بعيون ساحرة خلف بيبان زرقاء في ميناء يوناني.
لابد لهكذا حلم في نهاية كل رحلة أن يأخذ حماماً ساخناً في حمامات الأزمنه، تلك التصالحات التي لا تهدأ بين الوقت و التاريخ، بين الله و الرغبه، لا بد لهكذا حلم ان يفرك جلده بكمشة حروف و /فوارز/ مثل /طيور النورس بين أشرعة السفن/.

لا بد لهكذا حلم أن يرتقي مدرجاً أثرياً
علّ تعويذة أو و صفة صلاة قديمة سقطت سهواً من يد عابد منذ طوفانات.
لا بد لهكذا حالم أن يمتهن العطش كصحارى و الارتواء أزمنة و صلوات.


التراب في حديقة العائلة شخصي، زهور و شتلات، طابو العائلة عبر أجيال.
بيد أن هواء و أمطار
ربما حميميه!
تدفع بالحدائق سراً نحو الجميع مثل رعاة و قطعان ماشية:
- لا داعي لأن نتواعد، سنلتقي أبداً مادمنا ندفعُ بالماشية عبر المسالك و الشعاب! هكذا كانت اغنية رعاة البقر في امريكا.
لا داعي للمواعيد أو الأجوبة لأننا سنلتقي مادمنا ندفعُ بالأسئلة عبر أرحام و ولادات.
هكذا نلتقي دائماً
دموزي و عشيقته
نحن وهذا الوله مثل كأس نبيذ عُتق بمحبة كاهن قديم
حديقة سركون الشعرية و من يقصدها
هكذا سنلتقي:
سركون لم يمت انما بهتت لديه زهرة الكيمياء و ضاع من خنصره خاتم الفيزياء، بقيت الروح، بقيت الجمره
سيعود الينا بكلماته عبر عتبة البيت، عندما بغداد تعتذر و تغير اسمها الى مدينة اين!
انذاك سيحسدنا العالم في حبنا لسركون مثل الروسي في حبه لبوشكين.

بائع الشاي في مقهى الجُباة في باب المعظم يعتقد أن أفضل كأس شاي ينبغي أن يكون:
حاراً، دبقاً و بخيط مرار.
حديقة سركون بولص شخصية جداً فيها زهوره تنمو بعذاب عاقل و جميل تمجدُ خيط المرار تلك القوة الدافعة،
أنساغ أشجاره أوردة و شرايين. لأن الكلمة قواعد، مفاعيل و ضمير حي يتفتح عبر ليل يتكوم على معبد وحيد، عذابات و حلم.
يعرف أن الدورة الدموية داخل الكائنات ولادات دائمة و الولادة ألم، عليه أن يموت في أروقة الدورة الدموية للقصيدة كي يرى الرب.
يعرفُ مثل صائغ او غطاس عماني أن ذرة الرمل تؤرق عيش حيوان المحّار، لكنهُ يعرف أيضاً
أن كل مقاومة
كل ألم
إنما لؤلؤة.
عابد على ضياء خافتة و بأدوات عشاء بسيطة، يعدّ لصلاة،
صلاة حارة و دبقة و بمسحة مرارة يدفعها سراً نحو دروب مثل كأس بشرية يشرب منها الجنود و الموتى.
و كلما أكمل كلمة صب عليها خمسة غرامات ضوء فانوس في ليل الذئاب كي ترى و يراها الآخر و يتدفئان.

الآن فإن إسكافي كركوك و مساميره المرّة كائن عالمي يصلحُ ما تخربهُ خطواتنا على الأحذية.

إن لم يُقدر لسركون أن يُصبح شاعراً
فأن بمقدوره أن يُصبح قديساً
لطالما عويل الطبيعة في أسرّة الشتاء يبعثُ على رحمة الربيع.
لكن ما الفرق بين شاعر و قديس
أيها الأجنبي الجميل بطاقية إخفاء و محبس في خنصر رب سومري أو سماوي.



#رحمن_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحمن النجار - معبد سركون